الطرمبا... الحلوى الأشهر في تعز رغم الأزمات
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
تعتبر الأكلات الشعبية تعبيراً عن طبيعة البيئة والثقافة في أي مجتمع وانعكاساً لهما، وهي تتأثر بالمراحل التاريخية التي يمر بها هذا المجتمع وبالتغييرات المختلفة التي حصلت فيه.
لا تذكر المدن العتيقة إلا تذكر معها ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها والفلكلور الشعبي الخاص بها، كما لا يمكن تجاهل أطباقها وأكلاتها المتميزة أيضاً، خاصة تلك التي تبقى صناعتها حكراً على أهل هذه المدينة دون سواها، فالطعام الشعبي يعبر عن ثقافة وهوية المجتمع وتأثره بثقافات مجتمعات أخرى وتأثيره فيها، كما يعبر عن تداخل وتمازج الثقافات بعضها ببعض.
ولا تذكر مدينة تعز اليمنية إلا يذكر اسم حلواها المعروفة شعبياً باسم "الطرمبا"، فلا يمكن لمن يزور تعز أن يغادرها من دون أن يتناول الطرمبا، وإلا فإن زيارته تظل ناقصة. وتعد هذه الحلوى من أبرز الأطباق على مائدة التعزيين في الأعياد والمناسبات الاجتماعية والوطنية وفي شهر رمضان، وعادة ما تعج شوارع المدينة وأسواقها ببائعي الطرمبا، والتي يزيد الإقبال عليها بشكل ملحوظ في أوقات المناسبات والأعياد.
ويذكر مؤرخون أن أصل "الطرمبا" كحلوى شعبية يرجع إلى عصر الحكم العثماني لليمن، والذي ينقسم إلى فترتين، الأولى هي فترة "إيالة اليمن" من عام 1539 حتى عام 1634، والفترة الثانية هي ولاية اليمن من عام 1849 حتى عام 1918، وحين رحل العثمانيون خلفوا وراءهم هذه الحلوى الشعبية ذات الطعم المميز مع أطباق أخرى، مثل الشوربة والسلتة، إضافة إلى مفردات لغوية وعادات وتقاليد وبعض الأسر التي تركوها خلفهم، خصوصا في مدينة تعز.
وبقيت صناعة الطرمبا حكراً على المناطق التي سكنها العثمانيون وخلفوا فيها عدداً من الأسر، وتحديداً في المدينة القديمة بوسط تعز، التي يشتهر فيها محل أبو رضوان، ومنطقة الجحملية التي يشتهر فيها محل الهلالي، ويعد الأخير أشهر صانع للطرمبا في تعز وفي اليمن ككل.
حرفة متوارثة
وقد حاول العديد من الأشخاص في عدد من المدن احتراف صناعة الطرمبا، غير أن إنتاجهم ظل عاجزاً عن نيل رضا الزبائن نتيجة عدم إتقان صناعتها بالشكل المطلوب، إذ تحتاج إلى أيد ماهرة لها باع طويل في ممارسة هذه الصنعة المتوارثة عن الأجداد، كما تحتاج إلى قدرات وخبرات من نوع خاص، خاصة في قياس المقادير والقدرة على عجنها من أجل الحصول على القوام المطلوب، إضافة إلى خبرة قليها في الزيت وصولاً إلى لونها البني المميز المائل للسواد.
يقول أبو محمد، وهو أحد صانعي الطرمبا، لـ"العربي الجديد"، إنها "تصنع من الدقيق والسكر والزيت، حيث نقوم بعجن الخليط وعصده على النار في المرحلة الأولى، ثم نقوم بتبريد العجين الذي قمنا بتجهيزه، ونقوم بعد ذلك بعجن الخليط مجددا مع إضافة كميات كبيرة من البيض بالتدريج حتى نحصل على خليط جديد، نقوم بعد ذلك بوضعه داخل الماكينة اليدوية الخاصة، والتي نقوم عبرها بتشكيل الطرمبا بالشكل المتعارف عليه، ومن ثم يتم وضعها في نوعين من الزيت، الأول بارد لنفخ الطرمبا، والثاني ساخن لقليها".
يضيف أبو محمد: "بعد الانتهاء من القلي وتغير لون الطرمبا، نقوم بإخراجها من الزيت الساخن لتكون جاهزة للتقديم لمن يحب أن يأكلها بدون تحلية، وقبل تقديمها نكون قد جهزنا (شيرة) التحلية التي تصنع من الماء والسكر والقرفة، والتي نمزجها ونقوم بغليها حتى يتغير لونها، ونستخدمها في (تشريب) الطرمبا، حيث تمنحها الطعم الحلو، وبعد ذلك تكون جاهزة للتقديم".
وتؤكل الطرمبا التعزيّة كتحلية بعد وجبة الغداء، ويتم تناولها بشكل شبه يومي من قبل أبناء تعز، كما يكثر تناولها في شهر رمضان وفي الأعياد، كما تؤكل في المناسبات الاجتماعية والعزومات.
السلتة والطرمبا
ويرتبط أكل الطرمبا بالمأكولات الشعبية مثل السلتة، وهي وجبة ذات أصل تركي أيضاً، إذ لا يوجد مطعم سلتة في تعز تقريباً إلا يوجد أمامه من يبيع الطرمبا للزبائن. يقول أحمد الدعكمي، لـ"العربي الجديد": "أحرص على شراء الطرمبا بشكل يومي، ولا يكتمل يومي إلا بأكل أربع قطع على الأقل منها، لأنه لا يوجد حلوى تمتلك لذتها، وأنا حريص على شراء الطرمبا طوال العام، لكن في رمضان والعيد يصبح الإقبال على شرائها أكبر، وأحلى طرمبا هي الموجودة في منطقة الجحملية وفي المدينة القديمة، لأن صانعي الطرمبا في هاتين المنطقتين لهم باع طويل في هذه الحرفة التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم".
يضيف الدعكمي: "على الرغم من ارتفاع أسعار الطرمبا، إلا أنه ما زال هناك إقبال كبير عليها، لأنها تعد وجبة التحلية الأولى في تعز بلا منافس بسبب تميزها عن بقية الحلويات، وعادة ما يتم إهداؤها لمن يعيشون خارج تعز تعبيراً عن المحبة والتقدير، وحين تسأل أحداً من خارج تعز ماذا تريد كهدية؟ فإنه يرد قائلاً لا أريد سوى الطرمبا".
وتعد الطرمبا من أفضل الهدايا التي يتهادى بها أبناء تعز، كما يتم إرسالها إلى مدن البلاد الأخرى، وإلى المغتربين في الخارج، ووصلت قبل الحرب مع توفر رحلات الطيران إلى المغتربين في الخليج العربي وأوروبا والولايات المتحدة. وكان يتم إرسالها إلى خارج البلاد غير مكتملة القلي وغير محلاة بالشيرة، ليقوم الشخص الذي أهديت إليه بقليها وتحليتها قبل تناولها.
وفي الوقت الحالي، يواجه صانعو الطرمبا الكثير من التحديات التي أثرت على عملهم، وفي مقدمتها الارتفاع الكبير في أسعار الدقيق والسكر والزيت والبيض، وهو ما تسبب أيضاً بارتفاع أسعار الطرمبا، التي وصل سعر القطعة منها إلى 200 ريال يمني (الدولار يساوي 1620 ريالاً)، ما يؤثر سلباً على حجم الإقبال على شرائها من قبل اليمنيين مقارنة بالأوضاع في السنوات الماضية.
كما أن صناعة حلوى الطرمبا باتت تتنافس مع أصناف أخرى من الحلويات التي تتم صناعتها في معامل الحلويات المحلية، مثل الشعيرية والكنافة والبقلاوة وغيرها، غير أن الطرمبا تظل الحلوى الأولى في تعز رغم كل ذلك.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: فی تعز
إقرأ أيضاً:
تشريعات دقيقة.. مفتي الجمهورية: الإسلام وضع قواعد لحل الأزمات البيئية
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الإسلام لم يكتفِ بوضع قواعد عامة للحفاظ على البيئة، بل وضع تشريعات دقيقة تحميها حتى في أوقات الحرب، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قطع الأشجار إلا لحاجة، وحذر من تدمير البيئة بدون مبرر، مؤكدًا أن الإسلام جعل الاعتداء على البيئة اعتداءً على حقوق الآخرين، وظلمًا للأجيال القادمة.
جاء ذلك خلال لقاء فضيلة مفتي الجمهورية التلفزيوني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" المذاع على فضائية "صدى البلد".
وأشار فضيلته إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى جماعة من الصحابة يحرقون قرية من النمل، فغضب وقال: "لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار".
هبة ربانية.. مفتي الجمهورية يكشف خطوات الوصول للسكينة والطمأنينة النفسية
مفتي الجمهورية: راتب الزوجة حق لها والنفقة واجبة عليها حتى لو كانت غنية
مفتي الجمهورية: ترك الصلاة بعد رمضان قد يكون علامة على ضعف الإيمان
مفتي الجمهورية: الإسلام أقر للمرأة ذمة مالية مستقلة قبل أكثر من 1400 عام
وشدد فضيلة المفتي على أن هذا الموقف النبوي يعكس احترام الإسلام لكل المخلوقات، حتى أصغر الكائنات الحية، لأنه لا شيء في هذا الكون خلقه الله عبثًا، بل لكل شيء وظيفة ومهمة في تحقيق التوازن البيئي، مبينًا أن الإضرار بالكائنات الحية دون مبرر شرعي، أو القضاء على فصائل معينة من الحيوانات أو النباتات، قد يؤدي إلى خلل بيئي خطير يعود بالضرر على الإنسان والمجتمع ككل.
كما حذَّر فضيلة المفتي من الممارسات الخاطئة التي تؤدي إلى تدمير البيئة، مثل الإسراف في استخدام المياه، وقطع الأشجار دون مبرر، والتلوث البيئي الناتج عن حرق المخلفات أو إلقاء النفايات في غير أماكنها، مشيرًا إلى أن هذه الممارسات لا تضر فقط بالبيئة، بل تؤذي الإنسان نفسيًّا وبدنيًّا، كما أنها تدخل في دائرة الضرر المحرم شرعًا، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".
وأشار فضيلته إلى أن الإسلام اعتنى بهذه القضية منذ أكثر من 1400 عام، حيث وضع النبي صلى الله عليه وسلم أُسسًا لما يُعرف اليوم بـ"المحميات الطبيعية"، عندما خصص مناطق معينة لحماية النباتات والحيوانات، وضمان استمرار الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
وأوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشدد على أهمية زراعة الأشجار والعناية بها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة".
وأضاف المفتي أن حماية البيئة ليست فقط مسؤولية الحكومات أو المؤسسات، بل هي مسؤولية فردية تقع على عاتق كل إنسان، مشيرًا إلى أن كل فرد يمكنه المساهمة في الحفاظ على البيئة من خلال سلوكياته اليومية، مثل ترشيد استهلاك المياه والطاقة، والحرص على التخلُّص من النفايات بطريقة صحيحة، والمساهمة في التشجير، مشددًا على أن الإسلام جعل الحفاظ على البيئة جزءًا من العبادة، حيث يعد الاهتمام بها وإصلاحها من الأعمال الصالحة التي يؤجر عليها الإنسان.
ودعا فضيلته إلى ضرورة تكاتف الجهود بين الأفراد والمؤسسات للحفاظ على البيئة، مشيرًا إلى أن هناك حاجة ماسة إلى رفع الوعي البيئي بين مختلف فئات المجتمع، من خلال المناهج التعليمية، والخطب الدينية، والبرامج الإعلامية، حتى يتحول الحفاظ على البيئة إلى ثقافة عامة وسلوك يومي.
وأشار فضيلة المفتي إلى أن العالم اليوم يواجه تحديات بيئية خطيرة، مثل تغير المناخ، والتصحر، والتلوث؛ مما يستدعي تضافر الجهود على المستوى المحلي والدولي لمواجهة هذه التحديات، مشيرًا إلى أن الإسلام بما يحمله من مبادئ وأحكام يمكن أن يكون مصدر إلهام للحلول البيئية المستدامة.
ودعا فضيلة المفتي إلى ضرورة أن يتبنَّى المجتمع رؤية شاملة للحفاظ على البيئة، تبدأ من الأفراد وتمتد إلى المؤسسات والدول، مشددًا على أن الإسلام قدم نموذجًا متكاملًا يمكن أن يسهم في حل المشكلات البيئية المعاصرة، من خلال تطبيق مبادئ العدالة، والاستدامة، والاعتدال، التي تعد من الركائز الأساسية في الشريعة الإسلامية.
وأكد فضيلته أن حماية البيئة ليست خيارًا بل واجب ديني وأخلاقي، وعلى كل مسلم أن يتحمل مسؤوليته في الحفاظ عليها، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن يغرسها قبل أن تقوم فليفعل".
وأوضح أن هذه التوجيهات النبوية الكريمة تمثل دعوة دائمة للمسلمين للعمل على إعمار الأرض وزيادة المساحات الخضراء، وعدم التهاون في أي عمل يعود بالنفع على البيئة، مبينًا أن كل جهد يُبذل في هذا الاتجاه يُعد صدقة جارية تمتد فائدتها إلى الأجيال القادمة.
واختتم فضيلة المفتي حديثه بالتأكيد على أن الحفاظ على البيئة مسؤولية جماعية يجب أن تتضافر فيها جهود الأفراد والحكومات، داعيًا إلى الاستفادة من تعاليم الإسلام في تحقيق التنمية المستدامة، ومؤكدًا أن الالتزام بالأخلاق البيئية الإسلامية يمكن أن يكون ركيزة أساسية لحل العديد من المشكلات البيئية التي يعاني منها العالم اليوم.