القدس المحتلة- يُحدّث المسن محمد حميدة نفسه بذكريات قريته دير ياسين، غربي القدس، والتي ارتكبت فيها العصابات الصهيونية واحدة من أبشع المجازر عام 1948.

ورغم أن رحلة لجوئه ممتدة منذ 76 عاما إلا أن مشاهد المجزرة ترفض مغادرة مخيلته، بل أشعلت المجازر التي تُرتكب في غزة الآن فتيل آلامه وعمقتها.

في محطة لجوئه الثامنة جنوبي القدس التقته الجزيرة نت وهو يتحسس ثمار الأشجار المثمرة أمام منزله، ويقول إن مذاقها لا يشبه أبدا ثمار أشجار عائلته في قرية دير ياسين المهجرة.

وقعت الجريمة بعد مرور ساعات على تشييع الشهيد عبد القادر الحسيني عقب استشهاده في معركة القسطل في الثامن من أبريل/نيسان، وفي تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل، اقتحمت عصابتا الأرغون وشتيرن الصهيونيتان وقوات من البلماخ والهاغاناه قرية دير ياسين.

قاعة دير ياسين في متحف التراث الإسلامي وتضم مجسما للقرية وأزياء لرجل وزوجته ممن هجّروا منها (الجزيرة) الرحيل المر

كان محمد حميدة يبلغ من العمر حينها 8 سنوات، وبعد إمطار القرية بالقنابل اليدوية وقذائف الهاون ونسف العديد من المنازل والمنشآت، وصلت سيدتان إلى منزل عائلته وطلبتا من أمه تحضير قطع من القماش واللحاق بهما لإسعاف الجرحى الذين تساقطوا في أزقة القرية ومنازلها.

يقول حميدة "تركتني أمي وأشقائي الأربعة في المنزل وكانت تظن أنها ستعود إلينا خلال ساعات بدون أن يتبادر إلى ذهنها أن ما يُنفذ في القرية هو مجزرة لإبادتنا، وفي تمام الواحدة ظهرا عادت إلينا بعد توبيخ عمي لها وأغلقت المنزل الذي أحتفظُ بمفتاحه حتى اليوم، وسرنا باتجاه قرية عين كارم المجاورة".

من عين كارم اتجهت عائلة حميدة الممتدة إلى خربة "بيت فجوس" أو "بيت أم الميس" التي كانت تملك فيها 1200 دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع)، ومن هناك سار أفرادها كبارا وصغارا على الأقدام نحو مركز مدينة القدس عبر قريتي المالحة وبيت صفافا.

يتابع حميدة "استقبلتنا لجنة كانت مهمتها إيواء المهجرين مؤقتا، فعشنا في إحدى مدارس الأقصى 20 يوما، ومن هناك انتقلنا إلى بلدة سلوان المجاورة، واستمر اللجوء والشتات، فحطت رحالنا في قرية المزرعة الشرقية وخربة أبو فلاح قضاء رام الله، ومن هناك إلى مخيم عقبة جبر في أريحا، وفي حرب عام 1967 نزحنا إلى الأردن، وعدنا بعد عام إلى الضفة الغربية مجددا".

مجسم لقرية دير ياسين في المتحف الإسلامي بالقدس (الجزيرة) مشاهد حية

حياة "تِعبة" هكذا يصف حميدة رحلة اللاجئين التي تُوفي قهرا في بدايتها عمّه وشقيقه، ويقول إن النكبة أدخلت الفلسطينيين في حالة من الذهول والصدمة والتشرد وعاشوا خلالها معنويات قاسية جدا.

وبالتالي فإن من ذاق مرارة هذه الرحلة هو أكثر من يشعر بما يمرُّ به الغزيّون الآن. وأعادت مشاهد النازحين والأسرى الحفاة والعراة في القطاع إلى ذاكرته مشاهد حياتهم القاسية بُعيد مجزرة دير ياسين.

وقال إنهم لم يرتدوا الأحذية بعد خروجهم من القرية سوى عام 1953 أي بعد 5 أعوام من اللجوء عندما بدأ والدهم بالعمل في أريحا، مضيفا أن اللاجئين الآن سيحتاجون إلى سنوات طويلة قبل أن يتمكنوا من إعادة بناء أنفسهم.

وكما ترك الغزيّون ممتلكاتهم وبياراتهم وأراضيهم خلفهم، تركت عائلة حميدة كنزا من الذكريات في دير ياسين قبل 76 عاما.

وعن تلك الذكريات قال حميدة إن أشجار اللوز والجوز والزيتون والتين والعنب والخضروات كالطماطم والكوسا والباذنجان كانت تزين أراضيهم، وجادت الأرض على مدار عقود بأشهى الثمار.

من صبرا وشاتيلا، في بيروت عام ١٩٨٢ إلى مستشفى الشفاء، في غزة عام ٢٠٢٤، تتكرر تفاصيل المجزرة المستمرة منذ ٧٦ عاما وأكثر..

دير ياسين، الطنطورة، الدوايمة، اللد، الرملة، الصفصاف، السموع، كفر قاسم، قبية، خان يونس، تل الزعتر، النبطية، الفاكهاني، صبرا وشاتيلا، حمامات الشط، الحرم… pic.twitter.com/bmyTSu1v5w

— The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) April 1, 2024

عودة وذكريات

عاد حميدة مرارا بعد المجزرة إلى الخربة وكان آخر لقاء له معها عام 1978 عندما قدم عمّه وزوجته من الأردن وطلبا منه اصطحابهما إليها.

"جلسنا في ظلال أشجارنا.. قطفنا الميرمية والزعتر الأخضر والجوز، وتناولنا طعام الغداء بجوار العين، وباغتنا حينها من يدّعون أنهم من سلطة حماية الطبيعة وسألوا عن سبب وجودنا فأجبناهم بأن هذه أرضنا، وردوا بأنها كانت لكم والآن هي ملك للحكومة الإسرائيلية".

قبل أن يُطردوا من المكان صمم عمّ محمد حميدة على السباحة في العين لاسترداد ذكريات طفولته، وحملوا خيرات الأرض وغادروا، وبعد شهر عاد محمد ووجد أنهم نسفوا منازل المزارعين الصغيرة في المكان وقطعوا أشجار الجوز.

يسكن في منزل عائلته بقرية دير ياسين الآن طبيب يهودي من أصل روسي، وبعدما نجح بصعوبة في الوصول إلى المنزل قبل نحو عامين طلب من الغريب الذي يسكن منزله أن يدخل ويتجول به لكن الأخير أجابه: هذا المنزل كان لك وأصبح لي.

أبواب المنزل الحديدية ونوافذه الأثرية أُلقيت بجوار المنزل وأُهملت لكن مفتاح المنزل الحديدي ما زال محمد يحافظ عليه بعدما أغلقته أمه "ذيبة" ظهر التاسع من أبريل/نيسان عام 1948، ثم رحلت قهرا بعد سنوات ليس قبل أن توصي وزوجها أبناءها الخمسة بأملاكهم في القرية والخِربة المجاورة لها، كي يعرفوا حقوقهم إذا ما عادوا إلى دير ياسين يوما ما.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات

إقرأ أيضاً:

«الطفولة بناء وأمل».. الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة اليوم 20 ديسمبر 2024

يوم الجمعة.. يستقبل المسلمون يوم الجمعة ببشر وسعادة، إذ أن هذا اليوم هو أفضل أيام الله، وهو عيد المسلمين الأسبوعي، لذا يبحث كثيرون عن نص الخطبة.

موضوع خطبة الجمعة اليوم 20 ديسمبر 2024

وحددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة اليوم 18 من جمادي الآخرة 1446 الموافق 20 ديسمبر 2024، تحت عنوان «الطفولة بناء وأمل»، الذي يهدف إلى توعية جمهور المصلين، بأهمية بناء إنسان مستنير بالعلم، وقادر على تحدى الزمن بالإنجاز.

وأكدت الوزارة، أنه على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.

خطبة الطفولة بناء وأمل

وتشتمل خطبة الجمعة اليوم، أربعة عناصر وهي كالآتي:

- الطفولة أجمل ما في الوجود.

- نواة بناء الإنسان بناء طفولته.

- الطفولة تتوقف عندها الأحكام.

- دعوة لإكرام وجبر خاطر كل طفل.

لتحميل المستند اضغط هنا

نص خطبة الجمعة اليوم لوزارة الأوقاف

وجاء نص خطبة الجمعة اليوم لوزارة الأوقاف، على النحو التالي:

الحَمْدُ للهِ العَزِيزِ الحَمِيد، القَوِيِّ المَجِيد، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، شَهَادَةً مَنْ نَطَقَ بِهَا فَهُوَ سَعِيد، سُبْحَانَهُ هَدَى العُقُولَ بِبَدَائِعِ حِكَمِه، وَوَسِعَ الخَلَائِقَ بِجَلَائِلِ نِعَمِه، أَقَامَ الكَوْنَ بِعَظَمَةِ تَجَلِّيه، وَأَنْزَلَ الهُدَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمُرْسَلِيه، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:

فَإِنَّ الطُّفُولَةَ أَجْمَلُ مَا فِي الوُجُودِ، وَالنَّبْعُ الحَقِيقِيُّ لِلْحُبِّ وَالحَنَانِ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ، الطُّفُولَةُ أَحْلَى مَرَاحِلِ العُمْرِ، وَأَعْظَمُ فَتَرَاتِ الحَيَاةِ أهميةً، وَالأَطْفَالُ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ الوَهَّابِ الَّتِي لا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا}، فَفِي ابْتِسَامَتِهِم البَسَاطَةُ، وَفِي تَعَامُلِهِم البَرَاءَةُ، أَحَادِيثُهُمْ مُشَوِّقَةٌ، وَمَشَاعِرُهُمْ صَافِيَةٌ، أَنْفَاسُهُمْ كَالزَّهْرِ فِي فَجْرِ الرَّبِيع، حَيَاتُهُمْ نَقَاء، وَصَفحَاتُهُم بَيْضَاء.

وَإِذَا كَانَ وَاجِبُ الوَقْتِ هُوَ بِنَاءُ إِنْسَانٍ مُتَسَلِّحٍ بِالعِلْمِ قَادِرٍ عَلَى الإِنْجَازِ وَتذليل التَّحَدِّيات، فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الكِرَامُ أَنَّ نَوَاةَ بِنَاءِ الإِنْسَانِ بِنَاءُ طُفُولَتِهِ، فَبِمِقْدَارِ مَا يَتَشَكَّلُ الإِنْسَانُ فِي طُفُولَتِهِ يَصِيرُ فِي رُجُولَتِهِ، وَحَرِيٌّ بِالمجُتْمَعِ أَنْ يَحْتَشِدَ لِهَذَا البِنَاءِ الشَّرِيفِ، وَحَقِيقٌ بِكُلِّ أَبٍ وَأُمٍّ أَنْ يُسَارِعُوا فِي تَقْدِيمِ كُلِّ أَوْجُهِ الرِّعَايَةِ وَالعِنَايَةِ وَالتَّرْفِيهِ وَالمُتْعَةِ لِلطِّفْلِ، وَأَنْ يُبَادِرُوا إِلَى مِلْءِ فَرَاغِ الطِّفْلِ بِمَا يَجْعَلُهُ سَعِيدًا مُتَفَائِلًا مُقْبِلًا عَلَى الحَيَاة.

أَيُّهَا السَّادَةُ، إِنَّ مِمَّا تَعَلَّمْنَاهُ مِنْ عُلَمَائِنَا الأَجِلَّاءِ أَنَّ الطُّفُولَةَ تَتَوَقَّفُ عِنْدَهَا الأَحْكَامُ، وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَالِ الجَنَابِ المُعَظَّمِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَهَا هُوَ يَنْزِلِ مِنْ مِنْبَرِهِ الشَّرِيفِ، وَيَقْطَعُ خُطْبَتَهُ السَّامِيَةَ، تَلَطُّفًا وَتَحَنُّنًا لِتَعَثُّرِ حَفِيدَيْهِ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا، وَتَصَوَّرْ مَعِي أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ رَاحَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسَكِينَتُهُ وَطُمَأْنِينَتُهُ، كَانَ حَضْرَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُهَا لِأَجْلِ بُكَاءِ طِفْلٍ صَغِيرٍ، فَهَا هُوَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ يُوقِفُ حُكْمَ التَّأَنِّي وَالتَّمَهُّلِ، وَيَتْرَكُهُ إِلَى مَا هُوَ أَحَبُّ مِنْهُ فِي هَذَا المَقَامِ مِنَ التَّحَنُّنِ وَالتَّرَفُّقِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّلَطُّفِ بِالطِّفْلِ، وَإِشْبَاعِ نُهْمَتِهِ فِي المُتْعَةِ وَالتَّرْفِيهِ وَالتَّعْلِيمِ، فِي تَطْبِيقٍ نَبَوِيٍّ فَرِيدٍ وَحَالٍ شَرِيفٍ لِتِلْكَ القَاعِدَةِ القُرْآنِيَّةِ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ}.

أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا يَسْتَحِقُّ أَطْفَالُنَا لُغَةَ الاحْتِرَامِ وَالرُّقِيِّ وَالرَّحْمَةِ المُوَجَّهَةِ مِنَ اللِّسَانِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ وَهُوَ يُوَاسِي طِفْلًا فِي مَوْتِ عُصْفُورِهِ، جَابِرًا خَاطِرَهُ، مُتَرَفِّقًا بِهِ، رَافِعًا الحُزْنَ عَنْ قَلْبِهِ: «يَا أَبَا عُمَيْر، مَا فَعَلَ النُّغَيْر؟» أَلَمْ يَحِنِ الوَقْتُ لِلْجُلُوسِ مَعَ أَبْنَائِنَا لِنَسْتَمِعَ إِلَى تَطَلُّعَاتِهِمْ وَآمَالِهِم، وَنَعِيشَ آلَامَهُمْ، وَنُوَاسِيَهُمْ كَمَا وَاسَتِ الأَحْضَانُ النَّبَوِيَّةُ هَذَا الطِّفْلَ الصَّغِيرَ، وَالطِّفلُ وَفِيٌّ ذَكِيٌّ حَصِيفٌ، يَحْفَظُ الجَمِيلَ، وَيَتَذَكَّرُ كُلَّ لَحْظَةِ طَيِّبَةٍ وَيَدٍ حَانِيَةٍ.

أَيُّهَا الكِرَامُ، أَفْسِحُوا المَجَالَ لِلطِّفْلِ، أَشْبِعُوا مَعْنَوِيَّاتِهِ حَتَّى يَخْرُجَ إِنْسَانًا سَوِيًّا قَوِيًّا مُفَكِّرًا مُبْدِعًا، امْنَحُوا الأَطْفَالَ قُبْلَةَ الحَيَاةِ بِأَنْ تُفِيضُوا عَلَيْهِم جَمِيلَ المَشَاعرِ وَالأَحَاسِيسِ وَجَرْعَاتِ الحُبِّ وَالحَنَانِ. اغِرُسُوا فِي أَطْفَالِكُمْ قِيَمَ استشعار رقابة الله عليه، وَالشَّجَاعَةِ، وَالتَّحَدِّي الَّتِي غَرَسَهَا نَبِيُّنَا الكَرِيمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِي وِجْدَانِ الصَّبِيِّ الأَمِينِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، إذ قال له: «يا غُلامُ، إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ».

إِنَّ القَلْبَ يَعْتَصِرُهُ الأَلَمُ مِنْ حُزْنِ طِفْلٍ وَغُصَّةِ حَلْقِهِ جَرَّاءَ فَقْدِ حَنَانِ أُسْرَتِهِ وَسْطَ مَشَاغِلِ الحَيَاةِ المُتَسَارِعَةِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ أَصْبَحَ حَالُنَا مَعَ أَطْفَالِنَا حَالَ هَذَا الأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَسَا قَلْبُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ، فَتَرَاهُ يَسْتَغْرِبُ تَقْبِيلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحْفَادِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ وَحُنُوَّهُ عَلَيْهِمْ وَاحْتِوَاءَهُ لَهُمْ وَإِفَاضَتَهُ الرِّفْقَ وَالأُنْسَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، حَتَّى اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ هَذَا اللَّوْمَ المُحَمَّدِيَّ «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ».

لتحميل المستند اضغط هنا

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:

فَيَا أَيُّهَا الكِرَامُ، إِنَّ التَّعَامُلَ مَعَ الأَطْفَالِ مِنْ مُنْطَلَقِ الحُبِّ وَاللِّينِ وَإِحْيَاءِ الطُّفُولَةِ مِنْ أَجَلِّ اهْتِمَامَاتِ الأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ وَالحَضَارَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ، فَكَمْ مِنْ طِفْلٍ أَحْيَا اللهُ بِهِ مَجْدَ أُمَّةٍ؟ وَاسْأَلُوا التَّارِيخَ عَنْ تَجْرِبَةِ الطُّفُولَةِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، لِنُدْرِكَ أَنَّ الأَطْفَالَ هُمْ أَمَلُ الوَطَنِ وَمُسْتَقْبَلُ الأُمَّةِ.

فَلْنَبْنِ الإِنْسَانَ بِبِنَاءِ الطُّفُولَةِ المُفَكِّرَةِ المُبْدِعَةِ، القَادِرَةِ عَلَى التَّحَدِّي وَالنُّبُوغِ وَالتَّفَوُّقِ، وَلْنُوقِفْ نَزِيفَ الطُّفُولَةِ وَسْطَ هَذَا الرُّكَامِ مِنَ الأَلْعَابِ الإِلِكْتِرُونِيَّةِ، وَالمَوَاقِعِ المَشْبُوهَةِ، وَالأَفْكَارِ الهَدَّامَةِ، أَلَا تُقَدِّرُ أَيُّهَا النَّبِيلُ حَجْمَ الدَّمَارِ الَّذِي يُعَانِي مِنْهُ طِفْلُكَ جَرَّاءَ الجُلُوسِ بِالسَّاعَاتِ وَبِيَدِهِ جِهَازٌ مَحْمُولٌ، فَيَتَشَتَّتُ عَقْلُهُ، وَيَفْقِدُ مَلَكَاتِهِ، وَتَضِيعُ مَوَاهِبُهُ؟!

أَيُّهَا السَّادَةُ، إِنَّ التَّعَامُلَ السِّيِّئَ مَعَ الأَبْنَاءِ يُؤَدِّي إِلَى تَرْكِ أَثَرٍ قَبِيحٍ دَاخِلَ نُفُوسِهِمْ، وَيَزْرَعُ مَشَاعِرَ غِلٍّ وَكَرَاهِيةٍ قَابِلَةً لِلتَّحَوُّلِ إِلَى مَوْجَةِ غَضَبٍ عَارِمَةٍ، وَلَكَ أَنْ تتَخَيَّلَ مَاذَا يَكُونُ فِي ذَاكِرَةِ شَابٍّ طُرِدَ مِنَ مَسْجِدِ الحَيِّ وَهُوَ صَغِيرٌ، أَوْ مَا انْطَبَعَ فِي قَلْبِ تِلْمِيذٍ لَمْ يَجِدْ مِنْ مُعَلِّمِهِ إِلَّا القَسْوَةَ وَالغِلْظَةَ؟!

أَيُّهَا النَّاسُ، هَذِهِ دَعْوَةٌ لِإِكْرَامِ وَجَبْرِ خَاطِرِ كُلِّ طَفْلٍ، أَحِيطُوا الطِّفْلَ بِكُلِّ صُوَرِ الحُبِّ وَالوُدِّ وَالتَّرْفِيهِ المُفْضِي إِلَى التَّعْلِيمِ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ غَدًا المَرْمُوقَ فِي الأَنْظَارِ، المُبْتَكِرَ المُخْتَرِعَ الشَّاعِرَ الأَدِيبَ الكَبِيرَ.

اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي أَطْفَالِنَا وَشَبَابِنَا وَوَطَنِنَا

موعد صلاة الجمعة اليوم 20 ديسمبر 2024

- موعد صلاة الجمعة اليوم بتوقيت القاهرة: الساعة 11:52 صباحا.

- موعد صلاة الجمعة اليوم بتوقيت الإسكندرية: الساعة 11:58 صباحا.

- موعد صلاة الجمعة اليوم بتوقيت أسوان: الساعة 11:46 صباحا.

- موعد صلاة الجمعة اليوم بتوقيت الإسماعيلية: الساعة 11:48 صباحا.

- موعد صلاة الجمعة اليوم بتوقيت شرم الشيخ: الساعة 11:40 صباحا.

اقرأ أيضاًمواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20 ديسمبر 2024 في المدن والعواصم العربية

حالة الطقس اليوم الجمعة 20 ديسمبر 2024.. تعرف على أماكن سقوط الأمطار

مقالات مشابهة

  • العائلة في سربرنيتسا.. وثيقة حنين لأطلال مدينة يتلاشى سكانها بعد الإبادة
  • محمد فكري: الأهلي لم يطلب عودتي مجددًا.. ودور المعد النفسي أصبح هامًا للغاية
  • موقف محمد عبد المنعم من العودة إلى الأهلي
  • حصاد 2024| تكريم محمود حميدة بالدورة الـ 7 لمهرجان الجونة السينمائي
  • اللاجئون السوريون بين النزوح والعودة: لا قرار بحلّ الأزمة!
  • تامر محسن يكشف تفاصيل مسلسل آسر ياسين ومي عز الدين في رمضان
  • بين عبدالناصر والسيد نصر الله أكثر من وجه شبه وأمل بنصر قريب
  • الأمم المتحدة تطالب الدول الأوروبية بعدم ترحيل اللاجئين السوريين
  • «الطفولة بناء وأمل».. الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة اليوم 20 ديسمبر 2024
  • خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف.. «الطفولة بناء وأمل»