أثير- المفكّر العربي الكبير صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال

لا نجد وصفًا أبلغ ولا أجمل في بيان مكانة الليلة التي أنزل الله فيها كتابه وأشرقت منها شمس رسالته الخاتمة من قوله تعالى: “سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ”، فهي لحظة ميلاد جديد تصحح مسار التاريخ الإنساني الذي أنهكته الحروب ومزقته النزاعات وحان وقت انتقاله إلى صراط الرحمة والعدل والسلام الذي يمتد من السماء إلى الأرض حتى تشرق الأرض بنور ربها.

إنها ليلة التكريم والتشريف والرفعة التي أنزل الله فيها كتابه العزيز على قلب حبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام، والذي تجسّدت في أخلاقه حقائق التنزيل وارتسمت في حركته معالم الإنسان الكامل الذي تنعكس في مرآته إشراقات الحكمة الإلهية بكل تألقها وبهائها.

من لطائف فيوضات هذه الليلة ما يستشعره المؤمنون من دفقات روحية قوية تستنهض فيهم العزيمة والرجاء وتضيء لهم الطريق ليمضوا في بناء حضارة الرحمة بين شعوب الأرض فلا يصدهم دون غايتهم ظلم ولا جهل ولا عدوان.

تختصر العلاقة بين رمضان والعيد معاني الصبر والصدق والتقوى التي يعيشها الصائم في رمضان وما يتبعه من فرح منتظر في العيد مسيرة الحياة البشرية التي يرتجي فيها الصابرون والكادحون السعادة والثواب في كنف الله تعالى مصداقًا لقوله جلَّ وعلا: “يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ.” فخروج الإنسان من عبودية أناه وتحرير إرادته هو الطريق الأمثل لتكريم نفسه ورفع مكانته في الدنيا وعند لقاء ربه.

نستذكر في مطلع عيد الفطر ما يستحقه كل مجتهد يسعى إلى إصلاح نفسه وطاعة خالقه من مكافأة وجزاء حسن، وكذلك ما يستحقه كل مبدع ومصلح من تقدير وتوقير في مجتمعاتنا البشرية، ولا ننسى هنا ما يعانيه الإنسان الذي هُدِرت طاقاته، والعقول المهاجرة التي لم تجد من يوفيها حقها من الرعاية والاهتمام في كثير من المجتمعات والبلدان.

تحيي تكبيرات يوم العيد في قلوب المؤمنين الفرح والرجاء بالمستقبل، وتبث في نفوسهم العزم على مواصلة العمل لبناء معاني العدالة والرحمة والإحسان في بيوتهم ومجتمعاتهم وفي أرجاء المعمورة كلها. فلا ينفصل سعي المؤمن لنيل الفرح والسرور عن دوره في تحقيق السعادة والبهجة لكل من يجاوره ويساكنه من الخلق، وهنا يتجلى مفهوم السعادة في الإسلام الذي يستمد معناه من محبة الله والقرب منه، حيث الرضا والسكينة والطمأنينة.

من أهم تجليات معاني الرحمة التي جاءت بها تعاليم القرآن فريضة الزكاة التي تبدأ من معناها الروحي المتعلق بطهارة النفس وتحرر الإرادة من ثقل العبودية للرغبات، وينتهي بجانبه الاقتصادي والاجتماعي الذي يجسّد الروح الإنسانية التضامنية التي يحويها الإسلام. وهنا ندرك ميزة مفهوم الزكاة في الإسلام كنظام اجتماعي إنساني عادل يبتعد عن سطوة الفوارق الطبقية وأحقادها. وهنا أشير إلى دعوتي التي شرعت بها منذ سبعينيات القرن الماضي والمتمثلة بالمؤسسة العالمية للزكاة والتي تمثل حلًا عمليًا لمشكلاتنا الاقتصادية وأشكال الحرمان المتعدد بأنواعه المختلفة، وأذكر كذلك تقرير البنك الإسلامي للتنمية والذي يذهب إلى أن قيمة الزكاة المستحقة على أموال المسلمين في وقتنا الراهن تقدر بـ 350 مليار دولار، وأن ما يتم جمعه لا يزيد على 10% من هذا المبلغ، ولنا أن نتخيل ما الذي يمكن لهذا المبلغ أن يحدثه من تغيير شامل على مستوى احتياجات الفقراء واللاجئين والمحرومين في العالم كله.

تجمع تعاليم الإسلام بين إصلاح الإنسان والمجتمع وإصلاح الأرض وإعمارها، وأن مخالفة تلك التعاليم ستؤدي لا محالة إلى حدوث الإفساد في الأرض والمجتمع: “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ”؛ وهنا أشيد بكلمة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، أثناء الاحتفال بليلة القدر والتي دعا فيها إلى تحقيق “وحدة علمائية تجمع رموز الإسلام من سُنَّة وشيعة وإباضية وغيرهم من أهل القبلة على مائدة واحدة لوضع حدود فاصلة بين ما يجب الاتفاق عليه، وما يصح الاختلاف فيه، ذلك الاختلاف الذي أثرى العلوم الإسلامية، وحولها إلى معين لا ينضب من اللطف واليسر والرحمة.”

لا ننسى في هذه الأيام ما يحدث في غزة من ظلم وعدوان حريّ به أن يشعل في عقولنا ثورة الوعي ويستنهض في نفوسنا إرادة العمل والبناء، وخلافًا للنظرة التي تبث الشعور باليأس والعجز في نفوس الضعفاء، فإن الإسلام يعلمنا مواصلة الثبات والرجاء والعمل مهما كانت المحن والتحديات، وكما يقول رسولنا الكريم: “إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل”.

إن قوة الصبر والرجاء التي يبثها الإيمان في قلوب المؤمنين تعينهم على مواجهة مصاعب الحياة وتحدياتها، فلا يأس ولا قنوط في الحياة كما يعلمنا القرآن: “وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”. فالمؤمن كل أحواله خير كما يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: “عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ”.

نسأل الله العلي القدير في هذه الأيام المباركة، أن يفرِّج كرب أهلنا في غزة وفي عموم فلسطين، وكرب المستضعفين في كافة أنحاء الأرض، وأن يعيد هذه الأيام المباركة علينا وعلى شعوبنا العربية والإسلامية بخير وكرامة ونماء وكل عام وأنتم بخير.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

“عبدالكريم من اليابان” ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين يلفت الأنظار بموقفه المميز بمطار الأمير محمد بن عبدالعزيز

المناطق_واس

لفت أحد الضيوف الأنظار بموقفه المميز بمطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي بالمدينة المنورة، أثناء استقبال وفد من اليابان ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة، الذي تُنظمه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.

فبابتسامته العريضة، أعرب الضيف الياباني عبدالكريم -المتزوج حديثًا- عن سعادته الكبيرة بزيارة المدينة المنورة في هذه اللحظة الفريدة من حياته، قائلًا: “إنه لم يكن هناك أي تخطيط لهذه الرحلة، لكن الله سبحانه وتعالى يسر لي ولزوجتي عفرين أن نقضي شهر زواجنا الأول هنا في المدينة المنورة، بالقرب من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم “.

أخبار قد تهمك تجمّع عسير الصحي يدشّن مشاريع صحية بمستشفى محايل العام 21 نوفمبر 2024 - 12:50 صباحًا أمير المدينة المنورة يرعى لقاء شركاء النجاح الذي نظمته شركة “‫أرامكو السعودية” تحت شعار “شراكة واستدامة” 21 نوفمبر 2024 - 12:36 صباحًا

وأعرب عبدالكريم الذي بدا من لغته العربية المتواضعة عن شكره لله العظيم على هذه النعمة، وشكر القيادة الرشيدة، وللشعب السعودي الكريم على هذا الاستقبال الحافل، مؤكدًا أنه ليس هناك رحلة بعد الزواج يمكن أن تكون أجمل من هذه.

الضيف عبدالكريم، الذي ينحدر من العاصمة طوكيو، أشار إلى تزايد أعداد المسلمين في اليابان، مبيّنًا أن عدد المساجد في طوكيو وحدها يصل إلى 22 مسجدًا، واصفًا قصة دخوله للدين الإسلامي بأنه قضى أكثر من 10 سنوات في البحث والقراءة عنه قبل ست سنوات، فيما ذكر أن زوجته عفرين اعتنقت الإسلام العام الماضي.

 

Copy URL URL Copied 21 نوفمبر 2024 - 2:14 صباحًا Share Facebook X LinkedIn Messenger Messenger Read Next أبرز المواد21 نوفمبر 2024 - 12:17 صباحًاالرئيس الصيني يدعو لوقف إطلاق النار في غزة أبرز المواد20 نوفمبر 2024 - 11:28 مساءًولي العهد يهنئ نافينشاندرا رامغولام بمناسبة تعيينه رئيسًا للوزراء في جمهورية موريشيوس أبرز المواد20 نوفمبر 2024 - 11:09 مساءًلمدة 5 أيام .. وزارة الداخلية تحتفي باليوم العالمي للطفل في واجهة روشن بالرياض أبرز المواد20 نوفمبر 2024 - 9:57 مساءًفريق علماء يكتشف بأن جين FLVCR1 يشخص 30 حالة طبية غامضة لتشوهات الولادة أبرز المواد20 نوفمبر 2024 - 9:55 مساءًاليونيسف تقارن بين المزايا الصحية والتعليمية والمخاطر البيئية لأطفال 205021 نوفمبر 2024 - 12:17 صباحًاالرئيس الصيني يدعو لوقف إطلاق النار في غزة20 نوفمبر 2024 - 11:28 مساءًولي العهد يهنئ نافينشاندرا رامغولام بمناسبة تعيينه رئيسًا للوزراء في جمهورية موريشيوس20 نوفمبر 2024 - 11:09 مساءًلمدة 5 أيام .. وزارة الداخلية تحتفي باليوم العالمي للطفل في واجهة روشن بالرياض20 نوفمبر 2024 - 9:57 مساءًفريق علماء يكتشف بأن جين FLVCR1 يشخص 30 حالة طبية غامضة لتشوهات الولادة20 نوفمبر 2024 - 9:55 مساءًاليونيسف تقارن بين المزايا الصحية والتعليمية والمخاطر البيئية لأطفال 2050 تجمّع عسير الصحي يدشّن مشاريع صحية بمستشفى محايل العام تجمّع عسير الصحي يدشّن مشاريع صحية بمستشفى محايل العام تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك Find us on Facebookالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2024   |   تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستFacebookXYouTubeInstagramWhatsApp Facebook X Messenger Messenger WhatsApp Telegram Back to top button Close البحث عن: FacebookXYouTubeInstagramWhatsApp Close Search for Close Search for

مقالات مشابهة

  • بتعليمات ملكية، الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء
  • الأمير الدكتور فيصل بن مشعل يرعى حفل افتتاح مؤتمر “قيصر” الدولي للجراحة
  • “عبدالكريم من اليابان” ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين يلفت الأنظار بموقفه المميز بمطار الأمير محمد بن عبدالعزيز
  • “الجيش” الذي أذهل أمريكا والغرب..!
  • أحمد نجم يكتب : روحي وروحك حبايب
  • “فلكية جدة”: اقتران القمر الأحدب والمريخ اليوم
  • أكاديمية طويق تطلق شراكتها مع مؤسسة الأمير محمد بن سلمان “مسك”
  • شاهد | الصاروخ الذي قصفت به السعودية “تل أبيب” .. كاريكاتير
  • محمد أبو هاشم: الصلاة تغير سلوك الإنسان وتؤثر في حياته بشكل عميق
  • نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق: الصلاة تُغير سلوك الإنسان وتؤثر في حياته