شارك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في صلاة عيد الفطر في الجامع المنصوري الكبير في المدينة القديمة، حيث ام مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، المصلين بحضور النائبين اللواء أشرف ريفي وكريم كبارة، الوزير السابق عمر مسقاوي،  رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق، ممثل محافظ الشمال المهندس عامر حداد، رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة توفيق دبوسي، الامين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد الخير، المقدم إسماعيل الأيوبي ممثلا قائد منطقة الشمال الإقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد مصطفى بدران واعضاء المجلس البلدي باسم بخاش، احمد البدوي، صفوح يكن، احمد القصير، عبدالحميد كريمة، وباسل الحاج، ورؤساء المصالح والدوائر في البلدية ودار الفتوى واوقاف طرابلس، وحشد من المشايخ والمصلين من ابناء المدينة.

  وقال الشيخ إمام في خطبة العيد: "الحمد لله رب العالمين، أحكم الحاكمين ، ذي الجلال والإكرام، إله الطيبين ورب المستضعفين، وناصر المظلومين، سبحانه، له الحمد أبداً، ونحمده كما ينبغي لجلال وجهه، وكمال صفاته، وجمال فعاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الكبرياء وحده، وله العظمة المطلقة، وله الجبروت في الملكوت وحده، وأشهد أن خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم صلاة دائمة إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين".    اضاف: "أيها المصلون الصائمون المفطرون، أيها المستجيبون لأمر الله الراشدون بأمر الله، وفي يوم العيد، يوم الفرحة ، يوم الجائزة، بصل الصائمون في هذه الصبيحة المباركة إلى واحدة من أهم مرادات الله تعالى في فريضة الصوم ، هذا الصوم الذي كُتب علينا كما كتب  على الذين من قبلنا، هذا المراد الجليل الحكيم يتعلق بالصوم وما تشتهيه نفس الإنسان، شهوات الإنسان، فإن الله الحكيم العليم قد أودع في الإنسان شهوات مستمرة، وركب فيه رغبات متجددة ، لضرورة الحفاظ على حياته وعمارة هذه الأرض ، فالجوع لو لم يكن بهذا الإلحاح لما أكل الإنسان، العطش لولم يظهر بهذه اللهفة ما شرب الإنسان - والميل الغرائزي لو لم يوجد وراءه قوة الرغبة لما تزوج الإنسان ، هذه الشهوات الثلاث الأساسية، التي بها استمرار الحياة، ويضاف إليها شهوات أخرى كشهوة التملك وشهوة الجاه وشهوة الثروة . وشهوة العقارات وشهوة الولد، وغيرها ، والحقيقة أن الصوم ورمضان إنما تفرد بهذا الأجر الذي فاق كل ثواب الأعمال الأخرى لأن الصائم ترك تلك الشهوات الأساسية الثلاث امتثالاً لأمر الله وطاعة له وليس لأي سبب آخر، وإلى ذلك أشار الحديث القدسي عن رب العزة: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته لاجلي"، فمراد الله تعالى من الصوم سيطرة الانسان على شهواته وتتحكم فيها ارادته ولا يكون تابعاً لها كيفما اتفق لتحصيلها من حرام أو حلال، فتستقيم حياته ويستقيم المجتمع ، وقد قال سبحانه عن هذا المراد العظيم: "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً  يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا". واردف: "أما علاقة الصوم بيوم الفطر فهي صورة الدنيا الحياة نفسها وعلاقتها بالاخرة والتي تتلخص بأنك أيها الصائم صبرت ثلاثين يوماً ثم ثلت الجائرة مانعا نفسك من شهواتك ثم نلت الجائزة  وعدت إلى الفطر في هذا اليوم مع الثواب والاجر وكذلك عليك أن تصبر في الدنيا وتمنع نفسك عن المحرمات مهما طال عمرك حتى توافي الآخرة سالماً غانما تفرح بفطرك وتفرح بآخرتك".  وفي الشأن السياسي، قال: "لكن، أمَا أن للمسؤولين في واقعنا الأليم، المسؤولون الصائمون عن تحمل مسؤوليتهم أما آن لهم أن يفطروا؟! جاء اليوم الذي فيه يحملون قضايانا الوطنية الكبرى من انتخاب رئيس، إلى انتظام عمل المجالس والمؤسسات والإدارات، إلى اجتثاث الفساد، إلى نشر الأمن وحماية أرواح الناس، إلى سلسلة طويلة من حاجات الناس المتألمين كرامة عيشهم ومستقبل اولادهم".   أضاف: " اما على الصعيد الطرابلسي والشمالي، فقد آن لنا أن نلتف حول بعضنا البعض، وأن نتفادى جميعاً وتتكاتف على المستوى السياسي والبلدي والنقابي ودار الفتوى والمرجعيات الروحية وكل موقع مسؤولية، أن ننكب على شؤون مدينتنا وشمالنا ومعالجة مشاكلنا المتروكة وواقعنا المتعلق المتهاوي، فالحكمة تقول: "لا يضرك الجبل الذي أمامك ولكن تزعجك الحصاة التي في حذائك "، والجميع مسؤول، ومقعدك السياسي ليس ملكاً لك،  ومقعدك  البلدي ليس شأناً خاصاً بك، ومقام الإفتاء كذلك. انما هو التكامل والتعاون والرعاية مع الجميع". وتابع: "طرابلس تنادينا، فعسى أن نلبي النداء إن شاء الله ان نتنادى للتعاون والتكاتف والاهتمام على تنمية مدينتنا واظهارها بابهى صورة، وحوائجها كثيرة من اقتصاد وتربية وصحة وبنية تحتية ومظهر سليم في مدينتنا، على اننا اياها الاخوة في صبيحة عيدنا ان نتذكر ليس بعيداَ عنا قوما قائمين بالصوم لم يفطروا تحت الحصار والمجاعة والعطش والخوف والتدمير وانعدام كل مقومات الحياة عندهم، اعني اهل فلسطين وغزة، نسأل الله تعالى ان يفرج عنهم ويبدل خوفهم امنا ويرحم شهدائهم ويؤوي شريدهم".

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

مجرد رقم " الأخيرة"

                 

 السعادة هى فن نصنعه بأيدينا، وكذلك التعاسة، قد يعترض كثيرون على مقولتي، مما يجعلني أطرح سؤالا يبدو تقليدي لكنه مهم كوجود الإنسانية جمعاء، "هل يصنع الإنسان حياته وقدره "، نعم يصنع الإنسان حياته وقدره، وأستثني بالطبع من هذا موعد ميلاده وموته، أما رزقه فهو مرتبط بسعيه، وقد لا يأتيه رزقه المالي قدر سعيه مما يغضب له الإنسان ويشعره بعدم عدالة السماء" والعياذ بالله" ،  ولكنه لا ينتبه إلى أنه يأخذ رزقه كاملا في باقي نعم الله عليه بها من ستر، صحة، أسرة طيبة، زوجة أو زوج صالح، أولاد، مركز إجتماعي أو علم نافع، وهكذا، وقد لا يدرك كثيرون أن رزق المال هو أدنى الأرزاق، وكم من أثرياء حرموا اشياء كثيرة منها الصحة مثلا مما افقدهم متعة المال، يصنع الإنسان حياته بإختياراته من خلال عقله الذي ميزه الله به عن سائر مخلوقاته،  يختار طريق الخير والصلاح لنفسه ولغيره، أو طريق الشر، فقد هدانا الله النجدين لنختار، أما مسألة أننا مسيرون وكل ما نعيشه مقدر ومكتوب، فهو أمر يخلط به الناس مسألة أن المكتوب لا يعني أن الله كتب لنا طريقنا في الحياة بالقلم والمسطرة لنسير عليه مغمضي العينين، بل يعني أن الله يعلم وهو عالم الغيب، يعلم ما سيفعله كل مخلوق من مخلوقاته في حياته، وكيف سيتصرف في النعم التي أنعم عليه بها، وإلا لو كنا نسير وفق خطة مسبقة وضعها الله لنا، لما جعل هناك ثواب وعقاب وجنة ونار، وهي قضية قديمة حسمها الأئمة والشيوخ، لكنى أوردها هنا لزوم ما أريد قوله  لنفسي أولا قبل أن اقوله لكم،  أن الإنسان هو من يختار كيف يسير حياته، ليس فقط في الدراسة و العمل  والتعامل مع البشر غيره لتحقيق مستقبل ناجح وتحدي صعوبات الحياة بإرادة قوية، بل هو من يختار كل تفاصيل حياته، حتى وقوعه في الحب هو إختيار مسبق له،  لأن الإنسان يضع في اللاوعى إشتراطات للشخص الذي يمكن أن يحبه فتاة أحلام، فارس أحلام، فإذا صادف هذا الشخص تلاقى هواه النفسي مع الواقع، فوقع في الحب معتقدا أنه لم يختار وأن القدر إختار له هذا الحبيب بكل ما به من خير أو شر قد يتكشف فيما بعد.   

 ولأن الله سبحانه أورثنا الأرض بعد أن نفخ فينا من روحه، فلا يصح أن نهمل ونتغافل ونتكاسل، ونلقى بلائمة الفشل في حياتنا على ما كتبه الله لنا وأن هذا هو  قدرنا، فهذه أكذوبة نعلق عليها تقاعسنا، فهناك ملايين النماذج في الحياة خلقها الله بعجز وإعاقات لكنها تحدت وحققت نجاحات سجلها التاريخ، وأسوق مثلين فقط، ستيفن وليام هوكينج اشهر عالم فيزياء ولد قعيدا ومعاقا، ولم يستسلم لعجزه، طه حسين لو استسلم لظروف بيته وفقدان بصرة لجعل حياته كلها عتمة وظلاما، ولم يصبح وزيرا ولا عميد الأدب العربي ولم يعرفه العالم، إذا عدم إشتراط الإنسان على الله إكتمال النعم ليسعى وينجح ويسعد في الحياة، هو الرضا الذي يمنح النجاح و السعادة، وإيلاف النعم  أي إعتيادها يفقد الإنسان الشعور بها وبأهميتها، فيشعر بالضجر من حياته وعدم الرضا ويطلب المزيد من الله، ولا يتأدب حتى في طلبه من الله بل يطلبها ساخطا غاضبا منكرا كل ما وهبه الله من نعم أخرى، ويوقف كل رضاه وسعادته على ما غاب عنه. 

 هؤلاء البشر معتادي النعم منكروا فضلها، لو حرمهم الله من نعمة فقط مما إعتادوها كأن يفقد عينا او يدا، جزء من جسده، أو يصاب بمرض يجعله غير قادر حتى على تناول ساندويتش فول كان يزهده ويستنكر تكرار طعمه من قبل بسبب ضيق ذات اليد، عندها سيفيق من غفلته ويتنبه أن الله أسبغ عليه نعما لا تحصى، ومن معتادي النعم من يملأ حياته تشاؤما وبكاء ونواحا مما يلقى به في أتون الشيخوخة والمرض بسرعة بسبب عشقه للهم والغم وتضخيم المشاكل وتهويل الصغائر، ويمكن لشاب أن يصبح عجوزا لهذه الأسباب، فيما يمكن لعجوز ان يظل شابا في مظهره وصحته لتمسكه بالتفاؤل والطاقة الإيجابية والرضا بعطايا الله وحمده وشكره.

  مؤمنة أنا بأن عاشق البهجة ستأتية السعادة من حيث لا يدري ولا يحتسب، ومعتنق الحزن سيأتيه الهم والغم من حيث لا يدري أيضا، من يضخم المشاكل ستتضخم، ومن يهون منها ويعمل ما عليه وترك الامر لله مدبر كل أمر ستهون المشاكل وتنفك العقد، مؤمنة ان العمر مجرد رقم في البطاقة، ويمكننا العيش بقلب طفل إذا ما فعلنا ما علينا وفوضنا امرنا لله ونشدنا الرضا وراحة البال ،إجمالا،  عاشق الحزن سيحزنه الله، ومحب الفرحة سيرسل الله له الفرح وبصورة بسيطة كالمعجزات، من يتمارض سيمرضه الله لأنه انكر نعمة الصحة، ومن حارب مرضه بالإبتسام والرضا مع الأخذ بأسباب الشفاء سيشفيه الله أو على الأقل سيخفف عنه وطأة المرض، من عاش خائفا من الفقر فهو عبد للشيطان لأن الشيطان هو الذي يعد عباد الله بالفقر ويخوفهم منه، ومن عاش واثقا في غنى الله له بالحلال ولم يهرول للحرام لثقته أن الله سيستره في أحلك أوقاته، سيستره الله بالفعل ويرسل له الرزق الحلال من حيث لا يدرى أو على الأقل لن يدعه في ضائقة الحاجة والذل وسيفرجها عليه ويكفية بما رزقة بإسدال البركة، فمن صبر على الإبتلاء واعتقد إيمانا في قول الله تعالى:" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " ، سيرى الخير قادما من قلب ما اعتقد أنه شر، وسيرى النور قادم من حلكة الظلام.   

  إصنع من أحلامك فراشات واطلقها حولك لتحلق في دائرة من النور، وستجد أن أحلامك تتحقق باذن الله، وسيطوع الله لك كل طاقة الكون والخلق لتتحقق أحلامك مهما طال الإنتظار، فقط إفعل ما عليك من عمل وجهد وحركة في الحياة فليس للإنسان إلا ما سعى، ولا تهنوا ولا تحزنوا، ولا تراقبوا عدد السنين من أعماركم لأنها مجرد رقم .

 [email protected]

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • «وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 10 يناير (النموذج الأول والثاني)
  • مجرد رقم «الأخيرة»
  • "ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق".. موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة بعنوان مفهوم المواطنة
  • وزارة الأوقاف تحدد خطبة الجمعة القادمة
  • مجرد رقم " الأخيرة"
  • حكم الصوم في شهر رجب .. دار الإفتاء تجيب
  • بالونة بيضاء تشعل الجدل.. إمام عاشور يرد على الإنتقادات|ما علاقة منى فاروق؟
  • المفتي دريان: تحصين الوحدة اللبنانية هو بانتخاب رئيس للجمهورية
  • مطران بورسعيد: لا تستطيع أي قوة في العالم أن تفصلنا عن بعضنا البعض