عربي21:
2025-03-18@04:59:37 GMT

توبة مزيَّفة وعنصرية

تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT

غزة… كان لا بد من ستة أشهر من القتل الجماعي وأنهار من الدماء وأكوام من الأشلاء وأن يتجاوز عدد الضحايا عتبة الـ32 ألفا لكي يتراجع الإعلام الغربي قليلا عن عاره وانحيازه الأعمى لإسرائيل.
شبكة سي إن إن الأمريكية (التي تمر كل أعمالها المتعلقة بفلسطين على مكتبها في القدس وعين الرقيب العسكري الإسرائيلي قبل بثها) أعدَّت عملا مصورا جميلا تضمَّن أسماء الأطفال الذين اغتالهم الجيش الإسرائيلي.



صحيفة «الفاينانشال تايمز» نشرت تقريرا مطولا، رائعا في شكله ومضمونه، عن الشخصيات العامة التي اغتالها الجيش الإسرائيلي في غزة من فنانين وشعراء وعلماء وأساتذة جامعيين من طراز عالٍ وناشطين (بالمعنى الإيجابي المبدع) على مواقع التواصل الاجتماعي.

صحيفة «الواشنطن بوست» نشرت عدة تقارير أحدها عن أطفال حديثي الولادة تركهم الجيش الإسرائيلي يموتون في مستشفى الشفاء وتعمّد إبقاء جثثهم الصغيرة في ردهاته تتعفن أو وليمة للكلاب الضالة.

صحيفة «لوموند» الفرنسية نشرت بداية الشهر الماضي افتتاحية قاسية إزاء إسرائيل يمكن اعتبارها ثورة في تاريخ الصحيفة.

وكان لا بد من أن تقتل إسرائيل ستة متطوعين أجانب (ومعهم فلسطيني واحد) ليشعر العالم الغربي وإعلامه المنافق بالصدمة وتستيقظ إنسانيته.

لأول منذ بدء الحرب، يستعمل الإعلام الغربي تعبير «مذبحة» لوصف قتل المتطوعين الأجانب.
صحيفة «الإندبندنت» البريطانية كتبت افتتاحية قاسية ولوّنت صفحتها الأولى بالأسود، مع صورة فوتوغرافية للخراب في غزة (يشبه فعلا آثار قنبلة نووية) وكلمة واحدة: يكفي.

صحيفة «التايمز» اليمينية المنحازة طيلة حياتها لإسرائيل انحيازا أعمى، خصصت صفحتها الأولى لاغتيال المتطوعين، مع عبارة «سخط على موت المتطوعين».. (موت) كأنهم شيوخ وعجائز في التسعين توفوا في دار للعجزة خمس نجوم محاطين بأولادهم وأحفادهم وأطباء وممرضين. هي «التايمز» ذاتها التي قبل أسابيع هاجمت محكمة العدل الدولية بسبب دعوى الإبادة، وأمضت الأشهر الستة الأخيرة (وقبلها سنوات) تبرر الجرائم الإسرائيلية ولا ترى الفلسطينيين إلا مجرد إرهابيين همِّهم الوحيد في الحياة سحق إسرائيل.

لست بصدد التقليل من تضحية هؤلاء المتطوعين. تقديري لهم كبير وصادق. يكفيهم شرفا أنهم تركوا حياتهم ودفء عائلاتهم وقطعوا آلاف الأميال ليغامروا بحياتهم من أجل أناس لا شيء يجمعهم بهم إلا الإنسانية. كما أنني أؤمن بأن الكثير من التحولات الكبرى في التاريخ والتغيرات في المزاج الشعبي بدأت بحوادث صغيرة: الحرب العالمية الأولى أشعل شرارتها اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند على يد قومي سلافي في سراييفو صيف 1914. الوفاة الغامضة للعالم ديفيد كيلي، خبير أسلحة الدمار الشامل لدى الحكومة البريطانية في ذروة الجدل حول احتلال العراق، أيقظت بريطانيا وعرَّت أكاذيب توني بلير وحوّلتها إلى فضيحة أخلاقية وسياسية ستلاحقه إلى القبر.

كان لا بد من ستة أشهر من القتل الجماعي وأنهار من الدماء وأكوام من الأشلاء وأن يتجاوز عدد الضحايا عتبة الـ32 ألفا لكي يتراجع الإعلام الغربي قليلا عن عاره وانحيازه الأعمى لإسرائيل

لقد هلّل كثيرون في النصف الجنوبي من العالم لـتوبة» الإعلام الغربي. لكنني أفضِّل أن أرى هذه «التوبة» (إلى أن يثبت العكس) ظرفية عابرة، ناقصة وعنصرية، قليلة جدا ومتأخرة جدا. لكل هذا فهي مزيفة. بأي حساب أو رياضيات غلَّب هذا الإعلام «النزيه الاحترافي» كفة سبعة قتلى على 32 ألف قتيل إذا لم يكن حساب العنصرية واحتقار الآخر المختلف؟
من المهم ألا ينسى الذين أفرطوا في التهليل لهذه «التوبة» أنها تكتيكية وليست استراتيجية، أملته الإبادة الإسرائيلية في غزة التي لم يعد ممكنا الصمت عنها وإلَّا أصبح مشاركة فيها، وأملتها كذلك المذبحة التي أودت بالمتطوعين الستة فقط لأنهم غربيون شقر. في الجوهر لا يزال الإعلام الغربي، وسيبقى، متماهيا مع المزاج السياسي مدافعا بحماس عن بقرات مقدّسة من قبيل:
ـ حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وجيشها جيش دفاع بينما هو في الواقع جيش احتلال قاتل.
ـ التاريخ بدأ في 7 أكتوبر.

ـ الحرب بين حماس وإسرائيل، وليست عدوانا إسرائيليا على سكان غزة.
ـ تصديق السردية الإسرائيلية حتى لو كانت الكذبة صارخة والجريمة مكتملة الأركان، في مقابل تشكيك تلقائي في الرواية الفلسطينية مهما كانت دقيقة (الـ1200 قتيل في هجوم حماس بالنسبة لهم غير قابلة للجدل، أما 32 ألف قتيل فلسطيني في غزة فمرفوقة دائما بـ«وفق أرقام حماس» والهدف زرع الشك).

ـ يوم 7 نيسان (أبريل) ذهب العقل الغربي تلقائيا يبحث كيف عاش الإسرائيليون ذكرى مرور 6 أشهر على هجوم حماس، لكنني لا أذكر أنني قرأت في إعلامهم شيئا عن كيف عاش الفلسطينيون هذا اليوم.

ـ قتلُ آلاف الفلسطينيين مبني دائما للمجهول مع امتناع متعمد عن ذكر القاتل قدر الإمكان. أما مقتل مستوطن يهودي بسلاح فلسطيني فمرفوق دائما بالفاعل وصفته «إرهابي».

ـ ترديد أكذوبة أن حماس تريد مسح إسرائيل من الوجود، مع تفادي التذكير بأن الحركة راجعت ميثاقها الأساسي في 2017 ليتضمن أحد بنوده قبولها بدولة فلسطينية في حدود 1967.

ـ الرهائن الـ130 لدى حماس مأساة يجب أن تدمي قلوب العالم، لكن أكثر من خمسة آلاف رهينة فلسطيني في سجون إسرائيل، بينهم فتيان في سن المراهقة ونساء، فشيء طبيعي وربما ضروري، رغم أن بعضهم أمضى ثلثي عمره سجينا وبعضهم محكوم بمئات السنين وآخرون بلا محاكمة ولا حكم.

ـ طول شبكة أنفاق حماس تفوق 700 كلم. أي المسافة من غزة إلى القاهرة ذهابا وإيابا تحت رقعة جغرافية لا تزيد عن 360 كلم مربع! إما هلوسة مجانين أو دجل محتالين، لا تفسير آخر.

ـ القتل المستمر الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي والمستوطنون في الضفة الغربية ليس خبرا، لكن إصابة مستوطن واحد في الشهر أو الفصل على يد فلسطيني مصيبة يجب أن تتصدر عناوينهم الرئيسية.

ـ قصف غزة بالصواريخ والمسيّرات على مدار العام لا يعتبر حدثا، لكن صاروخا من غزة أو عملية فدائية صغيرة حدث يستنفر غرف أخبارهم ومراسليهم.

هذه ليست تقديرات تحريرية تمليها طبيعة الحدث. إنها عقلية متجذرة ومقدّسة. هي عنصرية بالفطرة، وهذا أمر مفهوم (كل واحد فينا بداخله قدر من العنصرية بالفطرة) لكنه يصبح مشكلة إذا بدأ يتحول إلى خطر على استقرار العالم كما هو الحال الآن.

لقد كلفتهم إسرائيل الكثير. فوق المليارات الهائلة من أموال دافعي الضرائب، كلفتهم سمعتهم وما بقي من إنسانيتهم وقيَمهم، فمتى يستيقظون؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الغربي فلسطيني العنصرية فلسطين غزة الاحتلال الغرب العنصرية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش الإسرائیلی الإعلام الغربی فی غزة

إقرأ أيضاً:

لماذا غضب نتنياهو من صفقة تبادل الأسرى التي وافقت عليها حماس؟

سلط تقرير نشره موقع "موندويس" الضوء على غضب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بعد موافقة حركة حماس على مقترح أمريكي للإفراج عن الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأمريكية عيدان ألكسندر، وتسليم جثث أربعة إسرائيليين يحملون جنسية مزدوجة.

وقال التقرير الذي ترجمته "عربي21" إنّ "حماس ترى بهذه الخطوة وسيلة للتمهيد للمفاوضات حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وتضع تل أبيب في موقف صعب برفضها الدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب".

وذكر أن موافقة حماس الأخيرة نابعة عن مواقفها السابقة، والتي رفضت مقترحا للمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بالإفراج عن نصف الأسرى الإسرائيليين المتبقين، وتحول المقترح إلى الإفراج عن خمسة أسرى فقط بينهم عيدان ألكسندر و4 جثث.

وتابع: "من المقرر أن تتحرك المفاوضات بشأن المرحلة الثانية وصولا إلى إنهاء الحرب بشكل دائم"، مضيفا أن "هذه التطورات وضعت إسرائيل في موقف حرج، نظرا لرفضها الدخول في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، أو التفكير في إنهاء الحرب بشكل دائم".



ولفت إلى أن "محادثات وقف إطلاق النار دخلت مرحلة جديدة في وقت سابق من هذا الأسبوع مع عودة المفاوضين إلى الدوحة، لمناقشة إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وحماس، وقد مدد المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إقامته في المنطقة حتى نهاية الأسبوع لدفع المفاوضات إلى الأمام، كما أرسلت إسرائيل فريقًا تفاوضيًا يضم منسق الحكومة الإسرائيلية لشؤون الرهائن ومسؤولًا في الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية والمستشار السياسي لنتنياهو أوفير فالك".

ويأتي تجدد المفاوضات في ظل وقف إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وقد أدى إغلاق جميع نقاط العبور إلى غزة ومنع إدخال المساعدات إلى القطاع إلى نقص في المواد الغذائية والوقود وإغلاق المخابز في القطاع، بالإضافة إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية للمعيشة.

وأشار التقرير إلى أن نتنياهو صرح في أوائل الشهر الحالي بأنه لن يكون هناك "غداء مجاني لغزة" طالما لم يتم إطلاق سراح أسرى إسرائيليين جدد، في خطوة تمثل انتهاكًا لشروط وقف إطلاق النار المتفق عليها، حيث لم يكن من المقرر إطلاق سراح أي أسرى جدد قبل بدء المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من ممر فيلادلفيا على طول الحدود مع مصر.

ومن الاستراتيجيات الأخرى التي اتبعها نتنياهو وحلفاؤه في تخريب مفاوضات وقف إطلاق النار هي تهديداته باستئناف الهجوم الإسرائيلي على غزة، فقد صرح وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، بأن إسرائيل تستعد لهجوم متجدد وأشد قسوة، كما هدد نتنياهو نفسه حماس وسكان غزة خلال خطاب له في الكنيست الإسرائيلي بعواقب "لا تُحتمل" إذا لم يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.



وبحسب التقرير، جاء تعبير حماس عن استعدادها لتسليم أسير إسرائيلي وجثث أربعة آخرين مقابل التفاوض على المرحلة الثانية، ليضع حدًا لتكتيكات نتنياهو التخريبية.

وأوضح التقرير أن هذا التحول جاء إثر إجراء الولايات المتحدة محادثات مباشرة مع حماس دون وساطة، في خطوة تكسر ثلاثة عقود من العرف الأمريكي في رفض التفاوض مع المنظمات التي تعتبرها "إرهابية".

وذكر أنه "رغم محدودية صلاحيات الوفد الإسرائيلي الذي أُرسل إلى الدوحة، إلا أن استئناف المحادثات بعد أسبوع متوتر من التهديدات الإسرائيلية يظهر تغيرًا في الموقف الأمريكي الذي انتقل من اقتراح ترامب الاستفزازي بتطهير عرقي للفلسطينيين من غزة إلى مناقشة الشروط مباشرة مع حماس وتقديم مقترحات متتالية للانتقال إلى محادثات حول إنهاء الحرب".

وفي صلب هذا التغيير مسألة إعادة إعمار غزة ومقترح القمة العربية البديل؛ حيث عرض اجتماع وزراء الخارجية العرب في الدوحة يوم الأربعاء الماضي الخطة على ويتكوف، واتفقوا على مناقشتها في المحادثات الجارية كأساس لجهود إعادة إعمار القطاع.

وختم التقرير بقوله: "بينما يضع الفلسطينيون في غزة وعائلات الأسرى الإسرائيليين آمالهم في جولة المحادثات المتجددة في الدوحة، فإن احتمالات التوصل إلى اتفاق نهائي لا تزال بعيدة؛ فحكومة نتنياهو لا تُظهر أي علامة على استعدادها لإنهاء الحرب، وستحاول الآن إيجاد طريقة لتجنب المضي قدمًا في المفاوضات وإيجاد طريقة لإلقاء اللوم على حماس، كما فعلت مرات عديدة في الماضي".

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تواصل خرق هدنة غزة ولبنان.. ومقتل 34 فلسطيني في الضفة
  • إعلام فلسطيني: الاحتلال يدفع بتعزيزات جديدة باتجاه مدينة جنين
  • صحيفة إسرائيلية: كيف تحولت المظلة الشراعية إلى سلاح سري لحماس؟
  • راشيل كوري: الناشطة الأمريكية التي ضحت بحياتها دفاعا عن منزل فلسطيني
  • صحيفة: حماس فاجأت إسرائيل والوسطاء بشرط جديد في مفاوضات غزة
  • لماذا غضب نتنياهو من صفقة تبادل الأسرى التي وافقت عليها حماس؟
  • نتنياهو في مأزق بعد تبني المقترح الأمريكي للإفراج عن المحتجزين.. تفاصيل
  • أبوخشيم: يجب محاسبة وسائل الإعلام التي تروج لخطاب الكراهية
  • FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
  • فاسدة وغسر شرعية..ترامب يهاجم ووسائل الإعلام التي تنتقده