هذا ما كان على القبارصة أن يفعلوه
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
ما أن أحسّت قبرص بخطر التدفق غير الشرعي لعدد من النازحين السوريين الآتين من لبنان حتى تحرّكت لإيجاد حل لهذه المعضلة، وكان تحرّكها الطبيعي في اتجاه لبنان، الذي يتحمّل أكثر بكثير ما يمكن أن يتحمله بلد آخر. فإذا كان تسلّل عدد محدود من هؤلاء النازحين إلى الشواطئ القبرصية قد أقلق المسؤولين القبارصة، فماذا يمكن القول بالنسبة إلى لبنان، الذي بات النزوح السوري، وبالأخص النزوح غير الشرعي، يشكّل أهم وأكبر مشكلة محلية من مختلف النواحي، ديموغرافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا، مع ما يتعرّض له لبنان من ضغوطات أوروبية لإبقاء النازحين حيث هم، ومع ما يغدقون عليهم من مساعدات مادية تجعل من اقامتهم في لبنان مريحة نسبيًا، وهي باتت بمثابة إغراءات لحثهم على رفض عودتهم إلى مدنهم وقراهم السورية، حتى ولو أن معظم هذه المدن والقرى قد أصبحت آمنة نسبيًا، أقّله أكثر من بعض المناطق اللبنانية المهدّدة يوميًا باجتياح إسرائيلي وشيك.
لا يُلام القبارصة على تحرّكهم في اتجاه لبنان، وإن كان بعض اللبنانيين يفضّلون لو أن المسؤولين القبارصة، الذين استفزهم هذا التسلل غير الشرعي للأراضي القبرصية، تحرّكوا في الاتجاه الصحيح، أي في اتجاه الاتحاد الأوروبي، وهم جزء منه، والضغط عليه لإيجاد حل جذري لهذه المعضلة، التي لن يقتصر ضررها فقط على لبنان وحده، على رغم كل الجهود التي يقوم بها الجيش لمنع تسلل أكبر قدر من النازحين السوريين في اتجاه قبرص أو اليونان، كمحطات أولية للانتقال منهما إلى دول أوروبية أخرى في مراحل لاحقة.
فالمسؤولون القبارصة، وعلى رأسهم الرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليدس، الذي التقى كلًا من رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي ومجلس النواب نبيه بري، يعرفون أكثر من غيرهم من الدول الأوروبية عمق معاناة لبنان مع وجود ما يوازي ثلث سكانه من النازحين السوريين المتغلغلين في معظم المدن والقرى اللبنانية، والذين باتوا بمثابة قنابل اجتماعية موقوتة لا يعرف أحد مدى خطورتها في حال انفجارها.
وعلى رغم هذه المعاناة، وهي واحدة من سلسلة متكاملة لحلقات متواصلة مما يعانيه اللبنانيون من أزمات لا نهايات لها، نجد بعض الدول الأوروبية يلّوح بمعاقبة لبنان عن طريق وقف كل أشكال الدعم له إذا لم يتّخذ قرارات صارمة بوقف الهجرة غير الشرعية من شواطئه نحو أوروبا، وتحديداً نحو قبرص، بدلًا من مساعدته لإيجاد حل لأزماته المتراكمة، والتي تشكّل أزمة النزوح السوري أكبر هذه الأزمات، باعتبارها أزمة وجودية آخذة بالتفاقم مع زيادة الولادات في صفوف النازحين، حيث يتوقع كثيرون من علماء الأنتروبولوجيا بأن يصبح عدد السوريين في لبنان بعد عشرة أعوام من الآن ثلاثة أضعاف عدد سكان لبنان، الذين سيصبحون أقلية في بلدهم.
فأزمة النزوح السوري في لبنان، ومنه إلى قبرص وإلى غيرها من الدول الغربية، لا تُحلّ بتحميل لبنان وحده هذه المسؤولية، وهو العاجز عن تحمّل تبعات أزمات أقل ثقلًا من أزمة النازحين، بل يجب أن يبدأ الحل من مكانه الصحيح، أي من عواصم الدول الأوروبية، حيث كان يجب على الرئيس القبرصي التوجه إليها، مع العلم أنه مرحب به في لبنان في أي وقت، وذلك نظرًا إلى ما بين لبنان وقبرص من علاقات تاريخية باعتبارهما الجاران الأقرب في شرق البحر الأبيض المتوسط.
فالضغط يجب أن يُمارس على الدول الغربية لتغيّر سياساتها تجاه أزمة النازحين، وليس على لبنان المغلوب على أمره، وهو بالكاد يستطيع ضبط الحدود الشرقية والشمالية لمنع تسلل المزيد من النازحين غير الشرعيين، وبالتوازي القيام بمراقبة مشدّدة على طول الشواطئ اللبنانية للحؤول دون تمكّن النازحين السوريين من التسلل عبر البحر إلى قبرص وإلى اليونان.
هكذا يكون الحل مستدامًا. وهكذا تستطيع الدول الأوروبية معالجة أساس المشكلة وليس الاكتفاء بمعالجة النتائج، مع أن هذه المعالجة تبقى ناقصة ما لم يؤخذ في الاعتبار مصلحة لبنان وأمنه واستقراره قبل أي مصلحة أخرى، وذلك قبل أن تفلت الأمور ويدخل الجميع في نفق مسدود لا خروج منه.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: النازحین السوریین الدول الأوروبیة من النازحین فی اتجاه فی لبنان
إقرأ أيضاً:
مهنتان محرمتان على السوريين انتعشتا بعد سقوط النظام
دمشق– متكئا على سيارته القديمة في مدخل سوق الشعلان وسط العاصمة السورية دمشق، يقف وائل سعد الثلاثيني وهو يصيح بأعلى صوته "صرّاف صرّاف" وقد ألصق لافتة بقربه تعرّف المارّة بمهنته الجديدة.
وبالقرب من وائل، يصطف أيضا بائعو العصير والخضار والفواكه والفروج ينافسونه جميعا بالنداء نفسه مع اصطفاف عدد من السيارات وقد ألصقت عليها لوحة "دولار ويورو" ووضع أصحابها أكواما من النقود السورية فوقها لجذب أنظار الزبائن.
هذا المشهد حديث الساعة في سوريا، فقبل أقل من شهرين كان من يحمل بجيبه مبلغا من المال حتى لو كان 100 دولار أو يورو يمشي خائفا من أن يكتشف أمره من قبل أجهزة أمن النظام، فهذا كان من المحرمات ومن تضبط معه أي عملة نقدية أجنبية يواجه عقوبة سجن قد تصل إلى 7 سنوات وغرامات مادية قاسية.
وائل يدرك أن هذه المهنة ليست دائمة لكنه يستثمرها في الوقت الراهن لسد الاحتياجات المعيشية لأسرته (الجزيرة نت) مهنة طارئةيقول وائل للجزيرة نت "نحاول كسب رزقنا بأي وسيلة كانت خاصة في الأوضاع الراهنة حيث لا توجد مجالات كثيرة متوفرة للعمل".
ويضيف أنه يقوم ببيع وشراء العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو من الناس في الشارع خاصة المغتربين وذلك تسهيلا عليهم، فهو وزملاؤه الجدد في المهنة موجودون في الأسواق ولا يحتاج الأمر بالزبائن للذهاب إلى شركات الصرافة أو البنوك التي في أغلب الأحيان لا تتوفر لديها تلك العملات.
ويشير وائل إلى إدراكه أنها "مهنة طارئة وقد لا تستمر طويلا لكنه يحاول أن يكسب لقمة عيشه ويسد احتياجات عائلته المعيشية"، وفق تعبيره.
إعلانونوّه أنه سابقا كان فقط عناصر الأمن والشبيحة وأعوان النظام المخلوع من يجرؤون على القيام بهذا الأمر وفي الخفاء، ومن يريد أن يبيع أو يشتري دولارات أو يوروهات فإن عليه استخدام أسماء تمويهية وشيفرات مثل البقدونس أو النعناع أو غيرها، أما اليوم فالعملات الأجنبية أصبح سوقها مثل أسواق الخضار والفواكه وحتى أصحاب المحلات في هذه الأسواق باتوا يعملون بهذه المهنة.
بائع الدواجن أصبح يعمل أيضا في مهنة الصرافة في بعض أسواق دمشق (الجزيرة نت) "حتى بالين الياباني"ولا يكتفي أصحاب هذه المهنة الطارئة بالتعامل مع العملات الأجنبية بيعا وشراء فحتى أصحاب المحلات والمطاعم في دمشق باتوا يتعاملون بها؛ فالمغتربون العائدون إلى سوريا كثر ومعظمهم يحمل العملات التي يتعامل بها في بلدان اللجوء أو الاغتراب ولا يوجد منافذ رسمية كثيرة كافية لتلبية احتياجاتهم من العملة المحلية.
يقول مازحا أحمد المصري العامل في أحد مطاعم الوجبات السريعة، قرب ساحة يوسف العظمة وسط دمشق، للجزيرة نت "بتنا نتعامل بكل العملات سواء اليورو أو الدولار أو الليرة التركية وحتى لو بالين الياباني، المهم أن نعمل ونلبي طلبات الزبائن".
محال البقالة في سوريا باتت تبيع البنزين والمازوت في ما يشبه الحلم للسوريين (الجزيرة نت) المحرمة الثانيةوالمهنة الثانية التي كان محرما على السوريين العمل بها هي بيع المحروقات إذ كان الأمر مقتصرا على عناصر الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق رئيس النظام المخلوع وكذلك الشبيحة.
أما اليوم فتنتشر على مختلف الطرقات العامة بسطات كثيرة لبيع المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وغيرها، وهو ما يشبه ما يسميه السوريين حاليا "بأحلام نومة العصر" حيث يرى الشخص في منامه أشياء غريبة لم يكن ليتوقع حدوثها.
إحدى بسطات بيع المحروقات في الطريق المؤدي إلى ساحة الأمويين بدمشق (الجزيرة نت)وبالقرب من فندق "الفور سيزون" الشهير وسط دمشق وعلى الطريق السريع المؤدي إلى ساحة الأمويين، أوقف أحمد الصباغ سيارته على جنب الشارع ليعرض بضاعته من مازوت وبنزين وجرار الغاز ويستقبل زبائنه بالترحيب والابتسامات.
إعلانيقول الصباغ إنه امتهن هذه المهنة منذ أسابيع قليلة إذ بات بعض التجار يحصلون على تلك المواد عن طريق لبنان ويوزعونها عليهم كباعة للمفرّق، وهم بدورهم يقومون بوضع مربح بسيط يلبي احتياجات معيشتهم مع أسرهم وفي الوقت نفسه يلبي احتياجات الزبائن.
ويشير إلى أن السوريين اعتادوا في السنوات الماضية على القلة في كل شيء خاصة المحروقات، فقد كان النظام يوزع عليهم كميات ضئيلة جدا عبر الرسائل وما تسمى بالبطاقات الذكية، أما اليوم فأنت تستطيع أن تشتري الكمية التي تريدها وبأسعار جيدة والأهم دون خوف.
وقبل سقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي عانى السوريون كثيرا من أزمة وقود خانقة وآلية توزيعها عليهم من قبل وزارة النفط؛ فقد كان يتم إرسال رسائل نصية على الجوالات تحدد محطة الوقود التي يجب على أصحاب المركبات التوجه إليها للحصول على كمية ضئيلة كل أسبوع أو أسبوعين، مما يضطرهم للجوء إلى السوق السوداء التي يتحكم بها عناصر النظام وشبيحته.