عربي21:
2025-03-15@07:26:19 GMT

توبة مزيَّفة وعنصرية

تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT

غزة… كان لا بد من ستة أشهر من القتل الجماعي وأنهار من الدماء وأكوام من الأشلاء وأن يتجاوز عدد الضحايا عتبة الـ32 ألفا لكي يتراجع الإعلام الغربي قليلا عن عاره وانحيازه الأعمى لإسرائيل.
شبكة سي إن إن الأمريكية (التي تمر كل أعمالها المتعلقة بفلسطين على مكتبها في القدس وعين الرقيب العسكري الإسرائيلي قبل بثها) أعدَّت عملا مصورا جميلا تضمَّن أسماء الأطفال الذين اغتالهم الجيش الإسرائيلي.



صحيفة «الفاينانشال تايمز» نشرت تقريرا مطولا، رائعا في شكله ومضمونه، عن الشخصيات العامة التي اغتالها الجيش الإسرائيلي في غزة من فنانين وشعراء وعلماء وأساتذة جامعيين من طراز عالٍ وناشطين (بالمعنى الإيجابي المبدع) على مواقع التواصل الاجتماعي.

صحيفة «الواشنطن بوست» نشرت عدة تقارير أحدها عن أطفال حديثي الولادة تركهم الجيش الإسرائيلي يموتون في مستشفى الشفاء وتعمّد إبقاء جثثهم الصغيرة في ردهاته تتعفن أو وليمة للكلاب الضالة.

صحيفة «لوموند» الفرنسية نشرت بداية الشهر الماضي افتتاحية قاسية إزاء إسرائيل يمكن اعتبارها ثورة في تاريخ الصحيفة.

وكان لا بد من أن تقتل إسرائيل ستة متطوعين أجانب (ومعهم فلسطيني واحد) ليشعر العالم الغربي وإعلامه المنافق بالصدمة وتستيقظ إنسانيته.

لأول منذ بدء الحرب، يستعمل الإعلام الغربي تعبير «مذبحة» لوصف قتل المتطوعين الأجانب.
صحيفة «الإندبندنت» البريطانية كتبت افتتاحية قاسية ولوّنت صفحتها الأولى بالأسود، مع صورة فوتوغرافية للخراب في غزة (يشبه فعلا آثار قنبلة نووية) وكلمة واحدة: يكفي.

صحيفة «التايمز» اليمينية المنحازة طيلة حياتها لإسرائيل انحيازا أعمى، خصصت صفحتها الأولى لاغتيال المتطوعين، مع عبارة «سخط على موت المتطوعين».. (موت) كأنهم شيوخ وعجائز في التسعين توفوا في دار للعجزة خمس نجوم محاطين بأولادهم وأحفادهم وأطباء وممرضين. هي «التايمز» ذاتها التي قبل أسابيع هاجمت محكمة العدل الدولية بسبب دعوى الإبادة، وأمضت الأشهر الستة الأخيرة (وقبلها سنوات) تبرر الجرائم الإسرائيلية ولا ترى الفلسطينيين إلا مجرد إرهابيين همِّهم الوحيد في الحياة سحق إسرائيل.

لست بصدد التقليل من تضحية هؤلاء المتطوعين. تقديري لهم كبير وصادق. يكفيهم شرفا أنهم تركوا حياتهم ودفء عائلاتهم وقطعوا آلاف الأميال ليغامروا بحياتهم من أجل أناس لا شيء يجمعهم بهم إلا الإنسانية. كما أنني أؤمن بأن الكثير من التحولات الكبرى في التاريخ والتغيرات في المزاج الشعبي بدأت بحوادث صغيرة: الحرب العالمية الأولى أشعل شرارتها اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند على يد قومي سلافي في سراييفو صيف 1914. الوفاة الغامضة للعالم ديفيد كيلي، خبير أسلحة الدمار الشامل لدى الحكومة البريطانية في ذروة الجدل حول احتلال العراق، أيقظت بريطانيا وعرَّت أكاذيب توني بلير وحوّلتها إلى فضيحة أخلاقية وسياسية ستلاحقه إلى القبر.

كان لا بد من ستة أشهر من القتل الجماعي وأنهار من الدماء وأكوام من الأشلاء وأن يتجاوز عدد الضحايا عتبة الـ32 ألفا لكي يتراجع الإعلام الغربي قليلا عن عاره وانحيازه الأعمى لإسرائيل

لقد هلّل كثيرون في النصف الجنوبي من العالم لـتوبة» الإعلام الغربي. لكنني أفضِّل أن أرى هذه «التوبة» (إلى أن يثبت العكس) ظرفية عابرة، ناقصة وعنصرية، قليلة جدا ومتأخرة جدا. لكل هذا فهي مزيفة. بأي حساب أو رياضيات غلَّب هذا الإعلام «النزيه الاحترافي» كفة سبعة قتلى على 32 ألف قتيل إذا لم يكن حساب العنصرية واحتقار الآخر المختلف؟
من المهم ألا ينسى الذين أفرطوا في التهليل لهذه «التوبة» أنها تكتيكية وليست استراتيجية، أملته الإبادة الإسرائيلية في غزة التي لم يعد ممكنا الصمت عنها وإلَّا أصبح مشاركة فيها، وأملتها كذلك المذبحة التي أودت بالمتطوعين الستة فقط لأنهم غربيون شقر. في الجوهر لا يزال الإعلام الغربي، وسيبقى، متماهيا مع المزاج السياسي مدافعا بحماس عن بقرات مقدّسة من قبيل:
ـ حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وجيشها جيش دفاع بينما هو في الواقع جيش احتلال قاتل.
ـ التاريخ بدأ في 7 أكتوبر.

ـ الحرب بين حماس وإسرائيل، وليست عدوانا إسرائيليا على سكان غزة.
ـ تصديق السردية الإسرائيلية حتى لو كانت الكذبة صارخة والجريمة مكتملة الأركان، في مقابل تشكيك تلقائي في الرواية الفلسطينية مهما كانت دقيقة (الـ1200 قتيل في هجوم حماس بالنسبة لهم غير قابلة للجدل، أما 32 ألف قتيل فلسطيني في غزة فمرفوقة دائما بـ«وفق أرقام حماس» والهدف زرع الشك).

ـ يوم 7 نيسان (أبريل) ذهب العقل الغربي تلقائيا يبحث كيف عاش الإسرائيليون ذكرى مرور 6 أشهر على هجوم حماس، لكنني لا أذكر أنني قرأت في إعلامهم شيئا عن كيف عاش الفلسطينيون هذا اليوم.

ـ قتلُ آلاف الفلسطينيين مبني دائما للمجهول مع امتناع متعمد عن ذكر القاتل قدر الإمكان. أما مقتل مستوطن يهودي بسلاح فلسطيني فمرفوق دائما بالفاعل وصفته «إرهابي».

ـ ترديد أكذوبة أن حماس تريد مسح إسرائيل من الوجود، مع تفادي التذكير بأن الحركة راجعت ميثاقها الأساسي في 2017 ليتضمن أحد بنوده قبولها بدولة فلسطينية في حدود 1967.

ـ الرهائن الـ130 لدى حماس مأساة يجب أن تدمي قلوب العالم، لكن أكثر من خمسة آلاف رهينة فلسطيني في سجون إسرائيل، بينهم فتيان في سن المراهقة ونساء، فشيء طبيعي وربما ضروري، رغم أن بعضهم أمضى ثلثي عمره سجينا وبعضهم محكوم بمئات السنين وآخرون بلا محاكمة ولا حكم.

ـ طول شبكة أنفاق حماس تفوق 700 كلم. أي المسافة من غزة إلى القاهرة ذهابا وإيابا تحت رقعة جغرافية لا تزيد عن 360 كلم مربع! إما هلوسة مجانين أو دجل محتالين، لا تفسير آخر.

ـ القتل المستمر الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي والمستوطنون في الضفة الغربية ليس خبرا، لكن إصابة مستوطن واحد في الشهر أو الفصل على يد فلسطيني مصيبة يجب أن تتصدر عناوينهم الرئيسية.

ـ قصف غزة بالصواريخ والمسيّرات على مدار العام لا يعتبر حدثا، لكن صاروخا من غزة أو عملية فدائية صغيرة حدث يستنفر غرف أخبارهم ومراسليهم.

هذه ليست تقديرات تحريرية تمليها طبيعة الحدث. إنها عقلية متجذرة ومقدّسة. هي عنصرية بالفطرة، وهذا أمر مفهوم (كل واحد فينا بداخله قدر من العنصرية بالفطرة) لكنه يصبح مشكلة إذا بدأ يتحول إلى خطر على استقرار العالم كما هو الحال الآن.

لقد كلفتهم إسرائيل الكثير. فوق المليارات الهائلة من أموال دافعي الضرائب، كلفتهم سمعتهم وما بقي من إنسانيتهم وقيَمهم، فمتى يستيقظون؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الغربي فلسطيني العنصرية فلسطين غزة الاحتلال الغرب العنصرية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش الإسرائیلی الإعلام الغربی فی غزة

إقرأ أيضاً:

محللان: حماس رمت بـكرة من نار على إسرائيل

رأى محللان سياسيان أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رمت بـ"كرة من نار" على إسرائيل وفاقمت من معضلتها الداخلية، من خلال ردها على المقترح الذي تسلمته من الوسطاء، وتضمن الموافقة على إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسية الأميركية وجثامين 4 من مزدوجي الجنسية.

وأعلنت حركة حماس أنها سلمت ردّها فجر اليوم على المقترح الذي تسلمته من الوسطاء، وأكدت جاهزيتها التامة لبدء المفاوضات والوصول إلى اتفاق شامل بشأن قضايا المرحلة الثانية، ودعت إلى إلزام الاحتلال بتنفيذ التزاماته كاملة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي تعليقه على هذا التطور، قال الباحث والمحلل السياسي سعيد زياد إن حماس حاولت تفكيك المعضلة التي تواجهها المفاوضات وتجاوز السردية الإسرائيلية، عبر الموافقة على العرض الأساسي لآدم بولر، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاص لشؤون الأسرى، والذي قدمه الوسطاء ليلة أمس.

وأوضح أن "موافقة حماس هي موافقة على نوايا وليست موافقة إجرائية، أي أنها توافق إذا تم ربط المسألة بمفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة".

كما أن رد حماس على عرض الوسطاء سيغري الأميركيين -يواصل زياد- ويثبت للجميع أن حماس معنية بالتفاوض وغير متعنتة وتريد مفاوضات المرحلة الثانية دون أن تقدم شيئا، بالإضافة إلى أن موفقة حماس على إطلاق سراح أسير يحمل الجنسية الأميركية سيدفع عائلات الأسرى والمجتمع الإسرائيلي للقول إن من يمتلك جنسية مزدوجة له امتياز تفاوضي وله دولة تفاوض عنه.

إعلان

وبينما أعرب عن اعتقاده بأن "موقف حماس سيضع إسرائيل في مواجهة مع الأميركيين"، لم يستبعد زياد أن يؤدي هذا الموقف إلى إعطاء دفعة لمفاوضات المرحلة الثانية ولإعادة انتظام دخول المساعدات إلى غزة، ولمستوى المفاوضات المباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية.

مناورة نتنياهو

وفي توقعه لطبيعة الرد الإسرائيلي على رد حماس على مقترح الوسطاء، قال الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور مهند مصطفى، إن إسرائيل ستتعامل مع الموقف بحذر شديد، موضحا أنها ذهبت إلى المفاوضات وهي تطرح مقترح المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ويتحدث عن هدنة محدودة الأمد مع إطلاق سراح مجموعة من الأسرى الإسرائيليين، مقابل تمديد وقف إطلاق النار في غزة.

ورأى أن قبول حماس بمقترح الوسطاء يضع إسرائيل في مأزق، الأول يتعلق بالمقابل، وهل وعد الوسطاء حماس بالانتقال إلى المرحلة الثانية؟ وهو ما يشكل معضلة لإسرائيل، لأنها ترفض الدخول في مباحثات هذه المرحلة وتسعى إلى تمديد المرحلة الأولى أو إيجاد إطار جديد يتم فيه تمديد وقف إطلاق النار مقابل استعادة المزيد من الأسرى.

وعلى المستوى الإسرائيلي الداخلي، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتعرض لضغوط من أجل أن يوافق على صفقة شاملة وليس صفقة محدودة، بالإضافة إلى ضغوط سيواجهها في حال إطلاق سراح الأسرى الذين يحملون الجنسية المزدوجة، لكن نتنياهو سيستغل هذا الموضوع للمناورة، وسيحاول كسب الوقت، كما قال الدكتور مصطفى.

وفي سياق الموقف الإسرائيلي، نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن مسؤول إسرائيلي قوله: إن "مقترح حماس بالإفراج عن رهائن يحملون الجنسية الأميركية يهدف لتخريب المفاوضات".

وبرأي الباحث والمحلل السياسي زياد، فقد "رمت حماس بكرة من نار إلى الجانب الإسرائيلي"، مشيرا إلى أن المعضلة الداخلية للاحتلال الإسرائيلي ستتفاقم، خاصة أن "التقارب الأميركي مع حماس ربما يفكك أي دعم أميركي لإسرائيل ويبعد شبح عودة الحرب إلى غزة"، ولأن "مفتاح تطور المفاوضات هو بيد الأميركيين".

إعلان

وكان آدم بولر مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الأسرى التقى في وقت سابق مسؤولين كبارا من حماس في العاصمة القطرية الدوحة دون علم إسرائيل، لإجراء مباحثات حول إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة وبينهم 5 أميركيين.

يذكر أنه في مطلع مارس/آذار الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، بدأ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بوساطة قطر ومصر ودعم الولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
  • فاسدة وغسر شرعية..ترامب يهاجم ووسائل الإعلام التي تنتقده
  • محللان: حماس رمت بـ”كرة من نار” على إسرائيل
  • كاتس: إسرائيل ستبقى في المواقع الخمسة التي أنشأتها في جنوب لبنان
  • محللان: حماس رمت بـكرة من نار على إسرائيل
  • وزير الإعلام اللبناني: تشكيل لجنة لمتابعة النقاط التي عرضها صندوق النقد الدولي
  • حماس ترحب بتصريح ترامب بشأن عدم طرد أي فلسطيني من غزة
  • هيرست: بإمكان إسرائيل حظر كل الأفلام.. الصوت الفلسطيني لن يُخمد
  • الناطق باسم حماس: إسرائيل تنصلت من اتفاق وقف إطلاق النار
  • إصابة فلسطيني جراء اعتداءات الاحتلال شمال الخليل بالضفة الغربية