قالت نائبة مدير معهد بروكنغز ومديرة برنامج السياسة الخارجية التابع للمعهد، سوزان مالوني، إن الحرب في غزة واحتمال توسعها أدت إلى قلب الجهود الحثيثة التي بذلها ثلاثة رؤساء أمريكيين لتحويل الموارد الأمريكية والتركيز بعيدا عن الشرق الأوسط.

وأضافت في مقال في مجلة "فورين أفيرز" إن الصراع وصل إلى طريق مسدود جهنمي.

فقد فشلت أشهر من العمليات الإسرائيلية المكثفة في القضاء على حماس، وقتلت عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وعجلت بحدوث كارثة إنسانية في قطاع غزة. ومع اتساع نطاق الأزمة، اتسعت أيضا ارتباطات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فشنت عمليات عسكرية لحماية العبور البحري، وعملت على احتواء ميليشيا حزب الله اللبنانية، وسعت إلى إضعاف قدرات الميليشيات الأخرى من العراق إلى اليمن، واتبعت دبلوماسية طموحة، ومبادرات لتعزيز تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والسعودية.

إن إعادة التعامل مع الشرق الأوسط تمثل مخاطر بالنسبة لبايدن، خاصة أنه يقوم بحملات لإعادة انتخابه ضد سلفه دونالد ترامب، الذي وجدت انتقاداته للتكاليف البشرية والاقتصادية لحروب أمريكا في العراق وأفغانستان صدى لدى الناخبين وعززت حملته الرئاسية لعام 2016.

في استطلاع للرأي أجرته جامعة "كوينيبياك" بعد ثلاثة أسابيع من هجوم حماس، أعرب 84% من الأمريكيين عن قلقهم من إمكانية استدراج الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري المباشر في صراع الشرق الأوسط، واتفق واحد فقط من كل خمسة مشاركين في استطلاع أجراه مركز "بيو" في شباط/ فبراير 2024 بأنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تقوم بدفعة دبلوماسية "كبيرة" لإنهاء الحرب في غزة.


لكن، من وجهة نظر الكاتبة، فإن المخاطر التي يفرضها تردد واشنطن أعظم. والسبب كما تراه هو أن هناك جهة فاعلة إقليمية تستفيد بشكل خاص من تردد واشنطن أو انسحابها: جمهورية إيران.

في الواقع، يمثل المستنقع في الشرق الأوسط فرصة لتحقيق انفراجة في استراتيجية طهران التي استمرت أربعة عقود لإضعاف أحد أبرز خصومها الإقليميين، "إسرائيل"، ولإذلال الولايات المتحدة وتقليص نفوذها في المنطقة بشكل كبير.

كان النظام في إيران يهدف إلى إلهام الانتفاضات الدينية المقلدة بعد ثورة عام 1979، وربما يبدو في نظر العديد من المراقبين أنه قد فشل. والحقيقة أن الحكمة التقليدية في واشنطن وأماكن أخرى كثيرا ما تؤكد أن إيران أصبحت محتواة، بل وحتى معزولة. ولكن هذا لم يكن صحيحا أبدا. وبدلا من ذلك، طورت طهران استراتيجية محسوبة لتمكين الميليشيات الوكيلة والتأثير على العمليات في جوارها مع الحفاظ على قدر معقول من الإنكار - وهو مخطط تم إثبات ذكائه من خلال النطاق المدمر لهجوم حماس والهجمات اللاحقة التي شنتها الميليشيات التابعة لإيران في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

إن المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر هو مشهد أنشأته إيران إلى حد كبير، وهو يلعب لصالح نقاط قوتها. وترى طهران فرصة في الفوضى. يستغل القادة الإيرانيون الحرب في غزة ويصعدونها لرفع مكانة نظامهم، وإضعاف "إسرائيل" ونزع شرعيتها، وتقويض المصالح الأمريكية، ومواصلة تشكيل النظام الإقليمي لصالحهم. والحقيقة هي أن إيران أصبحت الآن في وضع أفضل من أي وقت مضى للسيطرة على الشرق الأوسط، بما في ذلك من خلال اكتساب القدرة على تعطيل الشحن في العديد من النقاط الحرجة.

وإذا لم يتم التصدي للتوسع الدراماتيكي في نفوذ إيران، فمن شأنه أن يخلف تأثيرا كارثيا على "إسرائيل"، والمنطقة الأوسع، والاقتصاد العالمي.

وترى الكاتبة أنه لتعطيل هذا التضخيم للقوة الإيرانية، يحتاج بايدن بشكل عاجل إلى صياغة استراتيجية واضحة ثم تنفيذها لحماية المدنيين الفلسطينيين من تحمل وطأة العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومواجهة استراتيجية الحرب بالوكالة الإيرانية المسببة للتآكل، وإضعاف قدرات شركاء طهران.

منذ سيطرة حماس على غزة عام 2007، عملت إيران كراع رئيسي للجماعة. عرضت طهران الأموال والعتاد وغير ذلك من أشكال الدعم التي جعلت هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر ممكنا، بما في ذلك التقنيات العسكرية والاستخبارات وما يصل إلى 300 مليون دولار سنويا من المساعدات المالية.

وبعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، سارعت الميليشيات المدعومة من إيران إلى تكثيف أنشطتها العدائية التي تستهدف القوات الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة. وقد تسببت هذه الاعتداءات في سقوط أكثر من مئة مصاب بين أفراد الجيش الأمريكي. وهاجم الحوثيون السفن المبحرة في البحر الأحمر، مما تسبب في انخفاض العبور عبر قناة السويس بنسبة 50 بالمئة في الشهرين الأولين من عام 2024.

كما اتخذت إيران خطوات واضحة لرفع مكانتها الدبلوماسية في أعقاب 7 تشرين الأول/ أكتوبر. فبعد أيام من هجوم حماس، تحدث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مباشرة عبر الهاتف لأول مرة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، شارك في قمة إقليمية بالرياض وهناك مسؤولون إيرانيون آخرون، مثل وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، يترددون في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها، سعيا إلى وضع بلادهم كوسيط موثوق به حتى مع استمرار النظام في دعمه لحماس.

لم يكن أي من هذه التطورات مجرد نتيجة لانتهاز إيران فرصة لمحتها ولكنها نتاج قواعد اللعبة التي تم اختبارها عبر الزمن. فمنذ عام 1979، نظرت البلاد إلى الفوضى والتقلبات، سواء في الداخل أو في مكان قريب، باعتبارها فرصة لتعزيز مصالحها ونفوذها. وحتى غزو العراق لإيران في عام 1980 كان لصالح الثيوقراطية الوليدة من خلال حشد الدعم الداخلي للنظام الجديد في طهران، وتوفير الفرصة لبناء صناعة دفاع محلية قوية، وتمكين النظام من البقاء على قيد الحياة في بداياته.

وقد استخدمت طهران الحرائق المتتالية في جوارها لتعزيز موقفها. تاريخيا، جاءت بعض الفرص الأكثر قيمة نتيجة للأخطاء التي ارتكبتها واشنطن وشركاؤها في المنطقة، مثل الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. وقد استفادت إيران إلى أقصى حد من لحظات الفوضى الإقليمية الأخرى. ابتداء من عام 2013، عمل الحرس الثوري الإسلامي في البلاد مع وكيله الرئيسي، حزب الله، على حشد ألوية من الشيعة الأفغان والباكستانيين لتشكيل ميليشيا شيعية أكبر عابرة للحدود الوطنية للدفاع عن نظام بشار الأسد المحاصر في سوريا. وفي نهاية المطاف، قامت طهران ببناء شراكة فعالة مع روسيا خلال الحرب الأهلية السورية، والتي توسعت إلى تعاون استراتيجي أوسع بعد غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا.


ترى مؤسسة الأمن القومي الإيرانية أن الاستثمار في الحرب غير المتكافئة وسيلة اقتصادية لكسب النفوذ ضد الخصوم الأكثر قوة، وخاصة الولايات المتحدة. وقد تعزز نفوذ إيران على الميليشيات من خلال القضاء على معظم منافسيها المتطرفين في الشرق الأوسط. وبعد الإطاحة بالحكام المستبدين الأثرياء مثل صدام حسين ومعمر القذافي في ليبيا من السلطة، أصبحت إيران واحدة من اللاعبين الإقليميين القلائل الذين يمتلكون الاهتمام والموارد اللازمة لدعم الميليشيات المسلحة.

وفي كثير من النواحي، تعكس العلاقة بين إيران ووكلائها التفضيلات المشتركة للحكم الذاتي والمصلحة الذاتية. لقد عملت الطبيعة التطورية للاستثمارات الإيرانية في عملائها لصالحها، مما مكن المؤسسة الأمنية من الحفاظ على شراكات ذات قيمة دائمة يمكنها تحمل الاضطرابات. على سبيل المثال، حتى عندما نأت حماس بنفسها عن إيران لعدة سنوات بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية، واصلت إيران تزويد الجماعة بالتمويل المتبقي، ومع مرور الوقت انتعشت العلاقة.

وفي أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، سعت طهران إلى ترسيخ نفسها بشكل كامل كوسيط قوي في منطقة تعاني من الاضطرابات. وشنت "إسرائيل" حملة حازمة لإضعاف النفوذ الإيراني من خلال عمليات "قص العشب"، أو ضرب المواقع الإيرانية في سوريا بشكل روتيني لعرقلة محاولة طهران تطوير جسر بري لتزويد حزب الله وشبكته الأوسع من وكلائه. وقد حققت هذه الحملة عددا من النجاحات التكتيكية، لكن لا يبدو أنه كان لها تأثير رادع ملموس على إيران ووكلائها.

وفي الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تعميق علاقتها مع مراكز القوى البديلة وتعزيز تحالفات جديدة لمواجهة طهران.. لقد استثمرت واشنطن مرارا وتكرارا في مخططات تهدف إلى استئصال التطرف العنيف المدعوم من إيران من الشرق الأوسط، ولكن دون جدوى. في خطاب ألقاه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تحدث المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، عن هذه الجهود، مستهزئا بأن واشنطن "فشلت تماما في محاولة إنشاءشرق أوسط جديد".

وتابع: "نعم، الخريطة الجيوسياسية للمنطقة تشهد تغيرا كبيرا، تحول جوهري، ولكن ليس لصالح الولايات المتحدة. وهذا لصالح جبهة المقاومة. نعم، لقد تغيرت الخريطة الجيوسياسية لغرب آسيا، لكنها تغيرت لصالح المقاومة".

تشكل الهجمات التي تشنها الميليشيات التابعة لإيران تحديا معقدا للغاية لواشنطن والعالم. وفي الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى منتصف شباط/ فبراير 2024، أدت الهجمات التي شنها الوكلاء المدعومين من إيران إلى إصابة ما لا يقل عن 186 شخصا بين القوات الأمريكية العاملة في الشرق الأوسط. وشملت هذه الإصابات 130 إصابة دماغية، وفقدان ثلاثة من جنود الاحتياط في الجيش في الأردن، ومقتل جنديين من القوات البحرية أثناء مهمة لاعتراض الأسلحة الإيرانية غير المشروعة قبالة سواحل الصومال.

ومن وجهة نظر طهران، فإن الحرب بين "إسرائيل" وحماس لا تؤدي إلا إلى تسريع التحول في ميزان القوى بعيدا عن الهيمنة الأمريكية ونحو نظام إقليمي جديد يفيد الجمهورية الإسلامية.

بعد عشرة أيام من هجوم حماس على "إسرائيل"، حذر محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، من أن الغزو البري لغزة يمكن أن "يفتح أبواب الجحيم"، أي أنه سيؤدي إلى رد فعل ساحق ليس فقط ضد إسرائيل، بل أيضا ضد المصالح والأصول الأمريكية في المنطقة. ومع ذلك، بالنسبة للثوار المشاكسين في إيران، فإن بقاء النظام يتفوق على كل الأولويات الأخرى، لذا فإن النهج الذي اتبعوه في الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر إلى آذار/ مارس كان موجها بحرص.

وبعد أن أرسلت إدارة بايدن مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط في تشرين الأول/ أكتوبر، بذلت إيران وحلفاؤها قصارى جهدهم لتجنب التصعيد السريع. وقام حزب الله بضبط هجماته على شمال "إسرائيل" ببراعة، في محاولة على ما يبدو لتجنب جر "إسرائيل" إلى معركة أكثر سخونة يمكن أن تؤدي إلى تآكل قدرة حزب الله على ردع أي ضربة إسرائيلية لبرنامج إيران النووي.

وقد ساعد نشر بايدن السريع للأصول العسكرية الأميركية في المنطقة، إلى جانب مبادراته الدبلوماسية في لبنان وغيره من الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية، في تجنب الحرب الأوسع التي ربما كانت حماس تأمل في التعجيل بها.


أدت سلسلة من الضربات الأمريكية على الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا واليمن إلى تدهور قدرات تلك الجماعات، وأرسلت إشارة إلى شركاء طهران بأنهم سيدفعون ثمن العدوان المستمر ضد الأمريكيين. ومع ذلك، فإن خطر سوء التقدير الأمريكي والثقة المفرطة سوف يتزايد بمرور الوقت.

تتمتع الميليشيات الإيرانية بسجل طويل من المثابرة والقدرة على التكيف، والأسلحة المتاحة لها وفيرة وغير مكلفة نسبيا، خاصة بالمقارنة مع تكاليف الضربات الأمريكية للقضاء عليها.

ولمواجهة طموحات إيران، يجب على إدارة بايدن العمل مع "إسرائيل" والحلفاء الإقليميين لزيادة تآكل قدرة حماس على شن هجوم صادم آخر ضد المدنيين الإسرائيليين مع ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين وتحديد الطريق إلى مستقبل ما بعد الحرب الذي يضمن السلام والاستقرار لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الشرق الأوسط إيران إيران الشرق الأوسط امريكا صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط تشرین الأول فی المنطقة هجوم حماس إیران إلى من إیران حزب الله من خلال

إقرأ أيضاً:

أهم التحديات التي تواجه حكومة ستارمر الجديدة في الشرق الأوسط

تلقّى رئيس الوزراء البريطاني الجديد ستارمر ، بعد أقل من 24 ساعة على دخوله «10 داونينغ ستريت»،  سلسلة إحاطات استخباراتية حول أهم التحديات التي تواجه حكومته الجديدة، المتعلقة بالشرق الأوسط، خاصة الحرب في غزّة ومخاوف اتّساع الحرب إلى لبنان، التي أخذت حيّزاً مهمّاً من القضايا المطروحة أمام أول حكومة عمالية تتسلّم زعامة البلاد منذ 14 عاماً.

 

وحسب تقرير للشرق الأوسط، في مقابل التحديات الجسيمة التي تواجه ستارمر، ووزير خارجيته الجديد ديفيد لامي، في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق وإيران، تنظر حكومته بتفاؤل تجاه عدد من الفرص التي يتيحها التقارب الاقتصادي والتجاري مع دول الخليج. فما توجّه ستارمر حيال بعض أهم قضايا الشرق الأوسط اليوم؟

 

غزة وجنوب لبنان

في أول موقف له بعد تعيينه، الجمعة، دعا وزير الخارجية البريطاني الجديد ديفيد لامي إلى «وقف فوري لإطلاق النار» في غزة، في مؤشّر على سعي الحكومة الجديدة للعب دور فاعل في إنهاء الحرب التي دخلت شهرها التاسع. وقال لامي الذي تولّى حقيبة الخارجية بعد فوز العماليين في الانتخابات التشريعية، الخميس: «إنه سيعمل على دعم وقف فوري لإطلاق النار (في غزة) والإفراج عن الرهائن». وأضاف: «سأبذل كل ما في وسعي لمساعدة (الرئيس الأميركي) جو بايدن على التوصل إلى وقف لإطلاق النار».

 

وكان موقف كير ستارمر من حرب غزة قد لعب دوراً محورياً في انتخابات الخميس. ففي مقابل غالبيته الكبيرة في مجلس العموم، حرم الناخبون الغاضبون من سياسة «العمال» تجاه الشرق الأوسط الحزب من مقعد محوري ترشّح فيه جوناثان آشوورث، الذي كان موعوداً بمنصب وزاري في الحكومة الجديدة، ليفوز به المستقل شوكت آدم. وكان ستارمر قد أثار حفيظة أجزاء كبيرة من قاعدة الحزب التقليدية، عندما ألمح في مقابلة على «إل بي سي» إلى أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها بعد هجمات «حماس»، حتى عبر قطع الماء والكهرباء عن قطاع غزة. كما أن تأخره في دعم وقف إطلاق نار فوري فاقم استياء الأقليات المسلمة وغيرها، التي كانت تعدّ من أهم قواعد الحزب. وفي محاولة لتخفيف استياء هذه الفئة «العمالية» التقليدية، سارع ستارمر لتأكيد عزمه على الاعتراف بدولة فلسطين في إطار حلّ الدولتين، دون أن يُحدّد جدولاً زمنياً لذلك. كما التزم الضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وزيادة حجم المساعدات التي تصل إلى غزة.

 

إلى جانب حرب غزة، لا شكّ في أن ستارمر سيبحث خلال اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، مخاوف اتّساع رقع الصراع إلى لبنان. وتعمل الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية منذ أسابيع إلى الحؤول دون تصاعد الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حزب الله» في جنوب لبنان.

 

إيران

تزامن استلام حكومة ستارمر الجديدة مهامها مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي فاز بها مسعود بزشكيان. وتتوقع مصادر بريطانية أن يتّخذ ستارمر نهداً أكثر حزماً تجاه إيران، وسط ترجيح البعض انفتاحه على تصنيف الحرس الثوري على قائمة الإرهاب. وذكرت مجلة «سبكتاتور» المقرّبة من «المحافظين»: «أن (حزب العمال) يخطط لتصنيف الحرس الثوري الإيراني، وتضييق الخناق على الشبكات المحلية الإيرانية، ونشر مزيد من القوات في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط». وعدّت المجلّة أن عودة دونالد ترمب المحتملة إلى البيت الأبيض قد تدعم حكومة ستارمر في تنفيذ هذا التوجه.

 

وكان ستارمر قد وجّه انتقادات حادّة لإيران وحلفائها في الشرق الأوسط، كما دعم الضربات البريطانية والأميركية على أهداف حوثية ردّاً على اعتداءات الجماعة على سفن تجارية وناقلات نفط في البحر الأحمر. وبعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، الذي قالت طهران إنه جاء ردّاً على تدمير تل أبيب سفارتها في دمشق في أبريل (نيسان)، أدان ستارمر النظام الإيراني، وقال: «إنه يدعم جميع من يريدون السلام والأمن في المنطقة، وليس الخوف وعدم الاستقرار الذي تولده إيران». 

وتابع في منشور على «إكس»: «إننا نواصل الدفاع عن أمن إسرائيل وأمن شركائنا الآخرين في المنطقة، بما في ذلك الأردن والعراق. نحن نؤيد جميع التدابير الرامية إلى استعادة الهدوء، كما يجب علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لمنع نشوب حرب إقليمية أوسع نطاقاً».

 

الحوثيون والبحر الأحمر

يتوقّع أن يواصل رئيس الوزراء البريطاني الجديد سياسة سلفه ريشي سوناك في مواجهة اعتداءات الحوثيين في البحر الأحمر. وكان ستارمر قد تعرّض لانتقادات حادّة من داخل حزبه مطلع هذا العام، بعد دعمه التحرك العسكري البريطاني في البحر الأحمر، وإدانته إيران «لرعايتها الإرهاب». وفي مقال لصحيفة «الإندبندنت»، دافع زعيم المعارضة آنذاك عن موقفه، وقال إنه يأتي دعماً لـ«المصلحة الوطنية». وبدا أنه أعطى الضوء الأخضر لمزيد من العمل العسكري الأميركي والبريطاني، قائلاً: «يجب أن نحتفظ بالمرونة للرد بالسرعة اللازمة على التهديدات».

 

وفي إشارة إلى أنه لن يتهرب من القيام بعمل عسكري، حذّر ستارمر في مقاله «أولئك الذين يسعون إلى إلحاق الضرر ببريطانيا، ومهاجمة مصالحها، وتهديد شعبها» بأنهم «يجب ألا يساورهم شك في عزم بلادنا على الرد على عدوانهم». وأضاف: «أن هجمات المتمردين الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر تهدد أحد أهم طرق التجارة في العالم، وتعرض حياة المدنيين والعسكريين البريطانيين للخطر»، متابعاً: «يجب أن يتوقفوا، ومن الصواب أن تلعب بريطانيا دورها، إلى جانب حلفائنا، في ردع هذه الهجمات».

 

العلاقات مع دول الخليج

شهدت العلاقات البريطانية - الخليجية انتعاشاً كبيراً بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وعقد الجانبان 5 دورات مباحثات لإبرام اتفاق تجارة حرّة، كان آخرها في الرياض. ويتوقّع أن تستمر حكومة ستارمر على هذا النهج، بل قد نشهد دفعاً في اتجاه مزيد من التقارب، خصوصاً على صعيد التبادل التجاري، وتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين.

 

وفي تصريحات أدلى بها لامي في مايو الماضي، شدد على أهمية العلاقات مع دول الخليج. وقال: «نحن بحاجة ماسة إلى العمل مع الخليج، وهذا مهم للغاية بالنسبة للأمن في الشرق الأوسط». وتابع: «إنه أمر مهم فيما يتعلق بمهام النمو الاقتصادي لدينا»، مستشهداً برحلاته الأخيرة إلى السعودية وقطر.

 

تجارياً، تسعى المملكة المتحدة لزيادة حجم التبادل الاقتصادي مع دول الخليج. وفي حوار سابق أجرته «الشرق الأوسط» مع كبير المفاوضين البريطانيين توم وينتل، شدّد على أهمية العلاقات التاريخية القوية بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي. وكشف وينتل، الذي يقود محادثات اتفاق التجارة الحرة: «نحن من بين كبار الشركاء التجاريين لبعضنا. عادت التجارة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي إلى الارتفاع بقوة منذ تفشي جائحة (كورونا)، ووصلت الآن لمستويات قياسية؛ إذ بلغت قيمتها 61.3 مليار جنيه إسترليني في العام الماضي». وتابع: «ولدينا شراكة استثمارية قوية، المملكة المتحدة من أكبر 6 مستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي مع 31 مليار جنيه إسترليني مستثمرة في مشروعات جديدة على مدى العقدين الماضيين».

 

كما أبرمت لندن كثيراً من اتفاقيات التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الماضية، ولعلّ أبرزها مجلس الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، الذي جرى إنشاؤه عام 2018 لتطوير التعاون في مجال التجارة والطاقة والدفاع.

 

مقالات مشابهة

  • عمرو موسى: حماة إسرائيل يحاولون فرض حل إسرائيلي على النزاع في الشرق الأوسط
  • أهم التحديات التي تواجه حكومة ستارمر الجديدة في الشرق الأوسط
  • مسؤول أمريكي: حرب حماس تلهم كثيرين
  • مسؤول أميركي: حرب حماس تلهم كثيرين
  • باحث سياسي: نتنياهو يريد المحتجزين دون إبرام صفقة تبادل
  • تقرير: جرائم القتل والسرقة تعمّق الفوضى في قطاع غزة
  • جوتيريش يدعو لإحلال السلام في الشرق الأوسط بدءًا من وقف الحرب على غزة
  • مذكرات وزير بريطاني سابق تسلط الضوء على حجم النفوذ الإسرائيلي في بريطانيا
  • باحث: الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل حال دخولها في جبهة صراع جديدة (فيديو)
  • مباحثات أمريكية فرنسية لاستعادة الهدوء في الشرق الأوسط