ها هو عامنا القمري الأول يمضي منذ أن اصطفاك ربك شهيدة في الأيام الأولى لتمرد و حرب المليشيا المجرمة الإرهابية التي استهدفت منزلنا بصاروخ موجه لتلحقي بأخيك شهيد الميل 40 شمس الدين الأمين (شميس) ، و بوالدتك الحاجة مريم إسماعيل شيبون المرأه الصالحة التقية التي سبقتك إلى ربها بنحو سنتين في أبريل 2021 و كنت دائماً ما تقولين لي بأنك ستكونين أول اللاحقين بها !!
أذكر في ذلك اليوم الخامس عشر من أبريل 2023 الموافق الرابع و العشرين من رمضان 1444 و أنا نائم بعد أن أنجزت أعمالي الصباحية جاءني صوتك عند الساعة التاسعة تقريباً ( أصحى إنت ما سامع صوت الضرب) فصحوت و قلت لك إنها الحرب التي كنا و غالبية الشعب السوداني نتوقعها و نحن نشاهد و نتابع حشد مليشيا الدعم السريع لقواتها و آلياتها في كل مكان داخل العاصمة منذ عدة أسابيع و الذي تصاعد في الأيام الأخيرة عندما رأى الجميع الجرارات و هي تحمل الدبابات و المدرعات قادمة من دارفور ، و كنا قد تابعنا قبل ثلاثة أيام من ذلك اليوم توجه عشرات العربات القتالية المجهزة تحمل مئات الجنود من قوات الدعم السريع و هي تحاصر مطار مروي !!
كانت ترتيباتك للتعامل مع الوضع سريعة و بجدية و صرامة :
– المراتب أرضاً و النوم أرضاً !!
– شراء الإحتياجات اللازمة من المواد الغذائية الجافة (و كنت قبل ذلك ألاحظ تجفيفك لبقايا الرغيف منذ بداية رمضان) !!
و أذكر أنك أحضرت من الدكان أيضاً كمية غير معتادة من (القرنفل) و عندما سألتك إبتهال عن سبب ذلك كان ردك بالحرف الواحد (إذا الواحد مات ما يلقى حاجة يحنطوه بيها) !!
– شراء الكهرباء عبر بنكك و بسرعة !!
– التأكد من تعبئة الصهريج و كل إناء يمكن تعبئته بالماء !!
– نصحك لنا بعدم متابعة ما تنقله القنوات من أخبار خاصة قناتي العربية و الحدث و كذلك ما تنشره مواقع التواصل الإجتماعي عن الحرب !!
– التواصل مع معظم الأهل للإطمئنان عليهم !!
– مواصلة إكمال تجهيزات و ترتيبات العيد (النظافة – تركيب الستائر – تجهيز الخبائز) و غيرها !!
لقد كان تعاملك مع الحرب بصورة جادة أكثر منا جميعآ !!
أما اليوم الأخير من رمضان و الحرب قد مضى على بدايتها خمسة أيام فقد كان كل شيئ في بيتنا يوحي بوقوع حدث ما !!
فقد كان حديثك خلال جلستنا التي تلت الإفطار كله منصب حول تذكيرنا بنعم الله علينا و قد عددت منها الكثير الذي لم نكن نفطن له ، و كان حديثك عن الكيفية التي تعدين بها وجباتنا : (أنا أكلكم ده بدخلو معمل عديل كده ثم بعد ذلك أقوم بطبخه) و كأنك تنقلين (الملف) إلى إبتهال التي كنت قد أحسنت تربيتها و علمتيها الثقة بالنفس و الكثير ، حتى فنون الطبخ التي يبدو أنها قد تفوقت عليك في بعض أصنافها !!
ثم كان حديثك الذي يشبه الوصية الأخيرة (المرحلة الجاية من حياتكم مختلفة فاستعدوا لها) !!
و كانت وصيتك لي و أنا في طريقي لأداء صلاة العشاء و كنت إماما للمصلين في الأيام الأخيرة بعد سفر إمام مسجدنا في إجازة العيد (ما تطول الصلاة لأنو الدنيا حرب) !!
و بعد أن تناولنا وجبة العشاء إنصرف كل منا إلى ما تبقى واجباته :
أنت لترتيب و مراجعة نظافة الحوش ، إبتهال للنظافة الداخلية ، و أنا لإكمال كي ملابسي !!
و سبحان الله فمنذ تلك اللحظات كان التواصل بيننا عبر النظر فقط ، و كانت آخر نظرة لك لإبتهال عبر الشباك عندما سمعنا صوت إنفصال الصاروخ الذي أطلقته علينا المليشيا المتمردة عند الساعة 12:26 ص من شارع مدني جوار مباني جمعية قطر الخيرية و كانت إبتهال حينها تناديك (يا ماما أدخلي ، يا ماما أدخلي) و مع آخر نداء لها كان الصاروخ قد سقط و انفجر فأصابتك شظاياه و سمعناك و سمعك الجيران و أنت ترددين الشهادة و كانت تلك آخر كلماتك و بعدها لم نسمع لك صوتا رغم محاولات إسعافك التي بذلت فيها إحدى الطبيبات الفاضلات دكتورة دانية عتباني بعد أن حولت منزلها في مربع (84) إلى مركز للإسعافات هي و طاقمها المساعد مجهودا كبيراً لإسعافك ، و كنا قد وصلناه بعد بحث مضن عن أي مستشفى عامل في تلك اللحظات ، لكن قضاء الله كان نافذا و الإصابات كانت مؤثرة و قاتلة ففاضت روحك الطاهرة إلى بارئها عند الساعة الثانية و النصف صباحاً فجر عيد الفطر المبارك فأكرمنا الله بأن صلت عليك جموع كبيرة من المصلين و الجيران و الأهل و الأصدقاء و الآحباب و الزملاء قبل أن يوارى جثمانك الثرى في مقابر الجريف غرب (الشيطة) .
اللهم اغفر لأم إبتهال و ارحمها و ارض عنها و ارفع درجتها و ارزقها أعالي الجنان و اجمعنا بها و الأهل و الأحباب في جنات النعيم .
و لا نقول إلا ما يرضيك عنا (إنا لله و إنا إليه راجعون)
أبو إبتهال
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
«رغم ألم الفراق فخورة ببنتى».. والدة الرقيب "أمنية " بالإسكندرية تروي اللحظات الأخيرة قبل إستشهادها
تظل مآثر شهداء الشرطة الذين بذلوا أرواحهم فداءً من أجل الوطن خالدة في الذاكرة داخل كل شخص و مع الذكرى عيد الشرطة، من كل عام يتذكر زاويهم تفاصيل استشهادهم من أجل وطانهم ومن ضمنهم فتاة في العشرينات من عمرها التي ودعت أسرتها فجر يوم 9 أبريل 2017 و اصبحت أحدي الشهداء في انفجار الكنيسة المرقسية لتصبح عروسًا في الجنة.
التقت بوابة " الأسبوع" مع والدة الشهيدة أمنية محمد رشدى، أحد النماذج الوطنية للشرطة المصرية من شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الوطن لتروي لنا اللحظات الأخيرة قبل استشهادها.
تقول الحاجة صبرة بركات، والدة الرقيب أول شرطة أمنية رشدي، التي استشهدت في الحادث الإرهابي بتفجير الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، عن أن يوم استشهاد ابنتها كان من أصعب الأيام في حياتها، ولكنه يحمل ذكريات لا تُنسى حيث أن ابنتها منذ ثورة يونيو، كانت تتمنى الشهادة وكانت دائمًا تروي لها قصص الشهداء و تتناقش حول منزلة الشهيد وما يمثله من اختيار واصطفاء من قبل الله.
روت الحاجه صبره و عيناها تملؤهما الدموع يوم استشهاد أمنية، حيث أشارت إلى أنها تلقت قبل الحادث بيوم نبأ من ابنتها التي أخبرتها بأنها تم انتدابها ضمن فريق حماية الكنيسة المرقسية الواقعة بالقرب من منزلهما وكانت حالتها النفسية في ذلك اليوم مختلفة تمامًا، إذ بدت سعيدة ومرحة بشكل لافت، ولم تتوقف عن المزاح مع إخوانها طوال اليوم مضيفه أنها اختتمت يومها بأداء صلاة قيام الليل، وقد كانت صائمة في يوم استشهادها حيث خرجت متوجهة إلى عملها، احتضنتها وقبلتها، ثم عادت مرة أخرى بعد نزولها على الدرج لتقبل يديها وتوصيها بالعناية بشقيقتها الصغرى، وترسل تحياتها إلى والدها، كأنها كانت تدرك أنها لن تعود إلى المنزل مرة أخرى مشيره أن شعور القلق تجاه ابنتها كان غير طبيعي، ولم تتمكن من تفسير هذا الإحساس الذي كان يسيطر عليها
واصلت حديثها قائلة إنها تلقت مكالمة هاتفية من زوجها لإبلاغها بوقوع انفجار في إحدى الكنائس بمحافظة طنطا. وأثناء حديثها معه، وقعت انفجار هائل هز أركان المنزل، مما أثار القلق بين سكان المنطقة الذين تجمعوا لمراقبة الوضع. طلبت من أحد أبنائها أن يأخذها للاطمئنان على ابنتها أمنية، بعدما علمت بإصابتها في المستشفى، لكنهم لم يكشفوا لها الحقيقة. وعند وصولها إلى المستشفى الجامعي، صُدمت بمشاهد الإصابات بين أبنائنا وشبابنا مشيره أننا انتقلنا إلى مستشفى الشرطة، ولم تُخبر بالخبر الأليم حول استشهاد ابنتها حتى رأت صورتها على شاشة التلفاز.
وأشارت إلى أن فقدان ابنتها، التي كانت تبلغ من العمر 25 عامًا، كان أمرًا شديد الصعوبة، حيث إن الفراق هو أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان ورغم ذلك، تعتبر هذه الشهادة مصدر فخر وعزة، إذ قدمت ابنتها حياتها فداءً لوطنها، وكان لها دور بارز في حماية أرواح الأبرياء موضحه أن ابنتها كانت مخطوبة، وقد أعدت لها جميع مستلزمات الزواج، وحتى الآن تظل تنظر إلى جهازها، حيث تحمل كل قطعة فيه ذكريات ومواقف خاصة.
وأضافت أن ابنتها كانت تتمتع بشخصية متفردة، وتحمل قيمًا وأخلاقًا سامية و كانت محبوبة في مجال عملها من قِبل الجميع، وامتازت بطموحها وأحلامها الواسعة. التحقت بكلية الحقوق، وكانت تأمل في إعادة الثانوية العامة للحصول على درجات تؤهلها لدخول كلية الطب، لتصبح ضابطة طبية إلا أنها حققت أهم وأعظم جائزة، حيث نالت الشهادة في سبيل الله.