باحثة أمريكية: هكذا تستفيد إيران من الفوضى لتشكيل الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT
قالت نائبة مدير معهد بروكنغز ومديرة برنامج السياسة الخارجية التابع للمعهد، سوزان مالوني، إن الحرب في غزة واحتمال توسعها أدت إلى قلب الجهود الحثيثة التي بذلها ثلاثة رؤساء أمريكيين لتحويل الموارد الأمريكية والتركيز بعيدا عن الشرق الأوسط.
وأضافت في مقال في مجلة "فورين أفيرز" إن الصراع وصل إلى طريق مسدود جهنمي.
إن إعادة التعامل مع الشرق الأوسط تمثل مخاطر بالنسبة لبايدن، خاصة أنه يقوم بحملات لإعادة انتخابه ضد سلفه دونالد ترامب، الذي وجدت انتقاداته للتكاليف البشرية والاقتصادية لحروب أمريكا في العراق وأفغانستان صدى لدى الناخبين وعززت حملته الرئاسية لعام 2016.
في استطلاع للرأي أجرته جامعة "كوينيبياك" بعد ثلاثة أسابيع من هجوم حماس، أعرب 84% من الأمريكيين عن قلقهم من إمكانية استدراج الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري المباشر في صراع الشرق الأوسط، واتفق واحد فقط من كل خمسة مشاركين في استطلاع أجراه مركز "بيو" في شباط/ فبراير 2024 بأنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تقوم بدفعة دبلوماسية "كبيرة" لإنهاء الحرب في غزة.
لكن، من وجهة نظر الكاتبة، فإن المخاطر التي يفرضها تردد واشنطن أعظم. والسبب كما تراه هو أن هناك جهة فاعلة إقليمية تستفيد بشكل خاص من تردد واشنطن أو انسحابها: جمهورية إيران.
في الواقع، يمثل المستنقع في الشرق الأوسط فرصة لتحقيق انفراجة في استراتيجية طهران التي استمرت أربعة عقود لإضعاف أحد أبرز خصومها الإقليميين، "إسرائيل"، ولإذلال الولايات المتحدة وتقليص نفوذها في المنطقة بشكل كبير.
كان النظام في إيران يهدف إلى إلهام الانتفاضات الدينية المقلدة بعد ثورة عام 1979، وربما يبدو في نظر العديد من المراقبين أنه قد فشل. والحقيقة أن الحكمة التقليدية في واشنطن وأماكن أخرى كثيرا ما تؤكد أن إيران أصبحت محتواة، بل وحتى معزولة. ولكن هذا لم يكن صحيحا أبدا. وبدلا من ذلك، طورت طهران استراتيجية محسوبة لتمكين الميليشيات الوكيلة والتأثير على العمليات في جوارها مع الحفاظ على قدر معقول من الإنكار - وهو مخطط تم إثبات ذكائه من خلال النطاق المدمر لهجوم حماس والهجمات اللاحقة التي شنتها الميليشيات التابعة لإيران في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
إن المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر هو مشهد أنشأته إيران إلى حد كبير، وهو يلعب لصالح نقاط قوتها. وترى طهران فرصة في الفوضى. يستغل القادة الإيرانيون الحرب في غزة ويصعدونها لرفع مكانة نظامهم، وإضعاف "إسرائيل" ونزع شرعيتها، وتقويض المصالح الأمريكية، ومواصلة تشكيل النظام الإقليمي لصالحهم. والحقيقة هي أن إيران أصبحت الآن في وضع أفضل من أي وقت مضى للسيطرة على الشرق الأوسط، بما في ذلك من خلال اكتساب القدرة على تعطيل الشحن في العديد من النقاط الحرجة.
وإذا لم يتم التصدي للتوسع الدراماتيكي في نفوذ إيران، فمن شأنه أن يخلف تأثيرا كارثيا على "إسرائيل"، والمنطقة الأوسع، والاقتصاد العالمي.
وترى الكاتبة أنه لتعطيل هذا التضخيم للقوة الإيرانية، يحتاج بايدن بشكل عاجل إلى صياغة استراتيجية واضحة ثم تنفيذها لحماية المدنيين الفلسطينيين من تحمل وطأة العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومواجهة استراتيجية الحرب بالوكالة الإيرانية المسببة للتآكل، وإضعاف قدرات شركاء طهران.
منذ سيطرة حماس على غزة عام 2007، عملت إيران كراع رئيسي للجماعة. عرضت طهران الأموال والعتاد وغير ذلك من أشكال الدعم التي جعلت هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر ممكنا، بما في ذلك التقنيات العسكرية والاستخبارات وما يصل إلى 300 مليون دولار سنويا من المساعدات المالية.
وبعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، سارعت الميليشيات المدعومة من إيران إلى تكثيف أنشطتها العدائية التي تستهدف القوات الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة. وقد تسببت هذه الاعتداءات في سقوط أكثر من مئة مصاب بين أفراد الجيش الأمريكي. وهاجم الحوثيون السفن المبحرة في البحر الأحمر، مما تسبب في انخفاض العبور عبر قناة السويس بنسبة 50 بالمئة في الشهرين الأولين من عام 2024.
كما اتخذت إيران خطوات واضحة لرفع مكانتها الدبلوماسية في أعقاب 7 تشرين الأول/ أكتوبر. فبعد أيام من هجوم حماس، تحدث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مباشرة عبر الهاتف لأول مرة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، شارك في قمة إقليمية بالرياض وهناك مسؤولون إيرانيون آخرون، مثل وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، يترددون في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها، سعيا إلى وضع بلادهم كوسيط موثوق به حتى مع استمرار النظام في دعمه لحماس.
لم يكن أي من هذه التطورات مجرد نتيجة لانتهاز إيران فرصة لمحتها ولكنها نتاج قواعد اللعبة التي تم اختبارها عبر الزمن. فمنذ عام 1979، نظرت البلاد إلى الفوضى والتقلبات، سواء في الداخل أو في مكان قريب، باعتبارها فرصة لتعزيز مصالحها ونفوذها. وحتى غزو العراق لإيران في عام 1980 كان لصالح الثيوقراطية الوليدة من خلال حشد الدعم الداخلي للنظام الجديد في طهران، وتوفير الفرصة لبناء صناعة دفاع محلية قوية، وتمكين النظام من البقاء على قيد الحياة في بداياته.
وقد استخدمت طهران الحرائق المتتالية في جوارها لتعزيز موقفها. تاريخيا، جاءت بعض الفرص الأكثر قيمة نتيجة للأخطاء التي ارتكبتها واشنطن وشركاؤها في المنطقة، مثل الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. وقد استفادت إيران إلى أقصى حد من لحظات الفوضى الإقليمية الأخرى. ابتداء من عام 2013، عمل الحرس الثوري الإسلامي في البلاد مع وكيله الرئيسي، حزب الله، على حشد ألوية من الشيعة الأفغان والباكستانيين لتشكيل ميليشيا شيعية أكبر عابرة للحدود الوطنية للدفاع عن نظام بشار الأسد المحاصر في سوريا. وفي نهاية المطاف، قامت طهران ببناء شراكة فعالة مع روسيا خلال الحرب الأهلية السورية، والتي توسعت إلى تعاون استراتيجي أوسع بعد غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
ترى مؤسسة الأمن القومي الإيرانية أن الاستثمار في الحرب غير المتكافئة وسيلة اقتصادية لكسب النفوذ ضد الخصوم الأكثر قوة، وخاصة الولايات المتحدة. وقد تعزز نفوذ إيران على الميليشيات من خلال القضاء على معظم منافسيها المتطرفين في الشرق الأوسط. وبعد الإطاحة بالحكام المستبدين الأثرياء مثل صدام حسين ومعمر القذافي في ليبيا من السلطة، أصبحت إيران واحدة من اللاعبين الإقليميين القلائل الذين يمتلكون الاهتمام والموارد اللازمة لدعم الميليشيات المسلحة.
وفي كثير من النواحي، تعكس العلاقة بين إيران ووكلائها التفضيلات المشتركة للحكم الذاتي والمصلحة الذاتية. لقد عملت الطبيعة التطورية للاستثمارات الإيرانية في عملائها لصالحها، مما مكن المؤسسة الأمنية من الحفاظ على شراكات ذات قيمة دائمة يمكنها تحمل الاضطرابات. على سبيل المثال، حتى عندما نأت حماس بنفسها عن إيران لعدة سنوات بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية، واصلت إيران تزويد الجماعة بالتمويل المتبقي، ومع مرور الوقت انتعشت العلاقة.
وفي أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، سعت طهران إلى ترسيخ نفسها بشكل كامل كوسيط قوي في منطقة تعاني من الاضطرابات. وشنت "إسرائيل" حملة حازمة لإضعاف النفوذ الإيراني من خلال عمليات "قص العشب"، أو ضرب المواقع الإيرانية في سوريا بشكل روتيني لعرقلة محاولة طهران تطوير جسر بري لتزويد حزب الله وشبكته الأوسع من وكلائه. وقد حققت هذه الحملة عددا من النجاحات التكتيكية، لكن لا يبدو أنه كان لها تأثير رادع ملموس على إيران ووكلائها.
وفي الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تعميق علاقتها مع مراكز القوى البديلة وتعزيز تحالفات جديدة لمواجهة طهران.. لقد استثمرت واشنطن مرارا وتكرارا في مخططات تهدف إلى استئصال التطرف العنيف المدعوم من إيران من الشرق الأوسط، ولكن دون جدوى. في خطاب ألقاه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تحدث المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، عن هذه الجهود، مستهزئا بأن واشنطن "فشلت تماما في محاولة إنشاءشرق أوسط جديد".
وتابع: "نعم، الخريطة الجيوسياسية للمنطقة تشهد تغيرا كبيرا، تحول جوهري، ولكن ليس لصالح الولايات المتحدة. وهذا لصالح جبهة المقاومة. نعم، لقد تغيرت الخريطة الجيوسياسية لغرب آسيا، لكنها تغيرت لصالح المقاومة".
تشكل الهجمات التي تشنها الميليشيات التابعة لإيران تحديا معقدا للغاية لواشنطن والعالم. وفي الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى منتصف شباط/ فبراير 2024، أدت الهجمات التي شنها الوكلاء المدعومين من إيران إلى إصابة ما لا يقل عن 186 شخصا بين القوات الأمريكية العاملة في الشرق الأوسط. وشملت هذه الإصابات 130 إصابة دماغية، وفقدان ثلاثة من جنود الاحتياط في الجيش في الأردن، ومقتل جنديين من القوات البحرية أثناء مهمة لاعتراض الأسلحة الإيرانية غير المشروعة قبالة سواحل الصومال.
ومن وجهة نظر طهران، فإن الحرب بين "إسرائيل" وحماس لا تؤدي إلا إلى تسريع التحول في ميزان القوى بعيدا عن الهيمنة الأمريكية ونحو نظام إقليمي جديد يفيد الجمهورية الإسلامية.
بعد عشرة أيام من هجوم حماس على "إسرائيل"، حذر محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، من أن الغزو البري لغزة يمكن أن "يفتح أبواب الجحيم"، أي أنه سيؤدي إلى رد فعل ساحق ليس فقط ضد إسرائيل، بل أيضا ضد المصالح والأصول الأمريكية في المنطقة. ومع ذلك، بالنسبة للثوار المشاكسين في إيران، فإن بقاء النظام يتفوق على كل الأولويات الأخرى، لذا فإن النهج الذي اتبعوه في الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر إلى آذار/ مارس كان موجها بحرص.
وبعد أن أرسلت إدارة بايدن مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط في تشرين الأول/ أكتوبر، بذلت إيران وحلفاؤها قصارى جهدهم لتجنب التصعيد السريع. وقام حزب الله بضبط هجماته على شمال "إسرائيل" ببراعة، في محاولة على ما يبدو لتجنب جر "إسرائيل" إلى معركة أكثر سخونة يمكن أن تؤدي إلى تآكل قدرة حزب الله على ردع أي ضربة إسرائيلية لبرنامج إيران النووي.
وقد ساعد نشر بايدن السريع للأصول العسكرية الأميركية في المنطقة، إلى جانب مبادراته الدبلوماسية في لبنان وغيره من الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية، في تجنب الحرب الأوسع التي ربما كانت حماس تأمل في التعجيل بها.
أدت سلسلة من الضربات الأمريكية على الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا واليمن إلى تدهور قدرات تلك الجماعات، وأرسلت إشارة إلى شركاء طهران بأنهم سيدفعون ثمن العدوان المستمر ضد الأمريكيين. ومع ذلك، فإن خطر سوء التقدير الأمريكي والثقة المفرطة سوف يتزايد بمرور الوقت.
تتمتع الميليشيات الإيرانية بسجل طويل من المثابرة والقدرة على التكيف، والأسلحة المتاحة لها وفيرة وغير مكلفة نسبيا، خاصة بالمقارنة مع تكاليف الضربات الأمريكية للقضاء عليها.
ولمواجهة طموحات إيران، يجب على إدارة بايدن العمل مع "إسرائيل" والحلفاء الإقليميين لزيادة تآكل قدرة حماس على شن هجوم صادم آخر ضد المدنيين الإسرائيليين مع ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين وتحديد الطريق إلى مستقبل ما بعد الحرب الذي يضمن السلام والاستقرار لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الشرق الأوسط إيران إيران الشرق الأوسط امريكا صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط تشرین الأول فی المنطقة هجوم حماس إیران إلى من إیران حزب الله من خلال
إقرأ أيضاً:
الموضة البطيئة.. كيف تستفيد من الحرب التجارية بين أميركا والصين؟
في خضم الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين، برز قطاع غير متوقع ليكون مستفيدا محتملا، وهو "الموضة البطيئة".
ورغم تعليق ترامب التعريفات الجمركية الشاملة -التي فرضها في الثاني من أبريل/نيسان الجاري- لمدة 90 يوما بالنسبة إلى أغلب دول العالم، فإنه رفعها على الصين لتصل إلى 125%.
إجراء ترامب أدى إلى اهتزاز الأسواق وكبّد شركات "الأزياء السريعة" خسائر، خاصة مع اعتمادها بشكل كبير على البضائع القادمة من الصين. في المقابل، اتجهت الأنظار إلى نمط استهلاك أكثر استدامة وهو "الموضة البطيئة" الذي كان ينظر إليه طويلا على أنه بديل هامشي.
الموضة البطيئة أم السريعة؟يعود مصطلح "الموضة البطيئة" إلى عام 2007 حين صاغته الباحثة البريطانية كيت فليتشر من "مركز الموضة المستدامة"، مستلهمة إياه من حركة "الطعام البطيء". وتدعو هذه الحركة إلى إبطاء وتيرة الإنتاج والاستهلاك في صناعة الأزياء، وتشجيع المستهلكين على اقتناء ملابس ذات جودة أعلى، حيث تركز هذه الحركة على التصميم والإبداع والاستهلاك المدروس، وتصمم الملابس وتصنعها باستخدام مواد عالية الجودة ومستدامة وطويلة الأمد، ويقتصر الإنتاج على تلبية الطلب، كما يعد التأثير البيئي والاجتماعي من أهم أولوياتها.
إعلانوحسب تقرير على موقع "غود أون يو" تعارض الموضة البطيئة نموذج الموضة السريعة، الذي ظهر قبل 30 عاما، وانخفضت فيه أسعار الملابس وتسارعت دورات الموضة، حيث تقوم الموضة السريعة على دورات إنتاج مكثفة وتصاميم رخيصة تنتج بكميات ضخمة، غالبا في مصانع منخفضة التكلفة. إذ إن ملايين المستهلكين حول العالم، خصوصا من أبناء الجيل زد، يشترون من منافذ مثل "شي إن" (Shein) و"تيمو" (Temu) و"تيك توك شوب" (TikTok Shop) التي تقدم سلعا بأسعار منخفضة، لكن عمرها الافتراضي قصير، مما يؤدي إلى تراكم نفايات ضخمة وتأثير بيئي سلبي.
قبل الثورة الصناعية، كانت الملابس تصنع محليا وغالبا يدويا، وكان الناس يشترون ملابس متينة تدوم لسنوات أو يصنعونها بأنفسهم باستخدام الموارد المتاحة، وكانت تعبّر عن المكانة الاجتماعية والثقافة المحلية. بدأت الموضة البطيئة تحيي بعض هذه العادات القديمة من جديد، فهي تشجع المستهلكين على التفكير قبل الشراء، والتسوق من خزائنهم أو إصلاح الملابس القديمة بدلا من شراء الجديد. وعند الاحتياج لشراء ملابس جديدة، تدعو لاختيار عدد أقل من القطع ذات جودة عالية، مصنوعة بطرق مستدامة. كما تشجع المستهلكين على عدم التعامل مع الملابس كأنها شيء يمكن التخلص منه بسهولة، بل عليهم إصلاحها أو إعادة تدويرها للحد من التلوث وهدر الموارد.
الموضة البطيئة تتميز بعدة خصائص: الاعتماد على مواد طبيعية وأقمشة صديقة للبيئة مثل الكتان والقطن العضوي. تصنيع الملابس محليا أو حسب الطلب، مما يعني أن الإنتاج يكون على نطاق صغير لتقليل النفايات. إطلاق مجموعات محدودة من التصاميم، والتركيز على الجودة بدل الكمية. تسويق المنتجات في متاجر صغيرة أو عبر منصات إعادة البيع. رفض فلسفة "الاستخدام السريع والرمي" التي تعتمدها الموضة السريعة.في خطوة أثارت جدلا واسعا، وقع الرئيس الأميركي، في الثاني من أبريل/نيسان الجاري، أمرا تنفيذيا بإلغاء ما يعرف بـ"الإعفاء الضئيل"، وهو نظام جمركي كان يعفي الطرود الصغيرة (أقل من 800 دولار) الواردة من الصين وهونغ كونغ من الضرائب والجمارك. هذا النظام استفادت منه بشكل كبير شركات الأزياء السريعة، مثل "شي إن" وتيمو، لشحن ملايين الطرود يوميا إلى الولايات المتحدة بدون ضرائب.
إعلانوبإلغاء هذا الإعفاء، أضيفت رسوم جمركية جديدة بنسبة 34% على السلع المستوردة من الصين، إلى جانب رسوم سابقة بلغت 20%، مما رفع التكاليف بشكل كبير على العلامات التي تعتمد على الإنتاج الرخيص والسريع.
ويعد الإعفاء الضئيل، الذي حظيت به الموضة السريعة، العقبة الكبرى أمام شركات إعادة بيع الأزياء البطيئة، مع تفضيل المستهلكين أسعار الأزياء السريعة وسهولة الحصول عليها.
في السياق، نقلت مجلة "غلوسي" المتخصصة في صناعة الموضة، عن الرئيس التنفيذي لشركة "غوود ويل" (Goodwill) للسلع المستعملة مات كانيس، قوله "إن أكبر شيء مشترك بيننا (شركات إعادة البيع) هو أننا نرى الموضة السريعة -وهي بشكل عام سلع منخفضة السعر ومنخفضة الجودة ولها تأثير سلبي على البيئة- منافِسةً لنا".
لكن يبدو أن الأمر انقلب مع حرب ترامب التجارية، ومنحهم ميزة على حساب منافسيهم. جاء في تقرير لمجلة تايم الأميركية أن علامات الموضة البطيئة، خصوصا تلك العاملة في مجال إعادة البيع، خرجت مستفيدة من رسوم ترامب الجمركية، فشركات مثل "ثريد أب" (ThredUp) و"ذا ريل ريل" (The RealReal) و"غود ويل"، التي تبيع ملابس مستعملة من داخل السوق الأميركي، لا تعتمد على سلاسل الإمداد العالمية وبالتالي لا تتأثر برسوم الاستيراد.
وقال جيمس راينهارت، الرئيس التنفيذي لشركة "ثريد أب"، في تقرير مجلة تايم إن إنهاء الإعفاء "تحقيق طال انتظاره لتكافؤ الفرص"، مضيفا أن "الثغرة منحت ميزة غير عادلة لتجار التجزئة في الموضة السريعة، وساهمت في إغراق السوق بمنتجات منخفضة الجودة وقصيرة الأجل".
لم تعد الموضة البطيئة مجرد نمط بديل، بل أصبحت، مؤخرا، خيارا أكثر منطقية في ظل الأزمات البيئية والاقتصادية. ومع استمرار الحرب التجارية، قد تتحول من حركة محدودة إلى تيار سائد يضع الجودة والاستدامة قبل السعر.
إعلانتنصح مجلة "هاوس فون إيدن" للموضة والتصميم وأسلوب الحياة المستدام، بعدد من الخطوات لتبني "الموضة البطيئة" وجعلها أسلوب حياة، منها:
اختيار علامات تجارية مستدامة تنتج كميات محدودة وتستخدم مواد صديقة للبيئة. قراءة الملصقات للتأكد من مصدر المواد ومدى شفافيتها. اختيار الأقمشة الطبيعية مثل القطن العضوي. البحث عن الشهادات مثل "جي أو تي إس" (GOTS) على المنتج لضمان استدامة الأقمشة. استخدام الجلد الصناعي الخالي من البلاستيك كبديل للجلد الطبيعي. الانتباه لمكان التصنيع كونه قد يدل على ظروف العمل والإنتاج، مثل الصناعة في بلد ذي أجور منخفضة تعطي مؤشرا على الموضة السريعة. الاستثمار في الجودة بدل الكمية. شراء ملابس مستعملة من المتاجر أو المنصات الإلكترونية. استئجار الملابس للمناسبات الخاصة بدل شرائها. المشاركة في تبادل الملابس مع الأصدقاء أو في فعاليات مخصصة.