الدار البيضاء تسعى إلى إبراز "كنوز" هندستها المعمارية "الفريدة"
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
ينظر عدد من زوار الدار البيضاء باهتمام إلى واجهات مبان في وسط المدينة المغربية لا تثير الفضول عادة، رغم كونها « كنوزا » من تراث معماري فريد يجمع النمط الأوربي بالخصوصيات المحلية، يسعى نشطاء للحفاظ عليه وإبراز أهميته.
تسير المجموعة المكونة من نساء ورجال من مختلف الأعمار خلف المرشدة ليلى من جمعية « كازا ميموار »، ضمن جولات « ليالي التراث » التي تقام ليلتين خلال شهر رمضان من كل سنة.
واستقطبت هذا العام نحو أربعة آلاف شخص لاكتشاف مواقع متفرقة، بحسب المنظمين، بينما « لا نرفع أعيننا عادة لمشاهدة ما يحيط بنا »، كما تقول بثينة، إحدى المشاركات.
خلافا لبقية مدن المغرب التاريخية، لا ينحصر تراث الدار البيضاء خلف أسوار مدينتها العتيقة (القرن الثامن عشر)، بل يشمل خصوصا الكثير من المباني المشيدة في فترة الحماية الفرنسية بالمغرب (1912-1956) حيث رافق توسع عمراني هائل نمو الاقتصاد الاستعماري.
فقد عمل المهندسون الشباب الذين حلوا بها مطلع القرن العشرين « على ملاءمة تصورات عمرانية تقدمية (حينها) مع الخصوصيات المغربية »، على ما يوضح المهندس المعماري كريم الرويسي.
واعتمدوا أساليب متنوعة مثل « المعمار الكولونيالي في الجزائر وتونس »، ثم « المعمار المغربي الجديد »، قبل ازدهار « الآرت ديكو » الملائم لنقوش وعناصر من النمط المعماري المحلي، على ما يضيف الرويسي.
ويرأس الرويسي جمعية « كازا ميموار » التي تأسست عام 1995 بعدما هدمت مبان عدة لتفسح المجال لعمارات حديثة في العاصمة الاقتصادية للمملكة (نحو 3,6 ملايين نسمة). وتسعى للتعريف بهذا التراث، والتفكير في « إعادة الحياة » إلى المباني المهملة أو المهددة بالاندثار.
تتركز الكثير من هذه المباني وسط المدينة، انطلاقا من الحي الإداري حيث مقر المحكمة الابتدائية والولاية (المحافظة) والبريد وبنك المغرب (المصرف المركزي)… المحيطة بساحة فسيحة تتوسطها نافورة أضيئت جنباتها بحلول الظلام.
لكن صخب الشوارع التي تخترق هذا الفضاء « يجعلنا لا نفكر عادة في التجوال هنا »، كما تضيف بثينة (34 عاما) ملتقطة بين الحين والآخر صورا بهاتفها داخل أروقة البنايات التي فتحت مساء أمام الزوار.
وتتابع الشابة التي استقرت هنا للعمل بإحدى الشركات، « أستطيع الآن رؤية المدينة بنظرة مختلفة تدرك التأثيرات المتعددة للهندسة الأوربية وامتزاجها بالتقنيات المغربية ».
اعتمادا على ملخصات وصور من مراجع متخصصة، تستعرض ليلي أمثلة مختلفة عن هذا الامتزاج. فمقر الولاية مستوحى من قصر بمدينة سيينا الإيطالية، ويطل على الخارج بشرفات لم تكن متداولة في المعمار المغربي، لكنها اغتنت بأقواس وقطع القرمود الأخضر المعروفة في الهندسة المحلية.
داخل المبنى، كما داخل المحكمة، تبرز حدائق وسط فناءات فسيحة تشكل نظام تهوية طبيعية، وقطع الزليج التي تغطي الأعمدة والأرضيات…
أما في بنك المغرب فتشير ليلى إلى الأحجار المصقولة المحيطة بنوافذ الطبقة العلوية لواجهة المبنى، موضحة أنها مستوحاة من مئذنتي مسجد الكتبية بمراكش ومسجد (كاتدرائية) الخيرالدا في اشبيلية المشيدين على عهد الدولة الموحدية (القرن 12).
وتتعايش مع تفاصيل من أسلوب « الآرت ديكو » الأوربي مثل سقف زجاجي على شاكلة خلية نحل داخل المبنى، كان الأكبر في إفريقيا، أو تصميم البوابة العريضة على شكل خزنة نقود.
يتابع الزوار الشروح باهتمام وانبهار أحيانا، ويشعر بعضهم كأنه يكتشف المدينة من جديد كما يقول مهدي كسيكس (51 عاما) « ولدت في الدار البيضاء، لكن هذا لا يمنعني من اكتشافها… أظن أن هناك كنوزا أخرى يتوجب الحفاظ عليها ».
يسهل تمييز هذه « الكنوز » بواجهاتها المتفردة ومداخلها الفسيحة على امتداد شوارع وسط المدينة وأزقته.
لكن الكثير منها فقد بريقه بفعل الإهمال، وبعضها تهاوت أجزاء منه.
تسجل وزارة الثقافة حتى الآن 483 منها على لائحة الآثار الوطنية، ما يلزم ملاكها بالحفاظ على الهندسة الأصلية للواجهات عند تنفيذ أية أشغال، فيما ينتظر تسجيل مائة مبنى آخر قريبا ، وفق المسؤول في الوزارة حسن زحل.
لكن الأهم « هو التفكير في طرق لتشجيع مستثمرين على جعلها مقار لمشاريع تعيد إليها الحياة »، وفق ما يؤكد نائب رئيس جمعية « كازا ميموار » ياسين بنزريول.
وفي موقع غير بعيد من الحي الإداري العتيق، تتواصل الأشغال لإعادة بناء فندق « لنكولن » وفق الشكل الأصلي لواجهته كما شيدت العام 1917. فقد شكل انهياره خسارة كبيرة لتراث المدينة، قبل أن يحالفه الحظ ليعيش حياة ثانية بفضل مستثمرين خواص.
وهو مثال على ضرورة « الاستثمار » لإحياء المباني العتيقة، على ما يضيف ياسين الذي كان من ضمن مائتي مرشدة ومرشد، بينهم تلامذة إحدى الثانويات، تطوعوا لتنشيط « ليالي التراث ».
بانتهاء الجولة حول الحي الإداري، التحق جل المشاركين بالمجموعة التي كان يقودها ياسين على امتداد شارع محمد الخامس، حيث تبرز أكثر أساليب المعمار « الموري الجديد » المتأثر بنقوش مشرقية و »الفن الجديد » الأوربي.
وهما أكثر احتفالية من أسلوب « المغربي الجديد »، بحسب ما يظهر في الواجهات المزينة بنقوش تجسد نباتات أو أشكالا متنوعة مثل رأس باخوس « إله الخمر »، على ما يضيف ياسين لجمهور كان لا يزال مستعدا لمواصلة التجوال بعد أكثر من ساعة ونصف ساعة.
+(أ.ف.ب)
كلمات دلالية المغرب تراث عمران مدنالمصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: المغرب تراث عمران مدن الدار البیضاء على ما
إقرأ أيضاً:
شخصية معرض الكتاب 2025.. أحمد مستجير العالِم المبدع صاحب الرحلة الفريدة
بين دفتَي العلم والأدب يأتي اختيار العالِم والشاعر المبدع أحمد مستجير، شخصيةَ معرض القاهرة الدولي للكتاب لهذا العام.
ليقدم المعرض لزواره باستعراضه لتاريخ شخصيته إرثًا ثقافيًّا وعلميًّا ومسيرةً مليئةً بالتميز والإبداع تشير عناصرها إلى تكامل بين مختلف المجالات.
فبالرغم من تفوق مستجير العلمي وحصوله على دكتوراه في الهندسة الوراثية، فإنه جمع بعبقرية بين أصالة العلم وسحر الأدب، فمزج بين علوم الوراثة البيولوچية والكتابة الأدبية، فكان نموذجًا فريدًا ترك بصمتَه الواضحة في المجالين، كما تمكن من تغيير النظرة التقليدية إلى العلوم البحتة، وقدمها بشكل يتماشى مع الثقافة والفكر العربي.
ففي كتابه «في بحور العلم»، تناول مستجير مجموعةً من الأفكار القيِّمة، منها: علم الوراثة والهندسة الوراثية وعلاجاتها، البيوتكنولوچيا وتطبيقاتها في الزراعة، تكنولوچيا الطب والأبحاث الچينية، وغيرها من العلوم. وعمل على تحسين الإنتاج الزراعي وتطوير مجال الزراعة في مصر والعالم العربي، مقدمًا العديد من الأبحاث والدراسات في استخدام التكنولوچيا الحيوية، وتأسيس مدرسة علمية في مجال الوراثة والتحسين الوراثي للحيوان.
وأتقن مستجير الشعر العربي وصدر له ديوانان هما: «عزف ناي قديم، هل ترجع أسراب البط؟»، كما كتب مقالات أدبية تناولت موضوعات فلسفية وعلمية بلغة أدبية رفيعة، مما جعله جسرًا بين القارئ العام والعلم.
وترجم مستجير العديدَ من الكتب العلمية إلى العربية بأسلوب مبسط وسلس، ومنها «التطور الحضاري للإنسان، صناعة الحياة، الطريق إلى دوللي، البذور الكونية» وغيرها من المؤلفات المترجَمة التي سعى بها مستجير إلى تقريب المفاهيم العلمية من الجمهور العربي.
وربما تشير الجهات التي تقلَّد مناصب بها إلى عمق وفرادة تجربة عالم جليل عمل مدرسًا بكلية الزراعة جامعة القاهرة سنة 1964م، ثم أستاذًا مساعدًا عام 1971م، ثم أستاذًا سنة 1974م، ثم أصبح عميدًا للكلية من سنة 1986م إلى سنة 1995م، ثم أستاذًا متفرغًا بها. كما كان عضوًا في 12 هيئة وجمعية علمية وثقافية، منها: مجمع الخالدين، الجمعية المصرية لعلوم الإنتاج الحيواني، الجمعية المصرية للعلوم الوراثية، اتحاد الكتاب، لجنة المعجم العربي الزراعي، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة. أما عن الجوائز، فقد حصل على عدد منها، أبرزها: وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، جائزتَـا الدولة التشجيعية والتقديرية. وبرغم رحيل مستجير في عام 2006، فإنه لايزال أحد الرموز الثقافية والعلمية التي قلَّما تتكرر في مصر والوطن العربي.
----------------‐-----‐---------
فاطمة المعدول.. الإبداع والعمل العام في محبة الأطفال
مريم محمد
اختيرتِ الكاتبة فاطمة المعدول، إحدى رائدات أدب الأطفال في مصر والوطن العربي، لتكون شخصيةَ معرض الطفل لهذه الدورة من معرض الكتاب.
و«المعدول» تُعَد رمزًا من رموز الإبداع والعمل العام في مجال ثقافة الطفل، نظرًا لدورها البارز والمستمر، حيث لا تزال أعمالُها تلهم الأجيالَ الجديدةَ من الكتاب والمبدعين.
فهي ليست مجرد كاتبة أو مخرجة، بل أيقونة ثقافية أكدت دائمًا على فهم احتياجات الطفل ومخاطبته بلغة تناسب عمره وعقله، ومن هذا المنطلق قدمتِ العديد من كتب وقصص ومسرحيات الأطفال.
وتناولتِ «المعدول» في أعمالها قضايا متنوعة، مثل الأخلاق وحب الوطن، ووصلت مؤلفاتها إلى 50 كتابًا أدبيًّا لمختلف الأعمار، هدفت من خلالها إلى ترسيخ القيم الإيجابية في إطار من التشويق والمرح لجذب الطفل إلى القراءة والاستمتاع.
ومن بين مؤلفاتها: «البنت زي الولد، حسن يرى كل شيء، الكنز، ثورة العصافير، هل طارتِ الفراشات ولن تعود؟، وظيفة لماما، طيارة الحرية، خضرة وزهرة البنفسج، أريد أن ألعب، البالونة البيضاء، وغيرها». وقد توافق مجال دراستها مع إبداعها وعملها، حيث حصلت على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الدراما والنقد عام 1970، وعُيِّنت بقصر ثقافة الطفل بالثقافة الجماهيرية. فكان أن كتبت وأخرجت عدة مسرحيات للأطفال، منها: سندريلا- مغامرات تيك العجيب- الأميرة النائمة- المهرج والأسد- شادي في الفضاء.
وأعادتِ «المعدول» تأسيسَ قصر ثقافة الطفل المتخصص بجاردن سيتي في عام ١٩٩٦، كما عُيِّنت مديرًا عامًّا لثقافة الطفل بالثقافة الجماهيرية.
واستطاعتِ «المعدول» أن تمزج بين الإدارة والإبداع، فساهمت في تطوير مسرح الطفل وإحياء هذا النوع من الفن في العالم العربي، فأخرجت وألَّفتِ العديدَ من الأعمال المسرحية التي ركَّزت على تقديم محتوى تعليمي وترفيهي، وفازت بجائزة أدب كتب الأطفال من جائزة كامل كيلاني التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، وجائزة الثقافة الجماهيرية.
ولم تنسَ «المعدول» ذوي الاحتياجات الخاصة، فقدمت أول مسرح للمعاقين في مصر، وأقامتِ العديد من الورش المسرحية لجميع للأطفال، وأشرفت على ورش عمل ودورات تدريبية للعاملين في أدب الطفل وفنون الحكي ومكتبات الأطفال ومسرح الطفل.
وأثبتتِ «المعدول» من خلال أعمالها أهمية الاستثمار في ثقافة الطفل لمستقبل قائم على الثقافة والمعرفة، كما ساعدت في تعزيز أهمية أدب الطفل كوسيلة فعالة لتوصيل الرسائل التربوية.