تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

كُتب على لبنان أنّ يعيش التيه مرتين؛ مره في الحرب الأهلية التي استمرت خمسة عشر عامًا قبل أربعة وثلاثين عامًا من الآن، ومرة أخرى بسبب عمليات الاغتيال السياسي التي طالت أبناءه وكان أخرهم باسكال سليمان ومازالت القائمة قائمة.

نجح اللبنانيون في تجاوز الحرب الأهلية التي أشعلها الحقد والطائفة والدين والارتهان للخارج والتي بدأت شرارتها في العام 1975 حتى انتهت قي العام 1990، اتفق اللبنانيون على كل شيء غير أنهم اختلفوا على شيء واحد وهو الوطن فكانت الحرب.

فمازال البلد الجميل بأهله وأرضة يعيش بوادر حرب أهلية ربما تأكل ما تبقى من الوطن بكثرة عمليات الاغتيال السياسي؛ فهذا النوع من الاغتيال يُعني أن لبنان وصلت إلى مرحلة سكتت فيها الألسنة وما عاد من صوت إلا للرصاص.

يتمتع الشعب اللبناني بحبه للحوار؛ فرغم كثرة الطوائف وتنوعها واختلاف أجندتها إلا أنهم جميعًا يعملون من أجل الوطن؛ صحيح بعضهم لم يتفق على مفهوم الوطن، ولكن بقي هذا الوطن رغم حجم التحديات القاتلة التي تعيشها الأرض الجميلة.

جمال لبنان ليس في جبالها ولكن في أبنائها الذين يتعالون بالجمال الروحي ويتسامون بالخلق ويتمتعون بقدر هائل من التسامح وحب الحياة؛ وهي صفات تفتقدها الكثير من الشعوب، وتُحاول أنّ تشتريها شعوب أخرى غلبت عليها المادة فكره أهلها الحياة.

ولكن مع هذه الصفات تُعيش البلد الجميل أجواء الحرب الأهلية؛ أتمنى أنّ يكون تقديري مبالغ فيه وقي غير محلة، وإنّ كنت أرى أنّ الحروب الأهليّة لا تظهر على السطح إلا عندما يتآكل باطن الوطن، فيصعب إيقافها إلا بعد سنوات من الموت والدمار، ويظل نارها مستعرة وأهلها تغلي صدورهم في مرجل الوطن، حتى يتجاوز أبناءه المأساة وقد يكون ذلك بعد جيل أو جيليين.

قتل باسكال سليمان كما قتل من قبل لقمان سليم والياس الحصروني ورمزي عيراني، والقائمة قائمة والجاني معروف والهدف مرصود منذ أن وقفت الحرب الأهليّة في أول تسعينيات القرن الماضي، وقفت الحرب ومازال أبناء الوطن يُقتلون.

خطورة الاغتيال السياسي الأخير والذي طال، منسق قضاء جبيل في حزب القوات اللبنانية، باسكال سليمان، أنه جاء في طابع جنائي، محاولة جديدة للخديعة، قتل مع اختطاف جثته، قتل في لبنان وجثته في سوريا!

تُرى إنّ كانت هذه دلالات على بارود الحرب الأهلية التي قد تنفجر في أي وقت ومع استمرار الضغوط؟ وكيف يمكن للبنان أنّ يحتوي هذه الحرب؟ يحتويها لكي يقضي عليها لا أنّ يخفيها، وهل قادر حقًا على ذلك؟

نعم لبنان قادر على الحوار والحياة بكل خطورة الموقف وتبعاته التي مازالت قائمة حتى الآن، وقد ينجح في تجاوزها وهو يملك من الحكمة والمقدرة والرجال الذين يمتلكون هذه الروح من كل الأحزاب والطوائف، وهو ما يستلزم حوارًا هادئًا مع ضبط النفس أحيانًا.

ولذلك اللبنانيون مستدعون لهذه المواجهة أو حتى لا تكون المواجهة الأهليّة يومًا ما، لابد أنّ ترعى الحكومة اللبنانية الحالية حوارًا لبنانيًا خالصُا يطلع عليه كل اللبنانيون وأنّ يُشاركوا جميعًا فيه بلا استثناء، وألا يدب اليأس في قلب الحكماء في تكرار المحاولة أو بداية جولة بعد جولة، فاستمرار الحوار غاية في حد ذاته.

الاعتراف بالمرض هي أولى طرق العلاج؛ لابد من توصيف دقيق للحالة يُشبة تشخيص الطبيب، حتى تكون المناقشات حره ومثمرة، لابد أنّ يلتزم الجميع حًسن النوايا، ولابد أنّ تكون هذه هي الروح السائدة؛ فلو حدث وجلس الجميع على طاولة واحدة وإنّ لم يتفقوا على شيء فقد يكون ذلك عاصم لهذه الحرب المتوقعة في أي وقت.

لبنان كل يوم يخسر من أبناءه، ولكن المكسب الوحيد لخسارة أبناءه هو أبناءه، معادلة صعبة ولكنها ممكنه، ولبنان قادر على تجاوزها حتى تظل فيروز تصدح بصوتها في داخل كل عربي أَبى شريف، "يا جبل إللي بعيد خلفك حبايبنا بتموج متل العيد وهمك متعبنا إشتقنا لمواعيد بكينا تعذبنا".

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: باسكال سليمان لبنان الحرب الأهلیة

إقرأ أيضاً:

لبنان بعد الحرب.. هل يقلب القادة الجدد الطاولة على حزب الله؟

مع انتخاب رئيس للبنان وتعيين رئيس للحكومة، كان الفريق الجديد محل ترحيب داخلي وخارجي، باعتباره استراحة من الوضع الراهن، وبداية نهاية «الكابوس الوطني الطويل» الذي يعيشه لبنان.

وفي 13 يناير/كانون الثاني، عُيِّن الأكاديمي والدبلوماسي والحقوقي السابق نواف سلام رئيسًا للوزراء في لبنان، ليحل محل الملياردير الحالي نجيب ميقاتي الذي تولى المنصب ثلاث مرات. وقبلها، اختار البرلمان قائد القوات المسلحة اللبنانية جوزيف عون رئيسًا، ليشغل المنصب الشاغر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ويقول معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تقرير له، إن عون وسلام يمثلان بالفعل انحرافاً عن العمل المعتاد، ومع ذلك فإن التحديات التي تواجه لبنان تظل كبيرة، وسوف يكون الاختبار الحقيقي لكلا الزعيمين هو ترجمة الحماس الحالي إلى إصلاحات عملية ودائمة.

سر التحول

وأشار إلى أنه لم يكن بوسع عون أن يفوز بالمنصب لولا سلسلة النكسات العسكرية التي ألحقتها إسرائيل بحزب الله، والتي تركت الجماعة بلا نفوذ محلي كافٍ لمواصلة احتكار اختيار الرئيس.

ويشكل انتخابه تطوراً إيجابياً نظراً للدعم الشعبي الذي يحظى به في الداخل وتوجهه المؤيد لأمريكا، وهو ما يشكل تناقضاً حاداً مع الولاءات السياسية الإشكالية والشخصية لبعض المرشحين الآخرين.

ومع ذلك، لا يستطيع عون وحده أن يغير قواعد اللعبة؛ ففي لبنان، لا يتولى الرئيس السلطة التنفيذية وله دور محدود (وإن كان لا يزال مهماً) في تشكيل الحكومة وتعيين كبار المسؤولين.

وبحسب معهد واشطن، فإن الاختبار الأكثر أهمية لعون سيكون استعداده للاستفادة من هزيمة حزب الله في ساحة المعركة وفرض احتكار الدولة لحيازة واستخدام الأسلحة العسكرية.

ومنذ انتخابه رئيساً للجمهورية، أصبح عون أكثر ميلاً إلى المبادرة في التعامل مع قضية حزب الله. ففي خطاب تنصيبه، قال إنه سينفذ واجباته قائدا أعلى للقوات المسلحة من خلال «العمل على ضمان حق الدولة في احتكار الأسلحة»، وهو رد قوي على حزب الله والتزام بحكم الأمر الواقع بتنفيذ قراري مجلس الأمن 1701 و1559 (اللذين نصا على نزع سلاح حزب الله في بقية أنحاء لبنان).

كما تعهد بتأمين حدود لبنان، بما يتفق مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين حزب الله وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تعهد عون بشكل لا لبس فيه بالإصلاح على نطاق واسع، ووعد بالدفع نحو استقلال القضاء، وإعطاء الأولوية «للكفاءة على المحسوبية» في التعيينات الإدارية، ومنع الاحتكارات في القطاع الخاص، وتعزيز الشفافية.

ماذا عن سلام؟

وعلى النقيض من عون -الذي ظل اسمه مطروحاً على طاولة الانتخابات الرئاسية لمدة عامين على الأقل- فإن ترشيح نواف سلام لمنصب رئيس الوزراء كان تطوراً حديثاً. فقد عارض العديد من أعضاء البرلمان تولي ميقاتي لفترة ولاية أخرى، وعدوه مرشحاً للوضع الراهن لا يخدم أجندة جديدة تركز على الإصلاح الاقتصادي ونزع سلاح المليشيات.

وكان رجل الأعمال البيروتي فؤاد مخزومي هو المرشح الأوفر حظاً بين هؤلاء المنتقدين، لكنه لم يتمكن من حشد الأصوات السنية الكافية، (وفقاً للتقاليد، يحتفظ لبنان بمنصب رئيس الوزراء للمرشحين السُـنّة).

وتخرج سلام في معهد الدراسات السياسية وكلية الحقوق بجامعة هارفارد، وعمل محاضرًا في جامعة السوربون والجامعة الأمريكية في بيروت، وشغل سابقًا منصب ممثل لبنان لدى الأمم المتحدة (2007-2017).

وبعد مغادرته الأمم المتحدة، اختير سلام عام 2018 لشغل منصب قاض في محكمة العدل الدولية. وفي عام 2024، انتُخب رئيسًا لتلك الهيئة، حيث ترأس الدعوى القضائية المتعددة الجنسيات التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.

 

ويُنظر إلى سلام على نطاق واسع باعتباره ناقدًا هادئًا لجماعة حزب الله ومؤيدًا خاليًا من الفساد للإصلاح. وقد دعم المحكمة الخاصة بلبنان عندما كُلفت بالتحقيق في اغتيال حزب الله لرئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005.

ومن الجدير بالذكر أن كتاباته الواسعة النطاق لصالح الإصلاح تشمل كتابًا صدر عام 2023 بعنوان «لبنان بين الماضي والمستقبل»، الذي ناقش الآثار الضارة للطائفية في «المؤسسات العامة وفي المجتمع ككل»، مدعيًا بشكل صحيح أنها «تجعل لبنان عرضة للغاية للتدخل الأجنبي». كما دعا إلى إصلاح النظام الانتخابي، ومراجعة الدستور، وتنفيذ الأحكام غير المنفذة من اتفاق الطائف لعام 1989.

عقبات أمام الفريق الجديد

ويقول معهد واشنطن، إن فريق عون وسلام قد يكون قادرًا على التعاطي مع الأحداث البارزة التي شهدتها الأشهر الأخيرة -من قطع رأس حزب الله على يد إسرائيل مرورا بالانهيار السريع لنظام الأسد- وإضعاف معسكر الوضع الراهن في بيروت إلى فتح الفرصة لنزع سلاح المليشيات، وعكس الانهيار الاقتصادي الذي فرضته الدولة على نفسها، واستئصال الفساد، وإعادة بناء دولة فعّال.

لكن «من الخطأ أن نتجاهل العقبات الكبيرة التي يواجهونها، بما في ذلك التهديد المستمر (وإن كان متضائلاً) المتمثل في عنف حزب الله والمصالح الراسخة التي لا تزال تسيطر على قدر كبير من النظام السياسي والاقتصادي في لبنان».

وعلى سبيل المثال، كان عون يحتاج إلى أغلبية الثلثين في البرلمان للفوز بالرئاسة، وهي العتبة التي لم يكن بوسعه أن يصل إليها لولا أصوات حزب الله وحركة أمل، أو ما يسمى «الثنائي الشيعي».

ونظراً لهذا الاعتماد، فهل يكون قادراً على تعزيز نزع سلاح المليشيات والإصلاح الاقتصادي، وهي السياسات التي تهدد مصالح هذا الثنائي بشكل مباشر؟ وما هي الوعود، إن وجدت، التي كان عليه أن يقدمها للفوز بأصواتهما؟

وبحسب معهد واشنطن، فإن سلام سيواجه مشكلات مختلفة؛ فهو لم يكن يحتاج سوى إلى أغلبية بسيطة للفوز بمنصبه، وبالتالي سيكون أقل خضوعا لحزب الله في البرلمان.

لكن هذا يفترض أنه قادر على الخروج من عملية تشكيل الحكومة الشاقة بحكومة مستقلة إلى حد كاف، ولم يشغل سلام منصبا إداريا تنفيذيا بهذا الحجم من قبل، ما يعني أن أجندته الإصلاحية ستواجه معارضة شديدة وربما عنيفة في بعض الأوساط، خاصة إذا أيد نزع سلاح المليشيات.

وتوقع معهد واشنطن أن يواجه سلام صعوبات مع الكونغرس الأمريكي وإدارة ترامب القادمة بسبب سجله الطويل من التصويت المناهض لإسرائيل.

توصيات

بحسب المعهد الأمريكي، فإنه مع تضاؤل نفوذ حزب الله وتشكيل فريق جديد ذي توجه إصلاحي، أصبحت بيروت في وضع أفضل للاستفادة من حسن النية المتزايد من جانب المجتمع الدولي وتأمين المساعدة اللازمة لإعادة بناء وتأهيل مؤسسات الدولة المدمرة.

وبوسع واشنطن أن تتخذ عدة خطوات ملموسة لتشجيع روح الإصلاح لدى القيادة الجديدة، فبمجرد توليها السلطة، يتعين على إدارة ترامب أن تقدم مساعدات إضافية متواضعة للقوات المسلحة اللبنانية لمساعدتها على تنفيذ القرار 1701 في جنوب لبنان، وتسليم هذه الأموال على دفعات مشروطة بالأداء.

وفي وقت لاحق، ينبغي أن تتدفق المزيد من الأموال الأمريكية إذا بدأت بيروت في تنفيذ القرار 1559. وفي الوقت نفسه، ينبغي لواشنطن (وفرنسا) أن تواصلا المسار بشأن خطة الإنقاذ الاقتصادي المحتملة، والاستمرار في ربط حزمة صندوق النقد الدولي بتنفيذ بيروت الناجح للإصلاحات الاقتصادية.

ولمساعدة عون وسلام على التغلب على المقاومة السياسية، ينبغي لإدارة ترامب -أيضا- أن تكون مستعدة لمعاقبة الجهات اللبنانية التي تعرقل عملية الإصلاح بسرعة.

وأكد المعهد الأمريكي، أنه على واشنطن -أيضاً- التحلي بالجرأة، والسعي إلى تحقيق عملية «الدعم والتحقق» التدريجية، ومساعدة عون وسلام في تنفيذ أجندتهما الطموحة للتغيير.


مقالات مشابهة

  • لبنان بعد الحرب.. هل يقلب القادة الجدد الطاولة على حزب الله؟
  • ميقاتي استقبل وزير الخارجيّة الاردنيّة.. الصفدي: نُثمن الجهود الكبيرة التي قام بها دولته
  • محمد بن زايد يؤكد دعم الدولة للاختراعات والابتكارات التي تخدم التنمية
  • الرشق: شروطنا التي طرحناها في بداية الحرب انتزعناها كلها وجثى المحتل على الركب
  • منير أديب: الشائعات أداة التنظيمات المتطرفة لتشويه الخصوم.. والوعي سلاح المواجهة
  • برعاية السيد ذي يزن «البخّارة» تحصد جائزة مهرجان المسرح العربي.. وإشادة بالعروض التي «وظفت التكنولوجيات والرقمنة»
  • ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
  • قتل أبناءه لأجل الدعوة| الحشاشون.. كيف أخلص حسن الصباح لدعوته؟
  • الطقس القاسي يضرب تركيا: عواصف، برد، وانهيارات ثلجية وشيكة
  • رسالة دعاة الحرب البلابسة والإسلاميين خاصة … هذه هي الحرب التي تدعون اليها