موقع النيلين:
2024-11-27@08:19:20 GMT

عام على الفراق

تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT


ها هو عامنا القمري الأول يمضي منذ أن اصطفاك ربك شهيدة في الأيام الأولى لتمرد و حرب المليشيا المجرمة الإرهابية التي استهدفت منزلنا بصاروخ موجه لتلحقي بأخيك شهيد الميل 40 شمس الدين الأمين (شميس) ، و بوالدتك الحاجة مريم إسماعيل شيبون المرأه الصالحة التقية التي سبقتك إلى ربها بنحو سنتين في أبريل 2021 و كنت دائماً ما تقولين لي بأنك ستكونين أول اللاحقين بها !!

أذكر في ذلك اليوم الخامس عشر من أبريل 2023 الموافق الرابع و العشرين من رمضان 1444 و أنا نائم بعد أن أنجزت أعمالي الصباحية جاءني صوتك عند الساعة التاسعة تقريباً ( أصحى إنت ما سامع صوت الضرب) فصحوت و قلت لك إنها الحرب التي كنا و غالبية الشعب السوداني نتوقعها و نحن نشاهد و نتابع حشد مليشيا الدعم السريع لقواتها و آلياتها في كل مكان داخل العاصمة منذ عدة أسابيع و الذي تصاعد في الأيام الأخيرة عندما رأى الجميع الجرارات و هي تحمل الدبابات و المدرعات قادمة من دارفور ، و كنا قد تابعنا قبل ثلاثة أيام من ذلك اليوم توجه عشرات العربات القتالية المجهزة تحمل مئات الجنود من قوات الدعم السريع و هي تحاصر مطار مروي !!
كانت ترتيباتك للتعامل مع الوضع سريعة و بجدية و صرامة :
– المراتب أرضاً و النوم أرضاً !!

– شراء الإحتياجات اللازمة من المواد الغذائية الجافة (و كنت قبل ذلك ألاحظ تجفيفك لبقايا الرغيف منذ بداية رمضان) !!

و أذكر أنك أحضرت من الدكان أيضاً كمية غير معتادة من (القرنفل) و عندما سألتك إبتهال عن سبب ذلك كان ردك بالحرف الواحد (إذا الواحد مات ما يلقى حاجة يحنطوه بيها) !!
– شراء الكهرباء عبر بنكك و بسرعة !!
– التأكد من تعبئة الصهريج و كل إناء يمكن تعبئته بالماء !!

– نصحك لنا بعدم متابعة ما تنقله القنوات من أخبار خاصة قناتي العربية و الحدث و كذلك ما تنشره مواقع التواصل الإجتماعي عن الحرب !!
– التواصل مع معظم الأهل للإطمئنان عليهم !!

– مواصلة إكمال تجهيزات و ترتيبات العيد (النظافة – تركيب الستائر – تجهيز الخبائز) و غيرها !!
لقد كان تعاملك مع الحرب بصورة جادة أكثر منا جميعآ !!
أما اليوم الأخير من رمضان و الحرب قد مضى على بدايتها خمسة أيام فقد كان كل شيئ في بيتنا يوحي بوقوع حدث ما !!

فقد كان حديثك خلال جلستنا التي تلت الإفطار كله منصب حول تذكيرنا بنعم الله علينا و قد عددت منها الكثير الذي لم نكن نفطن له ، و كان حديثك عن الكيفية التي تعدين بها وجباتنا : (أنا أكلكم ده بدخلو معمل عديل كده ثم بعد ذلك أقوم بطبخه) و كأنك تنقلين (الملف) إلى إبتهال التي كنت قد أحسنت تربيتها و علمتيها الثقة بالنفس و الكثير ، حتى فنون الطبخ التي يبدو أنها قد تفوقت عليك في بعض أصنافها !!

ثم كان حديثك الذي يشبه الوصية الأخيرة (المرحلة الجاية من حياتكم مختلفة فاستعدوا لها) !!
و كانت وصيتك لي و أنا في طريقي لأداء صلاة العشاء و كنت إماما للمصلين في الأيام الأخيرة بعد سفر إمام مسجدنا في إجازة العيد (ما تطول الصلاة لأنو الدنيا حرب) !!

و بعد أن تناولنا وجبة العشاء إنصرف كل منا إلى ما تبقى واجباته :
أنت لترتيب و مراجعة نظافة الحوش ، إبتهال للنظافة الداخلية ، و أنا لإكمال كي ملابسي !!
و سبحان الله فمنذ تلك اللحظات كان التواصل بيننا عبر النظر فقط ، و كانت آخر نظرة لك لإبتهال عبر الشباك عندما سمعنا صوت إنفصال الصاروخ الذي أطلقته علينا المليشيا المتمردة عند الساعة 12:26 ص من شارع مدني جوار مباني جمعية قطر الخيرية و كانت إبتهال حينها تناديك (يا ماما أدخلي ، يا ماما أدخلي) و مع آخر نداء لها كان الصاروخ قد سقط و انفجر فأصابتك شظاياه و سمعناك و سمعك الجيران و أنت ترددين الشهادة و كانت تلك آخر كلماتك و بعدها لم نسمع لك صوتا رغم محاولات إسعافك التي بذلت فيها إحدى الطبيبات الفاضلات دكتورة دانية عتباني بعد أن حولت منزلها في مربع (84) إلى مركز للإسعافات هي و طاقمها المساعد مجهودا كبيراً لإسعافك ، و كنا قد وصلناه بعد بحث مضن عن أي مستشفى عامل في تلك اللحظات ، لكن قضاء الله كان نافذا و الإصابات كانت مؤثرة و قاتلة ففاضت روحك الطاهرة إلى بارئها عند الساعة الثانية و النصف صباحاً فجر عيد الفطر المبارك فأكرمنا الله بأن صلت عليك جموع كبيرة من المصلين و الجيران و الأهل و الأصدقاء و الآحباب و الزملاء قبل أن يوارى جثمانك الثرى في مقابر الجريف غرب (الشيطة) .

اللهم اغفر لأم إبتهال و ارحمها و ارض عنها و ارفع درجتها و ارزقها أعالي الجنان و اجمعنا بها و الأهل و الأحباب في جنات النعيم .
و لا نقول إلا ما يرضيك عنا (إنا لله و إنا إليه راجعون)
أبو إبتهال

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

شَرَّكْ مَقَسَّمْ فوق الدَّقَشَمْ

(الحربُ فی نهاياتِها) هكذا قال البرهان فی كلمته أمام الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر الأول لمواجهة التحديات الإقتصادية لما بعد الحرب، والذی نظمته وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي ببورتسودان، وقال الفريق أول عبد الفتاح البرهان:

(هناك الكثيرُ من التحديات والقليلُ من الفُرَص) وللحقيقة فإن السيِّد رئيس مجلس السيادة، القاٸد العام، لم يتطرق إلیٰ التَّحَدِّی الكبير الذی سيجد الشعب السودانی نفسَه فی مواجهته، وهو كيفية إعادة تلك الروح السودانية الفريدة فی تجاوز الخلافات، والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع.

حكیٰ الدكتور مصطفی الفقي رجل السياسة والدبلوماسية المصري فی أحد البرامج التلفزيونية، إنه إندهش عندما شاهد سفير السودان بمصر ومعه الملحق الإعلامي، فی ضيافة المشير جعفر نميری، عندما كان لاجٸاً فی مصر بعد الإنتفاضة، وكان مطلوباً لدیٰ الحكومة السودانية فی ذلك الوقت، وأنَّ الفقي حكیٰ للرٸيس مبارك عن تلك الواقعة، وأضاف إنَّ حكومة نميري كانت العدو الأول للحزب الشيوعي السوداني لكنَّ ذلك لم يمنع النميری من السماح لزميله فی مدرسة حنتوب الثانوية محمد إبراهيم نُقُد الأمين العام للحزب الشيوعي -المُطارَد أمنيَّاً- من المشاركة فی اليوبيل الذهبی لمدرسة حنتوب، والذي كان أكبر مَن شارك فيه (نميری ونُقُد) وقبل ختام الحفل همس أحد رجال الأمن فی أذن نُقُد بأن نميري سيغادر مكان الحفل بعد ربع ساعةوقال له:-(يَلَّا إتَّكِل علی الله.) وغادر نقد موقع الحفل بسلام، وعاد إلیٰ مخبٸه.

ويُردف د. الفقي بالقول (شوف كيف الشعب السوداني ده، في قِمَّة الرُقِي)

وعلی ذِكر المغفور له بإذن الله الأستاذ محمد إبراهيم نُقُد، نُثبت له إنَّه عندما عاد المغفور له بإذن الله الدكتور حسن عبد الله الترابي من كندا بعد حادثة الإعتداء عليه هناك، جاء نُقُد لزيارته متخفياً فقد كان مطلوباً من قِبَل الأمن، ووقف أمام منزل الترابي داخل عربة حتَّیٰ شاهد اللواء الركن طبيب الطيِّب إبراهيم محمد خير فقال له: (يا السيد الوزير، بَلِّغ دكتور حسن الترابي تحياتي وسلامي وقول ليهو نُقُد بيقول ليك، شَرَّكْ مَقَسَّم فوق الدَّقَشَم.) وعاد إلیٰ مخبٸه، قبل أن يُسَجِّل الفريق أمن صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات زيارة مفاجٸة له فی المنزل الذی كان يختبٸ فيه بعد حادثة الترابي تِلك بسنوات، ولم يأمُر بإعتقاله!!

ولن ننسى عناق فاطمة أحمد إبراهيم للمشير عمر البشير أمام حفل جماهيری بالقطينة، ولا واجب العزاء علی روح نُقُد الذی قدمه البشير عند وفاته رحِمه الله. كما لا يفوتنا نقل جثمان المرحوم الشريف حسين الهندی لكی يُقبر في قبة والده ببری، علی عهد نميری حيث كان الشريف حسين، من أخطر وأكبر وأشرس معارضی ثورة مايو، وكذلك السماح بنقل جثمان المرحومة فاطمة أحمد إبراهيم من لندن إلیٰ الخرطوم حيث وُورِیَ جثمانها ثریٰ أم درمان، فی عهد ثورة الإنقاذ ، رحم الله الجميع وغَفَر لهم، كل هذه الشواهد يبدو إعادة تطبيقها الآن ضرباً من الخيال، بل هی من المستحيلات تماماً، بعد كل الفظاٸع التی إرتكبتها المليشيا، التی دَمَّرت منظومة القيم والأخلاق، قبل أن تدمر المباني والمصانع، وقبل أن تحتل المنازل والمستشفيات، وقبل أن تنهب الأموال والسيارات، وقبل أن تغتصب الحراٸر ، وتُذِل الكبار من الشيوخ ، وتذبح الشباب ذبح الشياه، وتسمم المياه، وترسل المسيرات لقتل الآمنين، وتستخدم سلاح الجوع لتشريد المواطنين، وتفرض الأتاوات علی العابرين!!

هل بإمكان،خالد سِلِك،أو ياسر عرمان أن يُقَدِّما واجب العزاء فی من لقي ربه علی أيدی المليشيا المجرمة، في موطنهما الجزيرة (مثلاً)؟

هل بإمكان الشعب السوداني الكريم أن يقبل العفو أو الدِّية فی مَن قُتِل مظلوماً علی يد مليشيا آل دقلو؟، ولو كانت (الدٍّية بوزن الضحية ذَهَباً !!) أو بمليارات الدولارات !! لا أعتقد.

عودة الناس إلی ديارها ورتق ما انفتق من النسيج الإجتماعي، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، هو المطلوب والممكن، وسيكون ذلك ضمن توصيات المٶتمر الإقتصادی، وليس ذلك بمستحيل، فقد عادت ألمانيا واليابان إلیٰ الازدهار بعد الحرب، وعادت المدن الأندونيسية لسابق عهدها بعد التسونامی، وعادت دولة رواندا كأسرع الدول الأفريقية نُمواً بعد الحرب الأهلية الطاحنة، والأمثلة تجلّ عن الحصر، لكن ما حدث فی السودان مخالف لكل تلك النماذج !!

نسأل الله أن يشملنا بعفوه وعنايته وأن يُسبغ علينا نِعَمه ظاهرةً وباطنة.

وأن يُلْهِمنا الصواب، وأن يُعيننا حتّیٰ لا يُفلِتَ مجرمٌ من العقاب، وأن يُنعِم علينا بأن يُجنبنا شهوة الإنتقام، وأن يُعيد لنا الأمن والأمان والسلام،حَتَّیٰ نُعيد بناء الثقة والوئام بين مكونات هذا المجتمع النبيل، ولن نركن إلیٰ التَمَنِّی، لكن سنعمد إلیٰ الإقدام.

وما نيل المطالب بالتمنِّی، ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا.

وما استعصیٰ علی قومٍ منالٌ،إذا الإقدام كان لهم رِكابا.

النصرُ لجيشنا الباسل.

العِزة والمِنعة لشعبنا المقاتل.

الخِزی والعار لأعداٸنا، وللعملاء.

وما النصر إلَّا من عند الله.

والله أكبر ولا نامت أعين الجبناء.

محجوب فضل بدری

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • شَرَّكْ مَقَسَّمْ فوق الدَّقَشَمْ
  • الجنجويد أشَرْبُوا البَحَر جُوووتْ!!
  • محللون: الدول العربية لديها فرصة كبيرة لوقف الحرب إذا كانت جادة
  • وكيل تموين الإسكندرية:نتابع المجمعات الاستهلاكية أحد أهم المنافذ التي تحقق استقرار القطاع التمويني
  • صباغ : سورية تجدد إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية السافرة على دول المنطقة وشعوبها، وإدانة جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني
  • كانت أمّاً لطفل.. مقتل عتالة كوردية بنيران القوات الايرانية
  • اليمن: الصخرة التي كسرَت قرون الشيطان وتستعد لتحطيم طغاة العصر
  • أوكرانيا تخسر 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في مقاطعة كورسك الروسية
  • ما هي قاعدة “حتسور” الجوية الصهيونية التي استهدفها حزب الله للمرة الثانية
  • الدفاع المدني ينشر مجمل الخسائر التي تكبدها جرّاء الحرب على قطاع غزة