حصل حزب الشعب الجمهوري برئاسة أوزغور أوزل، على 37,76 بالمائة من أصوات الناخبين في عموم البلاد في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 آذار / مارس الماضي، وحل في المرتبة الأولى لأول مرة منذ الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 1977، كما احتفظ ببلديات أنقرة وإسطنبول وإزمير، وفاز مرشحوه في مدن كانت تعتبر من قلاع الأحزاب اليمينية.
هناك ميول لدى محللين لتفسير نتائج هذه الانتخابات بأخطاء حزب العدالة والتنمية فحسب، إلا أن هذا النوع من القراءة يكون مضللا، لأنه يتجاهل نصف الحقائق. ومن المؤكد أن أخطاء الحزب الحاكم لها دور في الهزيمة التي مني بها، ولكن يجب الاعتراف أيضا بأن حزب الشعب الجمهوري نجح في استغلال تلك الأخطاء لصالحه، كما نجح في رفع شعبيته ليحل في المرتبة الأولى بعد 47 عاما.
حزب الشعب الجمهوري كان يُعرف في الساحة السياسية التركية كــ"حزب 25 بالمائة"، في إشارة إلى أن شعبيته تدور حول هذه النسبة، وأنه في جميع الانتخابات يحصل على نسبة أقل منها بقليل أو أكثر منها بقليل. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: "كيف نجح حزب الشعب الجمهوري في تحطيم ذاك السقف لتبلغ شعبيته 37,76 بالمائة؟".
جواب هذا السؤال يكمن في انفتاح حزب الشعب الجمهوري على شرائح مختلفة من الناخبين لم تكن تصوت له سابقا، بالإضافة إلى تحالفاته التكتيكية كذاك الذي شكله مع حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية. وهو ما لفت إليه القيادي في حزب العمال الكردستاني، مصطفى قاراسو، حين حذر رئيسَ بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، قائلا: "لا يظنَّنَّ حزب الشعب الجمهوري كل تلك الأصوات هي أصواته"، في إشارة إلى أن نسبة كبيرة من مؤيدي حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية صوتوا في إسطنبول لإمام أوغلو.
حزب الشعب الجمهوري حصل في هذه الانتخابات نسبة من أصوات المؤيدين للأحزاب اليمينية وحتى "الإسلامية". وهو أمر لم يكن ممكنا في السابق. ويعود الفضل في ذلك إلى التحالف الذي أسسه حزب الشعب الجمهوري مع خمسة أحزاب يمينية في عهد رئيسه السابق، كمال كليتشدار أوغلو. وبفضل ذاك التحالف، أصبح مؤيدو الأحزاب اليمينية لا يرون بأسا في التصويت لحزب الشعب الجمهوري وتعودوا على ذلك.
نتائج الانتخابات المحلية أنقذت حزب الشعب الجمهوري من الصراعات الداخلية الشرسة التي كان سيشهدها في حال خسارته، كما أن إمام أوغلو عزز فرصته لتولي رئاسة الحزب في المستقبل، والترشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2028، إلا أنه قد يدخل في تنافس مع رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش، الذي هو الآخر فاز بفترة جديدة، ليواصل حلمه بالوصول إلى القصر الرئاسي.الحزب الجيد برئاسة ميرال أكشنير حصل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت قبل أقل من سنة، على 9,68 بالمائة من أصوات الناخبين، إلا أن نسبة الأصوات التي حصل عليها في هذه الانتخابات تراجعت إلى 3,76 بالمائة. ولم يكن هذا التراجع الذي حدث خلال أشهر فقط طبيعيا، بل تعرض الحزب لتدخل خارجي، ليهتز باستقالات، بعد أن قررت أكشنير عدم دعم إمام أوغلو في إسطنبول في الانتخابات المحلية. ومن المؤكد أن معظم الأصوات الهاربة من الحزب الجيد في هذه الانتخابات ذهبت إلى حزب الشعب الجمهوري.
هناك جماعات دينية كانت تعادي حزب الشعب الجمهوري، ولم تكن تدعمه على الإطلاق، كجماعة "سليمانجيلار" وجماعة "يني آسيا" المحسوبة على الجماعات النورسية. وكانت تلك الجماعات تصوت للأحزاب اليمينية، إلا أنها في هذه الانتخابات قامت بالتصويت لحزب الشعب الجمهوري. وألمح زعيم جماعة "سليمانجيلار"، علي خان كوريش، في محاضراته التي ألقاها بعد الانتخابات، إلى أنهم انتقموا من الحكومة التركية التي أغلقت بعض مدارس الجماعة ومؤسساتها.
تحالف حزب الشعب الجمهوري مع الأحزاب اليمينية والجماعات الدينية والطرق الصوفية ألقى بظلاله على موقف الحزب من الأمور التي كان يعدها في السابق معادية للعلمانية ومبادئ أتاتورك. وفي هذه الانتخابات رأينا مرشحين لحزب الشعب الجمهوري يذهبون إلى المساجد فجر اليوم التالي للانتخابات لأداء صلاة الشكر على فوزهم برئاسة البلدية أو يفتتحون مراسم تسلم مهامهم في البلديات بالبسملة والدعاء وتلاوة القرآن الكريم.
ابتعاد حزب الشعب الجمهوري عن خطه السياسي التقليدي أسهم في فوزه في الانتخابات المحلية، إلا أنه في ذات الوقت وضع أمامه تحديا آخر، وهو الاحتفاظ بذات الخط السياسي الجديد المتسامح مع المتدينين والجماعات الدينية. ومن المؤكد أن أداء الرؤساء المنتمين إليه في البلديات سيحدد مدى نجاحه في مواجهة هذا التحدي أو عودته إلى العلمانية المتطرفة ومعاداة كل ما يمت للإسلام بصلة.
نتائج الانتخابات المحلية أنقذت حزب الشعب الجمهوري من الصراعات الداخلية الشرسة التي كان سيشهدها في حال خسارته، كما أن إمام أوغلو عزز فرصته لتولي رئاسة الحزب في المستقبل، والترشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2028، إلا أنه قد يدخل في تنافس مع رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش، الذي هو الآخر فاز بفترة جديدة، ليواصل حلمه بالوصول إلى القصر الرئاسي.
*كاتب تركي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانتخابات النتائج تركيا انتخابات رأي نتائج مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لحزب الشعب الجمهوری الانتخابات المحلیة حزب الشعب الجمهوری فی هذه الانتخابات فی الانتخابات إمام أوغلو إلا أن
إقرأ أيضاً:
استطلاع: أوروبا الأولوية القصوى للحكومة الألمانية الجديدة
برلين "د ب أ":اختتمت الأحزاب الألمانية اليوم حملاتها الانتخابية بإقامة العديد من الفعاليات في مختلف أنحاء ألمانيا، وذلك قبل فتح صناديق الاقتراع لانتخاب البرلمان الاتحادي الجديد (بوندستاج) غداً الأحد.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه من المؤكد فوز التحالف المسيحي في الانتخابات، إلا أن تشكيل حكومة ائتلافية قد يكون تحديا كبيرا، حيث أظهرت استطلاعات أن التحالف المسيحي لن يحقق سوى أغلبية ضئيلة من الناحية الحسابية، ما يعني أنه سيضطر إلى تشكيل ائتلاف مع حزبين آخرين، وهو ما يعني أيضا قدرة أقل على الأداء وعدم استقرار أكبر على غرار الائتلاف الحاكم من يسار الوسط، الذي انهار قبل أشهر قليلة في ألمانيا، والذي كان يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر.
وفي ختام الحملة الانتخابية، أعرب المستشار الألماني أولاف شولتس عن ثقته في أنه سوف يفوز في دائرته الانتخابية بمدينة بوتسدام.وقال مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي للمنافسة على منصب المستشار قبل يوم واحد من الانتخابات العامة: "أنا متأكد تماما من أنني أستطيع الفوز بالدائرة مرة أخرى - تماما مثل المرة الأخيرة.. الأجواء مماثلة لها"، معربا عن ثقته أيضا في فوز قوائم حزبه في الانتخابات.
وفي استطلاعات الرأي الأخيرة، كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي متخلفا كثيرا عن التحالف المسيحي المحافظ وحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي.
وراهن شولتس على الناخبين الذين لم يحسموا قرارهم بعد، وقال: "أنا لا أؤمن بالمعجزات، بل أؤمن بالفوز في الانتخابات... أنا مقتنع بأن الكثير من المواطنين هذه المرة لن يتخذوا قرارهم إلا في مراكز الاقتراع"، معربا عن ثقته في أن كثيرين سيقررون منح الصوتين (الأول والثاني) للحزب الاشتراكي الديمقراطي، "حتى نكون أقوياء بما يكفي وحتى تتمكن الحكومة من الاستمرار تحت قيادتي".
تجدر الإشارة إلى أن نصف عدد النواب في البرلمان الاتحادي (بوندستاج) يجرى انتخابه عبر القوائم الحزبية في الولايات (الصوت الثاني)، بينما يتشكل النصف الثاني من نواب يتم انتخابهم بشكل مباشر في الدوائر الانتخابية (الصوت الأول).
ويتنافس شولتس في بوتسدام كمرشح مباشر ضد وزيرة الخارجية المنتمية لحزب الخضر أنالينا بيربوك، من بين آخرين. وفي الصباح زار شولتس منصة حملة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في وسط المدينة وتحدث إلى مواطنين.
وقيم شولتس الحملة الانتخابية على نحو إيجابي، وقال: "الحملة الانتخابية كانت مثيرة للإعجاب للغاية واستمتعت بها"، مضيفا أن العديد من المواطنين مهتمين بمعرفة المزيد.
وكشف استطلاع للرأي أن غالبية الألمان يرون أن تعزيز التضافر الأوروبي ينبغي أن يكون أهم مهمة في السياسة الخارجية للحكومة الألمانية الجديدة.
وفي الاستطلاع الذي أجراه معهد "فورسا" لقياس مؤشرات الرأي، بتكليف من مجلة "إنترناتسيوناله بوليتيك"، قال 57% من الألمان إن هذا الهدف ينبغي أن يكون الأولوية السياسية القصوى للحكومة الجديدة، بزيادة قدرها خمس نقاط مئوية عن استطلاع مماثل أجري نهاية عام .2023
وبحسب الاستطلاع، يرى الألمان أن ثاني أهم أولولية بالنسبة للحكومة الجديدة ينبغي أن تكون زيادة القدرات الدفاعية لألمانيا (38%).
وأشار المشاركون إلى أن الالتزام العالمي بمزيد من حماية المناخ تتراجع أهمية بالنسبة للألمان، حيث يرى 26% منهم أن هذه القضية يجب أن تكون لها الأولوية لدى الحكومة الجديدة، مقابل 35% قبل عام.
ويحظى هدف الحد من نفوذ الدول الاستبدادية بدعم أقل من ذي قبل (من 32% نهاية عام 2023 إلى 20% الآن)، بينما ارتفع الدعم لقضية توسيع المساعدات لأوكرانيا قليلا من 14% إلى 17%.
وأيد أنصار حزب الخضر بشكل خاص تعزيز التضافر الأوروبي (79%)، في حين تلعب هذه القضية دورا ثانويا نسبيا بالنسبة لأنصار حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي (36%). ويمثل هدف تعزيز القدرة الدفاعية لألمانيا أهمية أدنى من المتوسط بكثير بالنسبة لأنصار حزب الخضر (9%) وحزب "اليسار" (8%).