اليهود والفلسطينيون والإنسانية على مسرح الأوسكار
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
إن البثّ التلفزيوني لحفل توزيع جوائز الأوسكار السنوي في لوس أنجلوس، ليس برنامجًا تلفزيونيًا عاديًا. ففي كل عام – في ليلة يبدو أنها تمتد لفترة أطول من الطبيعي – يمتلئ المسرح لساعات بسحر أكثر مشاهير هوليود القديرين، وتتخلله عروض باهظة، فيما أصبح حدثًا تلفزيونيًا عالميًا. ويقدم نجوم السينما أنفسهم جوائز الأوسكار التمثيلية الذهبية والقيمة للغاية لأقرانهم.
وبعد أن تطأ أقدامهم الأرض من السيارات الفاخرة، تتابعهم الكاميرات على السجادة الحمراء، وهم يرتدون ملابس مصممة بآلاف الدولارات، وجواهر متلألئة من تصميم علامات تجارية مشهورة.
وقد شاهد البث التلفزيوني لحفل توزيع جوائز الأوسكار السنوي السادس والتسعين الذي تم بثه في 14 مارس/آذار 2024 ما يصل إلى 19.5 مليون شخص. وبينما كان الجمهور يشاهد، كان الأشخاص المحتفى بهم في تلك الليلة يتحدّثون بشكل مباشر وغير مكتوب، وكان ما قالوه مهمًا للغاية.
في اليوم التالي، عادة ما تنشغل وسائل الإعلام بما قيل حول مظهر المذيعين والحاضرين وما يرتدونه، ومن تصرف بشكل سيئ، ومن فاز بجائزة الأوسكار. ولكن عندما فاز المخرج البريطاني جوناثان غليزر بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم روائي طويل دولي عن فيلم "ذا زون أوف إنترست"، قلب تصريحه أثناء تسلُّم الجائزة عالم المشاهير رأسًا على عقب، وطغى على الكثير من الصخب الذي أعقب البثّ التلفزيوني.
يقدّم فيلم "ذا زون أوف إنترست" نظرة جديدة على مفهوم تفاهة الشر عند الفيلسوفة حنا أرندت. يتناول الفيلم الحياة اليومية للأشخاص المتواطئين في جرائم مروعة، حيث يصور عائلة القائد النازي رودولف هوس الذي أشرف على معسكر الاعتقال أوشفيتز، وكيف تمتع هو وزوجته المدللة الطموحة بمنزل آمن ومريح مع أطفالهما الذين يلعبون على أرض ممتلكاتهم. وعند جدار حديقتهم مباشرة، تنفث المداخن أبخرة داكنة من الجثث المحترقة في محرقة الجثث.
نظرة للماضي وبيان للحاضرأوضح غليزر -عندما صعد على المسرح- أن الفيلم عبارة عن نظرة نقدية للماضي، وهو أيضًا بيان عن الحاضر. وقال للجمهور: "كل اختياراتنا اتخذت لتعكسنا وتواجهنا في الحاضر، لا أقول انظروا إلى ما فعلوه آنذاك، بل انظروا إلى ما نفعله الآن. يُظهر فيلمنا إلى أين يؤدي التجريد من الإنسانية في أسوأ الحالات، لقد شكل كل ماضينا وحاضرنا".
أساء بعض المعلقين الإعلاميين تفسير كلماته، وفي بعض الحالات كان ذلك عن عمد. وفي إشارة إلى ضحايا 7 أكتوبر/تشرين الأول والهجوم الإسرائيلي على غزة، قال غليزر لجمهور حفل توزيع جوائز الأوسكار: "الآن نقف هنا كأشخاص يدحضون يهوديتهم والمحرقة التي اختطفها الاحتلال الذي أدى إلى مصرع العديد من الأبرياء".
بهذه الكلمات عبّر عن مشاعر العديد من اليهود الذين طالبوا بوقف إطلاق النار، وعملوا على وقف الإبادة الجماعية في غزة. ويعارض غليزر أن يتم استخدام يهوديته كسلاح لدعم الإبادة الجماعية.
وقد كان خطاب غليزر بعيدًا عن الإجماع المؤسسي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث لا يزال قادة المجتمع اليهودي البارزون وأصحاب النفوذ يدعمون أي أعمال عسكرية تتخذها إسرائيل ضد غزة، بغض النظر عن مدى بشاعة هذه الأعمال. لقد فعلوا ما يرفضه غليزر، وهو استخدام يهوديتهم؛ لتبرير القتل الجماعي للمدنيين والجرائم ضد الإنسانية. وقال: إن الدرس المستفاد من المحرقة هو أن تجريد الناس من إنسانيتهم وثقافتهم لا ينبغي أبدًا أن يُستخدم مرة أخرى لتبرير الشر.
وصلت شيطنة الفلسطينيين إلى مستويات متطرفة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما وصفهم المسؤولون الإسرائيليون بأنهم "ليسوا بشرًا" و"حيوانات". وفي الآونة الأخيرة، تضخم هذا التجسيد بشكل كامل في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "فهم الشرق الأوسط من خلال مملكة الحيوان" لتوماس فريدمان، الذي قارن أهداف حملات القصف الأميركية بالحشرات، مما جعل جيم نوريكاس من "فير" يقول: "إنه نوع من الاستعارة التي استخدمها المروجون تاريخيًا لتبرير الإبادة الجماعية".
لقد قام مرتكبو الإبادة الجماعية الإسرائيليون ومروجوها بتكرار الخطاب النازي المستخدم ضد اليهود الذين تم تشبيههم بمجموعة من المخلوقات المحتقرة، بما في ذلك العناكب والحشرات الطفيلية. وتُدرج منظمة مراقبة الإبادة الجماعية مثل هذا "التجريد من الإنسانية" باعتباره مرحلة من مراحل الإبادة الجماعية، حيث يتم "مساواة المجموعة المستهدفة بالحيوانات أو الحشرات أو الأمراض" في عملية "تتغلب على الاشمئزاز البشري الطبيعي من القتل".
واختتم غليزر خطابه بسؤال: "مع كل ضحايا هذا التجريد من الإنسانية، كيف نقاوم؟". عوقب العديد من الذين قاوموا الإبادة الجماعية سابقًا في هوليود. قال الممثل الحائز جائزة "إيمي"، ديفيد كلينون، وهو مؤيد منذ فترة طويلة لحقوق الفلسطينيين، لصحيفة الغارديان: "لقد اعتادت هوليود على الإجماع في إظهار إعجابها وولائها لإسرائيل، لقد بدأ جيل جديد من الأعمال الاستعراضية في تحدي تلك الأيديولوجية السائدة، وبالطبع فإن الحرس القديم سيبذل كل ما في وسعه لترهيبهم".
وقد شمل هذا الترهيب طرد الممثلة ميليسا باريرا من فيلم "سكريم الجزء السابع" من إنتاج شركة "سباي غلاس ميديا". وصفت باريرا الهجمات الإسرائيلية بأنها "إبادة جماعية" وقالت: إنها "تقتل بوحشية الفلسطينيين الأبرياء والأمهات والأطفال بحجة تدمير حماس".
كانت مها دخيل واحدة من أهم المديرين في وكالات المواهب المؤثرة في هوليود، وكالة الفنانين المبدعين (CAA)، حتى انتقدت حرب إسرائيل على غزة على وسائل التواصل الاجتماعي واصفة إياها بـ "الإبادة الجماعية". وقد سُمح لها بالبقاء في الوكالة ومواصلة تمثيل عملائها القدامى، لكن استقالت ردًا على الانتقادات.
يهود في وجه يهوديشكل غليزر وآخرون ممن يدعون إلى وقف إطلاق النار تهديدًا حقيقيًا لأفراد المجتمع اليهودي الذين ظلوا يستخدمون يهوديتهم على وجه التحديد كسلاح لتحقيق أهداف سياسية في خدمة إسرائيل ومشروعها المستمر منذ عقود لإزالة الشعب الفلسطيني من وطنه التاريخي. ويواصل هؤلاء، مع وسائل الإعلام الرسمية، تغطية أخبار إسرائيل على الرغم من إعلان المجتمع الدولي لحقوق الإنسان أنها دولة فصل عنصري. كما أنها دولة قضت محكمة العدل الدولية بأنها تواجه تهمة معقولة بارتكاب جريمة إبادة جماعية.
تعرّض غليزر لانتقادات من قبل محررة مجلة نيوزويك، باتيا أونجار سارجون، التي شوّهت خطابه واتهمته بـ "العفن الأخلاقي"؛ لأنه ينكر يهوديته، لكنه بدلًا من ذلك كان يرفض الكيفية التي يتم بها تشويه يهوديته ويهودية شعب آخر والمحرقة من قبل المدافعين عن الإبادة الجماعية.
وكما أكد جوناثان كوك، من المؤكد أن أونجار سارجون تعرف أن خطاب غليزر كان أكثر اللحظات التي تم الاستماع إليها ومناقشتها في حفل توزيع جوائز الأوسكار. لقد سمع الناس بأنفسهم ما قاله غليزر، ومن غير المرجح أن يصدّقوا ما قالته أونجار سارجون وآخرون.
لطالما كانت وسائل الإعلام الرسمية في الولايات المتحدة عازمة على دعم الحديقة المسوّرة وحماية شعوب العالم من الأهوال التي يفرضها مجرمو الحرب على الجانب الآخر، لذا يجب أن نستمع إلى أولئك مثل غليزر الذين يحاولون هدم الجدار؛ ليظهروا لنا حقيقة ما يحدث خلفه.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات توزیع جوائز الأوسکار الإبادة الجماعیة
إقرأ أيضاً:
هكذا تدعم إسرائيل اللصوص المسلّحين الذين يهاجمون شاحنات الأمم المتحدة في غزة
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تقريرا، للصحفيتين، مليكة كناعنة طبر في بيروت، وجانا تاوشينسكي في لندن، قالتا فيه إنّ: "شائعات تردّدت عن مقتل أكثر رجال العصابات شهرة في غزة، الاثنين الماضي؛ بعد أيام من قيام لصوص مسلّحين بسرقة قافلة من شاحنات المساعدات التابعة للأمم المتحدة".
وأضاف التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنه: "في اليوم التالي، ظهر ياسر أبو شباب متحدّيا، حيث أغلق رجاله الطريق بشاحنة وقود مشتعلة، لمنع شاحنات المساعدات، كنوع من الانتقام، وفقا لمسؤول كبير في الأمم المتحدة واثنين من المطلعين على صناعة النقل".
وتابع: "الاستعراض السريع للقوة يؤكّد على القوة المتزايدة لأبو شباب والعصابات الأخرى في غزة، والتي طوّرت في الأشهر الأخيرة تجارة مربحة تتمثل في سرقة شاحنات المساعدات المتجهة إلى القطاع".
وبحسب التقرير نفسه، يزعم المسؤولون الإنسانيون وناقلو البضائع الفلسطينيون أن هذه العصابات الإجرامية تتصرف بإذن ضمني من جيش الاحتلال الإسرائيلي: وهو ما وصفته مذكرة للأمم المتحدة اطلعت عليها صحيفة "فايننشال تايمز" بأنه: "الكرن السلبي، إن لم يكن النشط من جانب إسرائيل".
واسترسل: "تتحدّى العصابات المسلحة، التي يقودها محكومون هاربون وتتشكل على أسس عائلية، السلطات في غزة وتعمل بحرية على طول الحدود، وهي منطقة عسكرية إسرائيلية محظورة".
"تخزّن هذه العصابات البضائع المنهوبة في مقرات مفتوحة في الهواء الطلق ــ ويبدو أن مسيّرات المراقبة الإسرائيلية تتجاهلها، فيما تعيد بيع الإمدادات عبر وسطاء إلى الفلسطينيين المعوزين بأسعار باهظة" أكد التقرير نفسه.
وفي السياق ذاته، تحدثت صحيفة "فايننشال تايمز" لأكثر من عشرين شخصا حول ارتفاع معدلات سرقة المساعدات، بشكل منهجي، في المنطقة التي تسيطر عليها قوات الاحتلال الإسرائيلية، بما في ذلك سائقو الشاحنات الفلسطينيون والتجار والمنظمات الإنسانية ومقدمو الخدمات الأمنية ومسؤولي الأمم المتحدة في غزة، والذين شهد العديد منهم عمليات النهب بشكل مباشر.
ووصفوا كيف حلّت الشبكات الإجرامية محل اللصوص الأفراد، الذين يعملون في عمق الحدود الجنوبية الشرقية للقطاع، بعيدا عن متناول شرطة غزة المتبقية في ما يعرف بـ"المنطقة الحمراء" بالنسبة لمعظم الفلسطينيين بسبب وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتقول الصحيفة، إن عمليات تسليم المساعدات قد انخفض بشكل حاد منذ غزو الاحتلال الإسرائيلي لرفح في جنوب غزة في أيار/ مايو، مما أدى إلى زيادة عمليات النهب، وبلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق في تشرين الثاني/ نوفمبر.
وأدّى النقص في الإمدادات لجعل حتى الإمدادات الأساسية أهدافا ثمينة للسرقة. ووفقا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن ما يصل لـ30 في المئة من المساعدات التي تدخل القطاع تُسرق. وفي عملية السطو المسلح التي وقعت الأسبوع الماضي، فقدت 97 شاحنة من أصل 109 شاحنات تابعة للأمم المتحدة.
اضطر ناهض شحيبر، الذي يرأس جمعية النقل الخاصة في غزة، إلى رفض طلبات التسليم من الأمم المتحدة، بعد مقتل العديد من السائقين في شركته، على أيدي اللصوص، وتعرّض أكثر من نصف أسطوله المكون من 50 شاحنة لإطلاق النار أو سرقة البطاريات.
ويقوم اللصوص باعتراض الشاحنات بعد وقت قصير من دخولها عبر المعبر الجنوبي الرئيسي للقطاع، والمعروف باسم كرم أبو سالم.
قال شحيبر: "على بعد كيلومتر واحد إلى الغرب سوف تجد اللصوص على الطريق وفي المباني التي تم قصفها، وكل ما حولهم دبابات. لماذا لا تهاجمهم هذه الدبابات؟. بالنسبة للجيش، هذه طريقة جيدة لتجويع غزة بشكل غير مباشر".
وردا على الأسئلة المكتوبة، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه "يبذل جهودا كبيرة للسماح بأكبر قدر ممكن من المساعدات إلى غزة"، فيما زعم أن حماس من تسرق.
وأضاف: "نظرا للمحاولات المنهجية من قبل حماس لاستغلال المساعدات الإنسانية لأغراضها الخاصة، ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات مستهدفة ضد المسلحين الذين ينهبون هذه المساعدات".
وقد روى محمد، سائق شاحنة ينقل البضائع شمالا من كرم أبو سالم على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، سلسلة من حوادث النهب في الصيف حيث كان العشرات من الرجال الملثمين الذين يحملون بنادق كلاشينكوف يحيطون بالشاحنة. وفي إحدى المرات كان هناك أكثر من 80 مهاجما.
وقال: "أولا يطلقون النار على العجلات. ثم يسرقون البنزين والبطاريات وكل شيء داخل الشاحنة. ثم يوجهون مسدسا إلى رأسك". ووفقا لسائقين وشحيبر، بدأ أفراد العصابة في إطلاق النار على بعض السائقين في أيديهم وأقدامهم.
وفي حين تحدث بعض السرقات على الطريق نفسه، فإن الشاحنات في حالات أخرى تجبر على دخول قواعد العصابات. وفي مثل هذه الحالات، كما قال أحد سماسرة النقل، "يقتاد السائق تحت تهديد السلاح لمناطق الحدود الشرقية، ضمن نطاق رؤية الجيش الإسرائيلي ومسمعه".
ويزعم العديد من كبار المسؤولين في الأمم المتحدة أنّ: "مثل هذه السرقة الوقحة لا يمكن أن تحدث دون موافقة القوات الإسرائيلية". وقال أحدهم: "ربما يكون هؤلاء الأشخاص هم الأشخاص الوحيدون في غزة الذين يمكنهم الابتعاد 100 ياردة عن دبابة إسرائيلية أو جنود إسرائيليين دون أن يتم إطلاق النار عليهم".
وقال مسؤولون وسكان محليون إن المرافقين غير المسلحين التابعين للأمم المتحدة وفرق الحماية التطوعية التي تحمل العصي تعرضت لهجمات من الاحتلال الإسرائيلي.
ويتذكر محمد أنه تم نقله إلى قاعدة عصابة حيث سرقت شاحنته. وأحاطت به كميات هائلة من السلع المنهوبة، بما في ذلك الدقيق والأغذية المعلبة والبطانيات والأدوية. وقال: "كل ما يمكنك تخيله، كان مكدسا هناك. في العراء: لم تكن هناك جدران، ولم يكن هناك مبنى"، مضيفا أن: "القاعدة كانت على بعد أقل من كيلومترين من معبر كرم أبو سالم".
ووفقا لرجال الأعمال المحليين، يتم احتجاز الشاحنات التي تحمل البضائع التجارية كرهائن حتى يدفع التاجر فدية للإفراج عن بضاعته.
قال عايد أبو رمضان، رئيس غرفة تجارة غزة: "يأخذون الشاحنة مع السائق. لديهم رافعات شوكية وأماكن تخزين. وهذه معروفة أيضا للإسرائيليين. يطلبون فدية ضخمة للإفراج عن السلع التجارية. أما بالنسبة للمساعدات -من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية- فإنهم يأخذونها ويبيعونها في الأسواق".
بدأ محمد في معرفة العصابات التي تسيطر على أجزاء من الطريق. يسيطر شادي صوفي، الذي كان ينتظر الإعدام في أحد سجون غزة قبل الحرب التي بدأت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، على قسم بالقرب من معبر كرم أبو سالم.
تم بث اعتقال صوفي قبل سنوات في جميع أنحاء غزة، في مقطع فيديو، نشرته قوات الأمن، وحكم عليه لاحقا بالإعدام بتهمة القتل، وفقا لتقارير إعلامية.
ولكن مع استهداف الاحتلال الإسرائيلي لشرطة الزي الرسمي، اختبأ الضباط وفروا من مراكزهم وسجونهم، مما سمح للمحتجزين في الداخل بالمغادرة. يقول سكان غزة إن بعضهم تحولوا إلى لصوص.
ووفقا للتقرير نفسه، أكد بيان على صفحة فيسبوك تابعة لعائلة صوفي أنه أُطلق سراحه من السجن لكنه نفى تورطه في النهب.
ويقول إن عائلة الصوفي هي واحدة من عدة عشائر بدوية لها وجود طويل في المناطق الحدودية الجنوبية في غزة، حيث يتم تنظيم العصابات الجديدة في الغالب على أساس عائلي، كما قال أشخاص مطلعون على الأمر.
إن عصابة أبو شباب، التي يعتقد أنها تسيطر على منطقة تبعد 1.5 كيلومتر فقط عن معبر الحدود، هي المجموعة الأكثر قوة، وفقا لسائقي الشاحنات وسماسرة النقل ومسؤولي المساعدات الإنسانية.
إن رجاله مسلحون بكثافة بأسلحة جديدة، ويستفيدون بشكل أساسي من السجائر المهربة، وفقا لمذكرة داخلية للأمم المتحدة، والتي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" لأول مرة. يباع صندوق السجائر بمبلغ 400 ألف دولار، وفقا لغرفة تجارة غزة، ارتفاعا من بضعة آلاف من الدولارات قبل الحرب.
وقال مسؤولون في الأمم المتحدة وشهود فلسطينيون إن موقف دولة الاحتلال الإسرائيلي المتساهل تجاه العصابات كان جزءا من نمط تغذية القوى المتنافسة لتقويض السلطات المحلية.
لقد تسبّب صعود العصابات في حدوث انقسامات في مجتمع غزة، حيث سارعت العشائر إلى إبعاد نفسها عن الأعضاء المتورطين في عمليات النهب. وفي محاولة لصرف الانتباه عن الغضب، أصدرت بعض العشائر بيانات عامة تنفي فيها بشكل غير مباشر أي شخص متورط في السرقة. حتى أن البعض شكلوا لجانا لمكافحة النهب لحراسة الشاحنات.
يوم الثلاثاء، بعد يوم من الكمين، كتب زعماء عشيرة أبو شباب رسالة مفتوحة "يتبرؤون فيها" من أقاربهم المتورطين في النهب. وفيما تزعم دولة الاحتلال الإسرائيلي أن حماس مسؤولة، فإن السرقات وضعت الجماعات المسلحة في خلاف مع الجماعة المسلحة. وقال شحيبر، زعيم صناعة النقل، إنّ: "إسرائيل كانت تعلم جيدا ما كان يحدث".
وقال: "إنها تراقبنا طوال الوقت. وإذا أرادوا، فيمكنهم الاتصال بياسر أبو شباب الآن وإخباره: لا تجرؤ على سرقة شاحنة أخرى، وإلا سوف نطلق النار عليك. لكنهم لا يفعلون ذلك، ولماذا تعتقدون أن هذا هو الحال؟".