الجزيرة:
2025-03-16@09:07:17 GMT

إسرائيل والكمين

تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT

إسرائيل والكمين

كنت أتابعُ قناة الجزيرة أمسِ وهي تبثّ مشاهدَ من كمين محكم أعدته المقاومة واستهدفت به جنود الاحتلال، في منطقة الزنة بخان يونس، حيث تميّز بالدقة والاستهداف المباشر والتنوع في شكل المواجهة ما بين الرصاص والقذائف والعبوات، وما بين المستهدَف من حيث المشاة والآليات.

تنوّع ودقّة

وأردت أن أسجّل بعض الملاحظات على ما تم بثّه ودلالاتها:
أولًا: الهدوء والإعداد الدقيق والمتقن، فالمقاومة كانت تعمل وتخطط لهدفها بدقة وأعصاب هادئة بعيدة عن الانفعال، وهو تخطيط حرب استنزاف؛ لإدراك المقاومة أنّ هذه الحرب سوف تطول، ونهايتها ليست قريبة، وهي الرسالة التي اختتم بها قائد المجموعة الفيديو بقوله:" إنه ما زال في جعبة القسام الكثير".

ثانيًا: لم يخلُ إبداع المقاومة من الرمزيات، حيث إن الكتاب الذي كان حاضرًا في مشهد الإعداد هو " رسائل من القرآن الكريم "، والمؤشر الذي يستخدمه القائد هو السواك برمزيّته الدينية، خاصة في شهر رمضان المبارك، ولعل هذا يتزامن بعد أيام من حملة " الوعد المفعول" لتحفيظ القرآن في شمال القطاع، فالقرآن هو المرشد والدليل، وعنوان الجهاد، وعنوان الصبر والصمود والثبات، فالقرآن هو المنهج وأنه والبندقية صنوان في هذه المعركة.

ثالثًا: التنوع والوضوح: ربما هذا الكمين هو الأكثر وضوحًا منذ بدء الحرب، والأكثر شمولًا في المشاهد ونوعية السلاح وأنماط الاستهداف، والأكثر اكتمالًا من حيث الصورة، بشكل يوضح مدى الدقة واكتمال الصورة ووضوح الهدف والثبات والأعصاب الفولاذية التي تمتع بها المقاوم، وأنه صاحب الكلمة الفصل منذ اللحظة الأولى إلى الأخيرة، يضرب ويواصل الضرب حتى يحقق أهدافه كاملة.

جيش مهزوز

رابعًا: سلوك الاحتلال في الكمين: لم يطلق جنود الاحتلال طلقة واحدة، وكان سلوكهم الجماعي بالهرب والنجاة بأنفسهم، كما هو دليل أن ما كان يبثّه الاحتلال من مشاهد لجنوده يطلقون النار، إنما هي مشاهد تمثيلية غير حقيقية لمناطق فارغة، وأنهم عاجزون في المواجهة الحقيقية مع المقاومة.

وبعيدًا عن التحليل العسكري الذي يمكن أن يقال فيه الكثير حول هذا الكمين وتقييمه، إلا أنني وجدت الكثير من المماثلة بين الرسائل أعلاه، ودولة الاحتلال، ككل فهي " دولة كاملة في كمين "، دولة عاجزة عن مواجهة المقاومة، وسقطت أمامها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكانت صورة جنودها إما قتيلًا أو هاربًا أو جريحًا، وسقطت مواقعها الواحد تلو الآخر أمام مقاومة خططت جيدًا، وأقبل مقاتلوها رابطي الجأش مقاديم، يستخدمون أنماطًا مختلفة وبسيطة من الأسلحة، وقد عجز جنود الاحتلال عن مجابهتهم كالرجال.

وأراد قادة دولة الاحتلال تغيير هذه الصورة الجديدة التي صنعتها المقاومة، فاستعانت بدول كبرى على رأسها الولايات المتحدة الأميركيّة وبعض الدول الغربية ببوارجها وحاملات طائراتها، وجنّدت مئات الآلاف، واستخدمت طائرات "إف 35″، وأحدث الآليات والمدرّعات، وقتلت 33 ألفًا من المدنيين، وهدمت المنازل على مَن فيها، ودمرت البنى التحتية؛ كي تعيد الاعتبار لصورتها وجنودها وجيشها الذي لا يقهر.

 انهيار الردع

ولكن من جديد خططت المقاومة ونفّذت وأعادت صورة المقاتل الفلسطيني المقبل، وصورة الجندي الصهيوني الذي يجرّه زميله قتيلًا، وصورة جنود الاحتلال يفرّون من موت إلى موت، ومن كمين إلى كمين، والأرض تتفجر من تحتهم، لم ينجح القتل والتدمير في الردع، وبقيت المقاومة ثابتة عصية على كل أشكال وأنماط الاقتلاع بل تسجل النقاط والإنجاز رغم كل ما أصاب غزة وقطاعها.

نعم المماثلة قائمة، دولة سنّت قانونَ يهوديتها في الأعوام الأخيرة؛ لتعلن أنها دولة قائمة على أساس الدين وعنوانها التوراة، فإذا في هذه الحرب رجال التوراة يهربون من التجنيد، وتضطر أن تسن قانونًا جديدًا لتجنيدهم، فيكاد ينفرط عقدها وتختلف قلوب رجالها.

في المقابل ترفع المقاومة القرآن عنوانًا في كل معاركها وحربها فكانت صفوة الحفاظ قبل المعركة، وكانت همم القرآن الوعد المفعول في أثنائها.
دولة خرجت للحرب بدون أهداف معقولة واضحة إلا الحفاظ على كراسيّ قادتها الذين بدوا عاجزين عن القيام بشيء إلا القتل والإبادة الجماعية والتدمير الشامل، مستخدمين ما جاد به الأميركي من قنابل وأدوات موت، فيما الفلسطيني يخرج من تحت الأنقاض ومن بين الركام فاقدًا أهله وذويه، وكل ما يملك، لكنه لم يفقد في لحظة من اللحظات هدفه وأمله بالتحرير والنصر، والعودة ليس إلى بيته في غزة فقط، ولكن إلى بيته في يافا والكرمل وحيفا وصفد.

نصر قريب

أخيرًا؛ في ختام هذه الكلمات، أهم ما لفت نظري أن الأرض كانت تقاتل مع أصحابها، فقد رأينا رشاقة المقاومين وسرعة تحركهم بين الأنقاض ووسط الركام، فهم على دراية بالمنطقة التي وُلدوا فيها، فكان الواحد منهم يتقافز كالفهد المتحفز للانقضاض على طريدته، فالأرض أرضه والمكان مكانه، يحفظه عن ظهر قلب، يشعر فيه بالطمأنينة، وإن كان حوله عشرات الجنود والآليات.

أما جنود الاحتلال فكانوا يسيرون ببطء الخائف من كل شيء من الحجر والشجر والحطام الذي دمرته أيديهم وآلتهم العسكرية، ويعرفون أن كل ما حولهم يكنّ لهم العداء، ويحمل لهم نذر الموت، فهم طارئون في هذه الأرض، يعرفون أن مصيرهم إما قتيلًا أو جريحًا أو هاربًا هنا في غزة أو هناك، حيث كل بقعة مغتصبة من أرض فلسطين لها أصحاب يعرفون دروبها ومسالكها يعشقون ويعشقهم ترابها، أقسموا إما العيش أحرارًا فوقه أو كرامًا تحته.

وهكذا هي دولة الاحتلال طارئة، خائفة تدرك أنها قامت على أنقاض شعب حي وحضارة كامنة تملك كل مقومات العودة والانتصار، وأبناء هذه الأرض يروون ثمرة العودة بدمائهم؛ لجني نصر قد اقترب أوانه وحصاده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات جنود الاحتلال

إقرأ أيضاً:

آثار الدمار في المبنى السكني الذي استهدفته طائرات الاحتلال الإسرائيلي في مشروع دمر بدمشق

2025-03-13Belalسابق الجامعة الافتراضية السورية تصدر نتائج مفاضلة المنح انظر ايضاً الجامعة الافتراضية السورية تصدر نتائج مفاضلة المنح

دمشق-سانا‏ أصدرت الجامعة الافتراضية السورية، نتائج مفاضلة المنح (المتفوقين – ذوي ‏الاحتياجات الخاصة)

آخر الأخبار 2025-03-13الجامعة الافتراضية السورية تصدر نتائج مفاضلة المنح 2025-03-1330 مستثمراً جديداً في حسياء الصناعية منذ بداية التحرير 2025-03-13القائم بأعمال وزارة الصحة يؤكد أهمية اختصاصي الصحة العامة والنظم الصحية لتطوير القطاع الصحي 2025-03-13الهيئة الوطنية لتقانة المعلومات تواصل تقديم الخدمات ضمن المراكز ‏التابعة لها 2025-03-13وزير الكهرباء المهندس عمر شقروق لـ سانا: ستساهم دولة قطر بدعم قطاع الطاقة في سوريا عبر توفير 2 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً 2025-03-13السيد الرئيس أحمد الشرع يوقع مسودة الإعلان الدستوري 2025-03-13لجنة الخبراء المكلفة بصياغة مسودة الإعلان الدستوري: دأبت اللجنة منذ اللحظة الأولى لتشكيلها على إنجاز العمل المطلوب منها واعتمدنا على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في الإعلان الدستوري 2025-03-13القائم بأعمال السفارة القطرية في سوريا خليفة عبدالله آل محمود الشريف يعلن عن مبادرة لتوفير إمدادات معتمدة من الغاز الطبيعي لسوريا عبر الأراضي الأردنية لمدة محددة 2025-03-13مراسل سانا بدمشق: طائرات الاحتلال الإسرائيلي تستهدف مبنى سكنياً في مشروع دمر بدمشق 2025-03-13التجارة الداخلية بحمص تنظم 51 ضبطاً عدلياً منذ بداية رمضان

صور من سورية منوعات العرقسوس والتمر الهندي… عصائر رمضانية شعبية في حماة  2025-03-11 تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • جنود إسرائيليون يحوّلون احتفالات المساخر لرعب بإطلاق النار العشوائي في غزة
  • فصائل فلسطينية تعقب على القصف الإسرائيلي في بيت لاهيا
  • فوكس: ما الذي يعنيه فعلا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟
  • حماس تستنكر قرار حجب قناة الأقصى
  • فيلادلفيا.. محور الموت الذي يمنع أهالي رفح من العودة
  • ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
  • اللواء أحمد العوضي: الأحداث الحالية بغزة هى الأصعب على مدار تاريخ الصراع العربى الإسرائيلي
  • آثار الدمار في المبنى السكني الذي استهدفته طائرات الاحتلال الإسرائيلي في مشروع دمر بدمشق
  • مع تراجع الاستجابة.. الاحتلال ينشر إعلانات تجنيد بمنصات التواصل
  • أستاذ علوم سياسية: حماس مستمرة في امتلاك السلاح لاعتقادها بأن الاحتلال سيخل بالاتفاقيات