خاطرة
الدكتور الخضر هارون
يا حليل. هذه الجملة الناقصة والتي يكتنف نقصها أريحية تتيح للمستخدم دوما الاستخدام كيف شاء حزينا كان أم سعيدا أو مبتهجا بصنيع الخالق الأعظم من الجمال والإبداع في البشر والشجر والحجر أيضاً ابداعاً تنفرج له الأسارير وتطيب به النفس فيقول القائل ( الله!)
أحببتها فبحثت عن أصلها في المعاجم العربية فلم أجدها على ذلك التركيب والاستخدام والحيل موجود في المعاجم وحتي شدته (شد حيلك) تجدها هناك لدي عرب اليوم والأمس تجري علي كل لسان.
أما طرفة بن العبد فقد استخدم شبيهها (يا حليل) في التفجع على مصير طائر الكروان المغني إذا صادف يوم بؤس النعمان وهو يوم نسب للنعمان بن المنذر أو لعمرو بن هند أو لشقيقه قابوس كان إذا خرج فيه فالويل لمن لقيه من البشر فذاك لقاء الموت أما الطيور المغنية فتكفيه جوارح نسوره أمرها فتصطادها عنه. قالها طرفة ( يا حليلا) بلغة أخري: في هجاء شقيق الملك عمرو بن هند واسمه قابوس:
لعمرك إن لقابوس بن هند في ملكه نوك كثير
لنا يوم وللكروان يوم تطير البائسات ولا نطير.
قالوا جاءت البائسات بالكسر برغم كونها فاعلا ثم قالوا بل هي منصوبة للترحم أي للحزن عليها فكأنه استخدم ( يا حليلا) استخدام الجزائريين اليوم!
وأكثر ما تستخدم لدينا في الحنين الممزوج برنة حزن علي الفراق المؤقت وربما الدائم:
يا حليل رمضان ونتبعه بأن يبلغنا القادم منه كقول الإخوة في الجزيرة والخليج (عساكم من عواده.)
و في أغنية سليمان عبد الجليل وحمد الريح الشجية حيث السواقي النايحة نص الليل حنين الدنيا مسكوب في بكاها :
يا حليل الراحو
وخلو الريح تنوح فوق النخل.
فرغم غرق القري والنخيل التقي ساكنوها في بقاع أخري!
ويا حليلن دوام بطراهم!
ويا حليل ناس آمنة عند ساعة التلاقي
ويا حليلك يا بلدنا
وفي الحزين حيث تسكب العبرات:
والله وحدوا بينا البارحونا وراحو
شالوا من وادينا بهجتو وافراحو
بالكتير يا حليلون يا حليل الراحو!
ومثل هذا كثير في الغناء السوداني لا يكاد يحصي.
وجل هذا لفراق مرجو بعده التلاقي تفيض به المشاعر في حينه وربما أعقبته العبرات. وهذا من جميل المشاعر الإنسانية تسمو فيه الروح فوق الماديات ولعاعات الدنيا.
وقد تجئ الكلمة لرغبة عارمة لا تخلو من الغرائز الدنيا :
حليلك يا ام ضمير يا بدر دورين صديرك عام تقول غرر الوزازين.
وهذا هياج مقدور عليه بالزواج الحلال إن تيسر!
وكانت احدي عماتي عليهن من الله الرحمات ببركة اوخر هذا الشهر الفضيل ،١٤٤٥هجري, تختم الدعاء أدبار صلواتها :
يا حليلنا من الموت!
حقاً يا حليلنا من الموت, اللهم لطفاً.
قال عبدالله الطيب لعل الكلمة من قولهم ما أحيلي! وبدا لي أن ما أحيلا بعيدة في المعني من يا حليل. وللعمانيين مدحة جميلة للنبي الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام تبدأ بما أحيلا ولعل معناه ما أحلي لولا أن تفندون .والحق أن في ترنيمة ما أحيلي شيء من يا حليل تحمل معان الاشتياق في ترنيمة لايهاب جنتلمان:
ما أحيلي ديار ربنا يا لشوقي أليها مسكناً
لي اشتياق يا ربي أن أراك!
استعنت بلسان اللسان وهو موجز من لسان العرب لابن منظور فلم أجد الكلمة لكني رأيت أنها ربما اشتقت من قولهم :
أحلت الناقة علي ولدها أي در لبنها له
وكما تري فكأنها حنت عليه فأرضعته. ووجدت كثيرا من مفردات عاميتنا وعرة خشنة مشتقة من صفات الابل كأنما نحتت من صخر يندر فيها ناعم القول وهذا مبحث جدير بالدراسة.
والذي جاء بهذه الخاطرة ما نحن فيه منذ بداية هذه الحرب اللعينة في منتصف أبريل ٢٠٢٣م مع تسائل مخيف يتأرجح بين الخوف والرجاء: هل بقي لنا من كل استخدامات ( يا حليل) السودانية سوي استخدامها الباكي الحزين المنقطع الرجاء في العودة إلي مرابعنا في السودان ؟ وهو سؤال مشوب بالأسي والتفجع والخوف أن يكون (حليلاً) بلا عودة إن استبدّ بنا القنوط ولازمتنا الغفلة وعدم التبصر ولم ينبلج الصبح عن غمة تسلطها علينا دولة تجمعنا بشعبها كل الروابط الملزمة للإحسان ومقابلة معروف قديم بمعروف وإحسان . سؤال حزين قرأته لأحدهم في هذه الوسائط لرجل من مواطني العاصمة الخرطوم عموم . تلكم المدينة التي تركها لنا المستعمر بهية ناضرة يقصدها رغم صغرها يومئذ الناس من وراء الحدود لأشهر العسل علي شيخ الأندية ، الفندق الكبير لا لأنها علي نهرين فجل العواصم علي ضفاف الأنهار ولكن لسحر فيها وهي تجاور الصحراء ونهرها يجري معاكساً جري الأنهارمن الجنوب إلي الشمال يتحدي قسوة الصحراء إزاء الماء النمير ويتخطي جلاميدها الصخرية في عمقه بجسارة واقتدار حتي يلامس صفحة بحر الروم عند رشيد ودمياط ويذيق حيتانه من نواله . وإذا تهاطل المطر وهو في مسيره المقدس, هي تجاور الصحاري والقفار,جلب ( الدعاش) ونحن من فرطنا لحبه ننسبه إليه وما هو كذلك. و الدعاش , تلك كلمة حبيبة أخري إلي نفوس السودانيين جديرة هي الأخرى بحق المواطنة! هل نحن نهذي و (نطربق) أم تلك لغة المشاعر تفرضها الأحاسيس المشوبة بالأحزان؟ ألا يصاحب الحمي الهذيان؟ أرجو ألا نكون!
يقول ذلك الكاتب المحزون: ما للحشود والوعود لا تشملها (أي الخرطوم) بالتحرير وترمي بعيداً عنها كأنما طواها النسيان! أما أقسي وخذ الحسرات والندم علي ما فات!
تري هل تنقطع استخداماتنا العديدة للعبارة الناقصة ( يا حليل) علي الأسي وعلي الضياع الأبدي وتسكاب الدموع الحري وتصبح العبارة الحبيبة مثل شجرة عارية في فلاة عافتها الحياة وهجر جوارها الأحياء وقد كانت بالأمس القريب مورقة يغشاها الناس من كل مكان فغدت ساقا جافة في قلب صحراء تسمع لرياح السموم فيها صر حزين يعاف الحياة وتعافه ينتظر الفأس؟!
لا بأس بالتشبث بحبال الأمل والفأل الحسن والعزم الأكيد ببذل كل غال ونفيس لحشد العزائم للعودة إلي الخرطوم التي اتسعت تحت عيوننا وتمددت من جراء الحروب المستمرة في أطراف البلاد فحنت كما ينبغي للأم أن تحن علي كل من قصدها حنو المرضعات علي الفطيم ونقول ( يا حليلا) في بعدها المتفائل بالعودة واستئناف العطاء.
abuasim.khidir@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
نص كلمة الرئيس السيسي بقمة الدول الثماني النامية
كتب- أحمد جمعة:
افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، قمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، التي تعقد بالعاصمة الإدارية الجديدة تحت عنوان "الاستثمار في الشباب ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة: نحو تشكيل اقتصاد الغد"، وذلك بحضور قادة الدول الأعضاء بالمنظمة وعدد من قادة الدول النامية والمنظمات الإقليمية والدولية.
وأشار المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن السيد الرئيس قد تسلم الرئاسة الدورية للمنظمة، وذلك خلال الجلسة الأولى للقمة، حيث ألقى سيادته الكلمة الافتتاحية، التي ركزت على سبل تعزيز التعاون بين الدول النامية في مواجهة التحديات الدولية.
وفيما يلي ما نص كلمة الرئيس السيسي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الفخامة والمعالى..
رؤساء الدول والحكومات ورؤساء الوفود المشاركة؛
معالى السيد/ إيزياكا عبد القادر إمام..
سكرتير عام منظمة الدول الثمانى النامية للتعاون الاقتصادى؛
السيدات والسادة؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرحب بكم جميعاً فى مصر.. وبالتحديد فى العاصمة الإدارية الجديدة.. بما تحمله من أبعاد ثقافية وحضارية وتنموية.
وبالتأكيد، فإن لكل دولة من دولنا تاريخا وحضارة وثقافة.. وكذا خلفيتها الاقتصادية التى تميزها .. وهو الأمر الذى يعلى من قيمة منظمتنا.. ويعزز من روح التضامن والتكامل.. والعمل المشترك فيما بيننا.
وأغتنم هذه المناسبة، لأعرب عن بالغ تقديرى، للدكتور/ محمد يونس، رئيس الحكومة المؤقتة لدولة بنجلاديش الشقيقة.. لما بذلته بلاده من جهود متواصلة.. خلال رئاستها للمنظمة .. كما أود أن أشكر سكرتارية المنظمة.. بقيادة السيد "إيزياكا إمام".. على عملها الدءوب وجهودها فى الإعداد لهذه القمة.
الحضور الكريم،
تنعقد اليوم، القمة الحادية عشرة للمنظمة، تحت عنوان "الاستثمار فى الشباب ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة: نحو تشكيل اقتصاد الغد".. وهو عنوان له أكثر من دلالة.. لتركيزه على الاستثمار فى الشباب، الذين يمثلون عماد أوطاننا فى الحاضر والمستقبل... فضلا عن أبعاده الاقتصادية، المرتبطة بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. وهى قاطرة حقيقية للتنمية فى الدول النامية.
السيدات والسادة،
نجتمع اليوم.. فى وقت يشهد فيه العالم، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.. تحديات وأزمات غير مسبوقة.. تحتل فيها الصراعات والحروب
صدارة المشهد.. وتسود فيه كذلك الحمائية الاقتصادية والتجارية، وازدواجية المعايير.
ولعل أبرز الشواهد على ذلك.. استمرار الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى.. فـى تحـد لقــرارات الشـرعية الدوليـة.. وما يصاحب ذلك من خطورة وتهديد.. بامتداد الصراع لدول أخرى، مثلما حدث مع لبنان.. وصولا إلى سوريا التى تشهد تطورات، واعتداءات على سيادتها ووحدة أراضيها.. مع ما قد يترتب على احتمالات التصعيد واشتعال المنطقة، من آثار سوف تطول الجميع، سياسيا واقتصاديا.
وفى هذا السياق، وانطلاقا من مسئوليتنا المشتركة، للتضامن مع الشعبين الفلسطينى واللبنانى الشقيقين.. فقد قررنا تخصيص جلسة خاصة، خلال قمتنا اليوم.. عن الأوضاع فى فلسطين ولبنان.
أصحاب الفخامة والمعالى،
تواجه الدول النامية تحديات جسيمة.. تعيق تحقيق تطلعات شعوبها، نحو الرخاء والتنمية.. فمع نقص التمويل، وتفاقم الديون، وتوسع الفجوة الرقمية والمعرفية، وارتفاع معدلات الفقر والجوع والبطالة، خاصة فى أوساط الشباب.. تجد الدول النامية نفسها فى صعوبة بالغة، فى تحقيق التقدم والنمو على نحو مقبول.
إن مواجهة تلك التحديات المركبة.. تتطلب تضافر الجهود لتعزيز التعاون المشترك.. وتنفيذ مشروعات ومبادرات مشتركة، فى مختلف المجالات.. وعلى رأسها: الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والاقتصاد الرقمى، وتطبيقات الذكاء الاصطناعى، والزراعة، والصناعات التحويلية، والطاقة الجديدة والمتجددة، وخاصة الهيدروجين الأخضر.. بالإضافة إلى دعم وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وعلى الرغم من تنوع المستويات الاقتصادية بين دولنا.. إلا أننا نتفق جميعا.. على أهمية تبادل الخبرات والتجارب الناجحة.. لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.. ومصر على أتم الاستعداد.. لمشاركة تجاربها المضيئة مع الدول الأعضاء.. خاصة تجربتها فى تنفيذ مبادرتى "حياة كريمة" و"تكافل وكرامة"، ومشروعات البنية الأساسية والعمران.
وإيمانا منا، بأهمية إعطاء دفعة للتعاون المشترك بين دولنا.. يسعدنى أن أعلن عن إطلاق المبادرات التالية، خلال رئاسة مصر للمنظمة:
أولا- تدشين "شبكة لمديرى المعاهد والأكاديميات الدبلوماسية" .. لتعزيز التعاون فيما بينها.. وبناء قدرات الكوادر الدبلوماسية، لمواكبة قضايا العصر الحديث.
ثانيا- إطلاق مسابقة إلكترونية، لطلاب التعليم ما قبل الجامعى فى الدول الأعضاء.. فى مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيات التطبيقية.
ثالثا- تدشين "شبكة للتعاون بين مراكز الفكر الاقتصادى" فى الدول الأعضاء.. لتبادل الأفكار والرؤى.. حول سبل الارتقاء بالتعاون الاقتصادى والاستثمارى.. ومعدلات التجارة بين دولنا.
رابعا- تدشين اجتماعات دورية لوزراء الصحة بالدول الأعضاء.. واستضافة مصر الاجتماع الأول عام 2025 .. لمناقشة سبل تعظيم الاستفادة من التطبيقات التكنولوجية والعلمية المتطورة، لتطوير هذا القطاع المهم.
كما أود أن أغتنم هذه الفرصة، لأعلن عن اعتزام مصر.. التصديق على اتفاقية التجارة التفضيلية التابعة للمنظمة.. تأكيدا لأهمية تعزيز التجارة البينية بين الدول الأعضاء.
وختاما، أتمنى لكم جميعا التوفيق فى مشاورات ومباحثات مثمرة.. لتحقيق أهدافنا ومصالحنا المشتركة.. ولتلبية آمال وتطلعات شعوبنا فى مستقبل أفضل، بإذن الله تعالى.
أشكركم جميعا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اقرأ أيضًا:
بث مباشر| السيسي يترأس فعاليات قمة منظمة الدول الثماني النامية
الرئيس السيسي قمة الدول الثماني النامية الرئيس عبد الفتاح السيسي العاصمة الإدارية
تابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة الرئيس السيسي: سوريا تشهد اعتداءات على سيادتها ووحدة أراضيها أخبار الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية للقادة المشاركين في قمة الثماني النامية أخبار وزير النقل: توجيهات رئاسية بالتنفيذ الفوري لكافة أوجه التعاون مع العراق أخبار توافد القادة المشاركين في قمة "الثماني النامية" لمقر الانعقاد بالعاصمة أخبار أخبار مصر