في الثاني من أبريل/ نيسان 2024، استهدفت إسرائيل قافلة منظمة "المطبخ المركزي العالمي" في قطاع غزة. وقد أدى هذا الهجوم إلى مقتل سبعة عمال إغاثة يحملون جنسيات غربية: (بولندا، بريطانيا، إسبانيا، أستراليا، الولايات المتحدة، وكندا).

ومع أن استهداف إسرائيل عمالَ الإغاثة والمساعدات الدولية ليس الأول من نوعه، فإنّ هذه الحادثة طرحت تساؤلات جدية حيال حقيقة المواقف الغربية تجاه جرائم الإبادة بحق سكّان قطاع غزة.

لم تكن المواقف الغربية في الإجمال جدية بقدر خطورة هذا الحادث أو حوادث مأساوية أخرى. كما أنها كشفت أنه لا توجد ضغوط حقيقية ضد إسرائيل لمنع أكبر جرائم العصر بحق الإنسانية في غزة، وأكثر ما فعلته الدول الغربية هو تصريحات لا قيمة عملية لها. فإذا كان موقفُ الدول الغربية تجاه الجرائم البشعة بحق السكان المدنيين وأعيانهم المدنية، باهتًا وضعيفًا في الغالب، فلماذا هي الآن كذلك رغم أن الضحايا هم الآن غربيون؟

ما هو المطبخ المركزي العالمي؟

المطبخ المركزي العالمي -(World Central Kitchen)- منظمة خيرية مدنية غير ربحية وغير حكومية، مقرها الولايات المتحدة الأميركية. تعمل المنظمة على توزيع الطعام والمساعدات الغذائية للمنكوبين حول العالم. أسسها الطباخ الإسباني الأميركي الشيف خوسي أندريس في عام 2010 بعد زلزال هايتي المدمر برفقة زوجته باتريشيا.

تقوم المنظمة من خلال فريق متخصص بالاستجابة للكوارث، وتقديم المعونات في المناطق التي تتعرض لكوارث طبيعية أو مناطق نزاعات وحروب.  في غزة، قامت المنظمة بافتتاح أكثر من 60 مطبخًا مجتمعيًا، وقدمت أكثر من 37 مليون وجبة للمحتاجين.

إذا كان موقفُ الدول الغربية تجاه الجرائم البشعة بحق السكان المدنيين وأعيانهم المدنية في غزة، باهتًا وضعيفًا في الغالب، فلماذا هي الآن كذلك رغم أن الضحايا هم الآن غربيون؟

هل كان القتل عمدًا أم عن طريق الخطأ؟

بحسب بيانات وتقارير ذات صلة، فقد أٌفيد عند الساعة 10:43 مساء بتوقيت غزة بتعرض سيارة للقصف الإسرائيلي عند شارع الرشيد في دير البلح، ووقوع ضحايا. وتبين أن القصف استهدف 3 سيارات تابعة لمنظمة المطبخ المركزي العالمي، منها سيارتان مصفحتان، وسيارة ثالثة بدون تصفيح، وأسفر القصف عن مقتل 7 موظفين من فريق الإغاثة، يحملون جنسيات أجنبية متعددة، بمن فيهم السائق الفلسطيني. وبحسب تقارير مصورة، فإن ثمة علامات وشعارات للمنظمة المستهدفة في سقف السيارات والزجاج الأمامي. كما أن المنظمة تنسّق مع جيش الاحتلال بشكل منتظم.

وفي أول تصريح بعد عملية جراحية له قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: إن قوات الجيش الإسرائيلي "بشكل غير متعمد" أصابت أشخاصًا أبرياء في غزة، وإن إسرائيل سوف تفتح تحقيقًا في الأمر.

"غير متعمد": كيف ذلك؟ تنسيق دقيق لإعطاء إحداثيات التحرك والمكوث مرتين على الأقل. المرور بمنطقة منع تصعيد. استهداف إحدى السيارتين مرتين.

ومع أن الموقف الإسرائيلي لم يكن مستغربًا، كما هو الحال في سوابق كثيرة، ومع أن مواقف رصينة اعتبرت أن الاستهداف كان متعمدًا مثلما قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز: إن إسرائيل قتلت "عن عمد" موظّفي المطبخ المركزي العالمي، إلا أن المواقف الغربية كانت ضعيفة ومترددة.

خلاصة المواقف الغربية تجاه جريمة استهداف عمال الإغاثة الدوليين:

رغم أن المعطيات تفيد بأن حادثة القتل كانت متعمدة بحكم التحليل الدقيق المستند إلى دلائل وبحكم السوابق التاريخية الكثيرة للاحتلال، فقد اتسمت المواقف الغربية في الغالب بالضعف والهشاشة إزاء حادثة خطيرة استهدفت عمال إغاثة دوليين يقومون بأداء رسالة إنسانية ويتمتعون بالحماية الدولية.

لقد عبرت معظم المواقف الغربية عن الشعور بالحزن والغضب إزاء هذه الحادثة، ودعت إلى عدم الاعتداء على عمال الإغاثة، وضرورة حمايتهم، كما طلبت فتح تحقيق في الحادثة، ودعت إلى ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني.. لم تتخذ أية دولة غربية، بما فيها الدول التي ينتمي لها الضحايا، إجراءات فعلية أو ضغوطًا حقيقية على إسرائيل. من الواضح أنّ الدول الغربية تأمل بأن يتم دفن الضحايا بسرعة حتى تمرّ هذه الحادثة بهدوء.

بعض المواقف الغربية:

استدعت بريطانيا السفير الإسرائيلي بسبب الحادثة. الرئيس الأميركي قال: إن إسرائيل لا تفعل ما يكفي لحماية المدنيين، من دون إغفال حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال عبر منصة "إكس": "أدين الهجوم وأطالب بإجراء تحقيق". رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز "عبر عن غضب أستراليا، وقلقها إزاء قتل عمال الإغاثة". طالبت وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، بإجراء تحقيق كامل في مقتل موظفي الإغاثة في قطاع غزة، ومن بينهم مواطن كندي. قال رئيس الوزراء البولندي، دونالد تاسك: إن الغارة الجوية الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل 7 عمال، بينهم مواطن بولندي، وضعت تضامن وارسو مع تل أبيب أمام اختبار صعب. واستدعت بولندا السفير الإسرائيلي لتوبيخه. كما طالبت بالتعويض. هل ترغب الدول الغربية بفتح تحقيق جدي من طرف هيئة دولية مستقلة؟

إن استهداف عمال الإغاثة الدوليين، يأتي في سياق استمرار جرائم وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي الإنساني بشكل منهجي منتظم. وهذه الجريمة على بشاعتها هي جزء صغير جدًا من جرائم مرعبة بحقّ سكان قطاع غزة.

إن استهداف عمال الإغاثة الدوليين يكذّب ادعاء إسرائيل من أنّها تعتبر وكالة الأونروا شريكًا في "الإرهاب الفلسطيني"، وأنها سوف تسمح لمنظمات دولية أخرى بالعمل في قطاع غزة.

إذن لماذا تستهدف هذه المنظمة وبشكل متعمد؟ أليس الهدف هو الإمعان في جريمة التجويع وحرب الإبادة؟ ثم ماذا عن مقتل أكثر من 170 عامل إغاثة أمميًا؟

إن الإجماع الغربي على ضرورة فتح تحقيق في الحادثة، من دون تحديد ماهية التحقيق، ومن هي الجهة التي سوف تفتح التحقيق، أمر يثير تساؤلات عديدة. هل هي إسرائيل المتهمة بالقتل العمد أم جهة مستقلة، ومن هي هذه الجهة؟  ولماذا لم تطلب -مثلًا – الدول الغربية من مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في الحادثة؟

إن الأمر برمته يشير إلى تورط غربي، بشكل مباشر أو غير مباشر، في جرائم الإبادة بحق السكان المدنيين وأعيانهم المدنية، وأن أي تحقيق جدّي وفعال من أي جهة معتبرة في هذه الحادثة، سوف يفتح الباب واسعًا أمام جرائم أشد خطورة من الجريمة المنظورة هذه.

إن الأزمة الأخلاقية التي تعاني منها الدول الغربية تجاه جرائم الإبادة في غزة تتعمق، يومًا بعد يوم، وهي مدعوة اليوم قبل غدٍ لاتخاذ مواقف واضحة وحاسمة وسريعة قبل فوات الأوان. إن قواعد القانون الدولي التي استقرّ عليها العالم بعد الحرب العالمية الثانية تتهاوى الواحدة تلوَ الأخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات المطبخ المرکزی العالمی المواقف الغربیة الدول الغربیة عمال الإغاثة الغربیة تجاه هذه الحادثة قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

عمال في مطار تركي يرفضون تزويد طائرة إسرائيلية بالوقود بعد هبوطها اضطراريا

أعلنت شركة الطيران الوطنية الإسرائيلية "العال"، الأحد، أنه لم يُسمح لإحدى طائراتها التي كانت متجهة من وارسو إلى تل أبيب بالتزود بالوقود في مطار أنطاليا التركي، بعد قيامها بهبوط اضطراري هناك لإجلاء راكب لأسباب طبية. 

وقالت شركة "العال" في بيان، إن العمال الأتراك في مطار أنطاليا "رفضوا تزويد الرحلة LY5102 بالوقود قبل إقلاعها إلى إسرائيل". 

وأضافت أن "العمال المحليين رفضوا تزويد طائرة الشركة بالوقود رغم أن الحالة كانت طبية"، مضيفة أنه تم إجلاء راكب لتقديم العلاج له.

وتابعت الشركة أن الطائرة أقلعت بعد ذلك إلى رودس في اليونان، حيث "تتزود بالوقود قبل توجهها إلى إسرائيل"، حسب وكالة فرانس برس.

وتدهورت العلاقات بين تركيا وإسرائيل منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر، وتم إلغاء جميع الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين منذ ذلك الحين. 

من جانبها، أكدت مصادر دبلوماسية تركية، أنه تم السماح للطائرة بالهبوط اضطراريا، إثر تعرض أحد ركابها لوعكة صحية.

قرار من "العال" الإسرائيلية بشأن تحليق طائراتها فوق السعودية وعمان قررت شركة طيران العال الإسرائيلية وقف استخدام المجال الجوي السعودي والعماني لرحلاتها إلى جنوب شرق آسيا، بحسب ما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن وسائل إعلام عبرية، الاثنين. 

وقال مصدر دبلوماسي تركي: "كان من المقرر تزويد الطائرة بالوقود لاعتبارات إنسانية، لكن مع اقتراب الانتهاء من الإجراءات، قرر قائد الطائرة المغادرة بمحض إرادته". 

وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية، أن الطائرة ظلت على مدرج أنطاليا لعدة ساعات قبل إقلاعها إلى رودس،

وأوضحت أن طاقم الطائرة قرر الإقلاع إلى تلك الجزيرة التي تبعد 40 دقيقة قبل أن ينفذ الوقود بشكل كامل من الطائرة، جراء الإبقاء على أجهزة التكييف تعمل.

بعد أن كسرت تركيا "القاعدة الثابتة" مع إسرائيل.. لمن ترجح كفة الميزان؟ بالقرار الذي أصدرته وزارة التجارة التركية تكون أنقرة كسرت قاعدتها الثابتة مع إسرائيل التي تقوم على مبدأ "فصل الاقتصاد عن السياسة"، ومع بروز لغة التصعيد والتهديد المضاد تثار تساؤلات عن آثار ما حصل على مشهد العلاقة وميزان الرابح والخاسر.

وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قد انتقد بشدة الحرب الإسرائيلية في غزة، وكثيرا ما أعرب عن دعمه لحركة حماس المصنفة إرهابية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى. 

واندلعت الحرب بعد هجوم غير مسبوق لحماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، بدأ على أثرها الجيش الإسرائيلي حملة قصف ألحقها بهجوم برّي واسع النطاق على قطاع غزّة.

وأسفرت هجمات حماس عن مقتل 1200 شخصًا، معظمهم مدنيّون، وبينهم نساء وأطفال، حسب أرقام رسمية إسرائيلية.

واحتجز المهاجمون 251 رهينة ما زال 116 منهم في غزة، بينهم 42 يقول الجيش إنّهم لقوا حتفهم. 

وقتل ما لا يقل عن 37834 شخصًا في غزة، معظهمم من النساء والأطفال، حسب وزارة الصحة في القطاع.

مقالات مشابهة

  • الأونروا: قيود “إسرائيل” على المساعدات في غزة تجعل الاستجابة الإنسانية مستحيلة
  • وزير شئون الإغاثة الفلسطيني: نكثف اتصالاتنا مع الدول المانحة لزيادة حجم المساعدات لغزة
  • عمال في مطار تركي يرفضون تزويد طائرة إسرائيلية بالوقود بعد هبوطها اضطراريا
  • مسؤول أممي.. تدمير العدو الصهيوني لقطاع غزة يعرقل أعمال الإغاثة
  • مسؤول أممي: العدوان الإسرائيلي على غزة يعرقل أعمال الإغاثة
  • مسؤول بالأمم المتحدة: تدمير إسرائيل لقطاع غزة يعرقل أعمال الإغاثة
  • الخارجية السعودية تدين قرار إسرائيل توسيع الاستيطان في الضفة الغربية
  • بالفيديو .. إسرائيل تهدد الدول التي تعترف بفلسطين ببناء مستوطنات باسمها في الضفة الغربية
  • البرلمان العربي يدين قرار إسرائيل بشرعنة بؤر استيطانية في الضفة الغربية
  • الخارجية الفلسطينية تعلن رفضها لفرض الاحتلال ضرائب على الكنائس في الأراضي المقدسة