بين دير ياسين وغزّة.. ملامح اللجوء تتشابه وأمل العودة لا يتلاشى
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
القدس المحتلة- يُحدّث المسن محمد حميدة نفسه بذكريات قريته دير ياسين، غربي القدس، والتي ارتكبت فيها العصابات الصهيونية واحدة من أبشع المجازر عام 1948.
ورغم أن رحلة لجوئه ممتدة منذ 76 عاما إلا أن مشاهد المجزرة ترفض مغادرة مخيلته، بل أشعلت المجازر التي تُرتكب في غزة الآن فتيل آلامه وعمقتها.
في محطة لجوئه الثامنة جنوبي القدس التقته الجزيرة نت وهو يتحسس ثمار الأشجار المثمرة أمام منزله، ويقول إن مذاقها لا يشبه أبدا ثمار أشجار عائلته في قرية دير ياسين المهجرة.
وقعت الجريمة بعد مرور ساعات على تشييع الشهيد عبد القادر الحسيني عقب استشهاده في معركة القسطل في الثامن من أبريل/نيسان، وفي تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل، اقتحمت عصابتا الأرغون وشتيرن الصهيونيتان وقوات من البلماخ والهاغاناه قرية دير ياسين.
كان محمد حميدة يبلغ من العمر حينها 8 سنوات، وبعد إمطار القرية بالقنابل اليدوية وقذائف الهاون ونسف العديد من المنازل والمنشآت، وصلت سيدتان إلى منزل عائلته وطلبتا من أمه تحضير قطع من القماش واللحاق بهما لإسعاف الجرحى الذين تساقطوا في أزقة القرية ومنازلها.
يقول حميدة "تركتني أمي وأشقائي الأربعة في المنزل وكانت تظن أنها ستعود إلينا خلال ساعات بدون أن يتبادر إلى ذهنها أن ما يُنفذ في القرية هو مجزرة لإبادتنا، وفي تمام الواحدة ظهرا عادت إلينا بعد توبيخ عمي لها وأغلقت المنزل الذي أحتفظُ بمفتاحه حتى اليوم، وسرنا باتجاه قرية عين كارم المجاورة".
من عين كارم اتجهت عائلة حميدة الممتدة إلى خربة "بيت فجوس" أو "بيت أم الميس" التي كانت تملك فيها 1200 دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع)، ومن هناك سار أفرادها كبارا وصغارا على الأقدام نحو مركز مدينة القدس عبر قريتي المالحة وبيت صفافا.
يتابع حميدة "استقبلتنا لجنة كانت مهمتها إيواء المهجرين مؤقتا، فعشنا في إحدى مدارس الأقصى 20 يوما، ومن هناك انتقلنا إلى بلدة سلوان المجاورة، واستمر اللجوء والشتات، فحطت رحالنا في قرية المزرعة الشرقية وخربة أبو فلاح قضاء رام الله، ومن هناك إلى مخيم عقبة جبر في أريحا، وفي حرب عام 1967 نزحنا إلى الأردن، وعدنا بعد عام إلى الضفة الغربية مجددا".
حياة "تِعبة" هكذا يصف حميدة رحلة اللاجئين التي تُوفي قهرا في بدايتها عمّه وشقيقه، ويقول إن النكبة أدخلت الفلسطينيين في حالة من الذهول والصدمة والتشرد وعاشوا خلالها معنويات قاسية جدا.
وبالتالي فإن من ذاق مرارة هذه الرحلة هو أكثر من يشعر بما يمرُّ به الغزيّون الآن. وأعادت مشاهد النازحين والأسرى الحفاة والعراة في القطاع إلى ذاكرته مشاهد حياتهم القاسية بُعيد مجزرة دير ياسين.
وقال إنهم لم يرتدوا الأحذية بعد خروجهم من القرية سوى عام 1953 أي بعد 5 أعوام من اللجوء عندما بدأ والدهم بالعمل في أريحا، مضيفا أن اللاجئين الآن سيحتاجون إلى سنوات طويلة قبل أن يتمكنوا من إعادة بناء أنفسهم.
وكما ترك الغزيّون ممتلكاتهم وبياراتهم وأراضيهم خلفهم، تركت عائلة حميدة كنزا من الذكريات في دير ياسين قبل 76 عاما.
وعن تلك الذكريات قال حميدة إن أشجار اللوز والجوز والزيتون والتين والعنب والخضروات كالطماطم والكوسا والباذنجان كانت تزين أراضيهم، وجادت الأرض على مدار عقود بأشهى الثمار.
من صبرا وشاتيلا، في بيروت عام ١٩٨٢ إلى مستشفى الشفاء، في غزة عام ٢٠٢٤، تتكرر تفاصيل المجزرة المستمرة منذ ٧٦ عاما وأكثر..
دير ياسين، الطنطورة، الدوايمة، اللد، الرملة، الصفصاف، السموع، كفر قاسم، قبية، خان يونس، تل الزعتر، النبطية، الفاكهاني، صبرا وشاتيلا، حمامات الشط، الحرم… pic.twitter.com/bmyTSu1v5w
— The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) April 1, 2024
عودة وذكرياتعاد حميدة مرارا بعد المجزرة إلى الخربة وكان آخر لقاء له معها عام 1978 عندما قدم عمّه وزوجته من الأردن وطلبا منه اصطحابهما إليها.
"جلسنا في ظلال أشجارنا.. قطفنا الميرمية والزعتر الأخضر والجوز، وتناولنا طعام الغداء بجوار العين، وباغتنا حينها من يدّعون أنهم من سلطة حماية الطبيعة وسألوا عن سبب وجودنا فأجبناهم بأن هذه أرضنا، وردوا بأنها كانت لكم والآن هي ملك للحكومة الإسرائيلية".
قبل أن يُطردوا من المكان صمم عمّ محمد حميدة على السباحة في العين لاسترداد ذكريات طفولته، وحملوا خيرات الأرض وغادروا، وبعد شهر عاد محمد ووجد أنهم نسفوا منازل المزارعين الصغيرة في المكان وقطعوا أشجار الجوز.
يسكن في منزل عائلته بقرية دير ياسين الآن طبيب يهودي من أصل روسي، وبعدما نجح بصعوبة في الوصول إلى المنزل قبل نحو عامين طلب من الغريب الذي يسكن منزله أن يدخل ويتجول به لكن الأخير أجابه: هذا المنزل كان لك وأصبح لي.
أبواب المنزل الحديدية ونوافذه الأثرية أُلقيت بجوار المنزل وأُهملت لكن مفتاح المنزل الحديدي ما زال محمد يحافظ عليه بعدما أغلقته أمه "ذيبة" ظهر التاسع من أبريل/نيسان عام 1948، ثم رحلت قهرا بعد سنوات ليس قبل أن توصي وزوجها أبناءها الخمسة بأملاكهم في القرية والخِربة المجاورة لها، كي يعرفوا حقوقهم إذا ما عادوا إلى دير ياسين يوما ما.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات
إقرأ أيضاً:
بعد تكريمه من رئيس الوزراء.. محافظ الغربية يشكر فريق عمل مبادرة القرية الخضراء
عقب تكريمه من الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، تقديرًا لنجاح محافظة الغربية في تنفيذ “مبادرة القرية الخضراء”، اجتمع اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، والدكتور محمود عيسى نائب المحافظ، بفريق عمل المبادرة، ووجه لهم خالص الشكر والتقدير على جهودهم المتميزة، التي أسهمت في حصول قرية نهطاي، مركز زفتى، على ثاني قرية خضراء على مستوى الجمهورية، وحصولها على “شهادة ترشيد للمجتمعات الريفية الخضراء” من المجلس العالمي للأبنية الخضراء، بحضور اللواء أحمد أنور السكرتير العام لمحافظة الغربية
وأكد المحافظ خلال الاجتماع أن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق إلا بفضل العمل الجماعي والتفاني من قبل فريق المبادرة، مشيدًا بروح الإصرار والتعاون التي أظهرها الجميع لإنجاح المشروع وتحقيق التنمية المستدامة في القرية، وقال: “أنتم سر هذا النجاح.. لقد أثبتم أن العمل بروح الفريق قادر على تحقيق المستحيل، وما حققتموه في نهطاي هو خطوة أولى نحو مزيد من الإنجازات التي تنتظرنا.
وأشاد المحافظ بالدور الكبير الذي قام به كل فرد من فريق المبادرة، مؤكدًا أن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق إلا بفضل الجهود الحثيثة والتخطيط السليم والإصرار على النجاح، وأوضح أن نهطاي لم تصبح قرية خضراء بين عشية وضحاها، بل جاءت النتيجة بعد شهور طويلة من العمل الجاد والالتزام بمعايير التنمية المستدامة، حيث تم تنفيذ مشروعات بيئية متكاملة، بدءًا من ترشيد استهلاك الطاقة، والتوسع في استخدام الطاقة الشمسية، وتحسين منظومة الري الذكي، وإنشاء وحدات البيوجاز لإنتاج الطاقة النظيفة، وصولًا إلى تعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري من خلال إعادة تدوير المخلفات.
وشهدت نهطاي تحولًا كبيرًا في مختلف القطاعات، حيث أصبحت نموذجًا لقرية مستدامة بلا تلوث، بلا بطالة، وبلا إدمان، وذلك بفضل مشروعات متكاملة شملت تحسين البنية التحتية، وتوصيل الغاز الطبيعي لجميع المنازل، وتطوير شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وإنشاء كورنيش حضاري على ترعة العطف ليكون متنفسًا للأهالي. كما تم تنفيذ مشروعات تعليمية وصحية رائدة، منها إنشاء مجمع مدارس يضم 55 فصلًا دراسيًا، وتطوير المدارس القائمة، وإنشاء وحدة طب أسرة مجهزة بأحدث الأجهزة الطبية، فضلًا عن إطلاق قوافل طبية وتوعوية لتعزيز الخدمات الصحية بالقرية.
وأشار المحافظ إلى أن القرية أصبحت “بلا بطالة، بلا إدمان، وبلا تلوث بيئي”، بفضل المشروعات الرائدة التي تم تنفيذها، التي ركزت على تمكين الشباب والمرأة، وتوفير فرص عمل، والارتقاء بجودة الحياة لسكان القرية. كما أثنى على المبادرات المجتمعية التي أسهمت في تحقيق هذا التحول، مثل “قرية بلا إدمان”، و”قرية بلا بطالة”، و”التعليم حياة”، و”معًا من أجل ترع نظيفة”، و”الشجرة الطيبة”، التي عملت جميعها على تعزيز التنمية المجتمعية بجانب المشروعات البيئية.
وأكد اللواء أشرف الجندي أن التنمية في نهطاي لم تقتصر على الجانب البيئي فقط، بل امتدت إلى تحسين كافة الخدمات الأساسية، حيث شهدت القرية طفرة كبيرة في مشروعات البنية التحتية، تمثلت في توصيل الغاز الطبيعي لجميع المنازل، ورفع كفاءة شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وتطوير الطرق الداخلية، وتوسيع شبكات الاتصالات والإنترنت.
كما شهد قطاعا التعليم والصحة تطورًا كبيرًا، حيث تم إنشاء مجمع مدارس جديد يضم 55 فصلًا دراسيًا، وتحديث المدارس القائمة، وإنشاء وحدة طب أسرة حديثة، وإطلاق حملات طبية وقوافل علاجية بالتعاون مع جامعة طنطا ومديرية الصحة.
وشدد المحافظ على أن هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا العمل الجاد والتنسيق المستمر بين جميع الأطراف المعنية، مؤكدًا أن ما تم إنجازه في نهطاي ليس نهاية الطريق، بل بداية لمسيرة طويلة من التنمية والتطوير.
وأضاف المحافظ أن هذا التكريم يمثل حافزًا قويًا لمواصلة الجهد والعمل على توسيع تجربة القرى الخضراء في مختلف أنحاء المحافظة، مؤكدًا أن محافظة الغربية ستظل رائدة في تنفيذ المشروعات التنموية المستدامة، بما يحقق رؤية مصر 2030 للتحول الأخضر وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
وفي ختام الاجتماع، حرص اللواء أشرف الجندي على التقاط صورة تذكارية مع فريق عمل المبادرة، حاملين شهادة الترشيد، تقديرًا لما بذلوه من جهد، ولتوثيق هذا الإنجاز الذي سيظل مصدر فخر لمحافظة الغربية، وأكد أن هذا النجاح هو بداية لمسيرة طويلة من العمل والإنجاز، متعهدًا بمواصلة دعم المبادرات التنموية التي تسهم في تحقيق مستقبل أفضل للقرى المصرية.