قيمة سوقية تجاوزت 2 تريليون دولار.. ما قصة صعود شركة إنفيديا؟
تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT
توجد 3 شركات فقط في العالم، حتى هذه اللحظة، تتجاوز قيمتها السوقية 2 تريليون دولار: آبل، ومايكروسوفت، وبداية من هذا العام، شركة إنفيديا. من المفهوم بالطبع أن هذا الاسم ربما لا يبدو مألوفًا بالنسبة لك، فالشركة لا تصنّع منتجا براقا يظل ملتصقا بيدك طوال اليوم، وكل يوم، مثلما تقدمه شركة آبل أو مايكروسوفت مثلًا.
بل ما تصممه إنفيديا هو شرائح معالجة تختبئ في أعماق الأجزاء الداخلية المعقدة لجهاز الحاسوب الذي تستخدمه، والمفاجأة أن هذا المنتج تحديدا، الذي لا نراه يوميا أمامنا، كان السبب في صعودها الصاروخي لتصبح ثالث أعلى شركة من حيث القيمة السوقية في العالم وفي زمن قصير للغاية.
بالعودة قليلا بعجلة الزمن إلى أكتوبر/تشرين الأول 2022، وصلت قيمة إنفيديا السوقية حينها إلى 300 مليار دولار، ثم بنهاية العام نفسه كانت قد وصلت إلى 364 مليار دولار. خلال هذا العام، وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت "أوبن إيه آي" إطلاق روبوت المحادثة الجديد "شات جي بي تي"، لتبدأ معه رحلة إنفيديا في الصعود الصاروخي لقيمتها السوقية حتى وصلت اليوم إلى 2.17 تريليون دولار. لكن قد يتبادر إلى ذهنك سؤالا مهما، ألا وهو ما العلاقة بين إطلاق روبوت "شات جي بي تي" وصعود إنفيديا الصاروخي؟
الإجابة البسيطة هي أن إنفيديا ربما كانت أكبر المستفيدين من ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي الحالية، لكن قبل أن نعرف التفاصيل، علينا أن نحكي القصة منذ بدايتها.
بداية القصة!سنعود بعجلة الزمن إلى فترة أبعد قليلا هذه المرة، تحديدا إلى عام 1993، وفي مطعم "دينيس" (Denny’s) في مدينة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا، حيث التقى المهندس جنسن هونغ صديقيه كريس مالاتشوسكي وكيرتس برييم، ليناقشوا معا رؤيتهم لمستقبل وحدات معالجة الرسوميات، واستخداماتها التي قد تتجاوز مجال الألعاب ورسوم الغرافيك، لأنهم رأوا إمكانية استخدامها في عمليات الحوسبة التي تحتاج إلى أداء قوي، بجانب الأبحاث العلمية التي تحتاج إلى محاكاة وعمليات حسابية معقدة، وغيرها من المهام التي تتطلب قدرات معالَجة قوية.
كانت صناعة ألعاب الفيديو صناعة واعدة حينها، ولاحت فرص ذهبية لدخول هذا المجال والتفوق فيه، عبر تطوير ما نعرفه بوحدات معالجة الرسوميات، أو كروت الشاشة، وهي شرائح معالجة توفر عرض صور ثلاثية الأبعاد مبهرة على شاشة الحاسوب.
كلما كانت تلك البطاقات الرسومية أقوى، زادت سرعة عرض المؤثرات المرئية بجودة عالية، وهو عنصر ضروري لأغراض مثل تشغيل الألعاب وتحرير مقاطع الفيديو. وهذا هو المنتج الأساسي الذي تصنّعه شركة إنفيديا وتتفوق فيه منذ إطلاقها في عام 1993.
وعلى مدار العقدين الماضيين، نجحت كروت الشاشة التي قدمتها إنفيديا في تطوير صناعة ألعاب الفيديو، عبر تقديم قوة معالجة هائلة للرسوميات داخل اللعبة.
وبعد أن أثبتت الشركة نجاحها وجدارتها في قيادة معالجة الرسوميات في مجال الألعاب، بدأت في البحث عن إمكانية تطوير مجال معالجة الرسوميات وتوجيهه نحو استخدامات أكثر كما رأى مؤسسوها منذ لقائهم في ذلك المطعم.
ننطلق بعجلة الزمن إلى الأمام، تحديدا إلى عام 2020 مع تفشي وباء فيروس كورونا، وانعزال معظم البشر داخل منازلهم، وبحثهم عن وسيلة للتسلية وتقضية كل هذا الوقت.
هنا كانت ألعاب الفيديو هي الوسيلة الأفضل والأكثر إمتاعًا. تنوعت استخدامات كروت الشاشة، وزاد عليها الطلب جدا بفضل هذا الانعزال والتوجه نحو استهلاك كميات هائلة من الألعاب حينها.
وفي الفترة الزمنية نفسها، ارتفعت أسعار العملات المشفرة لتصل إلى أرقام قياسية، مدفوعة بارتفاع الطلب وخاصة على عملة بيتكوين التي تقود هذا السوق دائما، ومعها ارتفع الطلب على كروت الشاشة التي تصدرها إنفيديا، لأن من ضمن استخداماتها تسهيل عملية تعدين تلك العملات المشفرة.
هذا الطلب دفع قيمة الشركة السوقية نحو أعلى رقم قياسي في تاريخها حتى ذلك الوقت متجاوزة 820 مليار دولار بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
لكن، مع تحول الأحداث، ورجوع الحياة إلى مجاريها، ومع انهيار أسعار العملات المشفرة، والأزمات الاقتصادية المتتالية، وانهيار أسهم شركات التقنية خلال عام 2022، بدأت أسهم إنفيديا في الانهيار أيضا، حتى فقدت أكثر من نصف قيمتها ووصلت إلى أقل من 300 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2022 كما ذكرنا، لكن بنهاية الشهر التالي، حدث أمر مفاجئ غيّر السوق بأكمله!
الأمر المفاجئ هو إطلاق شركة "أوبن إيه آي" لنسخة تجريبية أولى لروبوت المحادثة الجديد "شات جي بي تي"، وهو الروبوت الشهير الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومنذ تلك اللحظة انطلقت معركة شرسة في هذا المجال بين كبرى شركات التقنية، ومعه انطلقت رحلة صعود إنفيديا التاريخية حتى هذه اللحظة.
النماذج اللغوية الكبيرة مثل نموذج "جي بي تي-4" هي النماذج التي تقود روبوت المحادثة الذي تستخدمه وتراه وتعرفه باسم "شات جي بي تي".
تلك النماذج اللغوية الكبيرة تحتاج إلى خدمات سحابية قوية، التي تعتمد بدورها على أجهزة حاسوب عملاقة، لكي تتدرب على كميات هائلة من البيانات، وتلك الأجهزة العملاقة توجد داخل مراكز بيانات تابعة لشركات التقنية. تعد وحدات معالجة الرسوميات التي تقدمها شركة إنفيديا هي الحل الأمثل لتسريع كل العمليات الحسابية المعقدة التي تحدث داخل الأجهزة العملاقة الموجودة في مراكز البيانات.
أدرك مطورو نماذج الذكاء الاصطناعي سريعا أن معالجات إنفيديا الرسومية كانت مفيدة وقوية جدا في إجراء العمليات المعقدة التي تدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة. ما يميز تلك المعالجات، مقارنة بوحدات المعالجة المركزية، أنها تتفوق في إجراء كثير من العمليات الحسابية في الوقت نفسه.
وهو الاكتشاف نفسه الذي توصل إليه مُعدِّنو العملات المشفرة، مثل البيتكوين والإيثريوم، إذ أثبتت وحدات معالجة الرسوميات قوتها وكفاءتها في تسريع عملية التعدين، وهي عملية تحتاج إلى حسابات معقدة للغاية للوصول إلى تلك العملات المشفرة.
مثلا، تطور شركة "أوبن إيه آي" نماذجها اللغوية بالاعتماد على خدمات مايكروسوفت السحابية، لهذا فإن مايكروسوفت ستحتاج إلى معالجات إنفيديا بكميات كبيرة، تصل إلى آلاف الوحدات، لتُوفِّر قوة المعالجة الهائلة، سواء كانت لـ"أوبن إيه آي" أو لأي شركة أخرى ترغب في تطوير نماذجها الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
مع الصراع القائم الآن بين الشركات العملاقة، أمثال مايكروسوفت وغوغل، في سباق الذكاء الاصطناعي، فإن المستفيد الأكبر هو شركة إنفيديا نفسها، حتى إن جنسن هونغ، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، وصف هذه المرحلة الحالية، مايو/أيار العام الماضي، بأنها "لحظة الآيفون" بالنسبة إلى مجال الحوسبة، مشبها نمو المجال بالنمو الهائل للهواتف الذكية بعدما أطلقت شركة آبل أول هاتف آيفون عام 2007.
بالطبع أدى ارتفاع الطلب الهائل على وحدات المعالجة الرسومية إلى ارتفاع أسهم إنفيديا خلال الفترة الماضية، مما جعلها ثالث أعلى شركة من حيث القيمة السوقية حتى هذه اللحظة.
ويبدو أن الشركة لم تبلغ ذروة نجاحها بعد، إذ يرى المحللون أن ثورة الذكاء الاصطناعي تحمل وعدا أكبر وأكثر استدامة لمستقبل شركة إنفيديا مقارنة بالعملات المشفرة أو الألعاب، كما لا يوجد أمامها أي منافس حقيقي حاليا يمكنه تقديم نفس ما تقدمه لتلبية متطلبات المعالجة المعقدة لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
كل أحداث تلك القصة كانت تدور في الخلفية، وربما لا نعرف أنها تحدث من الأساس، لكن ما أثار الضجة حول إنفيديا مؤخرا، ودورها في مجال الذكاء الاصطناعي، هو حدث إطلاق روبوت المحادثة "شات جي بي تي"، لينتبه العالم بأكمله فجأة ويدرك أن إنفيديا في قلب هذه العملية المعقدة، ويرى أهمية تلك الشركة العملاقة على حقيقتها، أو على الأقل هذا ما رآه المستثمرون وتفاعلوا معه، لتصل تلك الشركة إلى هذا النجاح المبهر في فترة زمنية قصيرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الذکاء الاصطناعی العملات المشفرة روبوت المحادثة شرکة إنفیدیا شات جی بی تی ملیار دولار أوبن إیه آی إنفیدیا فی تحتاج إلى
إقرأ أيضاً:
بين الابتكار والسيطرة.. هيمنة الذكاء الاصطناعي الصيني
ترجمة: نهى مصطفى -
خلال شهرين من إصدار شركة صينية غير معروفة تدعى DeepSeek نموذجًا جديدًا قويًا للذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، بدأ هذا الاختراق بالفعل في تحويل سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.
يتميز DeepSeek-V3، كما يُطلق على نموذج اللغة الكبير المفتوح (LLM) الخاص بالشركة، بأداء ينافس أداء النماذج من أفضل المختبرات الأمريكية، مثل ChatGPT من OpenAI و Claude من Anthropic و Llama من Meta ، ولكن بجزء صغير من التكلفة. وقد أتاح هذا للمطورين والمستخدمين في جميع أنحاء العالم الوصول إلى الذكاء الاصطناعي المتطور بأقل تكلفة.
في يناير، أصدرت الشركة نموذجًا ثانيًا، DeepSeek-R1، يُظهر قدرات مماثلة لنموذج o1 المتقدم من OpenAI مقابل خمسة بالمائة فقط من السعر. ونتيجة لذلك، يشكلDeepSeek تهديدًا لقيادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يمهد الطريق للصين للحصول على مكانة عالمية مهيمنة على الرغم من جهود واشنطن للحد من وصول بكين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
يُبرز الصعود السريع لشركةDeepSeek حجم التحديات والمخاطر في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. فإلى جانب الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه التقنية، ستتمتع الدولة التي تطوّر نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية، التي تشكّل العمود الفقري لتطبيقات وخدمات المستقبل، بنفوذ واسع النطاق. ولا يقتصر هذا النفوذ على المعايير والقيم المضمّنة في هذه النماذج فحسب، بل يمتد أيضًا إلى منظومة أشباه الموصلات، التي تعد الركيزة الأساسية والبنية التحتية التقنية والمعالجة الحسابية اللازمة لتشغيل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتشمل الأجهزة والبرمجيات التي تمكّن الذكاء الاصطناعي من تنفيذ العمليات المعقدة بكفاءة. وتعكس القناعة الراسخة لدى كل من الصين والولايات المتحدة بأن هذه التقنيات قادرة على تحقيق تفوّق عسكري، الأهمية الاستراتيجية للريادة في هذا المجال وضرورة الحفاظ عليها على المدى الطويل.
ومع ذلك، فإن التركيز على أداء نموذج DeepSeek-V3 وتكاليف تشغيله المنخفضة قد يُغفل نقطة أكثر أهمية. فإحدى العوامل الرئيسة التي ساهمت في سرعة انتشار نماذج DeepSeek هي أنها مفتوحة المصدر، مما يتيح لأي شخص تنزيلها وتشغيلها ودراستها وتعديلها والبناء عليها، مع تحمّل تكلفة الطاقة الحاسوبية فقط. في المقابل، تكاد جميع نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية المماثلة أن تكون ملكية خاصة، مما يحدّ من استخدامها ويزيد من تكاليف تبنيها من قِبل المستخدمين.
بدأت شخصيات بارزة في مجتمع الذكاء الاصطناعي الأمريكي يدركون بشكل متزايد المشكلات الناجمة عن التركيز على النماذج المغلقة المصدر. ففي أواخر يناير، أقرّ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، بأن الشركة ربما «أخطأت في قراءة التاريخ» بعدم تبنيها نهج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. وفي فبراير، توقّع إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة Google، مستقبلًا يُهيمن فيه مزيج من النماذج المفتوحة والمغلقة على التطبيقات اليومية. من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الاعتماد كليًا على نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة التي تطورها الشركات الكبرى لمنافسة الصين، مما يستدعي من الحكومة الأمريكية تكثيف دعمها للنماذج مفتوحة المصدر، حتى مع استمرار جهودها في تقييد وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة، مثل أشباه الموصلات وبيانات التدريب.
للحفاظ على هيمنتها، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع برنامج شامل لتطوير ونشر أفضل النماذج مفتوحة المصدر. لكن في الوقت ذاته، يجب عليها ضمان أن تظل الشركات الأمريكية الرائدة هي التي تبني أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة، والتي يُشار إليها أحيانًا باسم «أنظمة الحدود»، والتي غالبًا ما يتم تطويرها ضمن شركات خاصة ذات تمويل ضخم.
إلى جانب ذلك، ينبغي على واشنطن تبنّي أجندة سياسية أوسع تعزز مكانة الذكاء الاصطناعي الأمريكي مفتوح المصدر على الساحة الدولية، وتدعم بناء البنية التحتية الأساسية اللازمة للحفاظ على ريادتها في هذا المجال. ولا يقتصر ذلك على تحفيز تطوير النماذج مفتوحة المصدر داخل الولايات المتحدة، بل يشمل أيضًا تسهيل وصولها إلى المساهمين والمستخدمين في المجال الصناعي والأكاديمي والقطاع العام في الدول المتحالفة معها.
بدون هذه الخطوات الاستراتيجية، يُشير مشروع DeepSeek إلى مستقبل محتمل قد تستخدم فيه الصين نماذج مفتوحة المصدر قوية ومنخفضة التكلفة لتجاوز الولايات المتحدة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.
لطالما كان الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عاملًا رئيسيًا في التقدم التقني، رغم قلة الاهتمام السياسي به مقارنة بالأنظمة المغلقة. منذ ظهور ChatGPT عام 2022، بدأ يُنظر إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية على أنها بمثابة «نظام تشغيل» جديد، حيث تعمل كجسر بين اللغة البشرية والبيانات التي تعالجها الآلات. وكما استمر نظام Linux مفتوح المصدر بجانب أنظمة احتكارية مثل Windows، برزت نماذج مفتوحة مثل Llama إلى جانب ChatGPT، مما يمهّد لانتشار أوسع للذكاء الاصطناعي. هذا التطور دفع بعض الباحثين لوصف المرحلة الحالية بأنها «لحظة لينكس» في مجال الذكاء الاصطناعي.
على مرّ العقود، ازدهرت مشاريع البرمجيات مفتوحة المصدر، مثل لينكس، بفضل مساهمات المطورين حول العالم، وهو ما أدى إلى تطويرها بسرعة وتحسين أمنها، حيث يمكن لأفضل المهندسين اختبارها وتحسينها بشكل متواصل. كما أن كونها خاضعة لإدارة أمريكية وأوروبية جعلها أحد عوامل تفوّق الغرب في مجالات عدة، مثل: أنظمة التشغيل، متصفحات الويب، قواعد البيانات، التشفير، وحتى لغات البرمجة.
تُهيمن Nvidia على صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي بفضل وحدات معالجة الرسومات (GPUs) وبرنامجها الحصري CUDA، مما يمنحها موقعًا متقدمًا في هذا المجال. ورغم القيود الأمريكية، استخدمت الصين رقائق Nvidia في تدريب نماذج DeepSeek، لكنها تسعى حاليًا للاعتماد على رقائق Ascend من هواوي، مما قد يُقلص الحاجة إلى الرقائق الأمريكية. إذا حققت النماذج الصينية انتشارًا واسعًا بدعم حكومي، فقد يُجبر المستخدمون عالميًا على التحول إلى شرائح هواوي، مما سيُضعف شركات مثل Nvidia و TSMC ويمنح الصين نفوذًا أكبر في صناعة الرقائق. هذا السيناريو يُشبه استحواذ الصين على سوق بطاريات الليثيوم، حيث قد تؤدي استراتيجيتها إلى إعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية، مُهددة الهيمنة الغربية في هذا القطاع. كيفية مواجهة هذا التهديد
لمواجهة النفوذ الصيني في الذكاء الاصطناعي، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، مع التركيز على دعم الجامعات والشركات والمختبرات الوطنية. رغم ارتفاع الاستثمارات في هذا المجال، لا تزال متواضعةً مقارنةً بالتمويل الإجمالي للذكاء الاصطناعي. لذا، يجب تقديم حوافز حكومية لدعم المشاريع المتوافقة مع الشرائح الغربية، وتوسيع البرامج البحثية الوطنية، والاستفادة من موارد وزارتي الطاقة والدفاع. كما ينبغي تعزيز التعاون مع مبادرات كبرى مثل Stargate، التي تخطط لاستثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي الأمريكي خلال السنوات القادمة.
يجب على واشنطن تعزيز النظام البيئي التكنولوجي الأمريكي لدعم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عبر تطوير نظام حوسبة متكامل يتيح للمطورين الاستفادة من أفضل الشرائح الغربية، مما يعزز الطلب عليها ويحد من المنافسة الصينية. وينبغي ترسيخ تفوق التقنيات الغربية، إلى جانب قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. ورغم هيمنة بنية Transformer، فإن مناهج جديدة مثل Structured State Space Models ونماذج Inception diffusion تُظهر إمكانات مستقبلية واعدة، مما يستدعي دعمها لضمان الريادة الأمريكية في هذا المجال.
ينبغي على واشنطن تجنب فرض قيود واسعة على تصدير نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وبدلًا من ذلك، تقديم حوافز لضمان توافقها مع الشرائح الغربية. كما يجب على لجنة التجارة الفيدرالية مراعاة دور شركات التكنولوجيا الكبرى في تعزيز الريادة الأمريكية عند النظر في قضايا مكافحة الاحتكار. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التصدي لمحاولات الشركات الصينية خفض أسعار نماذج الذكاء الاصطناعي لإضعاف المنافسة، عبر دراسة فرض تدابير مكافحة الإغراق إذا تبيّن أن هذه الممارسات تهدف إلى إقصاء الشركات الأمريكية.
يجب على الولايات المتحدة تعزيز تنافسها مع الصين في الأسواق العالمية، حيث قد تستخدم بكين نماذج الذكاء الاصطناعي كأداة للنفوذ الاقتصادي. كما ينبغي لواشنطن التحقيق في إمكانية استخدام DeepSeek بيانات من GPT-4 دون تصريح، ودراسة تطبيق قاعدة «المنتج الأجنبي المباشر» على مخرجات الذكاء الاصطناعي، لمنع الشركات الصينية من الاستفادة من النماذج الأمريكية الرائدة، كما فعلت مع معدات تصنيع أشباه الموصلات.
ستكون هذه الإجراءات أكثر فاعلية إذا تبنتها دول أخرى. لذا، تحتاج واشنطن إلى تنسيق سياساتها مع شركائها في آسيا وأوروبا ومناطق أخرى لإنشاء كتلة دولية قادرة على إبطاء انتشار النماذج الصينية. ورغم ضخامة السوق الصينية، فإنها تظل صغيرة مقارنة بالسوق العالمية، وهو المجال الأكثر أهمية الذي يجب أن تركز عليه الولايات المتحدة لضمان هيمنة النظام البيئي الغربي للحوسبة والذكاء الاصطناعي في المستقبل.
ورغم أن القيود الأمريكية على تصدير الشرائح المتقدمة حدّت من قدرة الصين على الوصول إليها، فإن بكين ترى في الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، المبني على تقنيات أقل تقدمًا، مسارًا استراتيجيًا لاكتساب حصة سوقية أكبر. ومن المرجح أن تستمر النماذج الصينية في التحسن عبر الابتكار الخوارزمي، والتحسينات الهندسية، والتصنيع المحلي للرقائق، بالإضافة إلى أساليب غير مشروعة، مثل التدريب غير المصرح به على مخرجات النماذج الأمريكية، والتحايل على ضوابط التصدير. ومع استمرار الصين في تحسين أداء نماذجها وأسعارها، فإن الحاجة إلى استراتيجية أمريكية متماسكة تصبح أكثر إلحاحًا.
يجب على واشنطن أن تتبنى استراتيجية استباقية تضمن توفير بدائل أمريكية متفوقة فور إصدار الصين لنماذجها الجديدة، ما يعزز الريادة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي. يتطلب ذلك تحسين الإطار التنظيمي، مثل ذلك الذي وضعته إدارة بايدن لضبط انتشار التكنولوجيا، إلى جانب تسخير الموارد الحكومية لدعم النماذج المتقدمة قبل إتاحتها للعامة. تقف إدارة ترامب المقبلة أمام «لحظة لينكس» حاسمة، حيث يمكنها إما ترسيخ الهيمنة الأمريكية على الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر، أو المخاطرة بفقدان النفوذ لصالح الصين، التي قد تعيد توجيه السوق نحو تقنياتها الخاصة.
جاريد دانمون هو المستشار الأول للمبادرات الاستراتيجية في وحدة الابتكار الدفاعي (DIU)
نشر المقال في Foreign Affairs