مداخلة من الاستاذ إسماعيل آدم محمد زين
د. عبدالمنعم عبدالمحمود العربي

الأستاذ آلموقر إسماعيل محمد زين (تخصص علوم - كيمياء) من الأقلام الرافدة على منبر سودانايل بما يفيد من المواضيع بل الاقتراحات والنصائح المتعلقة بالتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية. أقرأ له وقد تداخلنا في بعض المسائل وهذا ما قد ألف بين قلوبنا أصدقاء قلم وإن لم نلتق في هذه الدنيا

بمناسبة آخر مقال أعدته على هذا المنبرعن أهمية الوجود الأجنبي وأنه سلاح ذو حدين وصلتني منه المقالة المرفقة هنا بعنوان "الهجرة إلي السودان- الدواعي ، الأسباب والنتائج" عبارة عن مشاركة " الرأي و الرأي الآخر).

وإن لم نختلف كثيرا فقد وددت نشرها للقارئ الكريم علما أننا نعيش الوجود الأجنبي في أنفسنا كمغتربين أو نازحين مهاجرين فهل إستفادت السلطات السياسية عبر العقود من هذه الخبرات الوطنية في مجال التعاون الدولي والمحلي للإستفادة من إستقطاب الأجانب لكن بعد دراسات علمية دقيقة لكم حاجة السودان لكل فئة وكم عددها وكيفية تنويعها كيلا تكون فقط وافدة من قطر واحد نفسه يعاني الأمرين من الفقر والجهل والصراعات العرقية. هنا الدول الأوربية تحتاج الي العمالة ( لكنها تلتزم بتطبيق قوانين صارمة وضد الهجرة العشوائية) لأن نسبة كبار السن صارت تفوق الشباب والتحذير هنا يقولون من حدوث عدم توفر خصوبة كافية لإنجاب أطفال جدد بحلول العام الخمسين القادم "أي بعد خمسة وعشرين عاما".تطرق المقال المرفق كمثال للهجرة المرجوة لأثر وجود السوريين في المجتمع السوداني. نعم كان ذلك الوجود وأثره جدا واضح خاصة في كثرة وجود صالات عرض الحلويات ومطاعم الشاورما وكلها للأسف من مهددات الصحة ومستقبل المجتمع السوداني وأضرار صحية خطيرة حتما ستنجم بمرور الزمن على الذين يداومون التردد على تلك المطاعم والكافيتريات. كنت أرجو أن أري السوريين يحاضرون في الجامعات ويطورون لنا بعض الأمور في الزراعة ومكننتها وهم عندهم خبرة زراعية كبيرة خاصة في زراعة القطن والقمح والذرة الشامية والفواكه والخضروات بأنواعها المختلفة وتصديرها كما عندهم خبرة في صناعة النسيج والملابس الجاهزة وصناعات أخرى. لكن لا أغمطهم في حقهم الملموس كعمال مهرة في السودان عند كل من جربهم في مجال البناء والديكور والتعامل المحمود كبشر. أيضا أعلم وعن تجربة أن من السوريين من حضر للسودان لسهولة الوصول والإقامة والهدف هو العبور إلئ أروبا أو أمريكا لتحقيق الحلم الكبير، ومنهم من قد فعل. عزيزي القارئ اترك لك فرصة مطالعة أفكار الكاتب الموفر فقد تتفق معه أو تختلف وهذا أعتبره أمرا طبيعيا يثري أفكارنا يحفزنا للبحث دائما عن البدائل الممكنة لتطوير الذات الإنسانية أولا والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية في هذا الوطن الذي يحبه مواطنوه ولكن الشقاق بين الساسة هو سرطان هذا الزمن الذي نعيش مآلاته. نعوذ بالله العظيم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. تقبل الله صيامكم وقيامكم ودعاءكم. كل عام وانتم بخير والسودان يارب بخير بفضلك يا مالك الملك والملوك
عبدالمنعم

الهجرة إلي السودان- الدواعي ، الأسباب والنتائج
إسماعيل آدم محمد زين
20 November, 2015

دعوة حق ؟ أم هنالك أجندة أُخري ؟
(الكتابة بالأهداف)

خبرٌ صغير في صحيفة التيار مررتُ عليه و عند محاولة البحث للعودة إليه تعبتُ في إيجاده ! و لكنه يبقي مهماً - يُقدم المحاضرة خبير بريطاني عن الهجرة إلي السودان لأجهزة الإعلام السودانية! كان ذلك الدافع الأول لكتابة هذا الموضوع، المحاضرة يوم الأحد 22 فبراير و بما أن اليوم الجمعة 18 فبراير آثرتُ أن يكون إستشرافاً للمستقبل القريب حول الرسالة التي يود ذلك الخبير إرسالها لأهل الإعلام ،ليقوموا بدورهم ببثها في أجهزتهم.أما الدافع الثاني فهو تجربة طريقة الكتابة بالأهداف و فرصة ليتعرف عليها الكتاب و الصحفيين و ما يمكن أن تقدمه كمنهج يلجأون إليه عندما تعزب الأفكار – خاصة لكتاب الأعمدة الراتبة.لذلك أستبق الخبير لأوصل رسالتي !
أمرٌ ثالث دفعني للكتابة ،إذ تذكرت مؤلف د. محمد بدين الممتع حول صدي ذكرياته وعثرتُ علي كتاب ألفه د. محمد العوض جلال الدين حول ذات الموضوع و لكنه حول هجرة السودانيين للخارج و من عجائب الأمور فقد هاجر الكاتب و لعله قصد الكويت ! سأعود إليه لاحقاً إنشالله.
هجرة السودانيين للخارج لديها محاسن و سلبيات.أما موضوع المحاضرة بسفارة صاحبة الجلالة بالخرطوم فهي علي النقيض – هجرة لداخل البلاد ! لها أيضاً إيجابيات و سلبيات و في تقديري إيجابياتها أعظم!
موضوع الهجرة للسودان بإعتباره أرضاً قليلة السكان و تنقص حكومته المعارف الضرورية لتطويره و إستغلال موارده مثل السياسات – بما في ذلك السكان أو الموارد البشرية وفقاً للمفاهيم الحديثة.كما أن شعبه مضياف و مرحاب –إضافة لتوقيت المحاضرة حول الهجرة المبتغاة إليه. وتصادف هذه المحاضرة هجرة عظيمة للسوريين إلي أوروبا لا مثيل لها في التاريخ الحديث، مع زعم لدي الغربيين بأن غالب الدول العربية الغنية لم تفتح أبوابها لمهاجر واحد ! وهو ما لا يمكنني تأكيده أو نفيه. و لكن هنا في السودان يتحدث بعض الناس عن رقم بين ال 80 إلي 100 ألف من السوريين ! الذين إستقروا بالبلاد وتم إستيعابهم دونما ضجة ! بينما في ولايات أميركا المتحدات و الغنية يناقش الكونقرس في عجالة موضوع هجرة السوريين و بأرقام قليلة مع إستطلاع تم في بعض الولايات و كان غالب الحكام من الرافضين و كان بعضهم عاقلاً و سخياً.وقد لجأ الرئيس أوباما إلي توبيخ أحد أعضاء الكونقرس الذي وعد بتقديم تشريع يمنع هجرة السوريين! و لأول مرة أسمع أوباما غاضباً و هو يدعو ذلك العضو للخجل مما قاله – خاصة وهو نتاج هجرة مماثلة !
أهداف المقالة:
1- دعوة إلي الاستبصار أو الرؤية
2- تعزيز علوم المستقبل و زيادة الوعي بها.
3- دعوة لنشر طريقة الكتابة بالأهداف لتضحي مع غيرها أحد أدوات و معينات الكتابة الشاملة.وقد يكون من المهم التذكير بأن السودان تم إختياره كأحد مواطن هجرة اليهود مع كينيا و فلسطين- قصة طواها النسيان و لكنها تعود اليوم ليصبح موئلاً للهجرة الجديدة! وهي في تقديري دعوة فيها خير كثير !
ولنبحث في فوائد الهجرة للسودان:
1- إعادة النظر في الكثافة السكانية و في سياسات السكان و الهجرة ،لإستقطاب مزيداً من الخبرات و من الأيدي العاملة.
2- تغطية الفاقد من الهجرة لخارج البلاد.
3- التكن من إستغلال موارد البلاد بأفضل ما يمكن لضان إستدامتها و بشكل إقتصادي مجزٍ.
4- التأكيد علي أن السودان بشكله الحالي نتاج هجرات متواصلة لما تنقطع بعد من جزيرة العرب و من إفريقيا و حتي من أوروبا العجوز- لعل المجراب في جهة دنقلا مثال جيد و من المفارقات نجد اليوم المجر الأكثر عداءً للمهاجرين !
5- إن إختلاط القوميات المختلفات و الأجناس سيترتب عليه ميلاد أجيال جديدة أكثر ذكاءً و جمالاً و تسامحاً و إنسانية! و أنظروا لأوباما و غيره من سياسي أميركا الأذكياء و تجنبوا النظر إلي غيرهم – أمثال بوش أو دونالد ترمب (المرشح الجمهوري للرئاسة في أميركا) والذي يتهمه البعض بأنه يستخدم المهاجرين غير الشرعيين في أعماله الكثيرة ! أو ماري لوبين – زعيمة الحزب اليميني في فرنسا.
من الأجندة التي يود الخبير البريطاني بثها " توطين المهاجرين السوريين أو النظر في إعادة توطينهم في الدول العربية و في السودان علي وجه الخصوص- مع وعد بتقديم دعم مقدر للدول المستقبلة و كذلك للمهاجرين- مثلاً 10000دولار لكل مهاجر و مبلغ مماثل للبلد المستقبل للهجرة! و تغليف هذه الدعوة بتشابه البيئة و الإشتراك في اللغة و الدين و سهولة الإندماج في المجتمع السوداني المتسامح و المتساهل !
نعود إلي موضوع الهجرة للسودان و طريقة الكتابة المختارة والتي أسميتها " الكتابة بالأهداف" حيث نضع المشكلة موضوع النظر كساق في شجرة وريفة – أما الأسباب التي تدعو للهجرة نضعها كجذور لشجرة المشكلات وهي تتلخص في المساحة الكبيرة و الكثافة السكانية الضعيفة و المتخلخلة مع الفشل في تحقيق التنمية و الفشل في الحكم الرشيد و الديكتاتورية و سيادة الفقر و إنعدام الرفاه و سيادة الشقاء .كل هذا لقلة السكان و الكتل الحرجة من العلماء و الباحثين و المفكرين و الفنيين في مختلف ضروب المعرفة و التي بدونها سنظل لأزمان طويلة نصارع في تلك الحلقة الشريرة( سيقدم المحاضر جداول لتعزيز إفتراضاته و مقارنة ببعض الدول)
وجود بيئة غير عنصرية و متسامحة في إستقبال المهاجرين و الضيوف و كذلك في حكمته و إنسانيته التي تمنعه من ردود الفعل القبيحة و التي شاهدنا منها الكثير في ميانمار و فلسطين و الآن في فرنسا و أوروبا و حتي في مستودع الهجرة الأكبر في العالم أميركا-
النتائج المترتبة علي الهجرة للسودان تتمثل كما ذكرتُ آنفاً تعديل كفة الهجرة من الداخل و الإبزعرار خاصة وسط الشباب و ذلك بإستقبال أعداداً كبيرة من أهل سوريا الحبية و غيرها من الدول.
توفير أموال طائلة سننفقها علي الموارد البشرية الغالية – صحة و تعليم و تدريب – لكم هي هائلة و هنالك أبحاث في هذا المجال يمكن الرجوع إليها.و يمكننا إجراء دراسات مماثلة لنعرف كم يكلف الفرد حتي سن العمل ( 24،18 ) – سؤال مهم علينا البحث في الإجابة عليه و من بعد نعمل علي وضع سياسة جيدة للسكان و للهجرة مع معرفة أن المهاجر الذي سيستقر بشكل نهائي سيحتفظ بأمواله و سيستثمرها هنا و ليس مثل الخبير أو العامل الذي يأتي لفترة قصيرة!
تلك هي شجرة المشكلات و عند إعادة النظر إليها لتصبح أهدافاً – نجد بأن المشكلة المحورية قد أضحت هدفاً نسعي لإنجازه و هو الهجرة إلي السودان و الإستقرار فيه، مع وضع خيارات عديدة للهجرة و أنواعها – ربما نحتزي بنظام القرعة الأمريكية لاحقاً –عندما يتم الثراء و يعم الرخاء إنشاء لله.الفوائد لا حصر لها : توفير المال و الوقت .
سنضع سياسات للسكان و الهجرة جيدة تمكننا من إستيعاب أعداداً غفيرة من العمال و الخبرات التي نحتاج إليها في إستغلال مواردنا وفي تحقيق الأمن القومي بتعمير أطراف البلاد- خاصة في الحدود.
سنتمكن في نهاية المطاف في تعويض النقص نتيجة للهجرة المعاكسة و التي نجد لها مبررات و أسباب .مثل إنعدام الحرية و الديمقراطية و الأمل أو الفرص و الأحلام !
وهكذا سنتمكن من تحقيق الإستقرار و من إستغلال مواردنا كافة و إكتساب معارف جديدة تؤدي بدورها لنوع جديد من الإقتصاد – إقتصاد المعرفة و مجتمع المعرفة – نهاية الفقر و الأمراض و تحقيق الرفاه و السعادة للشعب العظيم و ميلاد حلم جديد في بلد جدير شعبه بالأحلام الكبيرة.علينا أن نوفر للقادمين الجدد الأراضي و التسهيلات و الفرص و بعدها سنري عجباً !
ودعوة لأن نعرف أنفسنا كما نصحنا أحد الموظفين البريطانيين خلال الحكم الثنائي " علي السودانيين أن يعرفوا أنفسهم" وصية تجدونها في حكايات كانتيربيري السودانية التي أصدرها مركز عبد الكريم ميرغني بأم درمان ! معرفة تنطلق إلي معارف أُخري في التاريخ و الجغرافيا و في الأجناس البشرية ، في الموارد الطبيعية و في ذكاء الشعب و حكمته! إن معرفتنا لأنفسنا تمكننا من معرفة الآخرين- جار، مهاجر أو سائح و لنرتقي إلي مدارج الكمال الإنساني و لنعلم بأن تاريخنا كله و إرثنا و حضارتنا لا تساوي ثانية في الزمن الكوني الطويل و لندرك بأن المآثر التي سنخلفها هي التي ستبقي !و لنتذكر إقتسام أهل المدينة لثرواتهم مع المهاجرين ! وهذا هو الدين الحقيقي و ليس الدين الذي يسفك دماء الأبرياء.
و يبقي السؤال ؟هل تجدون هذه الطريقة في الكتابة مجدية و مفيدة؟ و السؤال الأهم ! هل ما سيأتي به الخبير البريطاني مشابه لما أشرتُ- أهدافاً و أجندة و رسالة؟

aa76@me.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عبد الرحمن عباس لـ24: الكتابة الجيّدة تُولِّد الدهشة

أكد الكاتب السوداني عبد الرحمن عباس أنَ فوزه بجائزة سرد الذهب فرع القصة القصيرة، يمثل تكريماً رفيعاً، واعترافاً مؤسّسيّاَ فارِقاً، موضحاً أن الفوز هذا له مكانةً خاصّة بنفسه، فهو يُحِبُّ كلّ ما يتعلّق بالحكايات، وكتب المجموعة القصصية الفائزة "الحكاء الأخير في هذا الزمان" للطفل القابع في داخله، والذي يحب الحكايات ويقتات على الخيال.

وكان لـ24 الحوار التالي مع عباس: 

ماذا يمثل لك الفوز بجائزة سرد الذهب، المقدمة من مركز أبو ظبي للغة العربيّة، فرع القصّة القصيرة للأعمال السرديّة المنشورة؟

يسعدني فوز كتابي (الحَكَّاء الأخير في هذا الزمان) بجائزة سرد الذهب- فئة الأعمال القصصيّة المنشورة، الجائزة الكبيرة -رغم حداثتها- في مجال القصّة القصيرة والسرديات، وأعتبِرُ فوزي بها تكريماً رفيعاً، وأجد فيه اعترافاً مؤسّسيّاً فارِقاً، الأمر الذي يجعل لهذا الفوز مكانةً خاصّة عندي هو أنّني أُحِبُّ كلّ ما يتعلّق بالحكايات، وأحبّ لفظ (حكاية)، كتبتُ مجموعتي القصصيّة هذه احتفاءً بالحكايات ورغبةً مني في تخليد السير المحليّة الشعبيّة، تحمّستُ كثيراً عندما قرأتُ عن جائزة سرد الذهب وما تحمله من أهداف، والتي تتقاطع مع شغفي الخاصّ بدمج السرديات الشعبيّة والحكايات مع القصّة القصيرة كفنّ أدبيّ حديث، يشرّفني أن أكون من الفائزين بجائزة سرد الذهب التي تهدف إلى دعم الفن الشعبي في رواية القصص العربية، بجميع أنحاء العالم العربي، والتي تُقدّر التقاليد العريقة في سرد القصص باللغة العربية، بما في ذلك الانتشار الدائم للحكايات الشعبية والأساطير، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من التراث والثقافة والفكر العربي، والتي تسعى  إلى التعريف بهذا التقليد ودعم دراسته والتعبير عنه في الثقافة المعاصرة.
الجدير بالذكر أنّني كتبتُ هذه المجموعة القصصيّة لنفسي في المقام الأوّل، كتبتُها للطفل في داخلي، الذي يحبّ الحكايات ويقتات على الخيال، ويسعدني أن أرى حكاياتها تعبر الحدود وتُقرأ.

نود أن تقدم لنا نبذة عن مجموعتك القصصية (الحكاء الأخير في هذا الزمان) كم قصة اشتملت، وكم استغرقت وقتا في كتابتها؟

تتكوّن المجموعة من 15 قصّة قصيرة، تحتفي بالحكايات، وتعالج قضايا إنسانيّة شتى من خلال الاشتغال على الحكاية، لطالما كانت الحكايّة جزءاً أصيلاً من الفنّ العربيّ، وتناول الحياة من منظور الحكاية وإعادة تشكيلها يجعل القارئ يرغب في القراءة ويعبئ شغفه تجاهها، تتناول المجموعة القصصية ثنائيات الحياة والموت، الحزن والفرح، الجمال والقبح، والقصص الحكائيّة المختلفة لهذه المجموعة القصصيّة تتناول مواضيعاً مختلفة تجمع ما بين الغرائبي والواقعيّ، وتستغل القلق الوجودي أحياناً لسرد حكاية، كما تحكي عن غربة الروح، والموت، والغياب بكلّ معانيه، تستغل المجموعة السرديّات والأساطير الشعبيّة والأحاجي المحليّة وتشتغل عليها، وتمثّل بعض القصص نموذجاً للمعالجة السردية عن طريق الواقعيّة السحرية أو استحضار الغرائبيّ بحسب ما تستلزمه الضرورة الفنيّة،  كما تستند على الموروث الحكائي الشعبيّ أحياناً، وتحاول النبش في بعض الأساطير المحليّة والشعبيّة، ويرتكز السرد في مرّات على الأسطورة مثل تسخير ميثولوجيا التحوّل في القصّ، فضلاً عن اتباع الأَسطرة (صياغة أسطورة من حدث اعتيادي) في بعض من القصص، تُعرِّج أيضاً على الكتابة عن الكتابة، إذ كان أبطال بعض القصص كُتَّاباً، وكانت تلك القصص تحتفي بالكتابة كفعل إنسانيّ لا يتجزأ، ولا ينفصل عن الإنسان، وقد كتبتُ معظم قصصها أثناء عزلة كوفيد- 19، وقد استغرقت كتابتها حوالي سنة.

من أين تستلهم شخصيات قصصك وأبطالها؟

تتنوّع المصادر التي تغذي خيالي وتساهم في تطوير قدراتي الكتابيّة، القراءة الواسعة والمتنوّعة في الأدب الكلاسيكي والحديث، تساعدني على فهم الأنماط والأساليب المختلفة، كما أنّني استلهم الكثير من الطبيعة والتأمل في الجماليات الصغيرة في الحياة اليومية، بالإضافة إلى ذلك، الحوار مع الأصدقاء والمهتمين بالأدب.
وبالنسبة لي فإنّ الكتابة الجيّدة، هي التي تُولِّد الدهشة في نفس القارئ، بغضّ النظر عن شكلها أو الأدوات المستخدمة فيها.
أبطالي هم هواجسي، هم أنا في أُناس كثيرين، وهم الناس الذين ألتقي بهم، تتشابه التجارب الإنسانيّة حدّ التطابق، ويمكن إسقاط القصّة الواحدة على آلاف التجارب الإنسانيّة.

ما سر توجهك لكتابة القصة القصيرة تحديداً وهل تفكر في دخول مجال الكتابة الروائية؟

إنّنا فعلاً في زمن الرواية بعد أن كان للشعر القدح المُعلّى، إذ يشهد فنّ الرواية ازدهاراً ورواجاً كبيراً في عالمنا العربي والعالم ككُلّ، تتجه الأنظار إلى الرواية في هذه الفترة الزمنية، معظم الجوائز تحتفي بالرواية، والسواد الأعظم من القُرَّاء يميل إليها، الواقع يقول إنّ الرواية هي حاضر الأدب، إذاً نحن فعلاً في زمن الرواية، فلماذا تقتصر كتاباتي على القصّة القصيرة فقط؟ سألتُ نفسي أكثر من مرّة، وسألني كثيرٌ من المعارف والأصدقاء، الذين كانوا يؤكّدون أنّ لدي (النَفَس الروائي) وأنّني أمتلك ما يلزم من الأدوات، ولكن لا أعرف سبباً واضحاً لولائي الخالص لفنّ القصّة القصيرة واقتصاري عليها، لكنّني أُعزِّي ذلك إلى الدوافع التي تجعلني أمارس الكتابة، إذ إنّني أكتبُ بروح طفل في العاشرة، وهذا الطفل -ولسببٍ ما- قرّر أنّ القصّة القصيرة هي ساحة لعبه ومضماره، الكتابة لعبة، طرفاها الكاتب والقارئ، ولُعبتي المُفضّلة هي أن أقتنص حدثاً عابراً، قبل أن أسرد بكثافة أحداثاً أصغر، من المعلوم أنّ للقصّة القصيرة قواعدها وأشكالها، وأنّها فنٌّ مستقلّ، له صعوبته الخاصّة، وأجدني استمتع أيما متعة وأنا أضع البداية والنهاية والعُقدة، أعثر على نفسي في ساحة اللعب الضيقة هذه، قبل أعوام قليلة لم أكن أعرف ماذا تعني القصّة القصيرة، قبل أعوام قليلة فقط ما كنتُ أدري كيف يكتب المرء قصّة، لكنّني أعرف جيّداً أنّني كتبتُ قصتي الأولى إثر افتتاني بقصّة قصيرة قرأتُها.
وما بين ضياعٍ وضياع، عثرتُ على القطعة الناقصة. لا أزالُ أذكُرُ كيف رمَتْ بي قصَّة (الضائعان) للقاصَّة إسراء رفعت؛ إلى دنيا القصص والسرد، وكيف كان غسّان كنفاني الإجابةَ لتساؤلٍ بريءٍ لازَمني منذ أول قصة قرأتها: ما معنى الدهشة؟ ما أزالُ أذكر اللحظات التي أعقَبتْ انتهائي من كتابة أول قصَّة لي؛ حينَ حملتُها بين يديّ مثل عصفورٍ ولِيد، وأنا أتأمَّلُها بحُنُو، كانت نحيلةً خاليةً من الريش، عمياء وكسيحة. كانت مُشوّهة، لكنها كانت تشبهني كثيراً، تُشبهني حدّ التطابق، أتذكَّر بوضوح أنَّني أخذتها كما هي وعرضتها على أحدهم، بعد تفكير طويل وتردُّد، كانت الفكرة في حدِّ ذاتها غريبةً عليَّ؛ فكرة أن يقرأ أحدهم شيئاً كتبتُه، واليوم، وبعد أن كتبتُ الكثير من القصص، أشعر بالغرابة ذاتها، لكنّها ممتزجةٌ بأحاسيس متداخلة من التوجُّس والفخر، لا أعرف على وجه الدِّقة ما أشعر به، لكنّني متأكدٌ أنّني سعيدٌ بأنَّ أحداً رأى أنّ ما أكتبه يستحقُّ أن يكون ورقاً على رفوف المكتبات، وأن يُقرَأ، متأكدٌ أنّني أشعر بالراحة، وبأنَّ حلماً ضئيلاً من أحلامي غادر عالمي الصغير وراح يجوب العالم!

ما مشروعك الأدبي القادم؟

مشروعي القصصيّ القادم مجموعةٌ قصصيّة عن الأمراض النفسيّة باختلافاتها، وهي محاولةٌ مني لقول شيء ما، للتعريف بها، وبأسبابها، للتعبير عن ما يعانيه المرضى النفسيين، يعاني كلّ المرضى النفسيين من كل فئة بدرجة متقاربة، وتكمن أعظم معاناتهم في محيطهم وتأثيره عليهم، الكثير من مرضى الاضطرابات النفسية الذين صادفوني عانوا من عدم تفهُّم الأسرة لحالتهم، وصعوبة تقبّل مجتمعاتهم لطبيعة أمراضهم، إذ يعاني المريض النفسي أكثر ما يعاني من صعوبة تقبُّل الناس لعلّته، لذلك يطرح المشروع أسئلة على شاكلة: ما هو الاضطراب النفسي؟ كيف ينظر المجتمع للمريض النفسي وكيف يتعامل معه؟ كيف تتعاطى الأسرة مع الفرد المعتلّ نفسياً؟ وما أثر ذلك عليه؟ وتُسَخِّر المجموعة فن القصّة القصيرة لوضع تعريف للعلّة النفسيّة وإضافة معارف ربما تكون غائبة لدى عامة الناس عن عالم الاضطرابات النفسية، وتغيير مفاهيم مغلوطة وتفسيرات شعبيّة من خلال السرد وبسلاسة ومن غير مُباشرة، المفاهيم مثل أنّ جميع أشكال المرض النفسيّ ضربٌ من الجنون، وامتناع الأسر عرض المريض على الطبيب النفسي خجلاً منها وخوفاً من الوصمة المجتمعية، وإرجاع الكثير من الأعراض النفسية لوساوس الشيطان، وغيرها، وتحاول وصف تفاعلات المضطربين نفسيا مع أسرهم ومجتمعاتهم ومدى تقبّلها ونظرتها للمريض النفسي كفرد منها، ومدى استيعابها لطبيعة الاضطراب النفسية وفهمها لأسبابها وكيفية التعاطي معها.

ما أهم الكتب التي تركت أثراً لا ينسى في ذاكرة عبد الرحمن ولماذا؟

"حكايات بعد النوم"- أحمد الديب، يحدثُ وأنْ يأسركَ كتابٌ وجدتَه أمامك صدفة، أو فيلمٌ مغمورٌ لا يوصي به أحد، هذا بالضبط ما حصل معي، حين وجدتُ نفسي قبل فترة، أمام جمالٍ لا يُقاوم في مخيلة أحمد الديب الخصبة، منذ أول نصٍّ شعرتُ كما لو أنَّ العالم قد تغيَّر، قادتني النصوص إلى مشاهد منسية، حكايةٌ تتلوها حكاية، وما بين واحدةٍ وأخرى لا أملك إلا أن أتعجب: يا إلهي! يا إله الجمال! نصوصٌ يمكنك أن تتذوَّق حلاوتها في لسانك، تجربةٌ من الخيال النقي، ذلكَ الذي يتلاشى مع سنوات الطفولة، إنَّ قصصاً بهذا النقاء وهذه الرحمة لا بُد وأنَّ وراءها قلبٌ مُرهف وروحٌ خفيفة كريشة، هذا العالمُ من البهاء الفائق يجبرك على أنَّ تتوقف عنده، وتتساءل: كيف لهذا الشخص أن يكون بهذه الشاعريَّة!
أحمد الديب يأخُذكَ بتَمَهُّل، يُعيدُكَ إلى سنواتٍ من العذوبة، بعيداً عن ضوضاء هذه الأيام. الأمر أشبه بتنويم، بحلمٍ مفرط البهجة! هذا العالمُ الذي تبغضه، فيه الفراشات، فيه سماءٌ زرقاء ورمادية، وأنهارٌ، بحرٌ وخبايا لا نراها، أحداثٌ صغيرة وتفاصيل دقيقة تستحق أن تُحكى، يريدُ الديب أن يخبرك، "إنها شذراتٌ من أحلام"، هكذا قال عنها محمد المنسي قنديل. ويُقدِّمه محمد المخزنجي على أنَّه عاشقٌ متسامٍ يكافئه إخلاصه برؤية الحقائق البهية الخافية عن مبتذل العيون، في 98 صفحة ربما تجد نفسك، بين القصص الأخَّاذة ولغة الديب الرصينة، السهلة.
أسرتني كذلك مجموعة قصصيّة اسمها (سرير بنت الملك) لشهلا العجيلي، لما فيها من دمجٍ للحكايات مع فنّ القصّة القصيرة في صورة سلسلة ومختلفة.

مقالات مشابهة

  • الهجرة الدولية: أكثر من 15 مليون نازح جرّاء الحرب في السودان
  • برشلونة يُحطم إحصائية تاريخية ويساعد ريال مدريد!
  • وزير الداخلية المكلف يلتقي اعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر ويدعو للحد من الهجرة غير الشرعية
  • دعوة من الكتائب للرئيس المُكلف والعماد عون: لعدم الرضوخ للابتزاز المتمادي الذي يمارسه الثنائي
  • وزير الخارجية يؤكد أهمية تعزيز التعاون البرلماني بين مصر والاتحاد الأوروبي
  • السودان (الجحيم الذي يسمي وطن)!!
  • ترمب يصدر أوامر تنفيذية جديدة ويلغي أخرى خلال عودته للمنصب
  • عبد الرحمن عباس لـ24: الكتابة الجيّدة تُولِّد الدهشة
  • إحصاءات حديثة توضح التطورات.. الرئيس يتصدى لهجرة «العقول المصرية»
  • تعرّف على العوامل السياسية والاقتصادية التي تشجع الإسرائيليين على الهجرة