الجزيرة:
2025-01-31@13:02:44 GMT

هجرة المهاجرين.. لماذا يغادرون جنة كندا؟

تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT

هجرة المهاجرين.. لماذا يغادرون جنة كندا؟

ربما لم يكن ليخطر على بال أحد أن عنوان الرواية الفائزة بأهم جائزة أدبية كندية عام 2021 "يا لها من جنة غريبة!" قد يكون توصيفا مناسبا لتقرير حكومي يرصد ظاهرة مغادرة المهاجرين للبلاد التي لطالما مثّل بلوغها حلما للملايين.

التقرير الصادر في فبراير/شباط 2024 تحت عنوان "هجرة المهاجرين: نتائج قاعدة بيانات الهجرة الطولية" عكف معدوه على دراسة مجموعة ضخمة من المعلومات المتعلقة بالمهاجرين الذين قدموا إلى البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي، ليخلصوا إلى نتيجة مفادها أن أكثر من 15% من مجموع المهاجرين بين عامي 1982 و2017 غادروا كندا، لا سيما خلال السنوات الأولى من قدومهم.

تقرير آخر صادر عن معهد المواطنة الكندي في أكتوبر/تشرين الأول 2023 يشير إلى تزايد ظاهرة الهجرة العكسية التي بلغت ذروة تاريخية بين عامي 2017 و2019، إذ وصلت إلى مستويات أعلى بنسبة 31% من المتوسط التاريخي.

كما تظهر بيانات رسمية -نشرتها وكالة رويترز- أن ما بين 80 إلى 90 ألف مهاجر غادروا كندا بين عامي 2021 و2022، في حين غادر نحو 42 ألف شخص في النصف الأول من عام 2023.

الهجرة العكسية تعد مؤشرا مقلقا بالنسبة لمستقبل الهجرة في كندا (غيتي) تحديات السكن

أحد هؤلاء المغادرين كان نظمي دهني المواطن السوري الذي قدم إلى كندا عام 2017 وغادرها بعد بضع سنوات، بعد أن حقق أحد أهدافه بالحصول على الجنسية الكندية.

"لكن هذا ليس كل شيء" يقول دهني للجزيرة نت، موضحا أن عديدا من الأسباب دفعته إلى اتخاذ قرار المغادرة، ففي مجتمع متعدد المشارب والثقافات أنت بحاجة إلى بيئة داعمة أو مجتمع مساند، وهو ما لا يتوفر بالشكل الكامل في المهجر الجديد.

ويضيف دهني أن العديد من الصعوبات اعترضت طريقه، فالعثور على منزل للإيجار من أصعب المشكلات لأن شروط التأجير صعبة جدا وكلفة الإيجار في حد ذاتها ضخمة، لا سيما للقادم الجديد، كما أن إيجاد فرصة عمل مجدية أمر شبه مستحيل في البداية ولفترة ربما تمتد لسنوات.

معضلة العمل

تخرج نظمي دهني من تخصص الهندسة المعمارية في الجامعات السورية، ثم عمل مهندسا في شركة استشارية في دولة خليجية لـ14 عاما، لكنه حين قدم إلى كندا لم يستطع الاستفادة من خبراته السابقة في سوق العمل.

وجد دهني نفسه مضطرا لتعديل الشهادات والحصول على ترخيص العمل، أو تعديل المهنة وتغييرها بالدراسة في كندا، أو بالحصول على خبرة عمل كندية وهو "شيء شبه مستحيل"، يقول دهني متأسفا.

بون شاسع بين الحلم الكندي كما تروجه وكالات الهجرة والواقع الفعلي لحياة المهاجرين (شترستوك)

وأمام هذا الواقع، عمل دهني في التجارة والتوصيل وكعامل بناء، ليصل إلى نتيجة أنه عند تساوى المصروف مع الدخل فقد حان القوت للرجوع السعودية، حيث يقيم أهله الذين يتقدمون في السن، وكي يتمكن من تنشئة بناته الثلاث بعيدا عن صعوبات التشظي بين عالمهم الأساسي وعدم القدرة على الاندماج الكامل مع المجتمع الجديد والتأثر بقيم الفردانية والخصوصية المفرطة والابتعاد عن العائلة في الغرب.

قرار المغادرة الصعب لم ينفرد به نظمي وحده، إذ يروي للجزيرة أن أكثر من 14 عائلة غادرت من مدينته ميلتون وحدها منذ بداية هذا العام، في حين تختزن مجموعات على فيسبوك، مثل "العائدون من كندا إلى مصر"، كثيرا من تجارب المغادرين وأسئلتهم وحيرتهم أمام تحديات الواقع الجديد.

وليس الأمر مرتبطا بالشرق الأوسط وحده، فعشرات مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب تروي تجارب الهنود الذين فضلوا العودة إلى بلادهم والتخلي عن كندا، بعد أن تبين لهم البون الشاسع بين الحلم الكندي كما تروجه وكالات الهجرة والواقع الفعلي لحياة المهاجرين في مدن مثل تورونتو وفانكوفر.

 

عدم القدرة على الاندماج الثقافي في المجتمع الكندي يدفع بعض العرب لمغادرة البلد (شترستوك) تحديات الثقافة والاندماج

من جانبه، يحكي إبراهيم محسن للجزيرة نت جانبا آخر من التجربة الكندية، فمهندس المعلوماتية اليمني الذي قدم إلى كندا عام 2017 يوضح أنه رغم المصاعب التي يواجهها أي قادم جديد، فإن كندا قدمت له الدعم المادي والتعليمي والاجتماعي، الذي أعانه على إكمال دراسته الجامعية في مجال أمن المعلومات، ليعمل بعدها في أكبر شركة استشارية في العالم بمقرها في تورنتو.

ووفقا لموقع إنديد الكندي المختص بالبحث عن الوظائف، فإن العمل في مجال المعلوماتية من الأكثر طلبا في سوق العمل الكندي، حيث يبلغ متوسط ما يتقاضاه مهندس البرمجة قرابة 89 ألف دولار كندي في السنة.

ورغم هذا، فقد غادر محسن بعد الحصول على الجنسية الكندية التي كانت طموحه الأكبر، إثر عثوره على فرصة في مكان آخر بدخل مادي أفضل، موضحا أن هذا من أكبر الأسباب التي تدفع المهاجرين إلى مغادرة كندا نتيجة ارتفاع تكلفة المعيشة والسكن، لا سيما بعد جائحة كوفيد-19.

العامل الثقافي يبدو حاضرا في حديث محسن أبي الأطفال الثلاثة للجزيرة نت، إذ يؤكد أن مما يدفع البعض إلى التفكير الجدي في المغادرة ما يصفه بـ"التطرف" في نشر ثقافة المثلية الجنسية في المدارس العامة وفي سن جد مبكرة، إلى جانب عدم القدرة على الاندماج الثقافي في المجتمع الكندي وضعف الأنشطة الثقافية لضعف الجالية العربية مقارنة بالجاليات الأخرى.

الحكومة الكندية تولي أهمية فائقة لملف الهجرة حيث شكل المهاجرون 90% من نمو القوى العاملة الكندية (الفرنسية) مؤشر مقلق

عديد من الاستبيانات والتقييمات تضع كندا في مقدمة أفضل الدول للهجرة على مستوى العالم، حيث يصنف استطلاع قام به معهد غالوب الأميركي الشهير كندا على رأس قائمة الدول المرحبة بالمهاجرين عام 2021.

أحد العوامل المرغبة في الهجرة إلى كندا تتمثل في سياسات البلاد الساعية لاستقطاب المهاجرين ودعمهم، ووفق أرقام هيئة الإحصاء الكندية، فإن البلاد تستقبل عادة ما بين 200 و300 ألف مهاجر كل عام، بحيث إنه عام 2021 ولد أكثر من واحد من كل 5 كنديين خارج كندا، غير أن هذه الأرقام ستتزايد مع خطة الهجرة 2024-2026 التي تضمنت قبول 500 ألف وافد جديد كل عام تقريبا.

وتولي الحكومة الكندية برئاسة جاستن ترودو أهمية فائقة لملف الهجرة، حيث شكل المهاجرون 90% من نمو القوى العاملة الكندية و75% من النمو السكاني عام 2021، في حين تشير بعض التقديرات إلى أن الحفاظ على مستوى المعيشة الحالي أو زيادته في كندا يحتاج إلى نصف مليون مهاجر سنويا.

ولذلك وبالنظر إلى كل ما سبق، فإن الهجرة العكسية رغم أنها لا تمثل ظاهرة كبيرة حتى الآن، فإنها تشكل مؤشرا مقلقا بالنسبة لمستقبل الهجرة في البلاد، وفقا لمروان علي الباحث الكندي في شؤون الهجرة.

استقبال كندا لأعداد غير مسبوقة من المهاجرين لم يترافق مع تهيئة بنى تحتية كافية لاستيعابها (رويترز) عوامل تضغط على القادمين الجدد

ويضيف علي للجزيرة نت أنه من واقع تجربته بوصفه ناشطا في دعم القادمين الجديد خلال العقد الماضي، فإن عديدا من التحديات الجدية برزت أمام هذه الفئة خلال السنوات الأخيرة، وفي مقدمتها التضخم الذي شهد تصاعدا كبيرا حتى بلغ معدله السنوي 5.7% في فبراير/شباط 2022 وهو الأعلى منذ أغسطس/آب 2009.

سوق العقار الكندي بدوره يعاني عاصفة غير مسبوقة، وتُظهر بيانات موقع "أورينتالز" للعقارات وشركةِ الأبحاث "أوربانايشن" الصادرة في أغسطس/آب 2023 أنّ معدّل ​​الإيجار الشهري المطلوب في الشهر السابق بلغ 2078 دولارا، أي أعلى تقريبا بـ9% من الإيجار في الشهر نفسه من عام 2022.

كما أن استقبال كندا لأعداد غير مسبوقة من المهاجرين لم يترافق مع تهيئة بنى تحتية كافية لاستيعابها، مما أثر على قدرة القادمين الجدد على الوصول إلى خدمات كتعليم اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها عبر منظمات الدعم المجتمعي، وهو ما ينعكس على قدرتهم على الدخول في سوق العمل على سبيل المثال.

هذه العوامل وغيرها تمثل ضغطا كبيرا على القادمين الجديد، خاصة أن طبيعة الأعمال التي ينخرطون بها في سنواتهم الأولى تكون غالبا من ذوات الدخل المنخفض، مما قد يدفع البعض إلى المغادرة.

وفي النهاية يرى علي أن كندا تتمتع بكثير من الميزات وأن السلطات ومنظمات المجتمع المدني تقدم عديدا من وسائل الدعم، لكن هذا لا يعني أن كندا هي "الجنة الموعودة".

ولذا فإن الاستمرار فيها يرتبط بمجموعة من العوامل، منها قدرة القادم الجديد على تطوير آليات التكيف، وسقف توقعاته من البلد الجديد، بجانب الخلفية الثقافية والمهنية والهدف الرئيس من الهجرة هل هو مرتبط بعوامل اقتصادية أم بالرغبة في الحصول على الجنسية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات للجزیرة نت إلى کندا عام 2021

إقرأ أيضاً:

لوموند: إسرائيل تشهد هجرة لم يسبق لها مثيل

قالت صحيفة لوموند إن آلاف الإسرائيليين غادروا البلاد للاستقرار في الخارج، وإن مزيدا من الناس قد يفعلون ذلك في المستقبل، مشيرة إلى أن الوضع الاقتصادي له تأثير في ذلك، ولكن انعدام الأمن والحرب في غزة وسياسات حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمكانة المتعاظمة للدين في المجتمع؛ كلها عوامل جعلت هذا الاتجاه يتسارع.

وانطلقت الصحيفة -في تقرير بقلم مراسلتها من تل أبيب إيزابيل ماندراود- من قصة الموسيقي روي (34 عاما) الذي لم يعد يرى مستقبلا له في إسرائيل التي ولد فيها، رغم أنه منتج ومغنّ وعازف قيثارة ناجح.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2موقع أميركي: وقف النار في غزة سلام مؤقت أم شرارة لصراع جديد؟list 2 of 2إيكونوميست: خطة رواندا المتهورة لإعادة رسم خريطة أفريقياend of list

وهذا الشاب -الذي لا يريد الكشف عن هويته- يستعد، وفقا للصحيفة، للهجرة إلى إسبانيا مع زوجته، ويقول "نحن لا نصرخ من فوق أسطح المنازل، لأننا نخجل من المغادرة قبل أن تنتهي الحرب تماما، إنها لحظة معقدة. أنا أحب بلدي، لكني أرى أن سنوات مظلمة في انتظارنا". ويضيف "لقد تجاوزت حكومة نتنياهو عتبات عدة تشكل خطرا على الديمقراطية، وثمة تناقض بين القانون والدين، كما أن عدد المتطرفين ما فتئ يزداد".

مستويات قياسية

أما ميكي (30 عاما) فقد اتخذ الخطوة بالفعل، وانتقل مؤخرا مع زوجته وطفليه الصغيرين إلى بافوس، حيث أسس شركة للتجارة الإلكترونية في البلدة الواقعة على الساحل الغربي لقبرص، وهو لا يرغب في الكشف عن اسمه، كما تقول المراسلة.

إعلان

يقول ميكي "كان اتخاذ القرار صعبا ولكن بين الصعوبات الاقتصادية المتزايدة في إسرائيل وانعدام الأمن، أدركنا أن علينا أن نرحل.. في كل مرة كنت أخرج مع أطفالي، كنت أحمل سلاحًا مثل كثير من المدنيين الإسرائيليين".

ساسون: 82 ألفا و700 إسرائيلي غادروا البلاد ولم يعد إليها سوى 24 ألفا خلال عام 2024 وثمة مخاوف من أن تشهد إسرائيل هجرة للأدمغة.

وأشارت الصحيفة إلى أن مدينة بافوس أصبحت وجهة جذابة بشكل متزايد، كما تؤكد أليس شاني، وهي إسرائيلية تملك شركة عقارات أُسّست هناك منذ سنوات، وقالت في اتصال هاتفي "في العام الماضي وصلت 200 أسرة ولا يزال المزيد يصلون"، وأضافت "أتلقى كل يوم أسئلة عن المدارس والحياة اليومية. معظم الوافدين أعمارهم في الثلاثينيات ويعملون في مجال التكنولوجيا الفائقة".

وبحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 2024، وصلت أعداد المغادرين إلى مستويات قياسية، إذ غادر البلاد 82 ألفا و700 إسرائيلي من دون أن تكون الحرب هي السبب. ويوضح إسحاق ساسون وهو أستاذ لعلم الاجتماع في جامعة تل أبيب أن 24 ألف إسرائيلي فقط عادوا في عام 2024 حسب التقرير، مما يعني أن هذه الفجوة "تمثل تغييرًا جذريا مقارنة بالعقد السابق".

مخاوف سياسية

ويوضح إسحاق ساسون أن "العديد من المهاجرين غادروا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أعتقد أن بعضهم غادر البلاد بسبب عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل والإصلاح القضائي المثير للجدل. هذه الزيادة في الهجرة مثيرة للقلق؛ هناك اعتقاد بأن المهاجرين لديهم مستويات تعليمية أعلى من المتوسط. إن الخطر الرئيسي هو أن تشهد إسرائيل هجرة للأدمغة".

ومع مرور الأشهر الأولى على بدء الحرب في غزة ثم في لبنان، أصبح هذا الاتجاه أكثر وضوحا -كما تقول المراسلة- إذ يقول إيلان ريفيفو (50 عاما) "لم أشاهد شيئا مثل هذا على الإطلاق خلال 30 عاما من مسيرتي المهنية"، علما أن شركته متخصصة في مساعدة اليهود القادمين للاستقرار في إسرائيل، وهو يقول الآن إن ما يحدث هو العكس.

ريفيفو: الذين يغادرون هم أكثر خوفًا من الوضع السياسي، وهم غير متفائلين بالمستقبل ويفكرون في أطفالهم، كما أنهم يسعون للحصول على جنسية ثانية.

ويرى رجل الأعمال هذا أن الحرب ليست الدافع الوحيد وراء هذا الخروج، قائلا "إن الذين يغادرون هم أكثر خوفًا من الوضع السياسي، وهم غير متفائلين بالمستقبل ويفكرون في أطفالهم، ويسعون للحصول على جنسية ثانية. أعتقد أن ثقل التدين في البلاد يلعب دورا كبيرا في قرارهم".

إعلان

وخلصت الصحيفة إلى أنه لا أحد يعرف اليوم هل الهدنة الهشة في غزة ستكون كافية لوقف النزوح خاصة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حذر من أن الحكومة تحتفظ "بالحق" في استئناف الحرب إذا رأت ذلك مناسبا، والحقيقة هي أن العديد من الإسرائيليين معادون للسياسات التي ينتهجها الائتلاف الحاكم الذي يهيمن عليه اليمين المتطرف، وذلك ما يلخصه روي في جملة واحدة قائلا "إذا لم يتغير شيء في الانتخابات المقبلة سوف يغادر مزيد من الناس".

مقالات مشابهة

  • ترامب: ضرائب النفط الكندي والمكسيكي لم تحسم بعد
  • ترامب يدرس فرض ضرائب على النفط الكندي والمكسيكي
  • الأسرى الفلسطينيون المفرج عنهم يغادرون سجن عوفر
  • شاهد | هجرة عكسية هي الأكبر منذ عقود في تاريخ كيان العدو الصهيوني
  • لم يبدأ مع ترامب.. ترحيل المهاجرين من أميركا معاناة عمرها قرن
  • لوموند: إسرائيل تشهد هجرة لم يسبق لها مثيل
  • مستشفى الكندي يهنئ بعيد ميلاد الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه
  • النفط يستقر مع تقييم المستثمرين لتأثير الرسوم الجمركية على الواردات الكندية والمكسيكية
  • غوميز تنتقد حملات ترحيل المهاجرين وديل راي تطالبها بالعودة للمكسيك
  • فرنسا..ارتفاع هجرة المتطرفين الإسلاميين إلى الدول المسلمة