صدى البلد:
2025-01-31@02:34:05 GMT

د. محمد بشاري يكتب: الفلسفة.. نجاح من قلب الفشل

تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT

هل يصح نقد العقل للدين

إن الإجابة على التساؤلات الدائرة حول كل من الدين والعقل، والتعامل معها كجدلية لا يمكن بنائه دون الأخذ بعين الاعتبار الموقف الإنساني الأصيل من المادية والمنهج الذي يعتمد على التجريب المطلق، وفي ذات الوقت النظر لمكنون وماهية الروح في عقل ووجدان الباحث في القضايا ذات الصلة. ولكن في ذات الوقت، لا بد لنا من توفير "روح النقد" السليم، من خلال الانطلاق من أرضية غير زائفة، وذلك يكون بالتأكد من سلامة كليهما، فنقد العقل للدين إذا كان العقل غير متزن لن تصح رؤيته، وإن كان متزناً ولكن الدين مشوب بضبابية أو اجتزاء أو تطويع، فلا يمكن الاعتداد بالرأي النقدي الناتج ولا اعتباره ناضجاً إلا على العينة التي تناولها.

ومن ناحية ثانية، فإن النقد حتى يرتقى بأهدافه للتقييم المفضي للتقويم لا بد أن ينطلق من خلفية موضوعية نقية من الايدولوجيات، وخالية من السعي لإثبات رأي يسبق التدارس والإمعان، وبالتالي فإن النقد الفلسفي والعقلي للدين لا يصح إلا بشروط ومحددات تضمن سلامته من المآزق الفكرية.

الثمار الفلسفية:  من ... إلى!
وبصورة أكبر وأكثر عمقاً، فإن البيئة التي تحتضن العملية الفلسفية، جديرة بالوضع بعين الاعتبار في سياق معاينة الحصاد الفكري والاستفادة منه، إذ تشكل الخلفية الثقافية والاجتماعية والسياسية مؤثراً قوياً ومباشراً فيما يرد تالياً لها، وهذا لا يعد البتة من باب الغلو والتصعيب والتعقيد، فكم من مبدع ومفكر وفيلسوف ورجل دين أحيلت أفكاره للزوال مر التاريخ وامتداده؟ وكم من عالم صاحب حق وعلم وافر آمن به الناس بعد نفيه وفنائه؟ وكم من نظرية نطبق حذافيرها في واقعنا بعد أن هجرت على الرفوف حتى أثقلت بغبار الإهمال والتقليل؟ وفي سياقنا الذي يتناول التفكير النقدي العقلي للدين، يشار للفيلسوف الكبير إيمانويل كانط مؤلف كتاب: (الدين في حدود مجرد العقل)، الذي اضطر للاعتذار عن انتاجه الفلسفي حين اصطدم مع سمفونية الوجود السياسي والثقافي في بلده، سيما في ظل حكم الكنيسة وسطوتها البارزة،  محدثاً ضجة دعت للتراجع عن الاستمرار في حقل التفكير المعمق في مجال الدين، رغم أنه لم ينفصل عن زمانه الذي نعت حينها ب"عصر التنوير" المعروف باستناده وبكل ما أوتي من قوة على العقل، الذي أخذ به حينها "مرجعية سامية" على ما سواها، الأمر الذي فسر شيوع "عقيدة العقل" دون الرغبة بالالتفاف حول الدين الذي اقتصر حينها على اعتباره "دين طبيعي" لا أكثر.

وفي الالتفات للإنتاج الفلسفي والنقدي الكانطي، نجد ملامح التأثر الواضحة في "الكوكبة البيئية" له، إذ تبدو فلسفته متشبعة بتأثير بدا جله قبل وأثناء وبعد فترة حياته، وما فيها من تفاصيل حروب دينية، وطائفية، ونزاعات، وغيرها. الأمر الذي يبدو واضحاً في تكوينه النفسي والفكري عند تتبع مؤلفاته التي ضمت جميعها انعكاسات هذا التأثر. ومن ناحية أخرى فإن هذا الطرح، سواءاً أعلق بكانط أو غيره، لا يعني التسليم لكل ما ينجبه العقل البشري لمجرد ارتفاع مقام منتجه سواء أكان علمي أو فلسفي أو ديني، أو غيره، فهنا ندخل في شروحات وفحوى القداسة التي نحن لسنا بصدد الحديث عنها، ولكن المؤكد أن المقصود هو التأني في الأخذ أو الرفض، وليس غير ذلك، وبخاصة في ضوء الاستفادة القصوى من العديد من التجارب الإنسانية "الفاشلة" بمعنى أن الفشل لا يعني انتهاء الصلاحية، بل يعني خبرة جديدة لصاحبها، وخبرة مجانية لمن يعيد قراءتها مستفيداً منها، باعتبارها نقاط تنبيه ونوافذ جديدة على أفق لم تكن واضحة من قبل.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

محمد كركوتي يكتب: موانئ الإمارات من قفزة إلى أخرى

لا تهدأ التوسعات الخارجية للموانئ الإماراتية، التي تستند إلى استراتيجية شاملة، تحاكي الحراك العالمي في هذا المجال، وتتقدم على الساحتين الإقليمية والعالمية ككل. ويأتي ذلك في ظل إمكانيات هائلة يتمتع بها هذا القطاع. فالإمارات تمتلك أقوى شبكة ربط مع الموانئ البحرية على المستوى العالمي في دول المنطقة. ولأن الأمر كذلك، فقد تصدرت في السنوات الثلاث الماضية الدول العربية كلها في مجال الربط البحري مع موانئ العالم. ولأسباب عديدة أخرى، فالموانئ الإماراتية قادرة على استقطاب استثمارات عالمية كبيرة. ومن بين هذه الأسباب، تصدرها مؤشر جودة البنية التحتية للموانئ عموماً في الشرق الأوسط. فقد أظهر حراك هذا القطاع المحوري، قدرة ليس فقط على صعيد التنافسية، بل المحافظة على جودة الخدمات والعمليات عبره.
وتمكنت الإمارات في السنوات الماضية من تطوير أكبر شبكة موانئ بحرية في المنطقة، ما أسهم في قيامها بتوسعات خارجية كبيرة، بلغت قيمتها في العام الماضي 12 مليار درهم تقريباً. وهذه التوسعات شملت (كما هو معروف) 12 دولة، قامت بها كل من «موانئ أبوظبي» و«موانئ دبي». وتساهم استراتيجية متبعة تستند إلى التكنولوجيا والابتكار، بهدف تعزيز نمو القطاع، الذي يمثل محوراً مهماً في مسار النمو الاقتصادي عموماً. والتوسعات المحلية والخارجية التي يجري تنفيذها تقوم أساساً على أحدث الحلول التكنولوجية. وهذا ما يفسر نجاح الإمارات في إدارة وتشغيل موانئ في 11 بلداً، بما فيها بريطانيا والسعودية، والهند وإندونيسيا، وغيرها. وحتى في الفترة التي شهدت فيها سلاسل التوريد العالمية اضطرابات كبيرة، كانت إدارة هذه السلاسل من قبل موانئ الإمارات، تتم في أعلى معايير الجودة والأدوات المتطورة.
لا شك في أن الاستثمارات المكثفة في الموانئ البحرية بالإمارات، وفرت لها زيادة كبيرة في طاقاتها الاستيعابية، وهذا محور أساسي في كل الموانئ الناجحة عالمياً. فاستقبال السفن العملاقة والتعاطي معها بسلاسة، عزز تنافسية القطاع بقوة. فقطاعات مثل التصنيع والغذاء والتكنولوجيا والنفط والغاز والبناء وغيرها، شكلت أكثر من 64% من الطلب في السنوات الأخيرة. مسار موانئ الإمارات يمضي قدماً وفق أسس تشكل انطلاقاً تلو الآخر، نحو آفاق إقليمية وعالمية واسعة، أعطت نتائج عالية الجودة محلياً وخارجياً.

أخبار ذات صلة محمد كركوتي يكتب: الرسوم في مواجهة النمو العالمي شركات الموانئ الإماراتية تسرع وتيرة التوسعات الخارجية

مقالات مشابهة

  • بعد الإعلان عن استشهاده.. من هو محمد الضيف القائد العام لكتائب عز الدين القسام؟
  • محمد خزعل يكتب: تهويد القضية الفلسطينية
  • محمد وداعة يكتب: تقدم .. تتصدع
  • محمد جمعة حامد نوار يكتب: القبول
  • محمد مغربي يكتب: لماذا ندم عرّاب الذكاء الاصطناعي في العصر الحديث؟
  • محمد معيط: صوتنا في سياسات صندوق النقد «مهم للغاية» على المستوى الدولي|فيديو
  • محمد كركوتي يكتب: موانئ الإمارات من قفزة إلى أخرى
  • جامعة السلطان قابوس في عيون الأكاديميين المصريين
  • العقل المدبر وراء تطبيق DeepSeek الذي أرهق العمالقة!
  • د. الحسبان يكتب .. عن اليرموك وازمتها والساحر الذي يهز قبعته فتلد أرنبا