القاهرة (زمان التركية) – أوضحت في المقالين السابقين طريقة اختيار(الرسُول) الدبلوماسي وضرورة أن تتوفر فيه شروط وصفات معينة، ثم اللازم قبل بدء عمله من أن يتم اعتماده من الدولة التي يمثلها، ثم من الدولة التي يمثل فيها دولته. ولكي يتمكن الدبلوماسي من القيام بمهام عمله على الوجه الأكمل وبالشكل المطلوب؛ فلابد من تمتعه بحصانة دبلوماسية، وأن يكون مكان عمله أيضًا محميٌّ بحصانة دبلوماسية.

والأسئلة هنا ما هو أساس هذه الحصانات في الشريعة الإسلامية؟

وما الذي تشمله الحصانة الدبلوماسية في الإسلام؟

وأمثلة ووقائع لمدى احترام حصانات السفير في دولة الإسلام ودولة الحرب؟

وهل هناك حصانة قضائية في الشريعة الإسلامية؟

الحقيقة أن نظام الحصانات التي تُعطى للرسل (السفراء) كان موجودًا قبل الإسلام، وعندما جاء الإسلام اعتمده وأصبح جزء لا يتجزأ من نظامه، بنص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

قال الله في سورة التوبة ( وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه)

وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه البخاري:

( من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)

ويعتبر أساس الحصانات الدبلوماسية في الإسلام، عقد الأمان الذي يعطى للقادمين من خارج الدولة الإسلامية، لأداء مهمة معينة.

كان الرسول بمجرد دخوله حدود الدولة الإسلامية وإعلامه لمن يستقبلة بأنه يحمل رسالة من ملك أو حاكم دولته يُمنح الأمان للرسول (السفير)، وكانت الحماية لشخصه من الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال.

وهناك نماذج كثيرة ومتعددة لحالات أعطى فيها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الأمان لرُسُل جاؤوا يحملون رسائل إليه، ومن ذلك ما رواه أبو داود وابن القيم وأحمد، أن رسولا مسيلمة الكذاب – رجل من بني حنيفة كان يدّعي النبوة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كذبه الله تعالى واشتهر في كتب التاريخ والسيرة بالكذاب- وهما ابن أثال وإبن النواحة اللذان جاءا إلي النبي محمد صلي الله عليه وسلم يحملون رسالة من مسيلمة الكذاب، وسألهم النبي محمد قالا أتشهدان أني رسول الله، فقالا نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( والله. لولا أني غير قاتل لرسول، لقتلتكما).

وأيضا فيما رواه أبو داود وأحمد، أنه بعد صلح الحديبية أرسلت قريش إلى النبي محمد سفيرها أبا رافع، فلما تعرف على الإسلام والمسلمين دخل الإسلام، وقال للرسول محمد صلى الله عليه وسلم لا أرجع إليهم أبقى معكم مسلما، فكان رد النبي محمد حينذاك؛ (إني لا أخيس العهد ولا أحبس البرد، فأرجع إلى قومك آمنا فإن وجدت بعد ذلك في قلبك ما فيه الان فأرجع إلينا).. والمقصود بالبرد هنا أي الرسل. فعاد إلى قومه ثم رجع مرة أخرى وانضم للمسلمين.

أما فيما يتعلق بالحصانة القضائية، فلم يكن الإسلام كما النظام القانوني الآن، يعطى للدبلوماسي حصانة قضائية، وإنما كانوا إذا اقترفوا جرمًا يخضعون للقضاء الإقليمي للدولة الإسلامية، وحجة الشريعة في ذلك أن هؤلاء الرسل منحوا حصانتهم فقط بهدف حمايتهم فيما يتعلق بأدائهم وظيفتهم في نقل الرسائل والتفاوض، ومن ثم لزامًا عليهم البعد عن اقتراف الجرائم وارتكاب الفواحش.

ويوجد رأي في الشريعة الإسلامية يقول بخضوع الرُسُل الذين يرتكبون جرائم لقضاء الدولة الإسلامية ولكن بعد إنقضاء أمانهم.

مراجع المقال :

القرآن الكريم

السنة النبوية

قواعد القانون الدولي الإسلامي- د/عبد الرازق السنهوري

القانون الدولي الإسلامي  والعلاقات الدبلوماسية- محمد حسنان مبارك

محمد التابعي – الدبلوماسية في الإسلام

 

Tags: أمان"السفراءحصانةرسولسفيرهيثم السحماوي

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: أمان السفراء حصانة رسول سفير محمد صلى الله علیه وسلم فی الشریعة الإسلامیة النبی محمد

إقرأ أيضاً:

موعد الإسراء والمعراج 2025.. ولماذا لم تحمل الملائكة النبي بأجنحتها دون البراق؟

تقترب ذكرى الإسراء والمعراج 2025، حيث توافق هذا العام وفق الحسابات الفلكية ليلة 27 رجب ذكرى الإسراء والمعراج بشكل عام، فإن يوم 27 رجب 2025 يوافق يوم الإثنين 27 يناير وتبدأ ليلة 27 رجب من مغرب يوم الأحد 26 وتنتهي فجر الإثنين 27 يناير، فيتساءل الكثيرون عن الحكمة من الإسراء بواسطة البراق وليس أجنحة الملائكة.

الحكمة من الإسراء بواسطة البراق وليس أجنحة الملائكة

وفي بيان ما الحكمة في إسرائه- صلى الله عليه وآله وسلم- على البراق ولم يكن على أجنحة الملائكة؟، قالت دار الإفتاء إن الحكمة في إسرائه- صلى الله عليه وآله وسلم- على البراق ولم يكن الإسراء على جناح الملائكة؛ كما كانت الأنبياء قبله، أو على الريح؛ كما كانت تحمل سيدنا سليمان عليه السلام، أو الخطوة؛ كطيّ الزمان والمكان؛ كما يقع من الأولياء.

وأضافت: وكان على البراق؛ ليطلع صلى الله عليه وآله وسلم على الآيات التي مُثِّلَت له في الطريق، وليتضمن أمرًا عجيبًا، ولا عجب في حمل الملائكة أو الريح أو الخطوة بالنسبة إلى قطع هذه المسافة بخلاف قطعها على دابة صغيرة؛ كالبراق، خصوصًا وقد عَظَّمَتْهُ الملائكة بما هو أعظم من حمله على أجنحتها؛ إذ كان الآخذ بالركاب هو جبريل عليه السلام، والآخذ بالزمام ميكائيل عليه السلام وهما أكبر الملائكة، فاجتمع له صلى الله عليه وآله وسلم حمل البراق، وما هو كحمل البراق من الملائكة، وهذا أتم في الحفاوة وأبلغ في الشرف.

وأوضحت أن: الحكمة في صعوده صلى الله عليه وآله وسلم على المعراج لم يكن العروج على أجنحة الملائكة كغيره من الأنبياء وكان على المعراج؛ لتضمنه أمرًا عجيبًا وهو سقوط مراقيه الواحدة بعد الأخرى ليضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدمه عليها فترتفع به إلى محلّها، فيقطع تلك المسافة في أقرب من طرفة عين، ولقد رافقه في المعراج جبريل عليهما السلام؛ ليستأنس به، وليكون ذلك أتمّ وأبلغ في الحفاوة والشرف.

تعريف الإسراء والمقصود منه

الإسراء في اللغة: من سرى وأسرى لغتان، جاء بهما القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: 1]، وقال: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر: 4]. "فنزل القرآن العزيز باللغتين. وقال أبو عبيد عن أصحابه: سريت بالليل وأسريت، فجاء باللغتين "اهـ والسُّرَى، كالهُدَى: سَيْرُ عامَّةِ اللَّيْلِ، و﴿أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾: تأكيدٌ، أو معناهُ: سَيَّرَهُ. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (14/ 382، ط. دار صادر)، و"القاموس المحيط" للفيروزآبادي (1/ 1294، ط. مؤسسة الرسالة).

والمقصود: هو الإسراء بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس بالشام.

تعريف المعراج والمقصود منه

أما المعراج والمعرج: السلم والمصعد، من عرج عروجًا ومعرجًا: ارتقى، وفي التنزيل: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: 4]؛ أي: تصعد. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (2/ 321-322)، و"القاموس المحيط" للفيروزآبادي (1/ 198).

والمقصود: هو عروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بيت المقدس الذي هو المسجد الأقصى إلى السماوات، إلى سدرة المنتهى، إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام.

تكريم النبي وتشريفه برحلتي الإسراء والمعراج

الإسراء والمعراج رحلتان قدسيتان؛ الأولى من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، والثانية من المسجد الأقصى عروجًا إلى سدرة المنتهى.

ورحلة الإسراء والمعراج من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت اختصاصًا وتكريمًا وتسليةً من الله جل جلاله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وبيانًا لشرفه ومكانته عند ربه، وقد أذن الله جل جلاله لهذه الرحلة أن تكون حتى يُطلع حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم على الآيات الكبرى كما ورد في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].

قال العلامة ابن إسحاق في كتاب "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 396-397، ط. مصطفى الحلبي): [كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى الله عليه وآله وسلم، عن عبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعاويـة بن أبي سفيان، والحسن بن أبي الحسن (البصري)، وابن شهاب الزهري، وقتادة وغيرهم من أهل العلم، وأم هانئ بنت أبي طالب، ما اجتمع في هذا الحديث، كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أسري به صلى الله عليه وآله وسلم، وكان في مسراه، وما ذكر عنه بلاء وتمحيص، وأمر من أمر الله عز وجل في قدرته وسلطانه، فيه عبرة لأولي الألباب، وهدى ورحمة وثبات لمَن آمن وصدق، وكان من أمر الله سبحانه وتعالى على يقين، فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء؛ ليريه من آياته ما أراد، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم، وقدرته التي يصنع بها ما يريد] اهـ.

مقالات مشابهة

  • ماذا يحدث عند الصلاة على النبي في رجب؟.. علي جمعة: 10 عجائب
  • خالد الجندي: من يرغب في مرافقة النبي في الجنة عليه بكثرة السجود
  • حكم المزاح وضوابطه وشروطه في الإسلام
  • هل أخر سيدنا النبي صلاة العشاء؟.. أمين الفتوى يجيب
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • انتبه.. 5 أفعال في الليل حذر منها النبي ويقع فيها كثيرون قبل النوم
  • هل الدعاء على المخالفين يعكس روح الإسلام؟
  • موعد الإسراء والمعراج 2025.. ولماذا لم تحمل الملائكة النبي بأجنحتها دون البراق؟
  • إغلاق العقول
  • رحلة النبي (3): الإسراء والمعراج.. الصلاة هدية السماء ومعراج المؤمن