تقييم الاستجابة الغربية لجريمة استهداف قافلة الإغاثة الدولية
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
في الثاني من أبريل/ نيسان 2024، استهدفت إسرائيل قافلة منظمة "المطبخ المركزي العالمي" في قطاع غزة. وقد أدى هذا الهجوم إلى مقتل سبعة عمال إغاثة يحملون جنسيات غربية: (بولندا، بريطانيا، إسبانيا، أستراليا، الولايات المتحدة، وكندا).
ومع أن استهداف إسرائيل عمالَ الإغاثة والمساعدات الدولية ليس الأول من نوعه، فإنّ هذه الحادثة طرحت تساؤلات جدية حيال حقيقة المواقف الغربية تجاه جرائم الإبادة بحق سكّان قطاع غزة.
لم تكن المواقف الغربية في الإجمال جدية بقدر خطورة هذا الحادث أو حوادث مأساوية أخرى. كما أنها كشفت أنه لا توجد ضغوط حقيقية ضد إسرائيل لمنع أكبر جرائم العصر بحق الإنسانية في غزة، وأكثر ما فعلته الدول الغربية هو تصريحات لا قيمة عملية لها. فإذا كان موقفُ الدول الغربية تجاه الجرائم البشعة بحق السكان المدنيين وأعيانهم المدنية، باهتًا وضعيفًا في الغالب، فلماذا هي الآن كذلك رغم أن الضحايا هم الآن غربيون؟
ما هو المطبخ المركزي العالمي؟المطبخ المركزي العالمي -(World Central Kitchen)- منظمة خيرية مدنية غير ربحية وغير حكومية، مقرها الولايات المتحدة الأميركية. تعمل المنظمة على توزيع الطعام والمساعدات الغذائية للمنكوبين حول العالم. أسسها الطباخ الإسباني الأميركي الشيف خوسي أندريس في عام 2010 بعد زلزال هايتي المدمر برفقة زوجته باتريشيا.
تقوم المنظمة من خلال فريق متخصص بالاستجابة للكوارث، وتقديم المعونات في المناطق التي تتعرض لكوارث طبيعية أو مناطق نزاعات وحروب. في غزة، قامت المنظمة بافتتاح أكثر من 60 مطبخًا مجتمعيًا، وقدمت أكثر من 37 مليون وجبة للمحتاجين.
إذا كان موقفُ الدول الغربية تجاه الجرائم البشعة بحق السكان المدنيين وأعيانهم المدنية في غزة، باهتًا وضعيفًا في الغالب، فلماذا هي الآن كذلك رغم أن الضحايا هم الآن غربيون؟
هل كان القتل عمدًا أم عن طريق الخطأ؟بحسب بيانات وتقارير ذات صلة، فقد أٌفيد عند الساعة 10:43 مساء بتوقيت غزة بتعرض سيارة للقصف الإسرائيلي عند شارع الرشيد في دير البلح، ووقوع ضحايا. وتبين أن القصف استهدف 3 سيارات تابعة لمنظمة المطبخ المركزي العالمي، منها سيارتان مصفحتان، وسيارة ثالثة بدون تصفيح، وأسفر القصف عن مقتل 7 موظفين من فريق الإغاثة، يحملون جنسيات أجنبية متعددة، بمن فيهم السائق الفلسطيني. وبحسب تقارير مصورة، فإن ثمة علامات وشعارات للمنظمة المستهدفة في سقف السيارات والزجاج الأمامي. كما أن المنظمة تنسّق مع جيش الاحتلال بشكل منتظم.
وفي أول تصريح بعد عملية جراحية له قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: إن قوات الجيش الإسرائيلي "بشكل غير متعمد" أصابت أشخاصًا أبرياء في غزة، وإن إسرائيل سوف تفتح تحقيقًا في الأمر.
"غير متعمد": كيف ذلك؟ تنسيق دقيق لإعطاء إحداثيات التحرك والمكوث مرتين على الأقل. المرور بمنطقة منع تصعيد. استهداف إحدى السيارتين مرتين.ومع أن الموقف الإسرائيلي لم يكن مستغربًا، كما هو الحال في سوابق كثيرة، ومع أن مواقف رصينة اعتبرت أن الاستهداف كان متعمدًا مثلما قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز: إن إسرائيل قتلت "عن عمد" موظّفي المطبخ المركزي العالمي، إلا أن المواقف الغربية كانت ضعيفة ومترددة.
خلاصة المواقف الغربية تجاه جريمة استهداف عمال الإغاثة الدوليين:
رغم أن المعطيات تفيد بأن حادثة القتل كانت متعمدة بحكم التحليل الدقيق المستند إلى دلائل وبحكم السوابق التاريخية الكثيرة للاحتلال، فقد اتسمت المواقف الغربية في الغالب بالضعف والهشاشة إزاء حادثة خطيرة استهدفت عمال إغاثة دوليين يقومون بأداء رسالة إنسانية ويتمتعون بالحماية الدولية.
لقد عبرت معظم المواقف الغربية عن الشعور بالحزن والغضب إزاء هذه الحادثة، ودعت إلى عدم الاعتداء على عمال الإغاثة، وضرورة حمايتهم، كما طلبت فتح تحقيق في الحادثة، ودعت إلى ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني.. لم تتخذ أية دولة غربية، بما فيها الدول التي ينتمي لها الضحايا، إجراءات فعلية أو ضغوطًا حقيقية على إسرائيل. من الواضح أنّ الدول الغربية تأمل بأن يتم دفن الضحايا بسرعة حتى تمرّ هذه الحادثة بهدوء.
بعض المواقف الغربية:
استدعت بريطانيا السفير الإسرائيلي بسبب الحادثة. الرئيس الأميركي قال: إن إسرائيل لا تفعل ما يكفي لحماية المدنيين، من دون إغفال حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال عبر منصة "إكس": "أدين الهجوم وأطالب بإجراء تحقيق". رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز "عبر عن غضب أستراليا، وقلقها إزاء قتل عمال الإغاثة". طالبت وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، بإجراء تحقيق كامل في مقتل موظفي الإغاثة في قطاع غزة، ومن بينهم مواطن كندي. قال رئيس الوزراء البولندي، دونالد تاسك: إن الغارة الجوية الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل 7 عمال، بينهم مواطن بولندي، وضعت تضامن وارسو مع تل أبيب أمام اختبار صعب. واستدعت بولندا السفير الإسرائيلي لتوبيخه. كما طالبت بالتعويض. هل ترغب الدول الغربية بفتح تحقيق جدي من طرف هيئة دولية مستقلة؟إن استهداف عمال الإغاثة الدوليين، يأتي في سياق استمرار جرائم وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي الإنساني بشكل منهجي منتظم. وهذه الجريمة على بشاعتها هي جزء صغير جدًا من جرائم مرعبة بحقّ سكان قطاع غزة.
إن استهداف عمال الإغاثة الدوليين يكذّب ادعاء إسرائيل من أنّها تعتبر وكالة الأونروا شريكًا في "الإرهاب الفلسطيني"، وأنها سوف تسمح لمنظمات دولية أخرى بالعمل في قطاع غزة.
إذن لماذا تستهدف هذه المنظمة وبشكل متعمد؟ أليس الهدف هو الإمعان في جريمة التجويع وحرب الإبادة؟ ثم ماذا عن مقتل أكثر من 170 عامل إغاثة أمميًا؟
إن الإجماع الغربي على ضرورة فتح تحقيق في الحادثة، من دون تحديد ماهية التحقيق، ومن هي الجهة التي سوف تفتح التحقيق، أمر يثير تساؤلات عديدة. هل هي إسرائيل المتهمة بالقتل العمد أم جهة مستقلة، ومن هي هذه الجهة؟ ولماذا لم تطلب -مثلًا – الدول الغربية من مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في الحادثة؟
إن الأمر برمته يشير إلى تورط غربي، بشكل مباشر أو غير مباشر، في جرائم الإبادة بحق السكان المدنيين وأعيانهم المدنية، وأن أي تحقيق جدّي وفعال من أي جهة معتبرة في هذه الحادثة، سوف يفتح الباب واسعًا أمام جرائم أشد خطورة من الجريمة المنظورة هذه.
إن الأزمة الأخلاقية التي تعاني منها الدول الغربية تجاه جرائم الإبادة في غزة تتعمق، يومًا بعد يوم، وهي مدعوة اليوم قبل غدٍ لاتخاذ مواقف واضحة وحاسمة وسريعة قبل فوات الأوان. إن قواعد القانون الدولي التي استقرّ عليها العالم بعد الحرب العالمية الثانية تتهاوى الواحدة تلوَ الأخرى.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات المطبخ المرکزی العالمی المواقف الغربیة الدول الغربیة عمال الإغاثة الغربیة تجاه هذه الحادثة قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
خبراء قانونيون: ترامب يهدد العدالة بعقوباته على الجنائية الدولية
يرى خبراء في القانون الدولي أن القرار التنفيذي الذي وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يشكّل "تهديدا خطيرا للنظام القضائي العالمي ولمستقبل المحكمة نفسها".
وأكد خبراء أن تطبيق نموذج العقوبات المخصص "للتنظيمات الإرهابية" على آلية عدالة دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية يتناقض مع المبادئ القانونية، ولا يهدد فقط التحقيق في الجرائم المرتكبة في فلسطين، بل جميع التحقيقات التي تجريها المحكمة، من أوكرانيا إلى السودان.
وذكر تريستينو مارينييلو، أستاذ القانون في جامعة ليفربول جون مورس والمحامي المدافع عن الضحايا الفلسطينيين أمام الجنائية الدولية، أن القرارات التنفيذية الأميركية تُستخدم عادة ضد الأفراد المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو تجار المخدرات الدوليين.
وقال إن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يمثل تناقضا واضحا، فالمحكمة تُعنى بمكافحة الجرائم الأكثر فظاعة وتوفير العدالة للضحايا، وليس لديها أي بديل آخر، ورغم ذلك، فإنها تتعرض لعقوبات.
وحذر مارينييلو من أن القرار الأميركي يشمل نطاقا واسعا، حيث لا يقتصر على موظفي المحكمة فقط، بل يستهدف أيضا أي شخص يقدم دعما للمحكمة.
إعلانوأوضح أن العقوبات "قد تشمل أي دعم مالي، مادي، أو تقني للمحكمة، وهذا يعني أن أي شركة تقدم برمجيات أو أنظمة تقنية للمحكمة يمكن أن تكون عرضة للعقوبات، وهو ما قد يؤثر بشدة على سير عمل المحكمة، ويجعل التحقيقات أكثر صعوبة بالنظر إلى أهمية الدعم التكنولوجي".
وانتقد مارينييلو ضعف رد الفعل الدولي من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، مشيرا إلى ضرورة اتخاذ موقف أقوى من جمعية الدول الأطراف، التي تضم 125 بلدا صادقت على نظام روما الأساسي.
وقال ينبغي على الجمعية إصدار إدانة قوية لهذا القرار، لكن يجب أن تترجم هذه الإدانة إلى إجراءات ملموسة على الأرض.
وعن البيان المشترك الذي وقعته 79 دولة لدعم المحكمة الجنائية الدولية، قال مارينييلو "إنها بداية جيدة، لكنها ليست كافية، فمن المستغرب أن 79 دولة فقط من أصل 125 قد وقّعت على البيان، فحتى مع كون البيان دبلوماسيا جدا، لم توقع عليه بعض الدول التي صادقت على نظام روما الأساسي، وهذا أمر مقلق".
وقال إن الاتحاد الأوروبي "يمتلك آلية للحماية من العقوبات، والتي يمكن أن تحد من تأثير أي عقوبات تُفرض على الأفراد أو المؤسسات داخل نطاق اختصاص الاتحاد".
كما شدد على أن الجنائية الدولية يجب ألا تستسلم للضغوط، قائلا: إذا خضعت المحكمة لهذه الضغوط، فستفقد مشروعيتها ومصداقيتها، وستتحول إلى كيان غير قادر على تحقيق العدالة.
وأكد مارينييلو أن على مكتب الادعاء في الجنائية الدولية توسيع نطاق تحقيقاته، مشيرا إلى وجود جرائم دولية موثقة على نطاق واسع لم يتم تضمينها في أوامر الاعتقال الصادرة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.
وقال "هناك العديد من الجرائم التي لم يشملها التحقيق، وعلى رأسها الإبادة الجماعية، والتهجير القسري بغزة، وأوضاع المعتقلين الفلسطينيين، والجرائم المرتكبة في الضفة الغربية قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول. من الضروري وضع حد للرواية الخاطئة التي تزعم أن كل شيء بدأ منذ ذلك التاريخ".
إعلانكما شدد على ضرورة ألا تظل المحكمة في موقف دفاعي، وقال: يجب على المحكمة أن تبدأ فورا تحقيقا استنادا إلى المادة 70 من نظام روما الأساسي، إذ إن ما يحدث هو محاولة واضحة لردع موظفي المحكمة عن أداء واجبهم القانوني.
وزاد: من المتوقع أن يعلن مكتب الادعاء عن فتح تحقيق بحق المسؤولين الأميركيين الذين وقّعوا على قرار العقوبات، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب.
كما لفت مارينييلو إلى أن الإجراءات التي ينبغي على المحكمة اتخاذها يمكن تلخيصها في 3 نقاط، وهي دعوة الدول الأعضاء إلى التدخل، ومواصلة التحقيقات في فلسطين وأفغانستان بشكل مستقل ودون خضوع للضغوط، وفتح تحقيق فوري ضد المسؤولين الذين هددوا المحكمة، وفي مقدمتهم الرئيس ترامب.
ترامب والعدالة
وترى هايدي ماثيوز، أستاذة القانون في كلية أوسغود هول بجامعة يورك، أن الجنائية الدولية لديها خيارات قانونية لمحاسبة ترامب. وقالت يمكن للمدعي العام أن يتهم ترامب بارتكاب جريمة ضد العدالة استنادا إلى المادة 70 من نظام روما الأساسي، والتي تنص على إمكانية معاقبة أي شخص يتدخل بشكل غير قانوني في عمل المحكمة.
وأوضحت ماثيوز أن ترامب قد يصبح متهما رسميا في المحكمة إذا تبنى المدعي العام كريم خان هذا النهج، وتابعت أنه في حال إصدار مذكرة اعتقال بحقه، فإن سفر ترامب إلى أي دولة عضو في المحكمة قد يؤدي إلى توقيفه وتسليمه، ويمكن أن تتراوح العقوبات بين الغرامات المالية والسجن أو كليهما.
كما لفتت إلى أن الدول الأعضاء في الجنائية الدولية لديها التزامات قانونية تجاه المحكمة، وقالت: يجب على الدول الأعضاء إدراج الجرائم المنصوص عليها في المادة 70 ضمن قوانينها الجنائية الوطنية.
وترى أن عقوبات ترامب قد تُعد انتهاكا للقانون الدولي، ما يتيح للدول الأعضاء اتخاذ إجراءات فردية أو جماعية لإجبار الولايات المتحدة على الامتثال لقوانين المحكمة، وقد يشمل ذلك فرض عقوبات مضادة أو تعليق التزامات معينة ضمن الاتفاقيات المبرمة مع واشنطن.
إعلانإضافة إلى ما سبق، حذرت ماثيوز من أن العقوبات الحالية تعتبر أكثر شمولا من تلك التي فُرضت خلال ولاية ترامب الأولى، مشيرة إلى أن هذه التدابير تهدد عمل المحكمة بشكل خطير.
وقالت "العقوبات الجديدة تشمل كل من يتعاون مع المحكمة، وليس فقط التحقيقات الدائرة حول فلسطين. كما قد تؤدي إلى إغلاق مكاتب المحكمة، وتعريض سرية المعلومات الحساسة للخطر، مما قد يشكّل تهديدا خطيرا للأشخاص الذين يعملون مع المحكمة".
وأكدت ماثيوز أن هذه العقوبات تقوض قدرة المحكمة على إجراء مختلف التحقيقات التي تطلع بها، وليس فقط التحقيقات المتعلقة بفلسطين، ودعت الدول الأعضاء إلى اتخاذ إجراءات قوية لحماية استقلال المحكمة، وضمان استمراريتها في تحقيق العدالة الدولية.