بسم الله الرحمن الرحيم
أ.د. أحمد محمد أحمد الجلي
ahmedm.alglai@gmail.com
مقدمة:
تمثل الأخلاق أحد الركائز الثلاث التي يقوم عليها الدين الإسلامي: العقيدة، والشريعة، والأخلاق.ولعل من المقاصد الرئيسة للرسالة المحمدية ،بعد التوحيد ونبذ الشرك،تقويم السلوك ،وتطهير النفوس وتزكيتها،كما يتضح من قول الله تعالى:( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ،آل عمران: 164.
ويرى اخر بأن الأخلاق ازدهرت في البلدان العلمانية الحقيقية، بينما تدهورت في البلدان التي ما زالت ترفع شعارات دينية.
ولا شك ان هذا قول ساقط يصدر عن جهل بالاسلام وعدم معرفة بما يتضمنه من قيم وتعاليم وفي قمتها القيم الاخلاقية، ويتجاهل ما يحدث في الدول الغربية التي ترفع شعارات العلمانية وتبشر باللبرالية,وقد عرتها حرب غزة وبينت خواءها.(انظر: حرب غزة تعري الغرب ،وتفضح ازدواجية معايير حقوق الإنسان لديه، د. احمد محمد احمد الجلي،سودانيال ،11 December, 2023).
ولا تستحق مثل هذه الاقول الرد عليها، لولاء خشية ان ينخدع بها بعض السذج، ويغتر بها بعض التافهين ،لاسيما ان احد قائليها- عليه من الله ما يستحق- شخص يدعي انه متخصص في التاريخ الاسلامي،كما تصفه الانسايكلوبيديا، ويدفعه لهذا العداء حقد دفين ضد الدين لا سيما الاسلام، وتحركه العصبية العمياء والكره الاحمق، الذي ظل يحمله حتى مهلكه ،نسأل الله العافية وحسن الخاتمة.
ورداً على هذه المزاعم الباطلة التي لا اساس لهاـ، تحاول هذه الورقة بيان: مفهوم الأخلاق،و أهميتها في الإسلام: ، وما تقوم عليه من أسس. وخصائص الأخلاق الإسلامية،و أثرها في الفرد والمجتمع: ،الى غير ذلك من القضايا المرتبطة بالاخلاق في الاسلام.
مفهوم الأخلاق:
الخلق في اللغة العربية الطبع والسجية. أمَّا في إصطلاح علماء الأخلاق ،فقد عرفه الإمام الغزالي(ـ 450 - 505 هـ، / 1058-1111م)، في كتابه الشهير الذي حاول من خلاله ربط الاعمال التي امر بها الإسلام مو،ون عبادة وتعامل بالاخلاق. فيعرف الأخلاق بأنها:" عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية،فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلاً وشرعاً سميت تلك الهيئة خلقاً حسناً،وإن كان الصادر الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً"( إحياء علوم الدين، الغزالي، 3/52.) فالخلق، إذن، صفة مستقرة في النفس – فطرية أو مكتسبة- ذات آثار في السلوك محمودة أو مذمومة." (الأخلاق الإسلامية وأسسها ( الميداني) ص:7.) ويمكن تعريف الأخلاق بأنَّها: مجموعة من المعاني والصفات المستقرة في النفس، وفي ضوئها وميزانها يحسن الفعل في نظر الإنسان أو يقبح،ومن ثم يقدم عليه أو يحجم عنه.
الأخلاق والقابلية للتغيير:
إذا كانت الأخلاق هيئة راسخة في النفس، فهل هذا يعني أنَّ الخلق أمر فطري ثابت في النفس لا يقبل التغيير والتبديل،وبمعنى آخر هل يمكن تغيير الأخلاق أم لا؟.
للإجابة على ذلك نجد أنَّ هناك رأيان: ذهب أحدهما إلى أنَّ الخلق أمر ثابت لا سبيل إلى تغييره،وأنَّ المرء يولد خيراً ويستمر كذلك ،أو يولد شريراً ويستمر أيضاً كذلك،وليس في الإمكان أن تغير أخلاق الشخص ،و لا أن تستبدل بخلق آخر أفضل أو أحسن.
والرأي الثاني: يذهب أصحابه إلى أنَّ الأخلاق قابلة للتغيير،وأنَّ لدى كل شخص استعداداَ مزدوجاً لإكتساب الأخلاق الفاضلة أو الرديئة.
ولعل هذا الرأي الأخير يتفق مع النظرة الإسلامية،ويدل عليه ما يلي:
1. إنَّ الإنسان يولد على الفطرة المتمثلة في حب الخير والحق والفضيلة، ولكن هذه الفطرة قد تؤثر فيها بعض العوامل من بيئة اجتماعية أو أسرة أو صداقة أو تقليد فتفسدها. وقد ورد فى صحيح البخاري عن أبى هريرة قال : قال رسول الله : "ما من مولود إلاَّ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ؟ ، ثم يقول: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ،الروم:30 (صحيح البخاري كتاب التفسير، باب لا تبديل لخلق الله لدين الله ، حديث رقم:4775)،.كما ورد قول الله تعالى:(لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم،،ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) ،التين: 4-5، . فهذا يدل على أنَّ النفس قد تنصرف عن هذه القيم إلى أضدادها،الأمر الذي يفيد إمكانية تغير الخلق وتبدله.
2-لو لم يكن تغيير الخلق ممكناً لما كان هناك مبرر لنزول الكتب السماوية،وإرسال الرسل ،ولما كان هناك معنى للشرائع وللقوانين ودعوات المصلحين والمربين. وقد استدل الإمام الغزالي على ذلك بقول النبي "حسنوا أخلاقكم" .وهذا دليل- فيما يرى- على إمكانية تغيير الخلق،وأنَّ ذلك لو لم يكن ممكناً لما أمر به،ولو امتنع ذلك لبطلت الوصايا والمواعظ والترغيب والترهيب.... بل كيف ينكر تهذيب الإنسان مع استيلاء عقله،وتغير خلق البهائم ممكن؟." ( ميزان العمل،أبو حامد الغزالي،بيروت دار الكتب العلمية ص:61)
3-ويشهد لهذا الرأي أيضاً، ما ورد من قول الله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) ،الإنسان:3 . وقوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) ،البلد:10،وقوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، ،فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) ،الشمس: 7-8.الذي يدل على أن الله تعالى بين للناس طريق الهدى والضلال،والخير والشر،وأن الإنسان هو الذي يختار هذا الطريق أو ذاك.
أهمية الأخلاق في الإسلام:
للأخلاق أهمية كبرى في سلوك الإنسان وما يصدر عنه من أفعال،بل إن سلوك الإنسان موافق لما يعتمل في نفسه من معان وصفات،وكما يقول الغزالي:" فإنَّ كل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة". (احياء علوم الدين ،كتاب رياضة النفس ) ، ولما للأخلاق من أهمية نجد أنَّ الإسلام عني بها وأهتم بتقويم سلوك الإنسان،بل إنَّ رسالة الإسلام الأولى هي تحقيق مكارم الأخلاق المتضمنة في شرع الله سبحانه وتعالى.يقول النبي : " إنَّما بعثت لأتمم صالح الأخلاق".
ومما يدل على أهمية الأخلاق في المنظور الإسلامي ما يلي:
أولاً: يهدف الإسلام في الجملة إلى صياغة مجتمع أخلاقي،يتسم أفراده بقيم عالية في السلوك والتعامل. ومن أجل تحقيق ذلك وضع منظومة من الآداب والقيم تنبني عليها شخصية الفرد المسلم وتحكم علاقاته مع الآخرين. و لذلك تمثل الأخلاق في الإسلام الروح التي تسري في كل تشريعاته: من عبادات وعادات ومعاملات، ونظم وآداب،وهي الأصل الثابت في كل أحكامه وأوامره ونواهيه ،سواء منها ما يتعلق بالفرد أو بالأسرة أو بالمجتمع أو بالحكم أو العلاقات الدولية.
ثانياً: ساوى الإسلام بين مفهوم الخلق الحسن وبين معنى الدين،فقد ورد في الحديث: "أنَّ رجلاً جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله ما الدين؟ فقال الرسول : " حسن الخلق" .وفي حديث آخر قال رسول الله : "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإنَّ الله ليبغض الفاحش البذيء".( رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.)
ثالثاً: رفع الإسلام من شأن الأخلاق الحسنة،،وجعل أ حسن الناس خلقاً أقربهم منزلة إلى الرسول يوم القيامة.وكما ورد في الحديث:" إنَّ أحبكم إليَّ،وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً".
رابعاً:ربط الإسلام بين الإيمان والأخلاق،فالإيمان بالله يستلزم أن يكون المؤمن ذا خلق محمود،كما أنَّ سوء الخلق دليل على عدم الإيمان أو ضعفه. فخلق العدل مثلاً يربطه الإسلام بالإيمان،فيقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) ،المائدة:8. . وقد بين الرسول هذه الصلة بين الإيمان والأخلاق فيقول:" أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً،ومن كانت فيه خلة منهن ،كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها،إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر،وإذا وعد أخلف،وإذا خاصم فجر." (مسلم كتاب الإيمان،باب خصال المنافق.).
خامساً:ربط الإسلام بين العبادات وآثارها الأخلاقية،وبين أنَّ للعبادات من صلاة وصوم وحج، أبعاداً أخلاقية،وآثارا سلوكية تترتب على إحسان أدائها.فالصلاة تنهى عن سوء الخلق والمنكر من الأفعال، يقول تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) ،العنكبوت:45 ،والزكاة تؤدي إلى تربية النفس وتطهيرها من الشح والبخل.يقول جلَّ شأنه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ،التوبة:103. والصوم يقود إلى التقوى وتجنب المنكرات. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ،البقرة:183 .ويقول الرسول :"من لم يدع قول الزور والعمل به ،فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". والحج تربية عملية للروح ،ورياضة مؤثرة في النفس،ووسيلة فعالة لاكتساب كثير من الأخلاق ،والتخلص من بعض ذميم الصفات. يقول تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) ،البقرة:197 . وهكذا فإن للعبادات في الإسلام بعداً أخلاقياً ،وغايات سلوكية يرجى أن تتحق من أدائها والقيام بها.
مصدر الإلزام الخلقي:
الإلزام الخلقي :هو الدافع الذي يجعل الإنسان يلتزم بمبادئ الأخلاق،أو القوة التي لها سلطان على الإنسان وما يصدر عنه من أفعال وبموجبها يمكن الحكم على الأفعال بالخير أو الشر.( الأخلاق في ضوء الفكر الإسلامي، سعد الدين صالح ، ص: 31)
ومبدأ الإلزام الخلقي هو المحور الأساسي الذي يدور حوله النظام الأخلاقي كله،و لا يمكن تصور قاعدة أخلاقية أو نظام أخلاقي بدونه.وإذا ما فقد هذا الإلزام لن تكون هناك مسؤولية،وإذا عدمت المسؤولية فلا يمكن أن تكون هناك عدالة ،وحينئذ تتفشى الفوضى ويفسد النظام وتعم الهمجية.( انظر : دستور الأخلاق في القرآن ، محمد عبد الله دراز، ص:21.)
وقد اختلفت الآراء حول مصدر هذا الإلزام:
1- المجتمع: يذهب بعض علماء الإجتماع إلى أنَّ مصدر الإلزام الخلقي هو سلطة المجتمع،أي أنَّ العادات والتقاليد والمعتقدات السائدة في مجتمع ما يتحدد منها ضمير جمعي ينعكس صداه في ضمير الفرد. فمصدر الإلزام الخلقي،وفقاً لهذا المذهب، هو قوة الضغط الإجتماعي،فالناس يلتزمون بمبادئ الأخلاق التي يعينها المجتمع،ويتبعون الطريق الذي يرسمه،ويسلمون له قيادهم حتى يصبح عادة لهم أشبه بغريزة النملة أو النحلة التي تسير في حياتها طبقاً لنظام ثابت. فلا يستطيع الإنسان أن يقاوم هذه الغريزة بفضل تلك القوة القاهرة للحياة الاجتماعية..
2- العقل أو الضمير: في مقابل تلك النظرة التي تربط الالزام الخلقي بالمجتمع،وتغفل تماماً عنصر الإنسان الفرد الذي يملك إرادة وعقلاً ورغبة،نجد اتجاهاً فلسفياً آخر يجعل الملكة العليا في النفس الإنسانية،أو العقل المدرك الذي ينبع من داخل الكيان الإنساني، هو مصدر الالتزام بالواجب الأخلاقي.
مصدر الالزام الخلقي في الإسلام العقل والوحي: لا يقبل الإسلام أيَّة نظرية تحاول تجريد الإنسان من مسؤليته الأخلاقية في مقابل التبعية المطلقة للجماعة.وقد أكد القرآن الكريم أنَّ الكثرة الاجتماعية ليست مقياسا للخطأ والصواب، ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)، يوسف: 21، ومن ثم لا يصح من الإنسان أن يقبل فكرة لمجرد أنَّ الأغلبية تؤمن بها،بل عليه أن يفكر فيما يعتقد من الأفكار حتى ولو عمت أهل الأرض جميعاً.
ومن استقراء القرآن الكريم نجد فيه ما يوحي بأنَّه يؤكد على الرأي الذي يعلي من شأن العقل المدرك والنفس الإنسانية، إذ أنَّه يقرر ما يلي:
1- إنَّ غريزة معرفة الخير والشر مغروسة في طوايا النفس الإنسانية منذ تكونها الأول، فيقول تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا،فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) الشمس: 7-8.
2- البصيرة الأخلاقية ملكة أصلية مستقرة في صميم الإنسان وفي بنائه الباطني: فكما وهب الله الإنسان ملكة اللغة والحواس،فقد زوده ببصيرة أخلاقية:" (بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) ، القيامة:14-15.
3 -إنَّ الله تعالى هدى الإنسان إلى طريق الفضيلة ليأتيها، وبين له طريق الرذيلة ليتجنبها واودع في نفسه خصائص القدرة على ادراك الخير والشر،والهدي والضلال ،والحق والباطل،قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْن،،وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ،وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، البلد: 8-10.
ِ4- إذا كانت النفس تأمر بالسوء ،فإنَّ للإنسان القدرة على ضبط سلوكه والتحكم في اتجاهاته الأخلاقية. وقد بين القرآن الكريم أنَّ في النفس الإنسانية قوى تحاول أن تحرك الإنسان وتدفعه إلى الشر وهي النفس الأمارة.وقوى أخرى تحاول أن تؤنبه وتدفعه إلى طريق الخير ، ،وهي النفس اللوامة ،والنفس المطمئنة. فالنفس إن كانت أمارة بالسوء ،فإنَّ الإنسان قادر على أن يحكمها وينهاها،(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى،فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) ،النازعـات: 40-41.
من هذه الحقائق يتبين أنَّ في الإنسان سلطة خفية تنير له الطريق ,وتوجه إليه الأمر الصريح بأن يفعل الحسن ولا يفعل القبيح،فما ذا تكون تلك السلطة الخاصة التي تدعي السيطرة على قدراتنا الدنيا،إن لم تكن ذلك الجانب المضيء من النفس،الذي هو العقل". ( دستور الأخلاق في القرآن ،محمد عبد الله دراز) ، وإذا لم يستطع كل الناس ممارسة هذا التأثير على النفس فإنَّ منهم من يوفقه الله لذلك، وهذا ما أشار إليه الرسول بقوله:" إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه".
ورغم احترام القرآن وتقديره للعقل ،غير أنَّ العقل وحده لا يكفي لأن يكون مقياساً مطلقاً للأخلاق، لأنَّه يختلف من إنسان لآخر ،وقد تؤثر عليه العادة ويفسده الهوى ،وتتسلل إليه الأوهام والشكوك وضروب الضلال.ومن هنا كان لا بد من مرشد للعقل، يهديه إذا ضل، ويرده إلى الحق إذا انحرف. و لابد من ربط العقل بسلطة عليا ينحسم معها الخلاف وينقاد لها الجميع،وهذه السلطة لا يمثلها لا المجتمع ولا القوانين،هذه السلطة لم تكن إلاَّ لخالق الإنسان ،العليم بأمره وبما يصلحه ويفسده،وهو الله سبحانه وتعالى :( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك: 14. وهكذا فإنَّ نظرية الإسلام في الإلزام الخلقي تقوم على أساس العقل الموجه بالشرع. فالشرع هو السلطة العليا التي تحجب عن العقل هواه وترشده حينما يتردد ويحتار،وتقيه من فاسد العادات .ففي الفرد عنصر عقلي هو مصدر الأخلاق ولكن تأثيره ضعيف في مقاومة الشهوات فقُوِّيًّ بالوحي.
فالإلزام الخلقي يقوم إذن على مصدرين : العقل والوحي،وإذا كان العقل معرضاً للخطأ والقصور أو للتأثير عليه من بقية قوى الإنسان ،الأمر الذي قد يحول بينه وبين اكتشاف ما هو واجب، فإنَّ الوحي مبرأ من ذلك كله لأنَّه من عند الله العليم الخبير.وذلك الوحي الإلهي يتمثل في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وما يتفرع عنهما من أصول تشريعية أخرى كإجماع المسلمين واستنباطات أئمتهم في الفقه والفروع. ولا يعني هذا أنَّ هناك ازدواجية في مصدر الإلزام الخلقي بين الوحي الإلهي والعقل الفطري،فالوحي هو المصدر وهو الحاكم أولا والآمر،ولا تكون أوامر الوحي وأحكامه ملزمة بل و لا تعرف معناها الخلقي إلا بالعقل المفطور على معرفة الله وعلى الإيمان به.
خصائص الأخلاق الإسلامية:
تتميز الأخلاق في الإسلام عن الأخلاق في النظم المادية والفلسفات البشرية بعدة خصائص من بينها:
أولاً: الثبات:
من خصائص الأخلاق الإسلامية الثبات وعدم التغيير والتبديل،فالقيم الأخلاقية في نظر الإسلام ليست نسبية تتغير من فرد إلى فرد ،ومن مجتمع إلى مجتمع آخر ثم من زمن إلى زمن،بل هي قيم تزداد ثباتا وضرورة كلما مرت الإنسانية بتجارب في حياتها الأرضية.فقيم الصدق والأمانة والوفاء بالعهد والسخاء وغيرها من مكارم الأخلاق التي جاءت بها الرسالات الإلهية،على مر التاريخ،لا تتطور مفاهيمها،ولا تتبدل باختلاف الزمان أو المكان،فلن يصبح الصدق في يوم من الأيام، أو في وقت من الأوقات، أو لدى طائفة معينة،رذيلة،كما لن تصبح في أي ظرف أو حال خيانة الأمانة فضيلة. وهكذا في كل الفضائل والرذائل.
ثانياً:موافقتها للفطرة:
جاء الإسلام في تعاليمه وقيمة وآدابه متوافقا مع الفطرة الإنسانية التي خلق الله تعالى الخلق عليها،وقد فطر الله الإنسان على الخير والفضيلة،ومن ثم جاء حديث الرسول : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"،وحديثه الآخر:"كل مولود يولد على الفطرة،فأبواه يهودانه،أو ينصرنه،أو يمجسانه،كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ،هل تحسون فيها من جدعاء؟،ثم يقول أبو هريرة :اقرؤوا إن شئتم : (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الروم:30 فالأخلاق الإسلامية متفقة مع الفطرة الإنسانية السليمة،ومنسجمة معها،وليس فيها ما يعارضها.
ثالثاً: موافقتها للعقل:
جعل الإسلام للعقل مكانة بارزة في نظامه،فدعا الإنسان إلى النظر والتفكر والإعتبار،وإذا اعمل الإنسان عقله فلن يجد خلافاً بين حكم عقله، وما جاء به الشرع من عند الله تعالى.لأن العقل كالشرع منحة من الله وهبة للإنسان.وإذا كان الأمر كذلك فمن الطبيعي أن تكون الأخلاق التي جاء بها الإسلام موافقة للعقول السليمة،و لا تتناقض معها.فما جاء به الإسلام من فضائل وما ذمه من رذائل لن يأتي حكم العقل مخالفا لحكم الإسلام.و لا نجد عاقلاً يحكم عقله لا هواه،ينتهي به تفكيره إلى مدح البخل وذم الجود. أو النيل من الأمين والثناء على الخائن.. أو انتقاص الحليم.
رابعاً: وسطية الأخلاق بين الواقعية والمثالية:
تنشد الشريعة الإسلامية ،بتعاليمها ونظمها، تحقيق المثل الأعلى في السلوك الإنساني والقيم الأخلاقية،وتربية الإنسان لبلوغ الكمال البشري. لذا وضعت الأخلاق الإسلامية أهدافاً سامية ومثلا رفيعة وغايات نبيلة يعمل الإنسان على الوصول إليها في سعيه الدائب في الحياة.ولكن الشريعة الإسلامية كما هدفت نحو المثال والكمال،فإنها راعت جانب الواقع والتطبيق ،عملا بقول الله تعالى:( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة:286: لذلك قامت التكاليف الإسلامية وأمر العبادات على أساس اليسر والسهولة ،وتجنيب الإنسان المشقة والضيق والحرج،ومراعاة جانب الضعف في الطبيعة الإنسانية،وعدم محاسبة الإنسان على الأعمال التي تقع خارج نطاق إرادته،وجاءت الأخلاق الإسلامية متمشية مع الفطرة كما أشرنا. وتتمثل واقعية الأخلاق الإسلامية في: التوسط والاعتدال ،فلا ضرر و لا ضرار ،ولا إفراط ولا تفريط،و لا تبذير و لا تقتير.قال تعالى:( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً )،الإسراء:29 . وأنها وسطية بين الدين والدنيا.. فأخلاق الإنسان المسلم هي أخلاق توسط واعتدال بين أمور الدنيا وأمر الآخرة،والأخذ من كل بمقدار في حدود ما رسمته الشريعة السمحة. ومن واقعية الأخلاق الإسلامية ثلاثية الجزاء وهي: الثواب والعقاب والتوبة. فهناك الثواب للمحسن على حسن ما فعل،وهناك العقاب للمسيء على سوء ما بدر منه.وهناك باب التوبة مفتوح للمخطئ الذي عرف خطأه وندم عليه وتاب منه،ويريد أن يتوب الله عليه.
خامساً:الشمول:
تتسم الأخلاق في الإسلام بالشمول،وقد وضع الإسلام نظاما كاملا للآداب الأخلاقية والسلوكية التي تنظم الحياة الاجتماعية،وتوجه سلوك الفرد في كل مناحي الحياة. وتتسع تلك الأخلاق لتشمل كل جوانب الحياة الإنسانية، حياة الفرد والأسرة والمجتمع،وكافة مجالاتها، الروحية ،والجسمية،الدينية والدنيوية،العقلية والعاطفية، ،ورسمت لكل جانب من تلك الجوانب،وكل مجال من تلك المجالات منهجا سلوكيا راقيا.
-أخلاق الفرد:الأخلاق المتعلقة بالفرد تشمل كافة مناحيه الجسمية والعقلية والنفسية.
1-فاهتمت بالجسم وتلبية حاجاته الضرورية من أكل وشرب فيقول تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ،الأعراف:31.ويقول الرسول :" إن لبدنك عليك حقا" ،ونظمت كيفية أداء تلك الحاجات والوظائف،ومن ثم نجد آدابا للحديث،وآدابا للمشي،وآدابا للأكل والشرب،كما حثت الشريعة على الزواج، وأباحت الاطعمة والاشربة والالبسة والمسكن، ومابه قيام الحياة.وحرمت كل مايفتك بالانسان كتعاطي المخدرات، وتحريم قتل النفس بالانتحار، وشرعت القصاص من القاتل، وحرمت الاعتداء على الغير.
.2-كما اهتمت بالعقل وتنمية مواهبه والحفاظ على ملكاته،فأمرت بإعمال العقل والتفكير والنظر: يقول تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) ،يونس:101 . ويقول أيضاً: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) ،سـبأ:46 وأوجبت العلم والتعلم،واستخدام العقل وتنشيطه، وتنمية مدارك الإنسان.ومن ناحية أخرى حرم الإسلام كل ما يكون سبباَ في إزالة العقل أو إضعافه مما للمكلف فيه اختيار، كالمسكرات، والمخدرات ، وأوجبت العقوبة فيها.
3- كما اهتمت الأخلاق الإسلامية بالنفس الإنسانية، ومراعاة مشاعرها ودوافعها وأشواقها: فقد اخبر القرآن ان النفس الانسانية قد تلقت في تكوينها الاولي الاحساس بالخير والشر(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)،( 7-8)، وقد فاز من نمى جوانب الخير فيهـ ، وقد خاب وخسر من نمى نوازع الشر والخطايا فيها ـ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ،وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس: 9-10)،
4-الأخلاق المتعلقة بالأسرة: حددت تعاليم الإسلام الأخلاقية ،أهمية الأسرة في الثقافة الإسلامية. و وضعت ضوابط وأُسساً تنظم العلاقة بين أفراد الأُسرة سواء كانت أسرة ممتدة ،أم أسرة صغيرة محدودة.وذلك وفقا لما يلي:
1- العلاقة بين الزوجين،فأمر بالمودة والرحمة بين الزوجين،والمعاشرة بالمعروف والاحسان في التعامل : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) ،النساء:19.
2- العلاقة بين الأبوين والأولاد،فأمر بالبر بالوالدين والاحسان إليهما،والعطف على الأبناء ورعايتهم.: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً) ،الأحقاف:15. (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) ،الإسراء:31.
3- العلاقة بين الأقارب والأرحام،فحث الاسلام على الاحسان الى الاقارب والارحام ،ورعايتهم،وصلتهم،والبر بهم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ،النحل:90. (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) ،الإسراء:26، . وقد أمر الإسلام أن يصل الإنسان رحمه ،ولو كان كافراً ،فإن التزام المسلم بدينه لا يعني المجافاة للأهل والقرابة المخالفين له في الدين، فيقول تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ،لقمان:15.
4- .أمر الله المسلمين بأن يلتزموا بالأخلاق الإسلامية في كل أحوالهم،ومع جميع المخلوقات،حتى الحيوانات ،كما سنرى فيما بعد.وقد ورد في التعامل مع الحيوان في قوله: " إنَّ الله كتب الإحسان على كل شيء،فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة،وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
-أخلاق المجتمع: يهدف الإسلام إلى صياغة مجتمع أخلاقي ،يتحلى بقيم عالية في السلوك والتعامل،ومن ثم وضع منظومة من الآداب التي تحكم علاقة أفراد المجتمع المسلم بعضهم ببعض،وتضع ضوابط للعلاقة بينهم وبين الآخرين.ومن بين تلك الآداب:
• آداب التزاور والاستئذان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ،فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ،النور: 27-28 .فالبيوت سكن للناس يأخذوا فيها راحتهم وتطمئن فيها نفوسهم،فلا ينبغي التهجم عليها والدخول اليها من غير اذن فيفجأ الزائر أهل البيت ،فيطلع على ما لا يحبون ان يطلع عليه احد ،ومن ثم شدد الإسلام على ضرورة الإستئذان في الدخول والحصول على اذن بالدخول ،ومن ثم ان لم يؤذن للزائر، فيطلب منه ان يرجع فذلك اكرم له واحفظ لحقوق اهل البيت.
• آداب الجلوس بالتفسح في المجالس : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ،المجادلة:11.
• آداب المعاملات: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ،الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ،وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) ،المطففين: 1-3. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ) ،البقرة:282 .
• ويتسع ميدان الأخلاق الإسلامية ليتناول المسلمين جميعاً: وفقا لقوله: " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق"،وقوله :" اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها،وخالق الناس بخلق حسن".
• آداب السياسة والحكم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) ،النساء:58 .
• آداب السلوك مع غير المسلمين : المسلم مكلف بالإلتزام بالآداب والقيم الخلقية مع الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين ،فواجب المسلم أن يكون صادقاً وسمحاً ووفياً ،ومتعاوناً وكريماً وأميناً مع المسلم وغير المسلم . لذلك أمر الإسلام بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن: " (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ،العنكبوت:46.وأمر الإسلام بالعدل ولو مع الفاجر أو الكافر قال عليه الصلاة والسلام: " دعوة المظلوم مستجابة،وإن كان فاجرا،ففجوره على نفسه" وقال: " دعوة المظلوم- وإن كان كافرا- ليس دونها حجاب،دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"
آداب التعامل مع البيئة:وهذا مجال يحتاج الى معالجة مفصلة لاهميته لا سيما في العصور الاخيرة وبصفة خاصة في السودان الذي اهملت فيه البيئة واسيء استخدام كثير من مكوناتها،
يراد بالبيئة الكون الكبير وما فيه من الأشياء والكائنات التي تحيط بالإنسان حية كانت تلك الكائنات كالحشرات والحيوانات والطيور، أم كانت جماداً،من سماء وأرض وجبال وأشجار وأنهار ومحيطات، ورمال ووديان. وكل ما في الكون من أشياء، وجد مهيأ لتحقيق مصلحة الإنسان وتوفير حاجاته، وفقاً لمقدار معين، وترتيب خاص، وميزان وحساب، بحيث يكون متلائماً مع ظروف زمانه ومكانه، ومتناسقاً مع غيره من الموجودات حتى يسود الوجود كله توازن شامل ونظام دقيق .وحينما حاول الإنسان العبث بذلك التوازن،واختلت المعادلة القائمة بين الأشياء أصبحت حياة الإنسان، بل وجوده كله مهدد بالخطر والزوال. وتقوم علاقة الإنسان بالكون على أمرين الأول : الحفاظ على البيئة ، وعدم إفسادها، وتخريبها. والإفساد يكون بالإتلاف وتفويت المنافع، أو التلويث والإسراف، أو بإشاعة الظلم والباطل والشر، وبين أنَّ ما ظهر من فساد إنما بسبب أعمال الناس. ان حرم قطع الشجر، وتخريب المباني، وهدمها، أو تهديم أماكن العبادة، أو فعل ما يفسد على الناس البيئة.الأمر الثاني: إعمار البيئة والعمل على رعايتها بتنميتها، وزيادة مواردها. يقول الله تعالى عن دور المسلم في الحياة، والغاية من خلقه في الأرض،ان جعلهم عُمَّارا لها: (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)،هود:61.( انظر: مقالة: آداب الاسلام في التعامل مع البيئة، د. احمد محمد احمد الجلي، سودانايل،تاريخ:7 يونيو, 2022).
وبهذا يتجلى شمول الأخلاق الإسلامية،من حيث موضوعها ومحتواها."و لا نكتفي – كما يقول دكتور دراز-بأن نقول إنَّ هذا القانون لم يدع للنشاط الإنساني في ناحيتيه الفردية والاجتماعية مجالا حيويا أو فكريا أو أدبياً أو روحيا إلا رسم له منهجاً للسلوك وفق قاعدة معينة،بل نقول:إنه تخطى علاقة الإنسان بنفسه،وعلاقته ببني جنسه،فشمل علاقته بالكون في جملته وتفصيله،ووضع لذلك كله ما شاء الله من الآداب المرضية والتعاليم السامية،وهكذا جمع ما فرقه الناس باسم الدين،وباسم الفلسفة ثم كان له عليهما مزيد".) دراسات إسلامية ، محمد عبد الله دراز، دار القلم الكويت 1974. (
أثر الأخلاق في الفرد والمجتمع:
تشكل الأخلاق عاملاً حاسماً في صلاح الأفراد والمجتمعات ،وتقدم الأمم والشعوب. فتخلف الأمة وتقدمها رهين بما يسود فيها من قيم وأخلاق، و أخلاق الخير القائمة على معايير سليمة،مؤشر على صلاح الأمة،كما أنَّ أخلاق الشر المنطلقة من قواعد فاسدة تكون عاملاً رئيساً في انحلال الأفراد والجماعات ،وتفكك الروابط بين الناس،وسبيلاً لتخلف الأمم والشعوب.( انظر: الأخلاق في الإسلام والفلسفة القديمة،اسعد السمحراني، دار النفائس بيروت، ط. أولى 1408-1988م.)
إنَّ بقاء الأمم وازدهار حضارتها ،واستدامة منعتها ، رهن بسلامة أخلاقها ،وانضباط قيمها واستقامة سلوك أفرادها ،فإذا سقطت الأخلاق سقطت الدولة ،وآلت إلى الزوال .
وإنَّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فلا مكان لأمة و لا لدولة و لا لأسرة، إلا بمقدار ما تمثل في العالم من صفات عالية ،وما تحقق من أهداف كريمة. فلو رفع الإنسان شعار الإسلام ،وادعى التمسك بالقرآن وكانت فعاله مخالفة لما رفع من شعارات ،فلن يجديه الشعار شيئاً،ومن الأقوال التي يرويها الإمام ابن تيمية: " إنَّ الله ينصر الدولة العادلة،وإن كانت كافرة،و لا ينصر الدولة الظالمة ،وإن كانت مؤمنة". م(مجموعة الفتاوى (ابن تيمية) 28/62-63)
فالمجتمع الإنساني في حاجة إلى الأخلاق،فالصدق والأمانة وحفظ العهد، مثلا لا بد منها لاستقرار العلاقات الاجتماعية بين الناس ،ولو لم يعتمد الناس عليها لما تبين للناس نوايا الآخرين,ولما كان هناك تماسك بين الناس ولما وثقنا بنقل الأخبار،ولما اطمأن الناس للعهود والمواثيق ولتقطعت العلائق والروابط بين الناس .والمجتمع الذي يقوم على الكذب مصيره الانحلال والتفكك ،ثم التخلف الحضاري ،وينتهي به الأمر إلى الخراب والدمار. لذا شدد الإسلام على ضرورة المحافظة على قيمة الصدق ،ونهى عن الكذب : إنَّ الصدق يهدي إلى البر ،وإنَّ البر يهدي إلى الجنة ،وإنَّ الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا،وإن الكذب يهدي إلى الفجور،وإنَّ الفجور يهدي إلى النار،وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" (البخاري،كتاب الأدب باب قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ،) حديث رقم: (5629)
وقال تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النحل:105) . وقوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ،الأنعام:144 .وتبعاً لذلك حرم الإسلام شهادة الزور ،والقذف بالباطل،لما تؤدي إليه من فساد في المجتمع ،وفتن بين الناس.
وفي المقابل نجد أنَّ الشرور والرذائل تولد شروراً في المجتمعات،فالحسد مثلاً من الرذائل التي نهى عنها الإسلام، لما يترتب عليه من نتائج نفسية واجتماعية سيئة على الأفراد وعلى الجماعات.وهو من الأدواء التي إذا أصابت النفس الإنسانية أضنتها وأشقتها،وجعلتها مصدر أذىً للآخرين، الذين امتحنهم الله بفاضل من نعمه ومزيد من عطائه. إذ يتولد عن الحسد الغيبة ،والنميمة والبغي،والعدوان والظلم،والاتهام بالباطل،وافتراءالكذب،والجور في الحكم،والسرقة ،والغش ،والقتل،وهكذا يقود الحسد إلى كل جريمة قبيحة منكرة. ويتفاوت الحاسدون في مدى ارتكابهم للجرائم،ويكون لكل منهم نسبة تساير ضعف إيمانه،وقلة دينه وخوفه من ربِّه. وهكذا يفعل الحسد في تقطيع وشائج المودة بين الناس،ويفسد الصداقات،ويثير الإحن بين القرابات،ويولد في الناس العداوات،ويفكك أفراد المجتمع،ويباعد بين الجماعات،مما يؤدي بالتالي إلى ضعف الأمة.
ونظراً لأهمية الأخلاق في بقاء الأمم والدول وزوالها،حث الإسلام على الجماعة وحذر من الانفراد والانعزالية. ووضع من الضوابط والنظم ما يقوي أواصر الترابط بين أفراد المجتمع،فأوجب بعض المسؤوليات الجماعية من أهمها: رعاية كل راع لرعيته،الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،الشورى،التعاون على البر والتقوى،زيارة الإخوان في الله ،وعيادة المرضى،وتشييع الجنائز،ودفن الموتى، وإكرام الجار،وإكرام الضيف،والتواصل بالمعروف،والتهادي، وحفظ عرض المسلم من الانتهاك، وحفظ ماله من الضياع والتلف أو العدوان عليه. البعد عن الظلم والعدوان على الأنفس والأموال والأعراض. البعد عن الغيبة والنميمة، والهمز واللمز والشتم.البعد عن كل إضرار بالناس أو إيذاءٍ لهم. التواد والتراحم والتعاطف،إلى غير ذلك من المسؤوليات الجماعية،التي من شأنها أن تدعم وحدة الجماعة ،وتوثق عرى الأخوة بين أفراد المجتمع.
وفي الختام: نسأل الله في خواتيم هذا الشهر الفضيل وايامه المباركة،ان يمن علينا بالهداية وان يوفقنا للالتزام بحسن الخلق ،والتمسك بالاخلاق المستمدة من تعاليم ديننا وقيمه ،لا سيما في ظل هذه الحرب اللعينة، التي مزقت مجتمعنا وشردت شعبنا ،وزعزعت القيم الاخلاقية التي كان يتحلي بها السودانيون ويعرفون بها : من تعاون وترابط وتراحم وإخاء ،ونجده وصبر على المصائيب،وان يجنبنا انماط السلوك السالبة التي تفت من عضد مجتمعنا وتوهن روابطه وتمزق وشائجه،وتشيع بيننا البغضاء والاحن وتنشر بيننا الكراهية والعنصرية.وان يرفع عنا ويلات الحرب ويخفف عنا مأسيها،ويجنب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.وان يعيد علينا رمضان بالامن والامان،والطمانينة والسلام . والصحة والعافية وكل عام والجميع بخير.
* لمن لم يعرف سيد قمني من القراء، فهو حسب ما ورد في الايكوبيديا ،كاتب علماني مهتهم بتفسير التاريخ الإسلامي من وجهة نظر ماركسيةـ واسقط تفسيره الايديولجي في معظم أعماله الأكاديمية ،التي تناولت منطقة شائكة في التاريخ الإسلامي.وبينما يعتبره البعض باحثاً في التاريخ الإسلامي من وجهة نظر ماركسية ،يعتبره آخرون صاحب أفكار اتسمت بالجرأة !!!،في تصديه لفكر جماعات الإسلام السياسي، اضافة الى ارائه حول القرآن الكريم ـوتبنيه افكار الحداثييين حول التعامل مع النص القرآني ،والتي تخالف في عمومها، ثوابت الاسلام حول ظاهرة الوحي ولغة القرآن واسلوبه ، وأن العامل الاقتصادي، والفكر القومي العروبي لعب دورا كبيرا في نشوء الإسلام،الى غير ذلك من الاراء التي فسر بها بعض العلمانيين ودعاة الحداثة والتفسير المادي للتاريخ ،الاسلام وتاريخه وتعاليمه.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأخلاق فی الإسلام الأخلاق الإسلامیة النفس الإنسانیة قول الله تعالى القرآن الکریم أفراد المجتمع الإنسان على العلاقة بین الخیر والشر التعامل مع یقول تعالى بین الناس فی السلوک ت ع م ل ون عند الله فی النفس یهدی إلى ع ل ى ال علیه من إن کانت وإن کان ما یلی ما ورد ومن ثم ورد فی
إقرأ أيضاً:
3 يحبهم الله ويضحك لهم .. حاول أن تكون منهم
ثلاثة يحبهم الله ويضحك لهم يوم القيامة، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ، الَّذِي إِذَا انْكَشَفَتْ فِئَةٌ، قَاتَلَ وَرَاءَهَا بِنَفْسِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ، وَإِمَّا أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكْفِيهِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ، وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ، فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ، وَالَّذِي يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ، فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا، فَقَامَ فِي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْ ضَرَّاءٍ»، رواه الحاكم فى المستدرك، حديث حسن.
الله يضحك لرجلينأَلَا إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَضْحَكُ إِلَى رَجُلَيْنِ : رَجُلٍ قَامَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنْ فِرَاشِهِ وَلِحَافِهِ وَدِثَارِهِ ، فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلَاةٍ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي هَذَا عَلَى مَا صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا رَجَاءَ مَا عِنْدَكَ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا ، وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ ))
ثلاثة يحبهم الله ويضحك لهمذكر علماء الحديث فى شرح مستدرك الحاكم، أن المراد بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- « ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ» هو إخبار المسلمين بأن هؤلاء الثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم تعالى، فالأول: رجل قاتل في سبيل الله فإذا انهزمت فئة من أصحابه ثبت هو وقاتل من ورائها صابرا محتسبا يحمي المسلمين، ولم يفر أو يجبن أو يضعف؛ لأنه موقن بنصر الله أو الموت في سبيله.
وتابعوا: «ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم- في الحديث:«وَإِمَّا أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكْفِيهِ»، أى يكفيه عدوه ويحفظه ويكلؤه، فيقول الله عز وجل : « انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ» أي كيف حبسها لله وهيأها للقتل في سبيله» .
وأضاف العلماء أن قوله –صلى الله عليه وسلم-: « وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ»، أى أن الثاني هو الرجل الذى له زوجة حسنة وفراش ناعم مريح فترك ذلك لله وقام للتهجد بالليل، فيقول الله تعالى: « فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ، فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ»أى يدع شهوته وحاجة نفسه إلى النوم أو إلى امرأته من أجل مناجاتي وذكري ولو شاء نام ولم يقم .
وأوضح العلماء فى شرح المستدرك، أن الإمام الحافظ ابن رجب -رحمه الله- قال: "إن من فضائل التهجد: أن الله تعالى يحب أهله، ويباهي بهم الملائكة ويستجيب دعاءهم "، أما قوله –صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِي يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ، فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا»، أى أن الثالث هو رجل سافر مع رفقة، فسهروا بالليل حتى تعبوا ثم هجعوا أي ناموا ولا شيء هو أحب وأشهى للمسافر من النوم بعد التعب والسهر.
وأشاروا أن قول رسول الله: « فَقَامَ فِي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْ ضَرَّاءٍ »، أى فقام هو من دونهم يصلي بالسحر وهو جوف الليل الآخر وترك النوم لله تعالى وقام يناجيه بالسحر ويدعوه فى السراء والضراء وهذا القول يدل على أن حاله مع ربه لا يختلف يذكر الله على كل حال سواء كان في مسرة أو في مضرة .
وبينوا أن هؤلاء الثلاثة يحبهم الله تعالى، لأن كلا منهم آثر أمر الله على شهوته وحظ نفسه وأعظمهم درجة الأول الذي قاتل بعد انهزام أصحابه؛ لأنه آثر أمر الله على حظ نفسه من الحياة، ويليه الثاني؛ لأنه آثر أمر الله على حظ نفسه من الزوجة ومن النوم، ثم الثالث الذي آثر أمر الله على حظ واحد من حظوظ نفسه.
طرق التقرب إلى الله تعالىيسعى المسلم الحق إلى التقرب من الله- تعالى- واتباع أوامره، واجتناب نواهيه؛ فالتقرب من الله – سبحانه وتعالى- يجعلنا نفوز بجنّات النعيم ورضوان الله وتوفيقه في الدنيا والآخرة، ومن أبرز الطرق التي تقربك إلى المولى -عز وجل-:
1- أداء الصلاة في أوقاتها: تعتبر الصلاة الركن الأول من أركان الإسلام، وهي عمود الدين، كما أنّها أوّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، ومن أحب الأعمال إلى الله أداء الصلاة في وقتها، أي بعد الآذان مباشرة، كما أن الصلاة في المسجد مع الجماعة لها أجر مضاعف أكثرمن أجر صلاة الشخص بمفرده.
2- أداء صلاة التطوع: يقصد بها أداء الصلوات المشروعة وغير الواجبة، مثل صلاة: السنة، والتراويح، والضحى، والتهجّد، والوتر، وتحية المسجد، فينال من يؤدّي مثل هذه العبادات أجرًا عظيمًا، ويتقرّب إلى الله ويفوز برضوانه وجنته يوم القيامة.
3- الحرص على المداومة على الطاعات؛ فمن أحب الأعمال إلى الله هي أدومها، لذلك يجب على المسلم المداومة على طاعة الله، وفعل الخير، فهي السبيل للتقرّب إلى الله ونيل رضاه ومحبته.
4- بر الوالدين: ويقصد ببر الوالدين معاملتهما معاملة حسنة، وطاعتهما في الأمور التي ترضي الله، قال – تعالى-: « وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ»، [سورة لقمان: الآية 14].
5- الصيام: فقد جعل الله - سبحانه وتعالى- الصوم من الأعمال المحببة إليه، والتي تشفع لصاحبها يوم القيامة، فيتقرب المسلم إلى ربه عن طريق صيام شهر رمضان، وصيام التطوع كصيام يوم عرفة لغير الحاج، وصيام يومي الإثنين والخميس، وصيام الأيام البيض من كل شهر وهي يوم الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر.
6- التوبة عن المعاصي والآثام التي ارتكبها المسلم: ويجب أن تكون توبته صادقة وصحيحة، وأن يعاهد الله على عدم العودة إلى المعاصي.
7 - قراءة القرآن الكريم: لقوله -عليه السلام في الحديث الشريف: « من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها»، [صحيح الجامع].
8- الإكثار من الصلاة على النبي -عليه السلام-: تصديقًا لما جاء في الحديث الشريف التالي: «من صلّى عليّ صلاة، صلى الله عليه بها عشرًا»، [رواه مسلم].
9- لزوم الصحبة الصالحة: حيث إن الأصحاب الأخيار يعينون المسلم على طاعة الله، وترك المعاصي والآثام.
10- التصدق على الفقراء والمساكين.
11- الحرص على ذكر الله: فهو من أعظم الأفعال التي يتقرب بها العبد إلى الله -عز وجل-، ومن الأذكار التي جعل الله لها أجرًا عظيمًا التسبيحات الأربعة وهي: سبحان الله، والله أكبر، والحمد لله، ولا آله إلا الله، بالإضافة إلى قراءة الأذكار في الصباح والمساء، وقد جعل الله لمن ذكره الأجر العظيم، وأزال عنه الهموم، وأعانه على قضاء حوائجه، وخصّه الله بمحبته، ووسع له في رزقه، وجعله ممن يدخلون الجنة يوم القيامة، قال – تعالى-: « يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا»، [ سورة الاحزاب: 42،41].