هل امتلك العرب يومًا إرادة جادّة لهزيمة إسرائيل؟
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
السؤال الصحيح الذي ينبغي أن يظلّ حاضرًا منذ اليوم الأوّل للحرب الإسرائيلية على غزّة وإلى أن تتنهي هذه الحرب، هو "هل عمل العرب بصدق وجدّية على استعادة فلسطين؟"، لا يستثني هذا السؤال الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ستينيات القرن الماضي. هذا السؤال بدت إجابته واضحة يوم 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، وذلك بالقول إنّ هزيمة "إسرائيل" ممكنة، إلا أن الاحتلال بحرب الإبادة التي شنّها على غزّة، والدعاية الواسعة من أوساط متواطئة مع الاحتلال في الإعلام العربي، قد انتقل بالسؤال إلى التقدير السياسي لحماس خلف عملية "طوفان الأقصى"، ليصير الأمرُ تاليًّا موقفًا ثابتًا يحمّل الحركة المسؤولية عن حرب الإبادة الإسرائيلية، في صرف كامل عن الحقيقة، فلم تعد قضيتهم الآن أنّ هزيمة "إسرائيل" غير ممكنة، ولكنّهم يقررون ضمنًا وصراحة أحيانًا، أنّ أفعال "إسرائيل" مجرّد ردود على "رعونات" فلسطينية غير محسوبة.
إنّ محاولة تشويه الموقف الراهن بالإلحاح على تحميل حماس مسؤولية حرب الإبادة الإسرائيلية، يجيب على السؤال الصحيح الأوّل، وهو "هل عمل العرب بصدق على استعادة فلسطين؟"، وذلك بفحص الجغرافيا السياسية بالنسبة للمشهد العام من جميع أطرافه.
يمكن رؤية المشهد ابتداء من قدرة تنظيم صغير بأسلحة خفيفة مصنعة محلّيًّا ومن منطقة جغرافية صغيرة ومحاصرة ومكشوفة على تنفيذ أكثر عملية خداع إستراتيجي نجاحًا في التاريخ ضدّ دولة قوامها من الأمن، ثمّ أتبع ذلك بصمود ميداني وقدرة على التماسك في مواجهة حرب إبادة جماعية غير مسبوقة في التاريخ الحديث والمعاصر بأدواتها التسليحية، وبما كان ينبغي أن يحسم المعركة في ثلاثة شهور على الأكثر.
إزاء ذلك ماذا كان موقف الدول العربية الأكثر تأثيرًا في هذه اللحظة مطلقًا، أو الأكثر تأثيرًا في الموضوع الفلسطيني تحديدًا؟! في أقلّ أحوالها سوءًا تدير حملة تحطيم معنوي للمقاومة للفلسطينية صريحة، وحملة تبرئة ضمنية للاحتلال من جرائمه، وبالاستعانة بأصوات فلسطينية، وإذا كان هذا ما هو ظاهر، فيمكن الجزم بأنّ امتناع تلك الدول عن إسناد الفلسطينيين وعن اتخاذ أي خطوة ولو شكلية احتجاجًا على الحرب الإسرائيلية، هو تواطؤ أكثر منه عجزًا، وأنّ تنسيق المواقف مع الاحتلال هو الحقيقة المؤكدة خلف الحجب، وأنّ الرغبة في التخلّص من حماس تأسيسًا لتصفية القضية الفلسطينية ظاهرة.
وإذن، فالمشهد مكوّن من ثلاثة عناصر، دولة مدججة تحوز تفوقًا تسليحيًّا وتقنيًّا كاسحًا، وتتظيم صغير يتمكن من إيقاع هزيمة نسبية بهذه الدولة في عملية مباغتة وخاطفة ثم يصمد بعد ذلك أكثر من ستة شهور، وجغرافيا سياسية عربية خاذلة للفلسطينيين أو متواطئة مع تلك الدولة.
المشهد مكوّن من ثلاثة عناصر، دولة مدججة تحوز تفوقًا تسليحيًّا وتقنيًّا كاسحًا، وتتظيم صغير يتمكن من إيقاع هزيمة نسبية بهذه الدولة في عملية مباغتة وخاطفة ثم يصمد بعد ذلك أكثر من ستة شهور، وجغرافيا سياسية عربية خاذلة للفلسطينيين أو متواطئة مع تلك الدولة.الأسئلة هنا كثيرة، أكثرها مباشرة وراهنية عما كان يمكن أن يكون عليه الحال لو أنّ الجغرافيا السياسية العربية كانت أفضل مما هي عليه الآن، لو كانت أقل خذلانًا للفلسطينيين أو أقلّ تواطؤًا مع عدوّهم. ألم يكن يعني ذلك في أقلّ الأحوال تقليص عمر الحرب وتخفيف معاناة الفلسطينيين والتأسيس لوضع سياسيّ أفضل؟! أمّا ما هو أكبر وأعمق وأوسع، فعن التاريخ العربي في هذا الصراع، فأن تتمكن حركة صغيرة في ظرف مستحيل من تحقيق ذلك الإنجاز ثمّ الصمود بعده، يعني أن العقدة منذ العام 1948 لم تكن في التفوّق الإسرائيلي، بقدر ما كانت في انعدام الإرادة العربية لهزيمة "إسرائيل" واستعادة فلسطين، وبما أن الظرف الراهن يكشف عن تواطؤ، فما الذي يمنع أن تكون هزائم العرب في فلسطين، ثمّ السياسات التي أداروها تجاه القضية الفلسطينية منذ أكثر من 76 عامًا، مدفوعة بتواطؤ ما، وليس بمجرّد التخاذل وافتقاد الإرادة؟!
ينبغي التذكير هنا، وربطًا بحملة التشويه التي يقودها الإعلام العربي ضدّ حركة حماس راهنًا، بتحميلها المسؤولية عن حرب الإبادة الإسرائيلية، بحملات التشويه التي قادتها دول عربية بعد حرب العام 1948 للتنصل من المسؤولية عن الهزيمة بإشاعة أنّ الفلسطينيين باعوا أرضهم لعدوّهم، وهي دعاية جرى استدعاؤها تاليًا للتغطية على توجه نظام السادات في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي للتصالح مع "إسرائيل"، والمثير للدهشة أنّ هذه الدعاية متوارثة لا تضمر بالتقادم، وتروج في دول عربية لا يُعرف لها أصلاً مواجهة مباشرة مع الاحتلال طوال تاريخ الصراع! والمفارقة أنّ هذه الدعاية المتوارثة منذ أكثر من 76 سنة ما تزال قائمة، بينما تسقط المسؤولية العربية عن ضياع فلسطين في حربي 1948 و1967!
وليس ثمّة حاجة للعودة كثيرًا في عقود الزمن إلى الوراء لإثبات أنّ مشكلة الفلسطينيين في الجغرافيا السياسية المحيطة بهم، وإن كانت هذه الحرب القائمة دالة على ما كان عليه الحال منذ ما قبل العام 1948، ولكن يكفي التذكير بما كان عليه الحال في العقد الأخير من اتفاقات تطبيع تحالفي غير مبررة ويصعب فهم أسباب لها بين دول عربية غير متضررة من الصراع مع "إسرائيل" وهذه الأخيرة، وما سبق تلك الاتفاقات وما رافقها وما تلاها، بما في ذلك تلك التي لم تُنجز في العلن بعد، من حملات إعلامية لتحطيم الفلسطينيين وتشويه قضيتهم وللدعوة لتجاوز هذه القضية وإلى الأبد، فالموقف الحالي الذي يُظهر الأمر عداء لحماس، سبقه موقف طويل لم يكن يخفي عداءه للفلسطينيين كلهم قضية وشعبًا ومجتمعًا وتاريخًا، مما يعني أنّ دوافع هذا الموقف لا تتعلق بالصيغة الأيديولوجية لحماس! بل بفلسطين!
وأخيرًا، فإنّ هذه الحرب من فاتحتها وطوال خطها وبقدر ما كشفت عن العقدة الفلسطينية الأساسية المتمثلة بموقف عربي في أحسن أحواله لم يكن جادًّا في السعي لاستعادة فلسطين وهزيمة "إسرائيل"، فإنّه يشمل كذلك الحركة الوطنية الفلسطينية التي عملت، ومن كل النواحي، في ظروف أفضل من هذه التي تعمل فيها حماس الآن، ومع ذلك فنتائج عملها لا تكشف لا عن جدّية ولا عن إدارة صحيحة وقد تفردت لعقود بتمثيل القضية الفلسطينية، وبعض بقاياها اليوم، وبدلاً من الاستفادة من هذه الحقائق لمراجعة مسارها، تنخرط بدورها في حملة تشويه إخوانهم الفلسطينيين وتصفية الحساب معهم في ظل الدبابات الإسرائيلية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب فلسطين الاحتلال احتلال فلسطين غزة رأي حرب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حرب الإبادة أکثر من ما کان
إقرأ أيضاً:
خطة إسرائيل لتهجير الفلسطينيين
تقسيم القطاع وإقامة قواعد عسكرية فى غزة.. و200 مليون دولار لتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع كاهانا
تشهد الفترة المقبلة زخما لاقتصاد الحروب بعودة رجل الأعمال الأمريكى دونالد ترامب سيدا للبيت الأبيض ورئيسا مرة أخرى للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها خاصة اللوبى الصهيونى.
وكشفت مصادر عبرية عن اعتزام حكومة الاحتلال الإسرائيلى احتلال قطاع غزة بإنشاء قواعد حديثة وخطة للتهجير القسرى للفلسطينيين أصحاب الأرض للسيطرة العسكرية على كامل القطاع.
وأشار تقرير صحيفة هآرتس العبرية إلى أنّ هناك نوايا إسرائيلية تتجاوز أهداف العدوان على القطاع، وأوضح أن هناك مخططا واسع النطاق؛ بتعزيز السيطرة العسكرية على القطاع لأكثر من عامين.
وأضاف التقرير أنّ التغيير الديموجرافى بناء على صور الأقمار الصناعية ومصادر أمنية استند على إنشاء بنية تحتية دائمة، تشمل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحى وطرقا واسعة وبؤرا استيطانية مستحدثة وقواعد عسكرية حديثة؛ لتثبيت وجود عسكرى دائم.
وأكدت الصحيفة العبرية أن المحاور التى بدأت كممرات لوجستية أصبحت تتحول تدريجيا إلى منشآت حدودية ثابتة داخل غزة، مما يدل على تحول فى استراتيجية الاحتلال الإسرائيلى.
وبحسب شهادات كبار الضباط لهآرتس فإن المنشآت العسكرية تشمل حاويات محصنة مزودة بكل وسائل الراحة تشمل كنيسا يهوديا، ما يخلق انطباعا بتواجد عسكرى طويل الأمد، وأن هذه المواقع العسكرية ليست مؤقتة، وأن الاحتلال لن يغادر قطاع غزة قبل عام 2026 على الأقل.
وتواصل إسرائيل التهجير الجماعى القسرى للفلسطينيين فى غزة فى حملة متعمدة ومنهجية ترقى إلى مستوى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، بحسب تقرير جديد صدر عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية.
وتناول التقرير المكون من 154 صفحة، والذى نشرته المجموعة الحقوقية ومقرها الولايات المتحدة، تفاصيل أكثر من 13 شهرًا من الدمار واسع النطاق فى غزة، والذى شهد، وفقًا للأمم المتحدة، نزوح حوالى 1.9 مليون فلسطينى، أى أكثر من 90% من سكان غزة.
يأتى ذلك فيما كشفت وثيقة عن خطة لإسناد مهام أمنية فى قطاع غزة لشركة أمنية دولية يقودها رجل الأعمال الإسرائيلى-الأمريكى «موتى كاهانا»، سبق أن عملت فى عدة بلدان تشهد حروبا بينها أفغانستان وسوريا وأوكرانيا، لإدارة مناطق معينة فى شمال غزة وذلك بحجة تأمين توزيع المساعدات ومنع سيطرة حركة حماس عليها.
أوضحت الوثيقة أن شركة «التوصيل العالمية GDC» قدمت خطة لحكومة الاحتلال لتقسيم شمال القطاع إلى مجتمعات مغلقة خالية من حماس، بإدارة محلية فلسطينية.
وستكون مدينة بيت حانون مركزا رئيسيا لهذه العمليات. وتعتزم الشركة إقامة مناطق تشغيل فى بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا خلال المرحلة الأولى، مع مراكز تجميع للمساعدات، منها مركز قريب من معبر إيريز، وأخرى بمناطق قريبة من أبراج الندى.
وأضافت الوثيقة أن الشركة ستُنشئ مناطق مسيّجة بجدران إسمنتية مزودة بمرافق للتحكم، وشاحنات ومساكن حاويات للقوات الأمنية، إضافةً إلى مولدات كهرباء وخيام لتخزين المساعدات.
وتستغرق عملية تحضير فرق ومعدات الأمن شهرا لتصبح جاهزة للبدء فى تنفيذ الخطة، حيث ستحصل الشركة على تراخيص ومعدات متطورة وتسهيلات من الحكومة الإسرائيلية، بما فى ذلك المركبات المدرعة والدروع الواقية ومعدات التواصل.
وشددت الوثيقة على أن العاملين فى الشركة سيقيمون داخل المستعمرات الصهيونية بالداخل الفلسطينى المحتل خارج ساعات العمل، وسيسمح بمرورهم يوميا عبر معبر بيت حانون «إيريز» الحدودى، وسيحتفظون بتنسيق دائم مع الاحتلال لضمان سير العمليات بسلاسة.
وسيتعاون مكتب تنسيق أعمال حكومة تل أبيب مع نقاط اتصال محلية داخل غزة للمساعدة فى استلام وتوزيع المساعدات الإنسانية، كما سيتاح للشركة توظيف مترجمين فلسطينيين للتواصل المحلى.
وأوضح «كاهانا» فى تقرير لصحيفة «تلجراف»، أن الشركة تخطط لتقسيم القطاع إلى «فقاعات» أو «مجتمعات مغلقة»، تهدف لتكون مناطق آمنة. وزعم أن هذه المناطق ستكون مشابهة لمجتمعات «آمنة ومأمونة» حيث يمكن للفلسطينيين الدخول والخروج فى أى وقت، مع وجود قيادة محلية فلسطينية تديرها.
وسيكلف هذا المشروع كاهانا 200 مليون دولار للأشهر الستة الأولى، وقد وصف على موقع منظمته وعلى شبكات التواصل الاجتماعى المظهر الذى يمكن أن تتخذه هذه الخدمة الخاصة لسكان غزة، قائلا إن «جهازا أمنيا مدربا جيدا» يمثل اليوم الطريقة الواقعية الوحيدة لإيصال المساعدات إلى القطاع.
وأشار «كهانا» إلى إمكانية التعاقد، فى الجوانب العسكرية، مع شركة مرتزقة بريطانية لم يحدد اسمها، موضحا أن من شأن نظام التعرف على الوجه المعمم أن يسمح للأعضاء المصرح لهم وحدهم بالوصول إلى هذه «الفقاعات» المغلقة مع ضمان عدم تواجد عناصر حماس، موضحا فى تغريدة أن «الإرهابيين سيتلقون رصاصة».