لجريدة عمان:
2024-12-26@15:06:03 GMT

أعياد الخلاص

تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT

مع حلول العيد، تحلّ الأفراح والمسرّات، وتبتسم الأرواح، وتتعانق القلوب، فيشعر الجميع بالسعادة، والهناء، يقول إيليا أبو ماضي:

يا شاعر الحسن هذي روعة العيد

فاستنجد الوحي واهتف بالأناشيد

هذا النعيم الذي قد كنت تنشده

لا تله عنه بشيء غير موجود

ومن مسرّات العيد لقاء الأحبة، لذا فبُعد الأحبّة ينغص على الشعراء فرحتهم بالعيد، هذا البعد تحدّث عنه المتنبّي في قصيدته الشهيرة:

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم بأمر فيك تجديد

أما الأحبة فالبيداء دونهم

فليت دونك بيدا دونها بيد

فحين يحول ظرف دون ذلك، يفقد العيد طعمه، كما جرى مع الشيخ الشاعر عبدالله بن علي الخليلي، حين حلّ العيد وشقيقه (سعود الخليلي) كان في القاهرة يشغل موقع السفير، فتذكّره وتذكّر كذلك شقيقه (هلال) فببعدهما عنه، فقدَ العيد حلاوته، فقال قصيدة تعبّر عن هذا الإحساس، وتحمل هذا المعنى وقد بدأها مُطلِقا مجموعة من أسئلة لا جواب لها، فقال:

سل العيد هل غادى ربوعي هناؤه

وهل ساق غير الذكريات مساؤه

وهل صافحتني بالسبات نجومه

وألحفني بالياسمين رداؤه

وهل بات منه جانبي غير شوكة

وهل لذّ لي مقليّه وشواؤه

وهل ساعدتني في الظلام جفونه

على النوم أم أدنى سروري ضياؤه

ثم يعرّج على شقيقيه البعيدين عنه (سعود) و(هلال) فيقول:

سل الراحلين التاركين أخاهما

وراءهما والدهر وعر وراؤه

هل ارتضعا ثدي النعيم فهوّما

عليه وفي النعماء للمرء داؤه

ويفتقد الشاعر مصطفى جمال الدين الأهل عندما كان بعيدا عنهم في دمشق، مستحضرا حال النازحين عن ديارهم، فيقول:

هـذا هـو العيـدُ، أيـنَ الأهـلُ والفـرحُ

ضاقـتْ بهِ النَّفْسُ، أم أوْدَتْ به القُرَحُ؟!

وأيـنَ أحبابُنـا ضـاعـتْ مـلامحُـهـم

مَنْ في البلاد بقي منهم ، ومن نزحوا؟!

وليس بُعد الأحبّة هو الوحيد الذي ينغّص فرحة العيد، فقد تحول ظروف تعيشها منطقة بأكملها، فيفقد العيد طعمه، فحين يتذكر الشاعر عمر أبو الريشة حال الفلسطينيين في العيد يقول :

يا عيـدُ ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يا عيد

فكيـف تلقاكَ بالبِشْـرِ الزغـاريـدُ؟

يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ

لها على الرَّفْـرَفِ العُلْـوِيِّ تَعْييــدُ؟

وفي (غزّة) يحمل العيد شكلا آخر، فبدلا من الألعاب الناريّة، التي ترافق العيد في الكثير من المناطق، امتلأت سماء(غزّة) بالصواريخ وقذائف المدافع التي تسقط على البيوت الآمنة، لتحصد أرواح الأبرياء، ولنا أن نتخيّل عيد الذين يعيشون في الخيام، كما صوّرته الشاعرة فدوى طوقان:

أختاه، هذا العيد رفَّ سناه في روح الوجودْ

وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيدْ

وأراك ما بين الخيام قبعتِ تمثالًا شقيًّا

متهالكاً، يطوي وراء جموده ألمًا عتيًّا

يرنو إلى اللاشيء.

. منسرحًا مع الأفق البعيدْ

ومع أصوات القصف، والرصاص، والانفجارات، وأنين الجرحى، وصراخ الأطفال اللائذين بأدعية أمهاتهم، يفقد العيد طعمه، والفرح معناه، والأمل بريقه، وكيف يعيّد الجائعون؟ يقول الشاعر يحيى السماوي :

وكفرتُ بالأسنانِ

جائعةً تلوكُ طحينَ أدعِيَةٍ

وتدرأ جوعَها بالمغفرةْ

نام الجياعُ على وسائِدِ « سورةِ الماعونِ»

أمْسَكَتِ الكرامةُ والمَذلَّةُ مُفطِرةْ

العيدُ عريانٌ

ولا من ناسِجٍ ثوبَ الخلاصَ

لِيَسْترَهْ

لكنّ العيد في كلّ حالاته، يمثّل فرحة، تتجدّد في كلّ عام، ومعه تتجدّد الآمال، فيعود البعيد إلى دياره، وترتفع في المناطق التي تتعرّض للعدوان بشائر النصر والخلاص

وتعلو الزغاريد ، فنردّد مع عمر أبو ريشه:

سينجلـي لَيْلُنا عـن فَجْـرِ مُعْتَرَكٍ

ونحـنُ في فمـه المشْبوبِ تَغْريـدُ

عبدالرزّاق الربيعي شاعر وكاتب مسرحي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

السيّاب..ستّون عاما من الغياب

ككلّ عام، لم تمرّ ذكرى وفاة الشاعر الرائد بدر شاكر السيّاب التي توافق الرابع والعشرين من ديسمبر، مرورا عابرا، فقد أشعلت الأوساط الثقافـية فـي مناطق عديدة من عالمنا العربي، الشموع على روحه، مستذكرة دوره الريادي البارز فـي الشعرية العربية، وهو دور كرّسه منجزه الشعري الضخم الذي تركه الشاعر المولود فـي البصرة عام 1926م والمتوفّى فـي الكويت 1964م، رغم عمره القصير، فلم يكن يومها قد «لامس حدود الأربعين»، على حدّ وصف زميلته الشاعرة لميعة عباس عمارة بقولها فـي قصيدة أهدتها لروحه:

«يوم أحببتكَ أغمضتُ عيوني

لم تكن تعرفُ ديني

فعرفنا وافترقنا دمعتين

عاشقاً مُتَّ ولم تلمسْ حدود الأربعين

وأنا واصلتُ أعواميَ

أو ... واصلتُ تسديد ديوني»

فإذا ما شطبنا سنوات الطفولة، والمراحل الدراسية الأولى، سوف يتبقّى حوالي عشرين سنة أنجز خلالها جلّ عطائه الشعري الذي غيّر به خريطة الشعر العربي الحديث، وقد ظلّ متدفّقا حتى فـي سنوات مرضه الذي هاجم جسده النحيل فـي عام 1961م حين بدأ يشعر بآلام شديدة فـي الظهر، تبعه ضمور فـي القدمين، لإصابته بمرض فـي جهازه العصبي حدّ من حركته، وبدأ يشلّها، شيئا فشيئا، وقد بذل الأطباء جهودا فـي بغداد، وبيروت، ولندن، دون جدوى، وكانت خاتمة الرحلة فـي المستشفى الأميري بالكويت الذي تلقّى به العلاج بمساعدة صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي.

شعراء كثيرون ظهروا مع السياب وقبله وبعده، لم ينالوا ما نال السيّاب من الشهرة والدراسة، والتقدير، وظلّ علامة فارقة، فـي الشعر العربي، يرى الناقد د. محمد لطفـي اليوسفـي فـي محاضرة له ألقاها فـي مركز سلطان بن زايد عام 2012م أن «المعنى بدأ بالأفول منذ عصر السياب».

ونتيجة لتفرّده استحقّ الاحتفاء، والأمم المتقدّمة تحتفـي بشعرائها البارزين، وقد روى لي الشاعر الكبير الراحل عبدالرزّاق عبدالواحد أنه حين فاز بوسام بوشكين فـي مهرجان الشعر العالمي الذي أقيم بموسكو عام 1976م وتزامنت زيارته مع احتفالات روسيا بيوم ولادة بوشكين ( 1799 - 1837م) الذي يوافق السادس والعشرين من مايو من كل عام، ورأى المكانة التي يحتلّها هذا الشاعر ذو الأصول الحبشية فـي روسيا، فالمسارح تعرض مسرحياته، وبلدية موسكو تضع لافتات على الشوارع تشير إلى أماكن كان يجلس فـيها بوشكين، وخصصت الإذاعة الرسمية ومحطّة التلفزيون برامج خاصة عن شاعر روسيا الكبير، ويزور الروس تماثيله ويضعون عليها باقات الورود، وكم تمنّى أن ينال الشاعر العربي مثل هذا التقدير فـي أمّة كان الشعر له مكانة عليا فـي أيّامها الزاهرة فهو ديوانها وسجلّ أيّامها ! ومع ذلك يظلّ السيّاب هو الأوفر حظّا فـي التكريم بين الشعراء، فقد نال من التكريمات ما لم يحظ به شاعر عربي، وللأسف جاء ذلك بعد رحيله، فقد أزيح الستار عن تمثال له فـي مدينته البصرة عام 1972م أي بعد ثمانية أعوام عن رحيله، وأعيدت طباعة دواوينه عدّة مرات، وكُتبت عن شعره مئات الرسائل الجامعية وصدرتْ مئات الكتب عنه، وأدرجت قصائده وسيرته فـي المناهج الدراسية، ونالت مجايلته الشاعرة نازك الملائكة التي توفـيت فـي عام 2007م بعضا من هذا التقدير بدرجة أقلّ، ونظر لها البعض كونها ناقدة أهم منها شاعرة، بينما تجاهلت المؤسسات الثقافـية الشاعر عبدالوهّاب البيّاتي، ثالثهما فـي ريادة الشعر الحديث!

ورغم تبدل الأنظمة السياسية فـي العراق إلا أن تقدير السياب ظلّ من الثوابت الثقافـيّة، وهذا الاهتمام لم يأت عن فراغ، فالأثر الشعري الذي أحدثه السيّاب فـي الشعر العربي لم يكن قليلا، والمنجز الشعري الذي تركه ليس بالهيّن، وسيبقى صوته مؤثّرا فـي الأجيال القادمة، وقد أسرني شعره منذ أول نص قرأته له فـي عام 1972 فـي مقال نُشر فـي صحيفة (المزمار)، يومها، وجدت نفسي منجذبا إليه، فقد شعرتُ كأنه يتحدّث معي، وفهمتُ أنّ الشعر هو حديث الروح للروح، وقد علقتْ بعض كلماته فـي ذهني لليوم:

«وداعا يا صحابي يا أحبائي

إذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراءِ

وإلّا فهو محض اسم تبدّد بين أسماء

وداعا يا أحبائي»

وكم سُعدتُ عندما كلّفني ولده المهندس غيلان السياب المقيم فـي أمريكا بتسلم درع تكريم والده فـي مهرجان الشعر العربي الذي أقيم فـي إسطنبول عام 2021م نيابة عنه بعد تعذّر حضوره، وكما قال: «النخل الذي أحاط بالوالد وظلّله هو الذي أحاط بك وظلّلك، والماء الذي سقاه هو ما سقاك، والتراب الذي كوّن جسمه هو ما كوّنك. وفوق هذا وذاك، فالأدب رحِمٌ بين أهله».

وحين اعتليت المنصّة، شعرتُ برهبة، فاسم السيّاب له وقع خاص فـي الوجدان، واليوم ونحن نحتفـي بمرور ستين سنة على غيابه المبكّر، سيبقى هذا الاسم الذي حفره فـي تاريخ الشعر العربي، حاضرا، بقوّة، لأجيال قادمة.

مقالات مشابهة

  • رئيس الأسقفية الأنجليكانية يصلي قداس العيد بكاتدرائية الإسكندرية
  • رئيس الأسقفية يصلي قداس العيد بكاتدرائية الإسكندرية
  • رئيس الأسقفية يصلي قداس العيد بكاتدرائية الإسكندرية .. صور
  • السيّاب..ستّون عاما من الغياب
  • وقفة لجبهة الخلاص التونسية تطالب بالإفراج عن المعتقلين بقضية التآمر
  • المطران عون: عسى ان يكون العيد هذا العام مغايراً عن السنوات الماضية
  • الجيش الأمريكي يقول إنه يجهز لشن ضربات جديدة على الحوثيين في اليمن
  • اسطفان: نرجو أن يحمل هذا العيد بداية لولادة لبنان جديد
  • أعياد الميلاد
  • ارتفاع مؤشر S&P 500 مع بدء وول ستريت أسبوع العيد