«إعادة الإعمار».. معركة قادمة لا محالة
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
كيف سيحمى سكان قطاع غزة ذكرياتهم بعد انتهاء الحرب؟ كل شىء دمر، مسحت أحياء بالكامل من خريطة غزة، حتى إنها أصبحت مجهولة فلم يتعرف أصحابها على ملامحها، تاهت وسط الركام، والدمار، وشهوة الانتقام، كل هذا امتزج مع أنقاض البيوت المنتشرة فى كل مكان، والشوارع المجرفة، والأحياء التى أصبحت من الماضى، تحولت غزة ومحافظاتها إلى خراب مدروس، ودمار ممنهج، لا شىء فيها قابل للعيش، بعد أن نسف جيش الاحتلال كل مقومات الحياة.
البنية التحتية (كهرباء وماء وصرف صحى) والصحية والتعليمية والاقتصادية، كنوع من تيئيس الفلسطينيين، وإجبارهم على ترك ديارهم وتهجيرهم إلى غير رجعة، فى إطار سياسة التهجير القسرى الذى أعلنت عنه حكومة الحرب منذ السابع من أكتوبر.
«غزة خاوية على عروشها».. لا شجر ولا حجر ولا ماء ولا غذاء.. لكن الأهم أن إسرائيل فشلت فشلاً ذريعاً فى تنفيذ مخططاتها لتهجير السكان، رغم القتل والاعتقال والتدمير الفاشى الذى لحق بكل زاوية فى قطاع غزة.
باستثناء المتغير على الأرض الذى خلقته ظروف الحرب وتكيف معه سكان غزة، فحلت الخيام بدلاً من الجدران الأسمنتية لإيواء النازحين، واكتفوا بكسرة خبز جافة متعفنة فى معظم الأحيان تسد رمقهم، واستعانوا بما تيسر من كساء لستر أجسادهم، وشربوا مياه البحر بعد تكريرها وتنقيتها من الملح، واعتادوا القصف المدفعى والجوى المتواصل، فأصبح جزءاً من مكتسبات حياتهم الجديدة، وتأقلموا مع صوت القذائف الصاروخية وزخات الرصاص التى لا تنقطع.
هذه هى غزة وهؤلاء من يستحقون العيش على أرضها! غير أن السؤال الذى يشغل البال الآن فيما لو تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، كيف ستنهض غزة من كبوتها، ويعود ضخ الدماء إلى شرايينها، بعد أن تنفض عنها غبار الحرب، ويدفن مواطنوها جراحهم وآلامهم وشهداءهم، لتستأنف مسيرة إعادة الإعمار؟.
بالطبع لن تكون عملية إعادة الاعمار إجراءً سهلاً ومتاحاً دون قيود، إذ من المؤكد أن إسرائيل سوف تستخدم هذه العملية، كجزء من حربها ضد حماس، وهذا يعنى أنها سوف تسمح بإدخال المعدات ومواد البناء والآليات والفرق البشرية، بشروط محددة وعلى مراحل زمنية متعددة، وستطلب مقابل أى مرحلة ثمناً مرتبطاً بضمان صمت حماس على ما يجرى خارج حدود القطاع، بمعنى أن تقبل حماس بفك الارتباط بين غزة والضفة الغربية والقدس، فضلاً عن فك تحالف حماس نفسها مع إيران وحزب الله.
ومن المتوقع أن فشل الاجتياح الإسرائيلى لغزة سيفضى إلى تبدل جوهرى فى استراتيجية إسرائيل خلال مرحلة ما بعد الحرب، وطالما أن جنوب لبنان وغزة أصبحا مناطق عصية على الاجتياح والاحتلال، فإن الهدف الإسرائيلى الرئيسى سينتقل إلى الضفة الغربية باتجاه تسريع وتيرة الاستيطان، وضم المناطق الملحقة بالكتل الاستيطانية الكبرى، وشق الطرق التى تسهم فى عزل شمال الضفة عن وسطها، ووسطها عن جنوبها، والمخطط الرئيسى فى هذا الإطار هو ما يسمى A1 الذى يربط القدس بالأغوار الشمالية بما يشكل فصلاً جغرافياً يقسم الضفة الغربية إلى ثلاثة أجزاء غير متصلة فيما بينها.
إذن ستشكل عملية إعادة الإعمار فى غزة حرباً أخرى جديدة، قد تستغرق من الوقت والجهد الدبلوماسى الكثير، حتى إنه من الممكن أن تحدث انتكاسات فى هذا الملف، بما قد يؤدى إلى تصعيد عسكرى مرة أخرى.
وفى الجهة المقابلة يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، ستعوض عن مواقفها السابقة المشجعة للعدوان على غزة، بشىء من السخاء فى تمويل المشاريع المتعلقة بإعادة الإعمار، حيث تقدر مصادر أمريكية نقلت عنها «وول ستريت جورنال»، أن التكلفة التقريبية لهذه العملية قد تصل إلى ما بين 18 و19 مليار دولار.
وتشمل تأهيل البنية التحتية وخطوط المياه والكهرباء والصرف الصحى، وبناء المستشفيات والمدارس، وتعبيد الطرق، وإزالة ركام المنازل المهدمة وإعادة بنائها، وقد تستغرق هذه العملية من الوقت ما بين ثلاثة وخمسة أعوام، وتشير المصادر نفسها إلى أن الولايات المتحدة لن تجد صعوبة فى إقناع الدول الأخرى بالمساهمة فى التمويل، كجزء من إحياء الأمل لدى الفلسطينيين، بأن السلام والهدوء سوف يمنحهم وأبناءهم فرصة لحياة أفضل فى المستقبل.
من المبكر الآن توقع مجريات المفاوضات الخاصة بإعادة الإعمار، لكن من المؤكد أنها ستكون مهمة صعبة وطويلة، ولعل العقبة الأهم هى إصرار إسرائيل على تقييد دخول مواد البناء خشية استيلاء حماس عليها، لإعادة بناء أو ترميم شبكة أنفاقها فى المستقبل، وهذا يعزز الاعتقاد بأن إسرائيل لن تسمح بدخول هذه المواد إلا بإشراف دولى تثق به، وآلية يمكن التحقق من جدواها فى منع حماس من استخدام هذه المواد فى أنشطتها العسكرية.
فى كل الأحوال يبدو أن المقترح الذى قدمته حماس سابقاً وأيدته إدارة بايدن بشأن إدخال عشرات الآلاف من البيوت المتنقلة، سيكون حلاً مؤقتاً وفعّالاً فى توفير الحد الأدنى من ضرورات الحياة بالنسبة للفلسطينيين فى القطاع، لكن هذا لا يشمل تنشيط جوانب جوهرية أخرى فى حياتهم خاصة ما يتعلق بالصحة والتعليم والخدمات الإنسانية بوجه عام.
ويبدو أنه سيكون على شعب غزة انتظار سنوات قبل العودة إلى ما كان عليه قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر، وستحدد النتائج المباشرة وغير المباشرة للحرب، ما إذا كان الفلسطينيون سيرتضون الثمن الفادح الذى دفعوه فى الحرب، أم أنهم سيعتبرونه مبالغاً فيه، وهذا ما سينعكس على اختياراتهم السياسية فى المستقبل القريب.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: غزة شعب غزة إعادة إعمار غزة إعادة الإعمار
إقرأ أيضاً:
السيسي يؤكد ضرورة التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار في غزة وبدء إعادة الإعمار
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشددًا على حتمية الإسراع في إعادة إعمار القطاع، وذلك خلال سلسلة اتصالات هاتفية أجراها مع عدد من القادة العرب لبحث تطورات الأوضاع في المنطقة.
مباحثات السيسي والملك عبدالله حول غزة والسلام في الشرق الأوسطأجرى الرئيس السيسي اتصالًا هاتفيًا مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين، حيث ناقشا آخر مستجدات الوضع الإقليمي، خاصة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وما يشمله من تبادل الأسرى والمحتجزين، إضافة إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى أهالي القطاع.
كما أكد الزعيمان أهمية التوصل إلى سلام دائم في المنطقة على أساس حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، باعتبار ذلك الضمان الوحيد لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
السيسي يبحث مع ملك البحرين تطورات غزة والأوضاع الإقليميةفي اتصال آخر، بحث الرئيس السيسي مع ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، جهود ضمان التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مع التأكيد على أهمية تبادل الأسرى وإيصال المساعدات الإنسانية لتخفيف المعاناة عن سكان القطاع.
وأشاد العاهل البحريني بدور مصر المحوري في جهود الوساطة التي أسفرت عن التوصل إلى وقف إطلاق النار، مؤكدًا أهمية بدء مسار سياسي شامل لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
ملفات إقليمية أخرى على طاولة المباحثاتلم تقتصر المباحثات على الملف الفلسطيني، حيث ناقش الرئيس السيسي مع كل من الملك عبدالله والملك حمد تطورات الأوضاع في كل من لبنان وسوريا وليبيا والسودان، مشددين على أهمية تحقيق الاستقرار في هذه الدول، وتجنب تصاعد الأزمات.
كما تم التأكيد على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 الخاص بلبنان، بما يضمن أمن وسيادة واستقرار البلاد.