الجزيرة:
2025-01-02@23:53:20 GMT

تصعيد تركي تجاه إسرائيل.. لماذا الآن؟

تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT

تصعيد تركي تجاه إسرائيل.. لماذا الآن؟

جاء قرار تركيا فرض قيود على تصدير مجموعة واسعة من المنتجات إلى إسرائيل لحين إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومن ثم تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان أن بلاده ستواصل دعم الشعب الفلسطيني، لتؤكد تصاعد الخطوات التركية تجاه إسرائيل بسبب حربها المستمرة على غزة منذ أكثر من 6 أشهر، بعد انتقادات عديدة واجهتها أنقرة خلال الفترة الماضية.

ويُقدّم هذا التقرير عرضا للخطوة التركية الأخيرة، وردود الفعل الفلسطينية والإسرائيلية عليها، ولماذا اتُخذت في هذا التوقيت بالذات؟ كما يُقدّم عرضا مختصرا لأهم قرارات تركيا الاقتصادية ضد إسرائيل منذ بدء الحرب.

وصباح الثلاثاء، أعلنت وزارة التجارة التركية -في بيان- تقييّد تصدير 54 منتجا إلى إسرائيل اعتبارا من اليوم الموافق 9 أبريل/نيسان الجاري.

وأوضحت الوزارة أن القيود على الصادرات إلى إسرائيل ستظل سارية حتى تعلن تل أبيب وقفا فوريا لإطلاق النار بقطاع غزة والسماح بتوصيل مساعدات كافية ومتواصلة للفلسطينيين.

وأضاف البيان أن القرار يشمل تقييد 54 منتجا منها وقود الطائرات وحديد الإنشاءات والفولاذ المسطح والرخام والسيراميك.

وأكد البيان أن تركيا لم تقم منذ فترة طويلة ببيع إسرائيل أي منتج يمكن استخدامه لأغراض عسكرية.

وزير الاقتصاد الفلسطيني محمد العامور:

موقف #تركيا رئيسا وحكومة وشعبا مستمر بدعم الفلسطينيين والمساعي الحثيثة التي تبذل لإجبار حكومة الاحتلال على وقف الإبادة الجماعية واضحة.. لدينا برنامج لتطوير آفاق التعاون المشترك مع تركيا وآليات تسهم برفع حجم التبادل التجاري بين فلسطين وتركيا. pic.twitter.com/5IWD0140pE

— الرادع التركي ???????? (@RD_turk) April 9, 2024

وبعد ساعات، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستواصل دعم الشعب الفلسطيني حتى تتوقف إراقة الدماء في غزة، وتقام دولة فلسطينية على أراضي عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وقال أردوغان -في رسالة تهنئة بمناسبة عيد الفطر- إن العالم واجه مشهدا وحشيا، تم فيه قصف المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد التي يجب عدم المساس بها حتى في زمن الحروب.

وعلى الفور، رحب وزير الاقتصاد الفلسطيني محمد العامور -الثلاثاء- بقرار وزارة التجارة التركية تقييد تصدير 54 منتجا إلى إسرائيل.

واعتبر القرار التركي، خطوة في الاتجاه الصحيح لتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية، بشأن الوقف الفوري لإطلاق النار وتقديم المساعدات والإغاثة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

ودعا الوزير الفلسطيني جميع الدول إلى الامتثال الفوري لقرارات المؤسسات الأممية، والترجمة الفورية لها، خاصة أن حكومة الاحتلال مستمرة في تنفيذ الإبادة الجماعية واستخدام التجويع سلاحا ضد أهلنا في القطاع.

ردود إسرائيلية غاضبة

وفي المقابل، وفي رده على إعلان وزارة التجارة التركية فرض قيود على تصدير 54 منتجا إلى إسرائيل، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن "الرئيس التركي يضحي بالمصالح الاقتصادية للشعب التركي من أجل دعم حماس".

وأوضح كاتس أن إسرائيل سترد على ما وصفها بالخطوة التركية أحادية الجانب، بإعداد قائمة أوسع من المنتجات التي لن تستورد من تركيا.

وأضاف أن بلاده ستتوجه إلى الكونغرس الأميركي، لفحص انتهاك قوانين المقاطعة وإمكانية فرض عقوبات على تركيا بناء على ذلك.

وادعى وزير الخارجية إسرائيل كاتس -في بيان- أن القرار التركي انتهاك أحادي للاتفاقيات التجارية.

من جانبها، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن رئيس اتحاد المصنعين الإسرائيليين قوله إن على إسرائيل ضمان استقلالها التجاري، ووقف اعتمادها على تركيا.

لكن رئيس قطاع الأعمال في إسرائيل دوبي أميتاي عبّر عن وجود مخاوف حقيقية من أن دولا أخرى قد تحذو حذو تركيا في فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل أو مقاطعتها.

ودعا أميتاي الحكومة الإسرائيلية لعقد مناقشة طارئة بشأن هذه القضية، وصياغة خطة عمل مناسبة. وأضاف أن تقييد تركيا الصادرات على إسرائيل يتطلب فحصا واسعا، ونظرة إستراتيجية للقيود التجارية التي تتراكم كتعبير اقتصادي عن فرض العزلة السياسية على إسرائيل.

وأضاف أن الصعوبات التي ستنجم عن فرض المقاطعة ستؤثر على عمليات التوريد، وستخلق فجوات تؤدي إلى زيادة في الأسعار، ما سيؤثر بشكل فوري على تكلفة المعيشة ونشاط الاقتصاد الإسرائيلي بأكمله.

????????وزير الخارجية الإسرائيلي كاتس ردا على العقوبات التركيه |
.
.
" لقد قمنا بالتواصل مع الدول الصديقه والمنظمات في الولايات المتحدة الأمريكية وطلبنا منهم إيقاف الاستثمارات في تركيا ومنع استيراد المنتجات من تركيا.

• كما وجهت تعليمات لأصدقائنا في الكونجرس الأمريكي

بدراسة… https://t.co/KjBbLamYeH

— Dr.mehmet canbekli (@Mehmetcanbekli1) April 9, 2024

تفاعل إعلامي بإسرائيل

ورصدت وسائل الإعلام الإسرائيلية، الثلاثاء، على نطاق واسع، تداعيات قرار تركيا تقييد تصدير بعض منتجاتها إلى إسرائيل.

واهتمت جل وسائل الإعلام الإسرائيلية بالقرار التركي، وأبرزته ضمن عناوينها الرئيسة على صفحاتها الإلكترونية.

وقال موقع "واينت" -النسخة الإلكترونية لصحيفة يديعوت أحرونوت- "تدهور آخر في العلاقات: أنقرة تواصل اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل في أعقاب الحرب في غزة".

وأكد الموقع أن إسرائيل تخشى من أن القيود التي تشمل منتجات الحديد والبناء، ستمتد إلى النفط وتضر برحلات شركة "العال" فوق الأراضي التركية.

وعددت صحيفة إسرائيل اليوم قوائم المواد التي قررت تركيا منع تصديرها والمتوقع أن تؤثر على حياة المواطن الإسرائيلي اليومية.

وتحت عنوان "انتقام أردوغان: تركيا تعلن فرض قيود على صادرات المنتجات إلى إسرائيل"، قالت إن الصناعات الرئيسية التي قد تتأثر بمثل هذه الخطوة هي المنتجات الكهربائية والأزياء، حيث تستورد العديد من سلاسل الأزياء البضائع من تركيا.

أن تأتي متاخراً خير من أن لا تأتي أبداً….
بعد أكثر من ٦ أشهر من القتل والتهجير والتدمير المروع الذي ترتكبته اسرائيل في غزة…..
تركيا تقرر أخيراً أن تفرض عقوبات على إسرائيل، تشمل حظر تصدير 54 منتجاً، بينها الألمنيوم والفولاذ والحديد.
ننتظر من بقية الدول العربية والإسلامية… pic.twitter.com/lxyf48vGlK

— Saif Alnofli (@saifalnofli9) April 9, 2024

بدورها، نشرت صحيفة غلوبس الاقتصادية قائمة كاملة بالمواد الـ54 التي حظرت تركيا تصديرها إلى إسرائيل كإجراء عقابي.

وذكرت الصحيفة أن القرار جزء من قرارات كان آخرها أن الخطوط الجوية التركية، التي كانت تسير 10 رحلات يومية بين إسطنبول وتل أبيب حتى 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قررت عدم العودة إلى إسرائيل حتى مارس/آذار 2025.

وقالت إن تأثير قرار الخطوط الجوية التركية إلغاء رحلاتها إلى إسرائيل ملموس جدا في إسرائيل، وخاصة في الرحلات التي تسيرها إلى وجهات في أوروبا والشرق، لأنها تسير رحلات إلى 340 وجهة عبر 4 قارات، وهي الرائدة في العالم في رحلات الربط.

بدورها، حذرت جمعية المقاولين الإسرائيليين من أن قرار تركيا سيكون له تأثير مباشر على أسعار الشقق السكنية في إسرائيل.

ونقلت صحيفة إسرائيل اليوم عن جمعية المقاولين أن تأثير قيود التصدير من المتوقع أن يؤثر على أسعار الشقق، مبينةً أن العديد من المستوردين الإسرائيليين يستوردون المواد من تركيا.

من جهته، حذر رئيس نقابة المصنعين ورئيس هيئة رئاسة أرباب العمل والشركات، رون تومر، من تأثير القرار التركي خاصة في مجال الصلب والإسمنت.

#تركيا تفرض قيودا فورية على تصدير 54 صنفا من منتجاتها إلى إسرائيل إلى حين إعلان تل أبيب وقفا فوريا لإطلاق النار والسماح بدخول المساعدات إلى #غزة.. التفاصيل مع مراسلة #الجزيرة فرح الزمان شوقي#حرب_غزة pic.twitter.com/d7IFUut5jr

— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 9, 2024

لماذا الآن؟

وفي تفسير أسباب الخطوة التركية في هذا الوقت تحديدا، فإن ثمة 3 أسباب رئيسية تُفسّر الخطوة التركية:

أولا: إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أمس الاثنين أن بلاده ستتخذ إجراءات جديدة بعد رفض إسرائيل السماح لتركيا بإسقاط جوي للمساعدات الإنسانية على قطاع غزة. ثانيا: تأتي الخطوة التركية أيضا بعد مظاهرات شعبية تركية طالبت بقطع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل، خصوصا بعد الأنباء التي تحدثت عن ارتفاع الصادرات التركية إلى إسرائيل مؤخرا، وهي الأنباء التي نفتها لاحقا وزارة التجارة التركية. ثالثا: ويشار أيضا في هذا السياق إلى نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة التي خسر فيها حزب العدالة والتنمية الحاكم عددا من الدوائر الهامة، وقد عزا عدد من المحللين أسباب ذلك -ضمن أسباب أخرى- إلى موقف الحكومة التركية من العدوان الإسرائيلي على غزة.

A lot of people ask why Erdogan had to move against Israel now:

• First and foremost, the local elections indicated Erdogan’s core voters want this trade restrictions to be imposed. So it is a democratic response.

• Secondly, Israel’s denial of Turkish humanitarian air… https://t.co/Fz9NArqEIn

— Ragıp Soylu (@ragipsoylu) April 9, 2024

وعدّد الصحفي التركي رجب صويلو الأسباب التي دفعت الرئيس أردوغان إلى ما وصفه بـ"التحرك ضد إسرائيل" الآن، وهي:

أولا: وقبل كل شيء، أشارت الانتخابات المحلية إلى أن القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان يريدون فرض هذه القيود التجارية. ‏ثانيا: كان من الضروري أن يؤدي رفض إسرائيل لإسقاط المساعدات الإنسانية التركية من الجو إلى غزة إلى اتخاذ إجراء. ثالثا: تغير البيئة القانونية الدولية؛ فهناك الآن قرارات لمجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى أحكام محكمة العدل الملزمة التي تجبر إسرائيل على اتخاذ كل التدابير لحماية حياة المدنيين، والتي تضفي الشرعية على الخطوة التركية. رابعا: بدأ حلفاء تركيا الغربيون أيضا تغيير موقفهم ضد إسرائيل. خامسا: أصبحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أكثر تشددا بشكل متزايد ضد الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، بما في ذلك التهديدات بحجب المساعدات العسكرية، مما يقوي موقف أنقرة. خطوات تركية سابقة

ووضعت الحرب الإسرائيلية على غزة حدا للتحسن التدريجي للعلاقات التركية الإسرائيلية الذي بلغ ذروته مع إعادة تعيين سفراء في 2022.

واستدعى أردوغان سفير أنقرة لدى إسرائيل وطالب بمحاكمة شخصيات قيادية في الجيش الإسرائيلي ومسؤولين أمام المحكمة الجنائية الدولية. كما هاجم الرئيس التركي إسرائيل مرارا.

ومع الموقف السياسي التركي المناهض لحرب إسرائيل تصاعدت الضغوط التجارية لأنقرة تدريجيا. وهذه أهم قرارات تركيا الاقتصادية ضد إسرائيل منذ بدء الحرب:

1- تعليق التعاون الطاقي

أعلنت تركيا في 25 أكتوبر/تشرين الأول تعليق خطط للتعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة، كما ألغى وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار زيارة كانت مقررة لإسرائيل.

2- خارج قائمة الدول المستهدفة بالتصدير

استبعدت تركيا إسرائيل من قائمة الدول المستهدفة بالتصدير، وفق ما سلطت عليه الضوء صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

3- عرقلة الصادرات

نقلت غلوبس عن مصدر لم تسمه، قوله إن الصادرات من تركيا إلى إسرائيل إما تأخرت أو لم تتم الموافقة عليها منذ أواخر الشهر الماضي.

4- تعليق الطيران

أعلنت الخطوط الجوية التركية عقب اندلاع حرب إسرائيل على غزة وقف رحلاتها إلى إسرائيل حتى أكتوبر/تشرين الأول 2024.

5- تمديد التعليق

يوم الخميس الماضي ألغت الخطوط الجوية التركية الحجز الإلكتروني المسبق لرحلاتها إلى إسرائيل حتى مارس/آذار 2025، مما يعني أن الشركة ربما مددت الوقف 5 أشهر إضافية.

وبعد، فهل تقف الخطوات التصعيدية التركية عند هذا الحد، أم تتخذ أنقرة مزيدا منها في ظل استمر الحرب على غزة، مخلفة عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات وزارة التجارة الترکیة الخطوط الجویة الترکیة الخطوة الترکیة وزیر الخارجیة القرار الترکی تصدیر 54 منتجا إلى إسرائیل على إسرائیل ضد إسرائیل قیود على من ترکیا فرض قیود قطاع غزة أن بلاده على غزة

إقرأ أيضاً:

لماذا لا يوجد دستور في إسرائيل وكيف تتعرقل محاولات إسقاط رئيس الحكومة؟

بقي الائتلاف اليميني المتطرف في "إسرائيل" على رأس الحكم بقيادة بنيامين نتنياهو رغم ملفات الفساد الواسعة التي تلاحقه، والاستقالات العديدة من حكومة الحرب، والاتهامات بالفشل في توقع أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وكل هذا وسط الرفض من الشارع الإسرائيلي بسبب تعطيل صفقة التبادل.

وسبق ذلك صعوبة من قبل نتنياهو نفسه عندما كان في المعارضة في إسقاط الحكومة التي كانت برئاسة نفتالي بينيت ويائير لابيد، وتحقيق حجب الثقة عنها، وقد فشل في ذلك ثلاث مرات ضمن ثلاثة مشاريع أحدها من حزب "الليكود"، والثاني من حزب "شاس" لليهود الشرقيين المتدينين، والثالث من الصهيونية الدينية، اقترحت جميعها تشكيل حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو. 

ولم ينجح نتنياهو في إسقاط حكومة بينيت ولابيد عام 2022 من خلال الإجراءات القانونية أو تمكنه من حجب الثقة عنها، إنما باستغلال أو دفع رئيسة الائتلاف الحكومي، عيديت سيلمان (من اليمين اليهودي المتطرف) للاستقالة، الأمر الذي أفقد الحكومة الأبغلية المطلوبة (61 مقعدا من أصل 120)، وهي تشغل الآن منصب وزيرة حماية البيئة ضمن ائتلاف نتنياهو.

وبقيت حكومة نتنياهو رغم استقالة زعيم حزب “معسكر” بيني غانتس، رفقة رئيس الأركان الأسبق غادي آيزنكوت، وسبقهم رئيس حزب "أمل جديد" والمنشق سابقا عن حزب "الليكود" جدعون ساعر، وهو الذي انضم مرة أخرى إلى الحكومة مؤخرا بمنصب وزير الخارجية، بعد إقالة وزير الحرب يوآف غالانت.

وفي الوقت الذي يشهد فيه الائتلاف الحكومي بدايات تصدعات لافتة كان آخرها استقالة غالانت من الكنيست، يواجه نتنياهو تحديات جديدة وخطيرة، تظهر المعارضة فاقدة القدرة على أن تكون البديل لحكمه، رغم أنها حصلت على كل الشروط للنجاح، لكنها ما زالت لا تجد ذلك السياسي القادر على إسقاط أكثر من خدم في منصب رئيس الوزراء، وتغيير المعادلة السياسية، في ضوء الخلافات الداخلية بينها.

ورغم أن "إسرائيل" تقدم نفسها عالميا كالدولة الديموقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي يحكمها القانون وتكون السلطة دائمًا له، إلا أنها في الواقع واحدة من مجموعة صغيرة للغاية تشترك في عدم وجود دستور، وليس هذا فحسب بل إنها تبرر عدم وجوده أو العمل على صياغته بشكل ضبابي ومنقوص.  

لماذا لا يوجد دستور إسرائيلي؟
أجاب عن هذا السؤال عضو في الكنيست عام 1956، واسمه مناحيم بيغن (أصبح رئيس الوزراء في الفترة ما بين 1977 حتى 1983)، قائلا: "من يريد أن يحاول شرح سبب تفادينا لهذا العمل الدستوري، فليس أمامه خيار سوى محاولة الذهاب إلى مدينة أخرى، إلى بلد آخر، وخاصة إلى فترة أخرى في الماضي البعيد".

وأضاف "لنتخيّل أننا في أثينا القديمة اليوم، عند تناول مشكلة الدستور سنجد موقفين، إما من موقع رجل الدولة أو الديماغوجي (مصطلح يشير إلى إستراتيجية سياسية للحصول على السلطة والكسب للقوة السياسية).. الديماغوجي طالما أنه يتمتع بالأغلبية، يريد أن يضمن لنفسه يد حرّة في البلاد، ولا يريد أن يتخيّل أنه سيكون يومًا ما أقلية".

وأضاف بيغن في ذلك الوقت أن "رجل الدولة هذا لا يريد عناصر ثابتة، إذ أنّ السلطة بالنسبة إليه كالفريسة ولا يريد أن يتركها، بينما يعرف رجل الدولة أن الأغلبية والأقلية في البلاد تتغير ومتقلّبة، كونه أقلية فإنه يقبل قانون الأغلبية، لكنه يعلم أنه يحق له المطالبة بحقوق معينة لنفسه"، بحسب ورقة صادرة عن "كلية هرتسوغ للدراسات اليهودية".


وأوضح أن "رجل الدولة هذا على استعداد لقبولهم على افتراض أنه عندما يكون في الأغلبية، فإنه سيمنح الحقوق للأقلية، هذا هو الاختلاف فيما يتعلق بالدستور بين هذين النوعين"، مشيرا إلى أن "العُطل الأساسيّ لكتابةِ الدستور، مرتبط في الحزب الحاكم، والعقليّة السياسيّة القانونيّة التي تحكمهم".

وذكر "لأننا لا نملك دستورا، ولأننا مُنعنا من تقديم وثيقة قانونية كاملة من قبل، وبعد سنوات طويلة من المناقشات وإعادة النقاش، للتحفظات والاستنتاجات والقرارات- حصلنا على قانون مجزأ، مقطوع من الكمال القانوني لقوانين الدولة، مليء بالتفاصيل غير المهمة، وفيه تفاصيل تهمها، وعلينا أن نناقش قانونًا أساسيًا يسمى "قانون الكنيست".

وقال "ليس أمامنا إلا أن نحافظ على إطار النقاش، بعد أن قلت ما قلته، وسأقف أولا على القسم الأول من القانون المقترح. فهو يقول: الكنيست هي الهيئة التشريعية للدولة، وهذا التعريف نموذجي جدًا لمؤيدي القانون وواضعيه، ولا توجد حقيقة قانونية في هذا التعريف.. اذهبوا وانظروا في الولايات المتحدة الأمريكية هناك فصل بين السلطات وتم قبول هذا المبدأ، لا يمكن القول إنها مثالية، لكنها بعيدة المدى، ومع ذلك، في الدستور الأمريكي، عندما يتعلق الأمر بالجزء التشريعي، يقال في القسم الأول من ذلك الجزء: جميع الصلاحيات الدستورية الواردة في في هذا الدستور تُمنح لكونغرس الولايات المتحدة".

وأضاف "يتم التركيز على كلمة "كل"، لأنه من الواضح أن الكونغرس الأمريكي، تحت عنوان "القسم التشريعي"، يُمنح صلاحيات سن القوانين، لكنهم لم يكتفوا بذلك، بل قالوا: كل السلطات الدستورية منوطة بالكونغرس، وبهذا لا يحق لأي سلطة أخرى أن تسن القوانين".

وأشار إلى أن "الوضع مختلف معنا، ليس لدينا فصل بين السلطات بالمعنى المقبول في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حالتنا تعتبر الحكومة لجنة عمل مختارة للكنيست، وفي بلادنا تتمتع الحكومة بسلطة سن القوانين، سواء بموجب أنظمة الطوارئ، وهي سيئة السمعة منذ زمن الحكم البريطاني، أو بموجب القانون القائم، الذي يخول للسلطة التنفيذية سن قوانين فرعية، وهذا يعني: أن سلطة الكنيست وحدها في سن القوانين لا تُمنح لها، ومع ذلك، فقد اكتفى واضعو القانون بجملة بسيطة، وهي: الكنيست هي الهيئة التشريعية لدولة إسرائيل".

وأوضح بيغن "ليس هناك ما هو صحيح: فالكنيست يشكل حكومة ويزيل حكومة، وفي نهاية المطاف يشرف الكنيست، أو على الأقل ينبغي عليه أن يشرف، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال لجانه، على الحكومة وأعمالها، وبطبيعة الحال، فإن إحدى وظائف الكنيست هي سن القوانين، لكن هذا ليس دوره الوحيد، وها نحن نأتي للمرة الأولى، ونقول إن وظيفة المجلس التشريعي الوحيدة والحصرية هي سن القوانين، وهذا ليس صحيحا، وهذا لا يعبر عن الواقع، وهو بالتأكيد لا يحترم موقف الكنيست".

عقدية الاختلاف 
قال المُحاضر والباحث الإسرائيلي في مجال القانون يهوشاع سيجف، إن عدم الاتفاقّ بينَ الأحزاب والشرائح السياسيّة يميّز الحقل السياسيّ في "إسرائيل" مما يجعل من كتابة دستور، كوثيقةٍ سياسية قانونيّة عليا، أمرا مستحيلا.

ويرى في دراسة له أن سمة عدم الاتفاقّ هي الغالبة عند الإسرائيليين حاليا وفي العقود الماضية، وهي ما تعيق كتابة وتبنّي دستور، ويعكس ذلك على تاريخ الحركة الصهيونيّة وتأسيس "إسرائيل"، وانها قامت بالأل على عدم الاتفاق ثلاثة أمور أساسيّة إضافة للاختلاف على معانيها وتطبيقاتها وهي: القوميّة اليهوديّة والدين اليهودي والأرض اليهودية.

واعتبر أن أيّ حسم دستوري في إحداها قد "يهدم الصهيونية بأكملها، بالإضافةِ إلى تهديد بحرب ثقافيّة ودينية بين يهود متديّنين والحريديم من جهةٍ، ويهود علمانيين وليبراليين واشتراكيين من جهة أخرى".


وأشار إلى اعتقاد البعض أن قادة اليهود في البلاد كانوا يخشون بصدق حربًا ثقافية بين الدوائر العلمانية والدينية قد تتطور إلى مواجهة مع الأحزاب الدينية، التي قد تُعرّض مشروع "بناء الأمة" للخطر في ذلك الوقت.

وأضاف أن "البعض الآخر يعتقد أن بن غوريون توصّل ببساطة إلى استنتاج مفاده أنه سيُمنح مزيدا من المرونة الحكومية بدون دستور، وعلى أي حال كانت هذه خلافات جوهرية حالت دون اعتماد دستور مكتوب مع قيام الدولة، وأعطى كل فصيل تفسيره الخاص لما يمكن تسميته بالشروط المشروعة لدولة يهودية وديمقراطية".

وهتم بالقول: "بناءً على ذلك، فإن فشل إسرائيل في تبني دستور مع قيام الدولة يتم تصويره في ضوء فئوي، واكتسبت الاعتبارات الحزبية الضيقة وقصيرة المدى وزنا كبيرا وحالت دون اعتماد الدستور، وكان كل فصيل يتطلع إلى تعزيزِ مصلحته على حساب مصلحة المجتمع ككل".

تعذر الاتفاق 
من ناحية أخرى، يرى القانوني الإسرائيلي شاؤول شاريف، في سياق الخلاف على وجود دستور وهل "قوانين الأساس" من الممكن اعتبارها قوانين دستوريّة، أن الخلاف بينَ التيّارات المختلفة اليساريّة الليبراليّة من جهة واليمينيّة الدينيّة من جهة أخرى ما زالَ يحكم المسألة الدستورية.

وأوضح شاريف، بحسب مقال نشرته صحيفة "ماكور ريشون" المرتبطة بالصهيونية الدينية واليمين الإسرائيلي، أنه "لا يوجد اتفاق في هذا السياق لأننا نستطيع أن نجد قوانين أساس سُنت على يد المدافعين عن حقوق الإنسان في عام 1992، ونجد لاحقًا قوانين أساس، سنّتها حكومات يمينيّة".

وذكر أنه بسبب ذلك يمكن تلخيص جوهر عدم الاتفاق بأنه "عند سؤال مؤيدي الثورة الدستورية الكلاسيكية في الوقت الحالي عما إذا كان هناك دستور إسرائيلي، فإن ردّهم يتكوّن من إجابتين؛ نعم- القوانين الأساسية التي تم سنها في عام 1992 هي دستور يمكن فيه إلغاء قوانين الكنيست".

وأضاف أن الإجابة الثانية "بالطبع 60 لا، لأن القوانين الأساسية التي سنّت في السنوات الأخيرة (وتلك التي تمّ سنها قبل عام 1992) ليست دستورا لأنه فوقها توجد قيم أكثر أهمية، ولا يُعطى تعريفها للجمهور وممثليه بل للقضاة فقط".

وأكد "هكذا اتضحّت لنا الإجابة البنيويّة عن لماذا لا يوجد دستورًا في إسرائيل، وهي عدم القدرة على الإجماع على المسائل الأكثر حيويّة لترتيب القضايا السياسيّة القانونية والاقتصادية والاجتماعيّة".
وبحسب دراسة سيجف، يتضح أن الحاجة إلى دستور "هي ذاتها الحاجة إلى حماية حقوق الإسرائيلي وتبني المواطنة وفقا للتقاليد والأدبيّات الليبراليّة وجاءت هذه الادعاءات على يدِ التيّارات المؤيدة لاعتماد دستور".


وقال سيجف إن "حجج اعتماد الدستور تعتمد على الحاجة إلى حماية حقوق الإنسان، لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت حماية حقوق الإنسان، الأضحية على مذبح التعاون بينَ التيارات المختلفة، وليس فقط الدستور المكتوب والرسمي؟ وقد شكّك العديد من علماء السياسة في التزام الديمقراطية البرلمانية الإسرائيلية بالقيم الليبرالية والديمقراطية".

وختم بانه "يُنظر إلى فشل الكنيست الأول في تبنّي دستور على أنه دليل حاسم لإثبات هذا الادعاء، وعليه، فإن التكتيك الدستوري المتمثل في قرار عدم اتخاذ القرار يُصوَّر على أنه معادٍ للحريات والحقوق المدنية، وهذا وفقا للتنظيرات النقديّة على أن إسرائيل لا تستطيع بنيويًا اعتماد حقوق المواطنة الليبراليّة الحديثة، بسببِ أزمة تكمن في صُلب تأسيسها".

مقالات مشابهة

  • إيلون ماسك يهاجم ستارمر وشولتس.. هل تعكس تصريحاته استراتيجية أمريكية جديدة تجاه أوروبا؟
  • هل سترتفع أسعار السيارات في تركيا في العام الجديد؟ خبير تركي يوضح
  • لماذا لا يوجد دستور في إسرائيل وكيف تتعرقل محاولات إسقاط رئيس الحكومة؟
  • تعرف على المدن التركية التي يعيش فيها الناس أطول عمراً؟
  • ما هي الاستثمارات التي سجلت أكبر ارتفاع في 2024؟.. هذا ما حققته الليرة التركية
  • كاتب بريطاني: كارتر كان محقا بشأن إسرائيل ونظام الفصل العنصري تجاه الفلسطينيين
  • أكثر من 82 ألف شخص غادروا إسرائيل في العام 2024
  • كنا نخفي انتماءنا الحقيقي في عهد الأسد.. هكذا قالت الأقلية التركية التي تسكن في دمشق
  • تصعيد متواصل: غارات على الحوثيين وصفارات إنذار تدوي في إسرائيل
  • تصعيد خطير: صواريخ حوثية تستهدف وسط إسرائيل وغارات بريطانية وأمريكية جديدة على اليمن