عيد الفطر مثقل بالآلام لأيتام غزة
تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT
سرايا - "لن يكون هذا العيد كأي عيد، بسبب الحرب في غزة، ولأننا فقدنا أهلنا"، هكذا تقول الطفلة الفلسطينية ليان ذات الـ11 عاما، المقيمة بأحد مخيمات النزوح، بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
عيد الفطر هذا العام، ملؤه الحزن والإحباط لآلاف الأطفال في القطاع، لاسيما لمن فقدوا ذويهم، جراء الحرب الذي تعصف بقطاع غزة الحرب منذ ٦ أشهر.
فقدت ليان وأختها الصغرى سوار التي لم يتجاوز عمرها عاما ونصف العام، أبويهما و5 من إخوتهما على إثر القصف الذي طال مستشفى الأهلي المعمداني في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
استشهد 35 شخصا من عائلتها، في ذلك اليوم، فور وصولهم للإيواء بمستشفى الأهلي المعمداني، هربا من القصف المستعر في الحي الذي كانوا يقطنونه في مدينة غزة شمالي القطاع.
"لم يمر نصف ساعة على وصولنا للمستشفى، حتى هبط علينا صاروخان، استيقظت، وجدت الجميع تحولوا إلى أشلاء"، كما تستذكر ليان.
واستشهد مئات الأشخاص، في ذلك المستشفى الذي كان يكتظ بمئات المرضى والأسر، الذين اتخذوا منه ملجأً من القصف العنيف شمالي القطاع.
تعيش ليان وشقيقتها بصحبة أبناء عمومتهما الأربعة ممن نجوا من الانفجار، ويرعاهما أبن عمهما الأكبر علي، في أحد المخيمات جنوبي القطاع، حيث استقر بهم المقام بعد رحلة نزوح طويلة من الشمال.
قبل الحرب اعتادت ليان أن تخرج مع أبويها لشراء ملابس جديدة للعيد، وشراء وتحضير كعك العيد، وتبادل الزيارات مع الأهل.
غيبت الحرب أجواء العيد التي اعتادتها ليان، وتقول "لن يزورنا أحد هذا العام لأنهم ماتوا".
كان العيد يمثل تجمعا عائليا، وطعاما صُنع خصيصا للاحتفاء بهذه المناسبة، ومع غياب الاثنين بالنسبة لكثيرين وعلى وقع القصف، لم يبق لمن يتّمتهم الحرب سوى الذكريات.
بحسب منظمة اليونيسف، يمثل الأيتام والأطفال الذين فصلوا عن ذويهم، 1% من عدد النازحين الفلسطينيين بالقطاع، والذين يُقدر عددهم بنحو 1.7 مليون شخص.
حلم العودة
وعلى غرار ليان فقد محمود ذو الـ14 عاما أبويه، وأشقاءه، خلال القصف ذاته، ولم يبق سوى أخيه الأكبر علي.
"العيد ليس له طعم، ولا واحد في المئة"، هكذا يقول محمود، ويستطرد متأثرا، "كنا نقوم بالتنظيف قبيل العيد، ونزين الشوارع بالإضاءة، اليوم، عيدنا في خيام النزوح، سنزين الخيمة بحبل، ليس هناك عيد".
قبل الحرب كان محمود يحلم أن يصبح بطلا في رياضة كمال الأجسام، ويستعد للمشاركة في بطولة عالمية.
بات الآن حلم الفتى الفلسطيني العودة إلى منزله بحي الزيتون بمدينة غزة، لإحياء ذكرى أهله، وتوزيع الطعام صدقة عنهم، وهو تقليد متبع في بعض الدول العربية.
"حطمت الحرب أحلامنا، وأخذت أحباءنا"، كما يقول محمود.
رغم ضيق الحال اصطحب علي ذو الـ24 عاما شقيقه محمود وأبناء عمومته ومن بينهم ليان، لشراء ملابس وألعاب من المحال المعدودة الباقية في رفح جنوبي القطاع، التي لم يطلها القصف، ولكن واجهاتها الزجاجية ليست كما اعتادها زبائنها في ظل شح البضاعة في القطاع المحاصر.
يعيش نحو 1.7 مليون نازح، ظروفا قاسية، يعتمدون على المساعدات، في ظل شح الطعام والماء، حيث تحذر المنظمات الإغاثية الدولية من شبح مجاعة يخيم على القطاع.
يقول علي الذي بات المعيل لمن تبقى من أطفال عائلته: "سُرقت فرحتنا بالعيد، ولكن سأبذل قصارى جهدي لأعيد لهم فرحة العيد"
يقدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عدد الأطفال الذين يعيشون بدون والديهم أو أحدهما في قطاع غزة بما يزيد على 43 ألف طفل.
لا توجد بعد أرقام دقيقة عن عدد الأطفال الأيتام الذين خلفتهم الحرب في غزة، أو برامج لرعايتهم.
بينما تشير تقديرات اليونيسف إلى أن ما لا يقل عن 17 ألف طفل في قطاع غزة، غير مصحوبين أو منفصلين عن ذويهم أو فقدوا والديهم أو أحدهما منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
يواجه الكثير من الأيتام في غزة مصيراً مجهولاً، خاصة الرضع ممن فقدوا ذويهم ولم يُستدل على أقاربهم، أو أعضاء "أسرتهم الممتدة" التي تمثل ملجأً عائلياً لأيتام غزة.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
هل تؤسس ثورة غزة ضد حماس للسلام؟
في واشنطن وبروكسل والعواصم العالمية، لم يصدق الناس ما شاهدوه على شاشات الأخبار المتواصلة من شرق البحر المتوسط، إذ بمئات ثم آلاف المتظاهرين يحتجون ضد سطة حماس، للمرة الأولى منذ حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وربما المرة الأولى منذ تولي الحركة الحكم في القطاع.
ورغم قصف إسرائيل المتواصل لأهداف داخل القطاع منذ خريف 2023 لكن المحللين والمراقبين يتوقفون على أسئلة ثقيلة ومنها، من يقف وراء الاحتجاجات، هل تقف جهة إقليمية أو دولية أو فريق فلسطيني؟ هل إسرائيل دبرت المسألة؟ أم أن المجتمع الغزاوي هو الذي أفرز تلك الظاهرة؟ وبعدها تأتي موجة ثانية من الأسئلة، هل ستتحول التظاهرات إلى شبه انتفاضة؟ هل تتوسع؟ هل ستطول؟ هل ستنهار أم ستنتصر؟ إن كان ذلك حاصلاً فما السيناريوهات ومستقبل غزة في خضم التطورات الإقليمية والحروب والعلاقات الدولية. ولعلها معادلة مترابطة بين إيران وميليشياتها، و"السابع من أكتوبر" وحملة إسرائيل رداً عليها، وعامي حرب، وثورة في غزة على حكامها. فلنحاول في هذا المقال أن "نقشر" الحال المعقدة الدموية في القطاع ونفهم ما يجري أو في الأقل ما نراه.
هل هنالك معارضة لحماس في غزة؟بالطبع داخل كل مجتمع قوة مسيطرة وقوة تعارضها، حتى تحت الاحتلال. وهذا كان الوضع في الأراضي الفلسطينية منذ انتهاء الحرب الباردة، منظمة التحرير في الصدارة والحركات الإسلامية تنخر من تحت. ومع وفاة القائد التاريخي ياسر عرفات عام 2004، بدأت الحركة الإسلامية الفلسطينية في تمددها ولا سيما داخل غزة، معقل "الإخوان" التاريخي. ومع الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، بدأ صراع وسباق على السلطة، مر بمواجهة دموية انتهت بانقلاب عسكري قامت به حماس ضد فتح، عام 2007 لتسيطر على القطاع لعقدين ونيف، ودخلت فتح وآخرون صف المعارضة. لكن مع مرور الزمن خرجت من داخل المجتمع الفلسطيني مجموعات اجتماعية شبيهة باليسار الليبرالي، ومشاركة في عهد الإنترنت منذ ظهوره. وكانت حماس المسيطرة على القطاع منذ صيف عام 2007 بنت قوة خارقة بعد الانقلاب على فتح، جمعت في مساحتها الدعمين الإخواني والإيراني ما وضع "المعارضة الفتحية" ومعارضة المجموعات الليبرالية في موقف مستحيل، قبل حرب السابع من أكتوبر.
مع اندلاع المواجهة العسكرية بين القوات الإسرائيلية و"المقاومة الإسلامية" في غزة منذ الثامن من أكتوبر، بدأت رحلة الـ18 شهراً من الحرب المدمرة التي تخطت غزة إلى إسرائيل فلبنان، وسوريا، والعراق، واليمن إلى الداخل الإيراني. وهذه الحرب لم تكن كسابقاتها ولم تعد العودة إلى الستاتيكو هي الهدف عند الإسرائيليين.
كسر هيبة حماس والمحورإن تدمير الآلة العسكرية لحماس ومن بعدها حزب الله في لبنان، وتصفية قيادات القوتين الميليشياوية في القطاع ولبنان هزت تدريجاً هيبة حماس، والميليشيات الأخرى داخل المنطقة. فلا إسرائيل تراجعت ولا الدول العربية "انتحرت" في سبيل إنقاذ الجيش الحمساوي. وامتدت الضربات الإسرائيلية إلى حزب الله الحليف الشمالي لحماس، وأقعدته استراتيجياً. واخترقت أسراب من المقاتلات الإسرائيلية الأجواء الإيرانية وضربت الدفاعات الجوية للنظام وقلمت أظافره، فتقلصت قدرة "الجمهورية الإسلامية" على حماية قطاع غزة، وأدركت القيادة الحمساوية أن "النجدة الخمينية والإخوانية" لن تصل، لا لغزة ولا حتى أطراف الدولة العبرية. ومن وسط الأنقاض والبيوت المدمرة بدأ الناس يتكلمون عن ضرورة وقف الحرب، ليتمكن فلسطينيو القطاع أن "يعيشوا" كبشر. ووصلت الحرب المدمرة إلى حدود انهيار الصبر لدى المجتمع المدني، فسقطت قدسية "المقاومة العسكرية" ضد إسرائيل وبدأت مشروعية "المقاومة السلمية" ضد حماس.
معارضة حماس من أين؟سيتم تجميع الوثائق ومعرفة جذور معارضة حماس خاصة منذ 2007، لكن انتشار مسيرات الغزاويين ضد السلطة الحاكمة في القطاع بات يسلط الضوء على بعض الظواهر الكامنة وراء التحركات الشعبية المتلاحقة. وأهم معارضي حماس وأولهم كانوا ولا يزالون أعضاء وأنصار حركة فتح، ومؤيدي السلطة الفلسطينية، الذين ذاقوا الأمرين من حماس، لا سيما إبان انقلاب عام 2007 وبعده. وبعد "السابع من أكتوبر" بنحو شهرين بدأ على الـ"سوشيال ميديا" ظهور لمجموعات من اللاجئين الخارجين من غزة باتجاه مصر وهم ينددون بتهور حماس، ومسؤوليتها عن الدمار والخسائر الفادحة للأهالي، إلا أن الجو العام للإعلام كان يعكس تأييداً لسلطة حماس، رغم المآسي على الأرض.
لكن ظاهرة أخرى بدأت تهز ثقة الناس في حكامهم، وهي الفيديوهات التي ظهرت عن تعذيب الميليشيات لفتيان داخل غزة متهمين بـ"السرقة"، بما فيه الطعام والخبز، وسربت تقارير عن تصفيات لمن عدتهم الحركة "جواسيس" بينما هم مجرد معارضين للحركة، ولهذه الحرب. وهنا تذمرت جماعات أكبر من المواطنين داخل القطاع من قمع حماس بحقهم. المعترضون حافظوا على امتعاضهم من إسرائيل بسبب القصف لكنهم بدأوا ينتقدون نظامهم، لا سيما أن حماس تنسق حربها مع النظام الإيراني.
انهيار الجسرومع انسحاب جماعة حزب الله، وبعدها سقوط نظام الأسد كلياً، أدركت المعارضة الغزاوية لحماس أن هذه الأخيرة لن تكسب المعركة، وأن إطالة الحرب باتت كارثة. وبحسب بعض المعلومات فإن التحضيرات للتظاهرات بدأت منذ أشهر، وإن هنالك هيئات تنسيق في الداخل تقف وراء المسيرات. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير إعلان الرئيس الأمريكي عن مشروع لنقل أهالي غزة إلى دول أخرى، بينما تُصلح المؤسسات ويُعاد الإعمار. وكان لهذه التصريحات أثر عميق خوفاً من ترك الأرض، بينما حماس تستمر في جهادها ولا تأبه بجهاد الناس الحياتي، فانفجرت الاحتجاجات وتوسعت.