أقدم فقط خدمات مدنية.. ما هدف الاحتلال من اغتيال رئيس بلدية المغازي؟
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
غزة-يرى مسؤولون ومحللون سياسيون أن إسرائيل تسعى من خلال اغتيال الشخصيات المدنية في قطاع غزة، وآخرها رئيس بلدية مخيم المغازي، إلى إشاعة حالة من الفوضى والانفلات الأمني؛ بغرض مساعدتها في تحقيق أهدافها من الحرب الوحشية التي تشنها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكانت طائرة إسرائيلية قد شنت غارة مساء أمس الاثنين، على مبنى يتبع لمجلس بلديات محافظة وسط القطاع، أدَّت إلى استشهاد رئيس بلدية المغازي حاتم الغمري، وعدد من المواطنين، وأقر جيش الاحتلال باغتيال الغمري، وقال في تصريح إنه "قضى على رئيس لجنة الطوارئ الحكومية التابعة لحركة حماس في مخيمات الوسطى".
قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة إن "جيش الاحتلال ارتكب جريمة جبانة باغتياله رئيس بلدية المغازي"، وذكر في حديثه للجزيرة نت أن "الغمري كان موجودا مع مجموعة من المواطنين المدنيين في مبنى يتبع لمجلس بلديات المحافظة الوسطى، حين تم قصفهم دون سابق إنذار".
ويرى الثوابتة أن هدف الاحتلال من الاغتيال هو "خلق حالة من الفوضى والفلتان، ومضاعفة الأزمة الإنسانية في مخيمات اللاجئين، وعرقلة الخدمات البلدية للمواطنين بشكل واضح"، مؤكدا أن هذه الجريمة تتنافي مع كافة القوانين الدولية، التي تمنح الشخصيات المدنية الحصانة والحماية من الاستهداف في أوقات الحروب.
وأضاف أن "الاحتلال يعلم أن الغمري شخصية مدنية بحتة، وليس له أي نشاط عسكري أو أمني أو ما شابه ذلك، بل إنه يُقدم الخدمات البلدية المدنية للآلاف من أبناء شعبنا في مخيم المغازي، مثل خدمات توصيل المياه والصرف الصحي والنظافة، إلا أنه استهدفه بالقصف في جريمة واضحة".
وذكر أن "الغمري آثر الاستمرار بتقديم الخدمات لأبناء شعبه، رغم ظروف الحرب الوحشية، ولم يتوقف للحظة واحدة عن أداء واجبه، وكان من المتفانين في عملهم"، ونوّه إلى أن الغمري هو المسؤول البلدي الثاني الذي تم اغتياله بعد رئيس بلدية مدينة الزهراء مروان حمد، الذي تم اغتياله في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وكشف الثوابتة أن ضابط مخابرات إسرائيلي كان قد أجرى مكالمة مع الغمري، وطلب منه "ألا يقدم أي خدمة عسكرية"، فرد عليه "أنا أقدم فقط خدمات مدنية وبلدية لأبناء مخيم المغازي، ولا علاقة لي بالعمل العسكري نهائيا".
أهداف سياسيةيرى مدير مركز "يبوس للدراسات" سليمان بشارات أن "اغتيال الغمري يأتي ضمن هدف شمولي وضعه الاحتلال الإسرائيلي من الحرب على قطاع غزة، وهو إعادة هندسة القطاع جغرافيا وسكانيا وإداريا".
وأضاف بشارات للجزيرة نت أن "الاحتلال يسعى من خلال اغتيال الشخصيات المدنية كالغمري إلى إعادة هيكلة البُعد الإداري، وما يرتبط به من إطار سياسي أو مظلة سياسية، وهذا ما يفسر الاستهداف الممنهج لجميع القطاعات المركزية الإدارية، والمؤسسات والمقار الحكومية والأهلية والجامعات".
وأضاف "وفقا للمخطط الإسرائيلي تم تنفيذ المرحلة الأولى، المتمثلة بعملية التدمير المكاني وهندسة الجغرافيا (تدمير المنازل والبنية التحتية)، والآن يأتي استكمال هندسة الواقع الديموغرافي السكاني، وهذا يكون من خلال خلق حالة من الفوضى الشمولية، من خلال استهداف المخاتير وممثلي العائلات والوجهاء، وصولا إلى رؤساء البلديات، باعتبارهم العناوين الرئيسية التي تُشكل خطوط التماسك الاجتماعي المحلي ومرجعيته".
وأعرب عن اعتقاده بأن إسرائيل "ستمضي في المنهجية ذاتها، وربما تعمل على تكثيف هذا النوع من الاغتيالات خلال المرحلة المقبلة".
بدوره يرى الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أن "الاحتلال يسعى إلى شلّ قدرات البلديات على القيام بمهامها، خصوصا في المناطق التي عاد إليها النازحون، مشيرا إلى أن بلدية المغازي بذلت مؤخرا جهودا كبيرة في إعادة بعض الخدمات الأساسية، كالمياه والصرف الصحي، بهدف إتاحة الفرصة للسكان للعودة".
وأضاف عفيفة للجزيرة نت "خلال الشهر الأخير لاحظنا أن جرأة الاحتلال باستهداف كل من له علاقة بإعادة تسيير الجوانب الخدماتية والحياتية تزداد، وخصوصا في المناطق التي بها نازحون، وبلغت ذروتها في استهداف الأجهزة الشرطية واللجان التي تؤمن المساعدات في شمالي القطاع".
وأعرب عن اعتقاده بأن الاحتلال يسعى إلى إيجاد "حالة من الفراغ والفوضى، وهي جزء من أهداف حربه على القطاع"، وأضاف "هدف الاحتلال ليس فقط تدفيع السكان ثمنا كبيرا من خلال القتل والتجويع، لكن أيضا خلق أزمات لا تنتهي عند نقطة معينة".
وتابع "اغتيال المسؤولين المدنيين كالغمري يهدف إلى إيجاد حالة من البلبلة في الشارع الفلسطيني، على أمل أن يضطر الشارع في لحظة معينة إلى تقبل وجود جهات مدنية متواطئة مع الاحتلال، لعدم وجود بديل، لكن أعتقد أن هذا مشروع فاشل".
رئيس بلدية المغازي حاتم الغمري استمر في تقديم الخدمات لأهالي القطاع رغم ظروف الحرب (مواقع التواصل) من هو الغمري؟ولد حاتم الغمري في 21 أغسطس/آب 1981، وعاش فترة من حياته في ليبيا، وبعد أن حصل على درجة البكالوريوس في الفيزياء عمل معلما في إحدى مدارس مدينة دير البلح.
وانتقل الغمري للعمل في التدريس الأكاديمي بعد حصوله على درجة الماجستير في الفيزياء، حيث حاضر في الجامعة الاسلامية بغزة، وشغل منصب نائب رئيس قسم الفيزياء فيها، كما كان مدرسا في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية وكلية الرباط الجامعية.
وفي يونيو/حزيران 2020 تم تكليف الغمري برئاسة بلدية المغازي، وإبان رئاسته حصلت بلدية المغازي على الترتيب الأول على مستوى المحافظة الوسطى والثالث على مستوى قطاع غزة في الشفافية والنزاهة، حسب تقـرير مؤسسة الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، ومقرها رام الله، للعام 2023.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات قطاع غزة من خلال حالة من
إقرأ أيضاً:
FT: كيف أباد الاحتلال جباليا البلد التي كان يسكنها 200 ألف نسمة؟
نشرت صحيفة فايننشال تايمز تقريرا، للصحفيين مهول سريفاستافا٬ وهبة صالح٬ وملاكة كنانة تابر٬ وأديتي بهانداري٬ معزّزا بالصور والخرائط وصور الأقمار الصناعية والفيديو، تُبرز فيه كيف قام الاحتلال الإسرائيلي بتدمير مدينة ومخيم جباليا٬ وتروي فيه قصص بعض سكان المخيم.
وجاء في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنه: "في اليوم الذي نفد فيه الدقيق أخيرا، ولم يعد سقف منزلهم المنهار المكون من طابقين قادرا على صد الأمطار، حملت عائلة عبد الله أبو سيف الجد البالغ من العمر 82 عاما برفق على عربة يجرها حمار وفرّت من جباليا".
وتابع: "بعد أن أصابه الجوع والصمم بسبب شهور من الغارات الجوية، وإدراكه أنه قد لا يعود أبدا، طلب أبو سيف من أصغر أحفاده أن يسنده. كان يريد أن يرى للمرة الأخيرة معالم حياته: قاعة الزفاف حيث تزوج أربعة من أبنائه؛ والمدرسة التي درس فيها، ثم درّس فيها؛ والمقبرة التي دفن فيها والداه".
ولكن في ذلك اليوم من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي "لم يكن هناك ما يمكن رؤيته ــ لم يتبق شيء، فقط الأنقاض والحطام. لقد تم محو حياته بالكامل. كل ما تبقى هو ذكرياته". بحسب ما قاله ابنه إبراهيم.
وتقول الصحيفة إنه: "لم يسلم أي مكان في غزة من القوة التدميرية للجيش الإسرائيلي وقصفه العنيف، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. فيما يعتقد الوسطاء أنهم على وشك إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار لإنهاء القتال وتأمين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع".
في السياق نفسه، أردف التقرير: "لكن لم يتعرض أي مكان للدمار بشكل أكثر اكتمالا من جباليا، وهي مدينة قديمة أعطت اسمها بعد احتلال فلسطين عام 1948 لمخيم اللاجئين القريب. ومع الوقت أصبح المخيم واحدا من أكبر المخيمات في الأراضي الفلسطينية".
"يعيش في جباليا والشوارع المحيطة بها ما يقدّر بنحو 200 ألف شخصا -بما في ذلك أكثر من 100 ألف لاجئا سجّلت أسماؤهم رسميا، وفقا للأمم المتحدة والمسؤولين المحليين. إذ وُلد المخيم في نهاية حرب ودمر في أخرى؛ ليصبح مقبرة للذكريات غير المرتبطة بالمعالم التي كانت تحافظ عليها في مكانها ذات يوم" أوضح التقرير.
واسترسل: "لم يصف أحد مدينة جباليا بأنها جميلة، وخاصة المخيم نفسه. ولكن كان هناك دائما جزء صاخب ونابض بالحياة الفلسطينية: الصلاة في مسجد العودة، والاحتجاجات مع وجبة جانبية من الشاورما في دوار الشهداء الستة، والأعراس في قاعة بغداد للأفراح القريبة٬ وكان المتسوقون يسافرون من جميع أنحاء غزة إلى سوق المخيم المزدحم، منجذبين بأسعاره الرّخيصة، وكذلك الآيس كريم والكعك من متجر الزيتون الشهير، في قلب السوق".
وتابع: "كان مبنى القاضي "الحلويات الشرقية" التاريخي المكون من ثلاثة طوابق، والذي يبيع المعجنات بما في ذلك البقلاوة المحشوة بالفستق، بمثابة عامل جذب آخر. كان السكان المحليون يتجمعون لحفلات أعياد الميلاد في قاعته، بينما كان الآلاف من الناس يطلبون مسبقا أطباق المعجنات للاحتفال بنتائج امتحانات الثانوية العامة".
ويضيف التقرير في وصف المخيم: "كان نادي جباليا الرياضي الخدمي مركزا لهوس غزة بكرة القدم، حيث استضاف مباريات محلية بينما عرض مقهى "رابعة" القريب مباريات تتراوح من دوري أبطال أوروبا إلى الدوري المصري الممتاز. وكان الفنانون يغنون ويعزفون على العود في ليالي الموسيقى في المقهى".
وتصف هجوم الاحتلال الإسرائيلي بأنه كان: "بلا هوادة، وكان التدمير شاملا ــ ليس فقط في جباليا، بل وأيضا في بيت لاهيا وبيت حانون المجاورتين ــ إلى الحد الذي جعل وزير دفاع إسرائيلي سابق، أواخر العام الماضي، يصف تصرفات الجيش في شمال غزة بأنها "تطهير عرقي".
وقال موشيه يعلون لقناة تلفزيونية محلية: "لم تعد هناك بيت حانون. ولا توجد بيت لاهيا. إنهم [الجيش الإسرائيلي] يعملون حاليا في جباليا، وهم في الأساس ينظفون المنطقة من العرب". وبعد إدانته بسبب تعليقاته، عزّز موقفه، وقال لمحاور ثان إن: "هذا تطهير عرقي ــ ولا توجد كلمة أخرى لوصفه".
كذلك، تصف الصحيفة جباليا: "تحوّل مخيم اللاجئين إلى مساحات من الأنقاض على مدى الرؤية التي تستطيع المسيرات رؤيتها، وشوارعه التي كانت تعج بالسكان ذات يوم مدفونة تحت أنقاض عشرات الآلاف من المنازل. وفي مختلف أنحاء القطاع، قتل أكثر من 46 ألف فلسطينيا، وفقا لمسؤولين محليين".
وقال إبراهيم الخرابيشي، وهو محام رفض المغادرة، إن المشهد من الأرض مرعبا ولا يمكن تصوره. خلال الغارات الإسرائيلية. اختبأ هو وزوجته وأطفاله الأربعة في زاوية من منزلهم. وهو يتفادى الطائرات الرباعية المروحية الإسرائيلية عندما يخرج خفية للحصول على الطعام للبقاء على قيد الحياة.
وأضاف: "نرى جثثا لا يجرؤ أحد على إزالتها على مدى الرؤية. نسمع الجرحى ينادون طلبا للمساعدة ويموت بعضهم. كل من يشعر بالشجاعة الكافية للذهاب لنجدتهم يسقط بجانبهم ثم نسمع صوتين يصرخان طلبا للمساعدة بدلا من صوت واحد".
ونشأ الشاعر مصعب أبو توهة، في بيت لاهيا القريبة. فرّ أولا إلى مصر، ثم إلى سيراكيوز، نيويورك. كل ما تبقى له لينقله إلى أطفاله هو القصص. لقد دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية مكتبته التي تضم عدة آلاف من الكتب. وكتب في قصيدة: "أترك باب غرفتي مفتوحا، حتى تتمكن الكلمات في كتبي من الفرار عندما تسمع القنابل".
وقال إن هذه هي مأساة تجربة اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948: النزوح القسري المتكرر أثناء الصراع، حتى من المنازل المؤقتة في مخيمات اللاجئين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكل ذلك مع التمسك بالأمل في العودة إلى منازل الأجداد في يافا أو حيفا أو الرملة.
وتابع: "نحن ندفع بعيدا أكثر فأكثر عن وطننا والذكريات التي يجب أن نحافظ عليها. بالنسبة لنا، الآن بعد تدمير هذا المخيم، فإن هذا يعني أيضا تدمير تاريخ اللاجئين الذي دام حوالي 76 عاما".
ويحتل مخيم جباليا مكانة كبيرة في قصص كل من الإسرائيليين والفلسطينيين. اندلعت الانتفاضة الأولى من أزقته المزدحمة في عام 1987 بعد أن صدم سائق شاحنة إسرائيلي، ثلاثة فلسطينيين من المخيم وقتلهم، ما أدّى إلى إطلاق العنان لعقود من الغضب العارم تجاه الاحتلال الإسرائيلي للقطاع.
ولكن نموه الكثيف جعله من مخيم مؤقت بعد حرب عام 1948 إلى ما يوصف بـ"غابة خرسانية" لا تزيد مساحتها عن كيلومترين مربعين، أبرز أيضا مشكلة مستعصية في قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: حق العودة للفلسطينيين الذين فروا من ديارهم فيما أصبح في النهاية دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأجيال من أحفادهم.
وبحلول الوقت الذي ولد فيه الحاج عليان فارس، في عام 1955، بدأ المخيم في التبلور. قامت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ببناء منازل صغيرة من الأسمنت وألواح الزينكو، بغرف لا يزيد حجمها عن ثلاثة أمتار مربعة. كانت العائلات بأكملها تتجمع فيها. لم تكن المنازل بها مراحيض وكان السكان مضطرين إلى نقل المياه من صنابير بعيدة.
والآن بعد أن نزح إلى أنقاض مخيم آخر، أصبح لدى فارس (69 عاما) حلم واحد: إذا انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي يوما ما، فسوف ينصب خيمة فوق أنقاض منزله ويعيش هناك حتى يتم إعادة بناء جباليا. وقال فارس بصوت يكاد يغرق في صوت مسيّرة إسرائيلية: "مخيم جباليا مدينتي، إنه مسقط رأسي. كل ما يخصني موجود في جباليا. سأشعر بالغربة في أي مكان خارج جباليا".
لقد كان سماح الاحتلال الإسرائيلي لمئات الآلاف من المواطنين الذين فروا من شمال غزة٬ بالعودة أم لا يشكل عقبة حاسمة في مفاوضات وقف إطلاق النار. فكل من يعود سوف يعود إلى مشهد حطمته غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي، بما فيه: العملية الحالية، التي يقول الاحتلال إنها تهدف إلى منع المقاومة من إعادة تجميع صفوفها. وقد قُتل أكثر من 50 جنديا إسرائيليا في العملية الشمالية.
إلى ذلك، سجّلت وزارة الصحة بغزة 2,500 شهيد حتى الآن في العملية الشمالية، ولكن مع ترك العديد من الجثث لتتعفن في الشوارع -بعضها أكلتها الكلاب الضالة- فيما يعتقد المسؤولون المحليون أن العدد الحقيقي للشهداء ضعف هذا الرقم. وقال الأطباء إن المرفق الطبي الوحيد الذي لا يزال يعمل، وهو المستشفى الإندونيسي، بالكاد يعمل.
ولأكثر من ثلاثة أشهر، سمح الاحتلال بدخول القليل من الطعام. وقال كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، توم فليتشر، على قناة "إكس" التلفزيونية إن: وكالات الإغاثة قامت في الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر إلى نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي٬ بـ 140 محاولة للوصول إلى المدنيين المحاصرين، ولكن "الوصول كان شبه معدوم".
ونفى جيش الاحتلال أنه ينفذ ما يسمى "خطة الجنرالات"، التي اقترحها مستشار الأمن القومي السابق جيورا إيلاند، والتي تنطوي على إخلاء شمال غزة بالقوة ومنع المساعدات الإنسانية. ولكن مسؤولا إسرائيليا كبيرا قال إن شمال غزة "لن يعود إلى سابق عهده أبدا".
وقال المسؤول: "يمكنك أن تسميها منطقة عازلة، ويمكنك أن تسميها أرضا زراعية، ويمكنك أن تسميها ما شئت، ولكن سيكون هناك فصل مادي أكبر بين المجتمعات الإسرائيلية والمدن الفلسطينية".
وبحسب التقرير: "يقول عمال الإغاثة إنه لا يمكن أن يبقى أكثر من بضعة آلاف من الناس. ويرفض البعض بعناد طردهم من أراضيهم. والبعض الآخر فقراء للغاية أو مرضى لدرجة أنهم لا يستطيعون التحرك. ويتنقل البعض بين المستشفيات التي بالكاد تعمل، على أمل أن يوفر وضعهم المحمي بموجب القانون الدولي بعض الأمان الضئيل".
كان عبد أبو غسان، يحتمي في مدرسة بالقرب من المستشفى الإندونيسي. وطوال اليوم كان يسمع المدفعية والانفجارات بينما يدمر سلاح المهندسين الإسرائيلي حزاما تلو الآخر من المنازل، ونشر العديد منهم مقاطع الفيديو على الإنترنت في لقطات حاولت القوات الإسرائيلية السيطرة عليها.
وفي بعض مقاطع الفيديو، يضحك الجنود الإسرائيليون ويعزفون الموسيقى ويرقصون بينما تدمر عمليات الهدم المتحكم فيها المنازل. واستنكرت جماعات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وخبراء الأمم المتحدة، تدمير الاحتلال للممتلكات المدنية.
وقالت جماعات حقوق الإنسان: ما لم يخدم هذا غرضا عسكريا واضحا، فإن هذه الأفعال قد تنتهك القانون الدولي. وقال جيش الاحتلال إن أفعاله في غزة وجباليا "كانت ضرورية من أجل تنفيذ خطة دفاعية من شأنها أن توفر أمنا أفضل في جنوب إسرائيل".
وزعم أن عملياته في جباليا ركزت على القضاء على ألوية حماس في شمال غزة، وقال البيان: "إن الجيش الإسرائيلي يتخذ الاحتياطات الممكنة لتقليل الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية المدنية والسكان المدنيين والإخلاء في الحالات ذات الصلة"، مدعيا أن قواته واجهت أحياء تحولت إلى "مجمعات قتالية تستخدم للكمائن".
ومن داخل جباليا، يتضاعف الرعب بسبب المستوى الكبير للتدمير. وقال أبو غسان إن: أحياء بأكملها سويت بالأرض: الفاخورة والفلوجة وأبو شريف، وقال وسط الانفجارات: "بقيت على الرغم من المجاعة. نحن أهل الشمال نحب هذا المكان، ولكن الوضع أصبح كارثيا: المجاعة والخوف وتدمير كل مبنى".
بعد عشرة أيام من حديثه إلى "فايننشال تايمز"، قالت عائلته إن أبو غسان: استشهد في بلدته الحبيبة بيت لاهيا بغارة جوية إسرائيلية، بين أنقاض شمال غزة الذي رفض التخلي عنها.