أزمة نقص السيولة تعصف بالنظام المصرفي في غزة
تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT
تواجه غزة نقصًا نقديًا كبيرًا مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل مع استمرار ظهور آثار الصراع المدمر بين إسرائيل وحماس، حيث ترك تدمير النظام المصرفي في المنطقة السكان يعانون من محدودية الوصول إلى الأموال الأساسية، مما أعاق قدرتهم على شراء المؤن الأساسية.
وفقًا لتقرير بلومبرج، أدى الصراع المستمر إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية في جميع أنحاء غزة، وكان النظام المصرفي أحد الضحايا الرئيسيين.
وأثر عدم القدرة على الوصول إلى الأموال النقدية بشدة على الحياة اليومية للمدنيين، مما أجبر الكثيرين على الوقوف في طوابير طويلة أمام مكاتب صرف العملات بحثًا عن الأموال التي هم في أمس الحاجة إليها.
هبة الحلو، فلسطينية تبلغ من العمر 28 عامًا وتقيم في مأوى مؤقت في رفح، تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الكثيرون في غزة.
على الرغم من تزايد توافر المساعدات والمؤن، لا يزال نقص الأموال النقدية يشكل عائقًا كبيرًا أمام الوصول إلى الضروريات الأساسية. إن غياب البنوك العاملة ومحلات العملة المغلقة ترك السكان يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم المالية.
وقد أدى الصراع، الذي اندلع في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر، إلى نزوح ودمار واسع النطاق في غزة.
ومع تدمير المناطق الحضرية وفقدان الآلاف من الأرواح، تستمر الأزمة الإنسانية في التفاقم. واستهدفت العمليات العسكرية الإسرائيلية البنية التحتية الرئيسية، بما في ذلك البنوك وأجهزة الصراف الآلي، مما أدى إلى تفاقم النقص النقدي في المنطقة.
وقد سمح انسحاب القوات البرية الإسرائيلية مؤخرا من بعض المناطق بتدفق المساعدات الإنسانية، حيث دخل عدد قياسي من الشاحنات إلى غزة في يوم واحد.
ومع ذلك، فإن الطلب على الإمدادات يتجاوز بكثير الموارد المتاحة، مما يترك العديد من سكان غزة غير قادرين على الوصول إلى السلع الأساسية.
وأصدرت الأمم المتحدة تحذيرات من مجاعة وشيكة، حيث يتعرض عشرات الآلاف من الأشخاص لخطر المجاعة.
وأجبر تدمير البنوك وأجهزة الصراف الآلي السكان على الاعتماد على وسائل بديلة للحصول على النقد، وغالباً ما يلجأون إلى الرسوم الباهظة التي يفرضها تجار العملة. ومع غياب التنظيم والرقابة، أصبح التربح متفشياً، مما أدى إلى تفاقم الصعوبات المالية التي يواجهها سكان غزة.
ويقدر البنك الدولي والأمم المتحدة أن تكلفة الدمار في غزة تصل إلى مليارات الدولارات، مما يؤكد حجم الأزمة. ومع استمرار معاناة المدنيين من عواقب النزاع، تظل الحاجة الملحة للمساعدة الإنسانية والدعم أمراً بالغ الأهمية.
باختصار، فإن صراع غزة مع النقص النقدي وسط تدمير نظامها المصرفي يسلط الضوء على الأزمة الإنسانية العميقة التي تتكشف في المنطقة.
ومع تعرض الأرواح للخطر وتضاؤل الموارد، هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من معاناة سكان غزة وتمهيد الطريق للتعافي والاستقرار على المدى الطويل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الوصول إلى فی غزة
إقرأ أيضاً:
تدمير الأراضي في غزة.. ضربة قاسية في خاصرة المزارعين
لم يسبق أن تعرض المزارع عامر مسلم ذو الستة والأربعين عامًا، لصدمة نفسية وخسارة مادية أعمق وأشد من تلك التي تسببت بها الحرب على قطاع غزة، وأدت إلى تجريف مزرعة الفراولة التي تبلغ مساحتها عشرات الدونمات وبلغت تكلفتها أكثر من 100 ألاف دولار أمريكي، لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بتدمير المزرعة والمنازل والسيارات والجرافات الزراعية التي يمتلكها مسلم بل قام الاحتلال الإسرائيلي بالسيطرة على الأرض الزراعية بالكامل شمال بيت لاهيا.
منذ عشرات السنين ومزارعو منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزه يزرعون الفراولة التي يتم تصديرها إلى معظم دول العالم، من منطقة قريبة من أرضه، وبشكل حذر أخذ ينظر مسلم إلى دبابات الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة في مكان المزرعة وبقلب مليء بالحسرة عبَّر عن حزنه قائلًا: "لم أر في حياتي أقسى من هذا المشهد الذي رأيت فيه أرضي ومزرعتي وشقاء عمري بتحول إلى خراب، تعرضت الأرض للتجريف في السنوات السابقة لكنني رغم ذلك كنت أقوم بزراعتها وترميمها بشكل سريع، لكن هذه الحرب قضت على الأخضر واليابس ولم تبق لنا شيئا، للعام الثاني على التوالي مُنعنا من الوصول إلى أراضينا وزراعتها ويبدو أن الاحتلال الإسرائيلي عازم على البقاء فيها، أشعر أن قطعة من قلبي قد سُلبت مني، لقد تحولت حياتي إلى جحيم ".
توقف الكلام وأصبح العجز سيد الموقف، لقد تحولت حياة هذا المزارع إلى جحيم بعد أن فقد مزرعته التي كانت كما قال تدر دخلاً على أسرته المكونة من 12 فردًا، إلى جانب عشرات العمال الآخرين الذين كانوا يفتحون بيوتًا وينفقون عليها من رواتبهم الشهرية مقابل عملهم في المزرعة.
صمت الرجل لوهلة، ثم تنهد بحزن قبل أن يضيف: "خسرت آلاف الدولارات، وحجم خسائري بلغ أكثر من 100 ألف دولار، لقد أُثقل كاهلي بديون تبلغ 40 ألف دولار لتجار الأسمدة والأدوية الزراعية، بالتأكيد سأواجه أكبر مأساة في حياتي، فالأزمة المالية التي أتعرض لها ستمتد إلى سنوات، في ظل غياب أي أفق لتقديم تعويضات عاجلة لي وللمزارعين من جراء الدمار الذي حل بنا، قمنا بمناشدة وزارعة الزراعة من أجل مساعدتنا وتعويضنا عن الضرر الذي لحق بنا ولكن للأسف حتى اللحظة لم نتلق أي دعم مادي أو معنوي لمساعدتنا".
يشعر مسلم بمرارة مضاعفة، ليس فقط بسبب فقدانه مصدر رزقه، بل أيضاً لتجاهل الجهات المختصة لمحنته ومحنة آلاف المزارعين الآخرين، الذين وجدوا أنفسهم في صفوف البطالة، بلا أي دعم أو تعويض.
ومِثل مسلم، هناك قرابة 40 ألف مزارع فقدوا مصدر رزقهم في بيت لاهيا شمال قطاع غزة حسب الإحصائيات.
ومنذ ستينيات القرن الماضي، كانت غزة تشتهر بزراعة الفراولة في أراضيها الخصبة تحديدًا في مدينة بيت لاهيا ذات التربة الخصبة والمياه العذبة، التي كانت تصدر للمناطق المختلفة، وبفضل مناخ المنطقة ومواردها المائية، ازدهرت الزراعة حتى بلغت المساحات المزروعة 3500 دونم تُنتج 11 طنًّا؛ لكن الحرب الأخيرة أحدَثت دمارًا شاملًا.
في ذات السياق أكّد الناطق الإعلامي باسم وزارة الزراعة في قطاع غزة محمد أبو عودة، أنَّ مزارع الفراولة تعرَضت لتدميرٍ شامل بنسبة 100بالمائة بفعل الحرب الإسرائيلية، وقال أبو عودة: "هذا الدمار الهائل وغير المسبوق هدم إحدى ركائز القطاع الزراعي والاقتصادي بشكل متعمد من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، فالتوت الأرضي "الفراولة" أحد المحاصيل الزراعية التي تُدر دخلاً، وتسهم في دعم الاقتصاد الوطني".
وأشار أبو عودة إلى أنّ حجم الصادرات لمحصول الفراولة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية ودول عربية وأوروبية بلغ 5.500 طن، فيما بلغت القيمة المالية لتصدير الفراولة 11 مليون دولار. كما تساهم الفراولة في قيمة صادرات الإنتاج الزراعية بقيمة 13.5%، وهو ما يُشير إلى أن كمية إنتاج الفراولة من كمية صادرات الإنتاج الزراعي شكَّلت 11%.
وفي ختام حديثه قال أبو عودة: "إنّ فقدان نسب ومبالغ كهذه أدى إلى كارثة بالمقاييس كلها على القطاع الزراعي والاقتصادي".
لم يكن حال سماح أبو طير ذات (38) عامًا، أفضل وهي أرملة وأمّ لخمسة أطفال، كانت تعمل في مزارع البطاطا، شرق خانيونس، يعتبر هذا العمل مصدر رزقها الوحيد؛ لكنها وبفعل الحرب نزحت إلى منطقة مواصي خانيونس غربًا بعدما شهدت المنطقة التي تقطن فيها دمارًا كبيرًا امتد إلى الأراضي الزراعية شرق المدينة.
خلال شهور النزوح كانت تأمل بالعودة والعمل من جديد لكن الحرب الإسرائيلية دمرت كل شيء، ومع اجتياح جرافات الاحتلال للأراضي الزراعية، تحولت المزارع إلى أرض جرداء، فخسرت المرأة أملها في تحسين ظروف حياتها واستعادة مصدر دخلها الأساسي.
أصبحت أبو طير تقطن الخيام مُجبرة في جنوب قطاع غزة بعد هدم منزلها وتجريف أرضها، عاجزة عن تأمين قوت يومها. هذه السيدة كغيرها من سيدات قطاع غزة كانت تعلق آمالا واسعة على استئناف عملها، لكن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يمنع المواطنين من العودة إلى المناطق الشرقية للقطاع ومن يصل هناك يتم استهدافه من قبل الآليات الإسرائيلية الموجودة في المنطقة.
لطالما شكّل قطاع الزراعة في قطاع غزة دعامة أساسية للاقتصاد في القطاع، حيث وفر فرص عمل واسعة وأسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات والفواكه، ما حدّ من الحاجة إلى الاستيراد بل كان هناك تصدير للكثير من الأصناف إلى الأسواق العربية والدولية.
لكن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي استمرت لعام ونصف العام، وجهت ضربة قاصمة لقطاع الزراعة، تاركة المزارعين في مواجهة كارثة اقتصادية غير مسبوقة، طال الإفلاس العديد منهم، وتوقفت عجلة الإنتاج، مما أدى إلى نقص حاد في الخضروات والفاكهة، وإن توفرت، باتت أسعارها باهظة تفوق قدرة الفئات الأكثر هشاشة على شراءها.
كما أظهر تقييم أجرته منظمة الأغذية والزراعة أن نحو 30% من مساحة البيوت البلاستيكية (الدفيئات الزراعية) في قطاع غزة لحقت بها الأضرار حتى يوم 23 أبريل، فيما شهدت مناطق مدينة غزة وشمال غزة أشد الأضرار (نحو 80% من مساحات البيوت البلاستيكية فيها دُمرت). وتضررت مئات المباني الزراعية ولحقت الأضرار بها، بما فيها 537 حظيرة منزلية و484 مزرعة دجاج لاحم و397 حظيرة أغنام و256 مستودعًا زراعيًا، فضلًا عن نحو 46 في المائة من الآبار الزراعية في غزة (1,049 من أصل 2,261 بئرًا).
وبحسب مختصين في مجال البيئة فإنّ ما تستخدمه "إسرائيل" من متفجرات ممنوعة دوليًا، يؤثر على الأراضي الزراعية حيث إن المواد الكيميائية المنبعثة من الصواريخ المتفجرة مثل النحاس والرصاص وغيرها تترسب في التربة؛ مما يؤدي إلى تلوثها على المدى القريب والبعيد، ويجعل التربة غير صالحة للزراعة، وهذا سيؤدي مستقبلًا إلى تقليل الإنتاجية الزراعية، ولذلك يجب ترميم ومداواة الأرض بطرق آمنة ليتمكن المزارع من زرع البذور.
ويؤكد المركز الأورومتوسطي أن الغالبية العظمى من هذه الأراضي التي باتت ضمن نطاق المنطقة العازلة التي يحظر على السكان والمزارعين الوصول إليها كانت تمثل الجزء الأكبر من مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة، وعمل الجيش الإسرائيلي على تجريف وتدمير جميع المباني والمنشآت فيها بشكل شبه كامل، مبينًا أنها كانت تضم مئات المزارع المقامة على مئات الدونمات المزروعة بالخضروات والفواكه إلى جانب مئات مزارع الطيور والمواشي.
ولم يقتصر التدمير على هذه الأراضي، بل هناك أراض خارج هذه المنطقة العازلة تعرضت أيضًا للتدمير خلال التوغلات الإسرائيلية أو جراء القصف الجوي والمدفعي، والذي طال ما لا يقل عن 34 كيلو مترًا مربعًا من الأراضي الزراعية والشوارع التي تخدمها، وبذلك يكون إجمالي الأراضي المدمرة هو 36.9%، وهذه المساحة تمثل أكثر من 75% من المساحة المخصصة للزراعة في قطاع غزة، وفق المركز "الأورومتوسطي".
وأبرز الأورومتوسطي أن فرقه الميدانية وثقت تعمد الجيش الإسرائيلي قتل العديد من المزارعين خلال عملهم أو محاولتهم الوصول إلى أراضيهم ومزارعهم، فضلًا عن تدمير آلاف المزارع والدفيئات الزراعية وآبار المياه وخزاناتها ومخازن المعدات الزراعية، إلى جانب قتل عدد من الصيادين وتدمير مرافئ الصيد وغالبية قوارب الصيد منذ بداية الهجوم؛ ما يدلل على أنها عملت عن عمد لتدمير مقومات الحياة والبقاء دون أي ضرورة، وهو ما سيكون له أثر على توفير الغذاء الصحي المناسب لأكثر من 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة، محذرًا بأن الآثار ستبقى لعدة سنوات قادمة حتى بعد وقف الهجوم العسكري الإسرائيلي.