عندما أفكر في قراءة المشهد السياسي العربي وتأويلاته المختلفة، وردود الفعل عليه، أكثر ما يشغلني هو أن التفكير المؤامرتي يهدد شرعية القضايا التي نؤمن بها بالقدر نفسه الذي يرى فيها متبنو نظرية المؤامرة أن شرعية قضاياهم واضحة لولا «المؤامرة» الواقعة عليها. وعندما أطالع منتجات الإعلام الغربي اليوم، تلفت انتباهي أسئلة نشعر بالغضب لمجرد أن يطرحها أحد من قبيل: ما الذي يؤكد أن هنالك مجاعة في غزة؟ هذا ما تحاول حماس استخدامه كحجة ضد دولة الاحتلال؟ كيف نعتبر أن ما نراه من مجازر حوادث حقيقية بالفعل وغير مزيفة؟ ألا يمكن أن تكون وسائل الإعلام التي قدمت لنا هذه الأخبار موالية لحماس أو لطرف يحمل أجندة خفية يريد بها استغلال هذا الموقف؟ ما علاقة روسيا بما يحدث، وخلافها مع أمريكا؟
تخيل صديقي القارئ أن هذا بالضبط ما يحدث عندما تشكك فيما فعله صدام حسين مثلا في العراق.
أتابع الكثير من المشاهير والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ممن يقدمون أنفسهم كناجين من الأيدلوجية الصهيونية، أجيال جديدة نشأت في إسرائيل تحت سلطة معرفية نافذة، جعلت من غير الممكن التفكير في أن سردية دولة الاحتلال قابلة للشك، تم استخدام كل الأدوات الممكنة لأدلجتهم منذ نعومة أظفارهم، بداية بالتعليم، وحضور المؤسسة الدينية، والمواد الإعلامية التي يتعرضون لها طيلة الوقت. وفي الوقت الذي نظن فيه أننا نعيش في عالم مفتوح، يسهل علينا الوصول للمعلومات الصحيحة حول أي قضية، إلا أن مسألة عدم الثقة بمشروعية ودقة هذه المصادر يطل برأسه علينا في كل مرة، ساخرا من رغبتنا هذه! فالجميع دون استثناء يتربص بنا، وبسرديتنا! يستمر الكثير من هؤلاء المؤثرين في تقديم محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، وهم بحاجة مستمرة للإشارة لأنهم درسوا كثيرا، وبحثوا في مؤسسات علمية عريقة، أو اعتمدوا على مصادر من داخل إسرائيل نفسها، أو لباحثين يهود للتأكيد على مشروعية مواقفهم الجديدة، إلا أن نظرة سريعة على التعليقات عبر هذه المنصات ستخبرنا عن الكارثة التي نعيشها في عالمنا اليوم.
وجد الكثير من اليهود المعادين لسياسة إسرائيل والمناهضين للصهيونية أنفسهم في حاجة ماسة للتأكيد على أنهم أنفسهم نجوا من الهولوكوست، الأمر الذي يؤكد «يهوديتهم» وعدم التشكيك فيها، أو أن أسرتهم هي التي نجت من الهولوكست، التأكيد الذي يحمل الهاجس نفسه وهو إثبات مشروعية الكلام! والحق في امتلاكه وقوله. يواجهون دائما بدوغمائية مهيمنة لا منفذ لثقبها!
فماذا لو أننا دوغمائيون في أماكن عديدة أيضا؟ وكيف علينا إزاء هذا أن نفكر وأن نعمل معا كالتزام أخلاقي تجاه الحقيقة وما يحدث بالفعل؟ كيف لا نسمح لأحد بأن يشكك بأن الدماء تسيل والمجاعة تحدث، والأرض نهبت، والسكان الأصليين تم تشريدهم؟ هلّا فكرنا في ذلك قليلا؟
أمل السعيدي كاتبة وقاصة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ما یحدث
إقرأ أيضاً:
مدير إدارة فتاوى المحاكم: الشرع لم يقتصر على معالجة سلامة التفكير في العقائد
شهد اليوم الثاني من فعاليات ندوة دار الإفتاء الدولية الأولى انعقاد الجلسة العلمية الثانية، تحت عنوان "حماية الأمن الفكري: التحديات وطرائق الفتوى في المواجهة"، أكد الدكتور محمد الأدهم، مدير إدارة فتاوى المحاكم والمؤسسات بدار الإفتاء المصرية في ختام الجلسة، على أهمية سلامة التفكير كعامل رئيسي في صلاح الكون، مشيرًا إلى أن صلاح الكون أو فساده يتوقف على مدى سلامة تفكير الإنسان الذي يعيش فيه، وأن ضمانة سلامة التفكير تكون عبر "سياج الأمان الأول وهو الوحي".
وأضاف الأدهم أن الشرع الإسلامي لم يقتصر على معالجة سلامة التفكير في العقائد والأخلاق فحسب، بل تناول أيضًا الفقه والأحكام الشرعية والفتاوى. وأوضح أن الفتوى قد ساهمت في ضمان سلامة تفكير أفراد المجتمع، حيث عالجت الأمن الفكري من خلال محورين رئيسيين: وضع معايير لضمان سلامة الفتوى، ومحاربة صور الانحراف في الفتوى.
وأكد د. محمد الأدهم على أهمية "سلامة مصدر الفتوى وصحة الاستدلال به"، مشيرًا إلى دور علوم الإسناد وأصول الفقه في ضمان صحة الفتوى. كما تناول شروط المفتي، موضحًا أن الفتاوى التي تصدر عن غير المؤهلين لها قد تتسبب في "ضياع حقوق وخراب بيوت".
وفي معرض حديثه عن مواجهة الفتوى للانحرافات الفكرية، استعرض مدير إدارة فتاوى المحاكم والمؤسسات بدار الإفتاء بعضَ صور الانحراف الفكري، مثل الأعراف الفاسدة، والتمسك بظواهر النصوص دون فهم مقصودها. كما أكد على دَور دار الإفتاء المصرية في محاربة محاولات التغريب والغزو الفكري، والفتاوى المتطرفة، ومنع ظاهرة التكفير.
واختتم الدكتور محمد الأدهم كلمته بالإشارة إلى أنَّ "دار الإفتاء المصرية تسعى دائمًا لتصحيح المفاهيم وإرساء دعائم الأمن الفكري"، من خلال الفتاوى التي تعالج القضايا الملحَّة في المجتمع، مؤكدًا أهمية هذه الجهود في تعزيز الفكر الصحيح والتعايش السلمي بين جميع أفراد المجتمع.