شهدت العلاقات الدبلوماسيّة المكسيكية الإكوادوريّة – نهاية الأسبوع الماضي- تطوّرات متسارعة في غضون 48 ساعة، انتهت بإعلان الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور، قطع العلاقات مع الإكوادور، وغلق سفارة بلده في العاصمة كيتو وعودة دبلوماسييها إلى المكسيك.

وقد تمّ تصعيد الموقف المكسيكي على إثر اقتحام قوات الأمن الإكوادوري مقرَّ السفارة المكسيكية بالعاصمة كيتو، والاعتداء بالعنف على القائم بالأعمال المؤقت، وهو ما أثار استنكار حكومات الجوار والإدارة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي.

شخصية هادئة

غالبًا ما ارتبطت صورة الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور، في مخيلة الجمهور اللاتيني، بالشخصية البسيطة الهادئة والعفوية، لكن قراره قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإكوادور يوم السبت الماضي، كسر هذا الانطباع وجعل الصحافة العالمية تبحث عن أسباب هذا القرار ووجاهة اتخاذه.

ووفقًا لتسلسل الأحداث، بدأت الأزمة بإعلان حكومة الرئيس الإكوادوري نوبوا مساء الخميس الماضي، اعتبارَ سفيرة المكسيك راكيل سيرور، شخصية غير مرغوب فيها، ودعتها لمغادرة الإكوادور، وذلك على خلفية تصريحات رئيسها أوبرادور صباح اليوم ذاته، بشأن دور توظيف الإعلام للعنف السياسي في تغيير نتائج أي انتخابات، وذكر انتخابات الإكوادور الرئاسية الأخيرة مثالًا على ذلك.

حيث لمّح إلى أنّ الرئيس الإكوادوري الحالي نوبوا، فاز بمنصب الرئاسة عن طريق الحظ، وذلك بفضل اغتيال المرشح الرئاسي فرناندو فيافيسينسيو، في أغسطس/آب الماضي، قبل الانتخابات الرئاسية المؤقتة بتسعة أيام، والذي تسبب حدوثه في بعثرة حظوظ الفوز التي توقعتها استطلاعات الرأي، اعتمادًا على أداء المرشحين.

وهو ما أزعج حكومة الإكوادور، وأعرب بيان خارجيتها مساء ذات اليوم، عن استيائها من تصريحات الرئيس المكسيكي، واعتبرتها إساءة وتدخلًا في الشأن الإكوادوري، وطلبت من السفيرة المكسيكية المغادرة.

شيطنة الخصوم

ويأتي المأزق الدبلوماسي الأخير بين البلدين، بعد شهر من مطالبة الإكوادور الحكومة المكسيكية بدخول السفارة المكسيكيّة في كيتو للقبض على نائب الرئيس السابق خورخي غلاس، الذي لجأ إلى مقرها منذ 17 ديسمبر/ كانون الأول، طالبًا اللجوء السياسي؛ هربًا من حُكمين جديدين بالسجن لتهمة فساد خلال حكومة الرئيس السابق كورّيا، ومحاكمة جارية أخرى يحقق فيها مكتب الادعاء العام.

من جانبه، يعتبر نائب الرئيس غلاس أن تلك الاتهامات تدخل في باب الملاحقة السياسية له، ولجميع رموز تيار الرئيس السابق كورّيا، الذي اتخذته التيارات اليمينية خصمًا لدودًا لها، ووظّفت القضاء لشيطنتهم؛ بهدف منع عودتهم إلى سدّة الحكم، حسب قوله.

لكن وخلال الساعات الأخيرة من يوم الخميس الماضي، ومع مغادرة السفيرة البلاد، كثّفت وزارة الداخلية الإكوادورية حضورها الأمني في محيط السفارة المكسيكية، وتداولت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية المشهد بكثير من الاستغراب.

فما كان من الرئيس المكسيكي، في اليوم الموالي إلّا أن أعرب هو الآخر عن استغرابه، ووصف ذلك الاستعراض الأمني والعسكري، بالأداء "الفاشي"، وأعلن في ذات اليوم عن منح غلاس اللجوء السياسي.

استنكار وتنديد

وقد مثّل ذلك القرار، شرارة التّصعيد من الجانب الإكوادوري، حيث أقدمت قوات الأمن في الساعات الأخيرة من يوم الجمعة، على اقتحام مقر السفارة المكسيكية بالقوة، والاعتداء بالعنف على القائم بالأعمال، وإخراج غلاس من السفارة، واقتياده إلى سجن شديد الحراسة، جنوب البلاد.

ومع تداول وسائل الإعلام الدوليّة بعض مقاطع فيديو الاقتحام والتعنيف، انهمرت ردود الأفعال الدولية، بدءًا بالجانب المكسيكي الذي أعلن قطع العلاقات بين البلدين، ودعا جميع طاقم سفارته لمغادرة الإكوادور، وتلتها تصريحات الاستنكار والتنديد بخرق الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تعتبر ما أقدمت عليه الإكوادور جريمة في حق حُرمة التراب المكسيكي.

وقد شملت تصريحات التنديد، جميع حكومات الأميركتين، دون استثناء، مع بيان مشترك للاتحاد الأوروبي، تبنّاه جميع أعضائه، إضافة إلى تصريحات شخصيات سياسية عالمية، أعربت عن استنكارها الشديد لما حدث.

وقد اختصر الرئيس الإكوادوري السابق كورّيا، الموقف بوصف الرئيس الحالي نوبوا بأنه شخصية نرجسية غير ناضجة لا سياسيًا ولا اجتماعيًا، في إشارة إلى شُهرة الشاب قبل توليه الرئاسة، بوصفه الابن المدلل لـ"إمبراطور الموز"، وأغنى شخصٍ في الإكوادور، ودعاه أغلب المحللين الإكوادوريين إلى الوعي بالفرق بين الأداء في إدارة شركات عائلته، وبين إدارة الدولة.

أما الرأي العام المكسيكي، فقد انشغل بالتركيز على أن أمر اقتحام السفارة المكسيكية، تمّ بأمر من الرئيس نوبوا وعن طريق وزيرة داخليته، مونيكا بالنسيا، مكسيكية الجنسية، إلى حدود تولّيها المنصب منذ خمسة أشهر.

وناقشت أغلب الآراء، تلك المفارقة بكثير من التهكم، مُذكّرين أن بالنسيا، كانت قبل توليها المنصب، محامية شركات الرئيس نوبوا، وبالتالي فإن حجم مكافأتها، يجعلها تنفذ الأوامر، بطاعة عمياء، حتى لو شملت اقتحام سفارة بلدها.

جرأة وجهل

بعض الناقدين رأوا في قرار الاقتحام، جرأة مخلوطة بالجهل بالتبعات القانونية الدولية والمالية والأخلاقية، وذكّروا بأن الإكوادور في 2012، كانت قد أبهرت العالم باحتواء جوليان أسانج رئيس موقع ويكيليكس، في مقر سفارتها بلندن ومنحته جنسيتها لحمايته، متحدّية القضاء الأميركي المتربص به، أيام الرئيس السابق كورّيا.

لكنها عادت لتصدم العالم بسحب الرئيس السابق مورينو للجنسية منه في 2019، والسماح للقوات البريطانية بدخول مقر السفارة الإكوادورية بلندن وتسليمه للقضاء البريطاني؛ تمهيدًا لتسليمه للسلطات الأميركية. لكن لا القوات البريطانية ولا الأميركية، تجرأت على اقتحام السفارة الإكوادورية، دون رخصة، لإخراج شخص بحجم "أسانج"، من مقر السفارة التي لجأ لها.

بغضّ النظر عن الكُلفة العالية للخطوة المندفعة التي اتخذتها حكومة الرئيس الإكوادوري نوبوا، فإن توقيتها يؤكد أن أول المتضررين منها هو الرئيس في حدّ ذاته.

فالشاب الذي "فاز بالصدفة"، ليشغل منصب رئيس مؤقت، كان يعوّل على ترشحه للانتخابات القادمة، متبنّيًا شعارات الاقتصاد المنفتح وفتح أبواب الاستثمار في الإكوادور، رغم عجزه عن تحقيق انفراج بالأزمة الأمنية غير المسبوقة، فهل نفعته تلك الخطوة في تعزيز حظوظه في الفوز القادم، أم أنّها نسفتها؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات السفارة المکسیکیة الرئیس الإکوادوری السفارة المکسیکی الرئیس المکسیکی الرئیس السابق ة المکسیکیة

إقرأ أيضاً:

هيلين تضرب قطاع النفط الأمريكي.. توقف 24% من الإنتاج في خليج المكسيك

أعلنت هيئة السلامة وحماية البيئة الأمريكية، الجمعة، عن توقّف نحو 24 في المئة من إنتاج النفط الخام، و18 في المئة من إنتاج الغاز الطبيعي، في خليج المكسيك بالولايات المتحدة، وذلك بسبب العاصفة هيلين.

وبحسب الهيئة، فإن خسائر إنتاج النفط والغاز الطبيعي قد تراجعت لليوم الثاني على التوالي، بعد أن بلغت ذروتها عند 511 ألف برميل، الأربعاء الماضي. فيما أوضحت أن منتجي الطاقة أوقفوا إنتاج 427 ألف برميل يوميا من النفط ونحو 343 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي من مياه الخليج.

وفي السياق نفسه، قالت الهيئة التنظيمية البحرية إن تسع منصات نفط وغاز تم إخلاؤها اعتبارا من أمس الجمعة، وهو ما يمثل نحو 2.4 في المئة من إجمالي منصات خليج المكسيك.

وفيما بدأت شركات إنتاج النفط والغاز في إيقاف الإنتاج البحري، الثلاثاء، قالت شركة شيفرون، الجمعة، إنها "بدأت إعادة نشر العاملين واستعادة الإنتاج في المنصات التي تديرها الشركة في أعقاب مرور العاصفة".


تجدر الإشارة إلى أن الرياح القوية والأمطار الغزيرة في تالاهاسي بفلوريدا، وشارلوت بكارولاينا الشمالية، قد تسبّبت في حدوث عدد من الفيضانات المفاجئة وسقوط الأشجار بطريقة وصفت بأنها "مرعبة"..  ناهيك عن ارتفاع مستوى مياه البحر إلى ما يناهز الـ4.5 متر، في بعض الأماكن من بينها سواحل فلوريدا.

وعلى الرغم من تراجع سرعة الرياح إلى 55 كيلومترا في الساعة، فإن المركز الوطني الأمريكي للأعاصير قد حذّر في عدد من البيانات، من أن فيضانات "غير مسبوقة وكارثية" مصحوبة بانزلاقات تربة، سوف تتواصل في منطقة حبال الأبالاش إلى حدود مساء الجمعة، بالتوقيت المحلي.

وفي شمال غرب فلوريدا، وصل إعصار هيلين إلى اليابسة، مساء الخميس، وذلك عبر بلوغه الفئة الرابعة على مقياس من خمس درجات، مع رياح تهب بسرعة 225 كيلومترا في الساعة. فيما وصف بكونه أقوى إعصار يضرب هذه المنطقة على الإطلاق.


إلى ذلك، فإنه في حصيلة مؤقتة، نشرتها عدد من البيانات، فإن ما لا يقل عن 14 شخصا قتلوا في كارولاينا الجنوبية و11 في جورجيا وسبعة في فلوريدا وآخر في كارولاينا الشمالية.

مقالات مشابهة

  • الرئيس السنغالي السابق يهيئ الإنتخابات التشريعية من مراكش
  • ارتفاع حصيلة ضحايا الإعصار جون في المكسيك إلى 16 شخصاً على الأقل
  • ارتفاع حصيلة قتلى الإعصار إلى 16 في المكسيك
  • حارس ريال مدريد وراء أزمة مباراة الديربي .. فيديو
  • المكسيك.. 15 قتيلًا وخسائر مادية فادحة بسبب إعصار جون
  • موعد مباراة كلوب أمريكا وبوماس يونام بالدوري المكسيكي
  • بسبب الوضع الأمني في لبنان.. دعوة من واشنطن للموظفين في بعثتها الدبلوماسية
  • واشنطن تدعو موظفين في بعثتها الدبلوماسية في بيروت إلى المغادرة
  • توقف نحو 24% من إنتاج النفط الأميركي في خليج المكسيك
  • هيلين تضرب قطاع النفط الأمريكي.. توقف 24% من الإنتاج في خليج المكسيك