الموقع بوست:
2024-06-29@16:34:49 GMT

سؤال بؤس الحرب عن بهجة العيد.. كيف حال اليمن؟

تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT

سؤال بؤس الحرب عن بهجة العيد.. كيف حال اليمن؟

على الرغم من أن عددا من مناطق اليمن أعلنت توافقًا على عدم شراء ملابس وجعالة العيد تضامنًا مع غزة، وهي مواقف غير مسبوقة ومحسوبة لها، إلا أن معظم المناطق أبدت إصراراً على تحدي الفقر والعوز والابتهاج بأي قدر كان بالمناسبة على الرغم من حالة البؤس التي نالت من الجمع، والحرب في عامها العاشر.

 

بلا شك أن ملامح العيد تراجعت لدى الكثير، لكنها لم تختف، فاليمنيون لديهم قدرة عجيبة على التكيف مع ظروفهم، وبالتالي لا يمنحون مآسايهم قدرة على سلبهم مباهج مناسباتهم، وبخاصة الدينية منها، وفي مقدمتها الأعياد.

ولهذا، وعلى الرغم من الكساد الظاهر على محلات الملابس والجعالة (المكسرات وباقات الشوكلاتة) فإن الجميع يحرص على أن يعيش المناسبة وفق إمكاناته، وإن كان البؤس عنوانًا لا يمكن تجاهله في واقعهم.

 

يمكن القول إن عيد الفطر يهل في سنة عاشرة حرب، وقد خبت ملامح أبرز تقاليد الاحتفاء به، فافتقار العائلات في بلد هو الأفقر في شبه الجزيرة العربية، وصل إلى حد لم يكن مشهودًا على مدى الستين السنة الماضية على أقل تقدير.

 

يحرص الآباء، كل وفق إمكاناته، على توفير ثلاثية العيد (الملابس الجديدة، جعالة العيد، العوادة -العيدية)، وإن أصبحت مشكلة مؤرقة، لأن غالبية أرباب العائلات في مناطق سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) فقدوا مرتباتهم الحكومية، مع استمرار صرفها في مناطق الحكومة المعترف بها، لكن ما يفاقم من ذلك أيضًا هو تدهور قيمة العملة الوطنية، وارتفاع أسعار معظم السلع لعشرة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب، وبالأمر الذائقة الاقتصادية بوجهها الشاحب تحضر في جميع أنحاء اليمن، لاسيما مع استمرار تفاقم الأوضاع جراء تصاعد الصراع المالي الدائر بين طرفي النزاع الدائر، الأمر الذي أوصل الحياة المعيشية إلى مستويات لم يسبق أن شهدها اليمن منذ أكثر من نصف قرن.

 

وهو ما يمكن قراءته بوضوح في اتساع ظاهرة التسول لدرجة صار يمارسها مَن كانوا يعتقدون قبل الحرب أنهم لن يفتقروا، فهذا رئيس تحرير صحيفة الثورة الحكومية الأسبق، عبد الرحمن بجاش، كتب منشورًا على “فيسبوك” يُعرب فيه عن صدمته، عندما رأى صديقًا له “كان مسؤولًا محترماً” صار يتسول في الشارع، ومثله رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، فتحي بن لزرق، الذي نشر في صفحته في ذات المنصة منشورًا عن امرأة تتسول في أحد شوارع عدن، وهي من عائلة معروفة. وهاتان قصتان تؤشران لما صار إليه حال الناس في شمال البلاد وجنوبها، وبالتالي يمكن القياس من خلالهما.

 

شهدت أسواق بيع الملابس في جميع مدن اليمن تغيرًا نوعيًا تمثل في انتشار المحلات التي تقدم عروضًا بأسعار مخفضة وموحدة، وهي عادةً ملابس تصفيات مصانع وماركات مضى عليها سنوات، لكن الأسعار المخفضة هي ما صار يطلبه غالبية الناس، ويبحث عنه معظم الآباء عند نزولهم للأسواق لشراء ملابس العيد.

 

القدرة الشرائية للمواطن اليمني تسجل تراجعًا كل عام، مع استمرار ارتفاع الأسعار بالتوازي مع استمرار تراجع دخل الفرد، ولذا يجد المواطن نفسه كل عام غير قادر على مجاراة الوضع، فيضطر في سياق معركته مع الحياة للبحث عن وسائل أخرى للتكيف، فيبدأ المجتمع جراء ذلك في ابتكار وسائل جديدة يتعايش من خلالها مع اتساع دائرة البؤس العام.

 

تمثل جعالة العيد أبرز ما تحرص عليه الأسرة اليمنية بعد توفير ملابس أطفالها، ونتيجة ارتفاع الأسعار وتراجع دخل الأسرة، لم تعد بعض الأسر قادرة على شرائها، ومَن يستطع من محدودي الدخل فإنه يلجأ إلى عروض التخفيضات وباقات السلال التي تقدمها المحلات، فيما باتت بعض الأسر تلجأ للاكتفاء بكعك العيد.

 

من أبرز أساليب العائلات في التكيف مع العجز عن شراء جعالة العيد، هو ابتكار أنواع جديدة من الكعك يتم صناعتها بطريقة يتنوع معها الكعك شكلاً ومكونات ليكون مناسبا لاستقبال ضيوف العيد بدلاً من الجعالة.

 

مما سبق، فقد شمل بؤس الحرب تقاليد عيد الفطر، وبخاصة ما كان معهودًا لدى المجتمع فيما تُعرف بالعوادة أو ما تُعرف في بلدان أخرى بالعيدية، وهو أن يذهب الرجل لزيارة أقاربه من النساء وينفحهن مالا، كتقليد متوارث منذ مئات السنين، ولا يقتصر نفح المال للنساء، بل أيضًا لأطفالهن. هذا السلوك تراجع ولم ينقطع لعجز معظم اليمنين عن القيام به، ومن يقوم به لم يستطع إضافة زيادة عن المبلغ الذي كان ينفحه قبل الحرب، والبعض صار يقتصر على الزيارة دون نفح مال، فيما البعض الآخر يلجأ إلى دعوة أقاربه من النساء وأطفالهن إلى منزله، وهناك يكون قد أعد باقة متنوعة من كعك العيد بالإضافة إلى الهدايا التي يتم إعدادها في المنزل، لمنحها للأطفال بدلا عن المال.

 

على الرغم من ذلك، يبقى اليمنيون في مواجهة مستمرة مع تصاعد الضائقة الاقتصادية التي يضاعف من قسوتها استمرار الحرب الاقتصادية التي لا تلقي بالا بالناس، بل يبقى هؤلاء الناس هم ضحايا الحرب دائمًا.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن عيد الفطر الأزمة اليمنية الحرب على الرغم من مع استمرار

إقرأ أيضاً:

العيد والإجازة

ربما كانت إجازة عيد الأضحى المبارك المنقضية، واحدة من أطول الإجازات وأفضلها منذ سنوات عديدة، وفي أوقات سابقة طالبت بعض الأصوات بأن تُحَدَّ هذه الإجازات وتبقى لثلاثة أيام فحسب! وبعضهم طالب بأقل من ذلك؛ ولكن ما الذي يتماشى حقا مع روح العائلة ومع النهج الحكومي الجديد الذي يولي اهتماما بالأسرة، الإجازات الطويلة أم القصيرة؟

يلاحظ المرء التغيرات الهائلة في مجتمعنا العماني والتي حدثت بسرعة صاروخية مجنونة، فقبل أقل من ربع قرن كانت التجمعات السكانية موزَّعة على أنحاء السلطنة بشكل متساو تقريبا، مع أفضلية للعاصمة مسقط. وفي وقت قياسي؛ قفزت الهجرة من البلدان والقرى إلى مسقط العاصمة قفزة هائلة حتى ليكاد أن تخلو البلدان من ساكنيها -إلا من ربات البيوت وكبار السن- في أيام العمل الأسبوعية، ويجتمع الناس في تلك القرى في الأعياد التي بدأت تعود إليها مكانتها ورونقها بعدما كان يُنظر إلى العيد باعتباره عبئا يكسر عزلة الإنسان الحديث المتمدن، ويعيد إليه شيئا من طراوة روحه، والتي لا يعرف توصيفها غالبا، فيظن أن الإجازة إن هي إلا خمول وكسر للإنتاجية والإنسان الآلي المتخشب الذي لا هم له سوى جمع المال، والمزيد من المال، يتأفف بشدة من الإجازة التي يمنحها لموظفيه وكأنها منّة وفضل، رغم أن الإجازة تمنح المرء تجددا وتعيد إليه نشاطه وبهاءه بعد فترة من الكد والكدح. أما مركزية العاصمة سابقا مقابل خلو المحافظات الأخرى من الخدمات الرئيسة مقارنة بالعاصمة، فهو ما أكّده جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في حديثه في افتتاح دور الانعقاد السّنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان: «إن الاهتمام بتنمية المحافظات وترسيخ مبدأ اللامركزية نهجٌ أسَّسْنا قواعدَه من خلالِ إصدارِ نِظامِ المحافظات، وقانونِ المجالسِ البلدية، استكمالا لتنفيذِ رؤيتِنا للإدارةِ المحليةِ القائمةِ على اللامركزيةِ، سواءً في التخطيطِ أو التنفيذِ، ولتمكينِ المجتمعِ المحليِّ مِنْ إدارةِ شُؤونِه والإسهامِ في بناءِ وطنِه».

وباعتقادي أن إجازة العيد المناسبة تمنح الأسرة مزيدا من الألفة والتقارب، فأي تقارب في الأسرة في وقت يعمل فيه الموظف تسع ساعات في اليوم ولا يجد من يومه إلا سويعات قليلة لا يعرف أين ينفقها قبل الاستعداد لليوم التالي والعمل من جديد! ولأنه لا يمكن بحال أن نتوقع من الإنسان أن يكون آلة لا تشعر ولا تحس بشيء؛ فإنه يتأثر طرديا بانفعالاته النفسية التي تتأتّى غالبا من البيت. فالبيت المولد والمحرك الرئيس للإنسان، إن كان بيتا مليئا بالمحبة والألفة، فإن السكينة والاتزان تتبدى على المرء في تعاملاته اليومية وفي عمله بالأخص؛ وإن كان البيت مشحونا مليئا بالفرقة والنفور التي يعززها فقدان الطاقة وساعات الغياب الطويلة، فإن القادم منها يكون -غالبا- شرسا تنعكس شراسته في تعاملاته اليومية والعملية كذلك، وهو ما يسبب مشاكل حقيقية ومفصلية يصعب التخلص من آثارها خصوصا إن كان هذا الشخص ممسكا بزمام أمور دائرة ما، أو بيده قرار يمس حياة الناس ومصالحهم.

إن ما يتبقى للمرء من ذكريات، تلك المرتبطة بأناس آخرين؛ فلا تقرأ سيرة ذاتية لأحد أو تجلس مع كبير من كبار السن إلا ويخبرك عن من عاش معهم وعايشهم والتقى بهم في حياته. أي أن ذاكرة الإنسان -وحياته الحقيقية بالضرورة- مرتبطة بآخرين من بني جنسه، لا بما يحققه من إنجازات فردانية. فكل من يكتب سيرته الذاتية وكل من يحكي عن ما مضى من حياته، يخبرك بأنه التقى فلانا، أو عمل مع فلان، أو تعلم من فلان، أو تأثر بفلان؛ وكيف يمكن التأثير والتأثر لو كان المرء متقوقعا على ذاته لا يعرف محيطه القريب قبل البعيد!. ولأن العمل يصبح روتينا -أي أنه يصبح شيئا آليا- بمرور الوقت، تنبهت إلى ذلك كبريات الشركات، فمنحت موظفيها إجازات جيدة تتيح لهم استرداد إبداعهم وشغفهم بالحياة من ذويهم ومن محطيهم الاجتماعي.

قد يبدو الأمر مثيرا للسخرية قليلا، ولكن واحدة من أجمل فترات حياتي، تلك التي كنت فيها باحثا عن عمل؛ وكان من حسن الطالع أني قرأت كتابا للمؤلفة الأسترالية بروني وير، يحمل عنوان «أهم خمسة أشياء يندم عليها المرء عند الموت» وهو كتاب ظريف متوسط الحجم، ولكن أثره عميق. وبسببه أعدت النظر في علاقاتي الاجتماعية فجنيت لذة اكتشاف الإنسان الذي عاش وجرب وعاصر وكافح، أعني كبار السن، وبسببه ازداد تقديري للحظات العائلية حتى البسيطة والسريعة منها؛ فالإنسان يدرك بأنه راحل يوما ما لا محالة، ولكنه في تعاملاته اليومية ينسى هذه الحقيقة. فأولئك الذين قدروا لحظاتهم وعاشوها بأقصى وأفضل طريقة، لن يتندموا على ما فات ولا على من مات، لأنهم أعطوا كل ذي حق حقه؛ وأولئك الذين فرطوا -في حق الآخرين خصوصا- فلن ينفعهم الندم، وإن عضوا أصابعهم. وكما قال لنا أحد أصدقاء أبي في زيارته لنا «اللقاء في الحياة..» ، أي أنه لا تنفع أحدا الزيارة بعد الممات، لا الزائر ولا المزور. والإجازة الصيفية طويلة وفيها متسع، فهل نتدارك العائلة بشيء من الوقت؟ أم سنستيقظ على أجراس المدارس بغتة وقد انقضت دون أن نشعر بها!.

مقالات مشابهة

  • أصعب سؤال في امتحان التاريخ للثانوية.. شعر ذيل الحصان وعلاقته بالحرب ضد إسرائيل
  • الأعياد تُجدد فينا الأفراح
  • باحث: نتنياهو يحرص على استمرار الحرب لتحسين صورته أمام المجتمع الإسرائيلى
  • باحث سياسي: نتنياهو حريص على استمرار الحرب على هغزة لهذه الأسباب (فيديو)
  • باحث: نتنياهو يحرص على استمرار الحرب لتحسين صورته أمام مجتمعه
  • شركة ملابس تركية بارزة عالميا تقترب من الإفلاس
  • الغارديان: حرب اليمن كانت مكملة لحكومة المحافظين البريطانيين
  • ميقاتي يجيب على سؤال "هل هناك حرب في لبنان"؟
  • مباحثات مع الإتحاد الأوروبي بشأن اليمن
  • العيد والإجازة