قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في محاضرته الرمضانية الرابعة والعشرين: مشكلة بعض الأقوام وبعض الأمم أنها كانت تُكَذِّب- في أغلبها إلا القليل برسالة الله وترفضها وتتنكر لها
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
الثورة /
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
تحدثنا في محاضرة الأمس عن قصة نبي الله هود “عَلَيْهِ السَّلَامُ” مع قومه عاد، وكيف أنَّ عاداً كانوا آنذاك هم الأمة القوية، وكانوا مجتمعاً متمكناً بين غيرهم من المجتمعات الأخرى، التي انحدرت من سلالة نبي الله نوح “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وانتشرت في مناطق مختلفة من الأرض، وعندما أرسل الله إليهم رسوله هوداً “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، كانت نعمةً كبيرةً عليهم من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكانت فرصةً لهم؛ ليحملوا نور الرسالة الإلهية، وليكونوا هم ركيزةً اجتماعيةً، وحاضنةً للمشروع الإلهي؛ ليقدِّموا النموذج المعبِّر عن تلك الرسالة في مبادئها، والمُجَسِّد لقيمها وأخلاقها، والملتزم بتعاليمها، فيكونوا هم المجتمع القدوة، الذي يتَّجه لنشر رسالة الله وتعاليمه في بقية المجتمعات، ويفوزوا بهذا الشرف العظيم؛ لأن التحرك برسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بعد الإيمان بها، والالتزام بها، فالتحرك بها كمسؤولية، لنشر نورها في بقية المجتمعات، والسعي لإنقاذ وهداية بقية المجتمعات، يعتبر شرفاً عظيماً، ومفخرةً عظيمةً.
ولذلك عندما كان يرسل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الرسل إلى أقوام ومجتمعات معينة، وهي- في نفس الوقت- بين مجتمعات أخرى، يعني: هناك مجتمعات أخرى غير ذلك المجتمع الذي بُعث إليه ذلك النبي، فليست المسألة فقط ليكون نبياً لذلك المجتمع وتترك بقية المجتمعات؛ إنما لأنه لابدَّ أن يكون هناك في البداية حاضنة للمشروع الإلهي، للمشروع الرسالي نفسه، وركيزةً اجتماعية، يبدأ المشوار من بينها هي، وتحمل هذا المشروع وتنشره في الآخرين، ويكون لدى ذلك المجتمع من المقومات ما يهيئه لهذا الدور أكثر من غيره.
فكانت مشكلة بعض الأقوام وبعض الأمم: أنها كانت تُكَذِّب- في أغلبها إلا القليل- تُكَذِّب برسالة الله، وترفضها وتتنكر لها؛ وبالتالي لم تصل إلى مرتبة أن تكون متقبلةً هي في نفسها للمشروع الإلهي، فما بالك بأن تُقدِّم فيه النموذج، والقدوة، والأسوة، وأن تتحرك به كحاضنةٍ وحاملٍ للمشروع الإلهي.
فهم صدُّوا عن سبيل الله، باستثناء قلة من المستضعفين الذين آمنوا، ونجَّاهم الله مع نَبِيِّه هود “عَلَيْهِ السَّلَامُ”؛ ولهذا لأهمية هذا الشرف العظيم قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” مخاطباً لخاتم الأنبياء والمرسلين محمد “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وهو يُذَكِّره ويُذَكِّر قومه بنعمة القرآن والرسالة الإلهية: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف: من الآية44].
بعد هلاك عاد، الذين كانوا هم المجتمع الأكثر قوةً ورفاهيةً في معيشتهم وظروف حياتهم، كان القوم الذين استخلفهم الله ومكَّنهم، وبرزوا بين بقية المجتمعات قوةً جديدة، برزوا قوةً جديدة، تتنامى في قوتها، وإمكاناتها، واقتصادها: كانوا هم ثمود، ثمود قوم نبي الله صالح “عَلَيْهِ السَّلَامُ”.
وقد ذكَّرهم نبي الله صالح “عَلَيْهِ السَّلَامُ” بهذه النعمة: أنَّ الله استخلفهم من بعد عاد، وهيأ لهم في ظروف حياتهم أن يبرزوا هم؛ ليكونوا الأمة الأكثر قوةً، وأن تتنامى في معيشتها الاقتصادية، في ظروف حياتها، فبرزت بين بقية المجتمعات، قال لهم: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ}[الأعراف: من الآية74]، يُذَكِّرهم بنعم الله عليهم؛ لأنهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه من إمكانات، ورفاهية في الحياة، وتوفُر لمتطلبات حياتهم، بنعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وبفضله، {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[الأعراف: من الآية74].
المنطقة التي كان يعيش فيها قوم نبي الله صالح، كانت ثمود تسكن فيها: هي ممتدة من (وادي القرى في الحجاز)، ممتدةً إلى الشام، إلى الأردن بالتحديد، منطقةً ممتدةً من هناك: من وادي القرى في الحجاز، إلى داخل الأردن حالياً (إلى الشام)، وهم يُحسبون أيضاً من العرب القدامى، من قدامى العرب في تلك المرحلة المبكرة.
وقد فتح الله لهم أبواب نعمته، وازدهرت حياتهم، ووسَّع الله لهم في معيشتهم:
فازدهرت الزراعة بشكلٍ كبير، وتوفر لهم المزارع والبساتين الضخمة.
وتوفر لهم المياه، توفر لهم الماء الذي يحتاجون إليه لري المزارع.
فكما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}[الشعراء: 147-148]، (جَنَّاتٍ): مزارع ضخمة، يروونها من تلك العيون، من ذلك الماء المتوفر، {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}، وبرزت عندهم أيضاً زراعة النخل، مع بقية المحاصيل الزراعية التي يزرعونها، والزراعة أساسيةٌ جداً في نهضة الأمم، وفي توفير متطلبات الحياة الضرورية من القوت والطعام، الذي يحتاج إليه الناس؛ ولذلك إذا ازدهرت الزراعة في قومٍ، ازدهرت حياتهم، وتحسنت ظروف معيشتهم، وتوفرت متطلباتهم الأساسية من الغذاء وغيره.
أيضاً على مستوى العمران والبناء: ازدهرت حياتهم؛ فعمروا المدن، وسكنوا القصور، وهذا من المؤشرات على مستوى الرفاهية والرخاء، والثروة والتجارة التي كانوا يمتلكونها؛ نتيجةً لمحاصيلهم الزراعية الوفيرة، التي كانوا يستفيدون من عائداتها ثروةً ضخمة؛ فاتجهوا للعمران، كما ذكَّرهم نبي الله صالح وهو يذكِّرهم بنعم الله عليهم: {وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا}[الأعراف: من الآية74]، فهم كانوا لرفاهيتهم، وتوفر متطلباتهم وأموالهم، والعائد المالي المتوفر لديهم، كانوا يبنون القصور، ويسكنون فيها.
مع تلك الحياة، التي توفرت لهم فيها متطلبات حياتهم بازدهار، ورفاهية، ورخاء، وارتياح، لم يشكروا نعمة الله عليهم؛ بل انحرفوا، وزاد طغيانهم، وانتشر الفساد فيهم، وتعاظم، بل أصبحوا هم بؤرةً للفساد، أصبحوا في واقعهم بؤرةً للفساد، ومصدِّرين للفساد إلى المجتمعات التي لها علاقةٌ بهم، وتعاملٌ معهم؛ ولهذا كان مما نهاهم عنه نبي الله صالح “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[الأعراف: من الآية74]، فهم أصبحوا بؤرةً للفساد، مُصرِّين على الفساد، مصدِّرين للفساد، وبَطِروا بالنعمة التي هم فيها، بَطِروا: لم يشكروا نعمة الله عليهم، ولم يأخذوا العبرة مما حصل قبلهم لقوم نوحٍ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ولقوم نبي الله هود “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، مما حصل لعاد، وهم كانوا يعرفون ما الذي حصل لعاد؛ لأنهم ليسوا على بعد زمني طويل جداً من عاد، يعني: الأجيال تناقلت ما حدث لعاد؛ وإنما حاولوا أن يعملوا تدابير واحتياطات يدخلونها ضمن اهتماماتهم العمرانية، فهم عندما كانوا ينحتون الجبال بيوتاً، فكانوا من ناحية: هي حالة ترفيهية، وحالة حضارية، وحالة تُعَبِّر عن تمكنهم وقوتهم، ومن ناحيةٍ أخرى: كانوا يحسبون حساب ما حصل لعاد، أن الله أهلكهم بالريح العقيم، المدمرة، العاتية؛ فكانوا يفكرون أنهم عندما ينحتون الجبال بيوتاً، قد أمنوا على أنفسهم من أن يحصل لهم ما حصل لعاد، فالريح لن تستطيع أن تُدَمِّر الجبال وأن تنقلها، هكذا فكروا، وتصوروا أنهم بذلك أصبحوا آمنين، ونسوا أن العذاب أنواع كثيرة؛ فالله أهلك عاداً بالريح العقيم المدمرة العاتية، ولكنه أهلك قوم نوح بالطوفان، ويمكن أن يهلك قوماً آخرين بعذابٍ آخر، فهم لم يلحظوا ذلك، من العمى، من العمى!
فنحتوا الجبال بيوتاً، وصمموها تصميماً رائعاً؛ لتكون من جانبٍ آخر: جانباً من رفاهيتهم، وتعبيراً عن مدى تمكنهم؛ لأنها عملية صعبة وشاقة، ولاسيما بوسائل وإمكانات ذلك العصر، النحت للجبال بيوتاً رائعةً، وتصميمها لتكون كذلك بشكلٍ رائعٍ وجميل، كانوا يلحظون حتى الجانب الجمالي؛ فيظهر في واجهة الجبل زخارف، ونقوشات، وأعمدة جميلة، وأشكال وتصميمات، تُعبِّر عن الزينة، والإبداع، والجمال العمراني، ومن داخل كذلك يصممونها بما يناسب للسُّكنَة فيها والاستقرار فيها براحة: كيف يتوفر فيها الأكسجين، كيف يدخل الماء إليها، ويصل إليها وفق قنوات منظمة، وأنظمة مناسبة لوصول وتدفق الماء إلى داخلها، فأبدعوا في ذلك، وأتقنوا في ذلك.
أرسل الله إليهم نبيه صالحاً “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وهو منهم، يعرفونه، ويعرفون حكمته، ورشده، وكماله، وزكاءه، وأخلاقه، فهو متميزٌ بينهم بكل ذلك: بما يمتلكه من حكمة، من رشد، من زكاء نفس، من الاستقامة، والطهارة، والصلاح في أعماله، وفي تصرفاته؛ فبلَّغهم رسالات الله، وسعى لهدايتهم، ولإنقاذهم، ولإصلاحهم، ولتطهيرهم مما هم فيه من الفساد، وذكَّرهم بنعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عليهم، ودعاهم- كما هي دعوة كل الأنبياء، في إطار العنوان الجامع، الذي يُعبِّر عن محتوى الرسالة الإلهية بكلها- إلى عبادة الله وحده. عبادة الله بالتوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في الاعتقاد أنه وحده الإله الحق، لا إله إلا هو؛ وبالتالي الاتِّباع لنهجه، والالتزام بأوامره ونواهيه، والتمسك برسالته.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}[هود: من الآية61]، يعني: أرسل الله إلى ثمود أخاهم صالحاً، ويأتي هذا التعبير (أَخَاهُمْ)؛ لأنه منهم، وهذه نعمةٌ عليهم؛ لأنهم يعرفونه، وهو أيضاً يتَّجه بكل اهتمامه، وبكل حرص لنجاتهم، للعمل على إنقاذهم، وهدايتهم، وبما فيه الخير لهم.
{قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[هود: من الآية61]، وكما غيره من الأنبياء يوجِّه دعوته إليهم جميعاً؛ لنجاتهم، وليصل هدى الله إلى الجميع، وليقيم حجة الله على الكل، {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}؛ لأن حالة تأليه غير الله من المخلوقين، والمربوبين، والعبيد، ومن هم ملكٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو: تنكرٌ لأكبر الحقائق، وهو كفرانٌ لنعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وافتراءٌ عظيم، وباطلٌ لا يساويه باطل.
{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}[هود: من الآية61]، يعني: الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي خلقكم، وأنشأكم من هذه الأرض؛ لأن الإنسان مخلوقٌ من الأرض نفسها، من تربتها، بدءاً بأبينا آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وأيضاً الإنسان عندما يخلق من سُلالةٍ مِن ماءٍ مهين، تلك السُلالة التي خُلِقَ الإنسان منها، هي مركبةٌ من عناصر الأرض، من عناصر التربة التي تصل إلى جسم الإنسان، من خلال الغذاء الذي يتغذاه من نباتات الأرض نفسها، فالله هو الذي خلقكم، بقدرته، وحكمته، ورحمته، ونعمته، {مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}[هود: من الآية61]، هو الذي استخلفكم في الأرض؛ لعمارتها، والانتفاع بما فيها من نعم الله الوافرة، نعم الله التي لا تُعَد ولا تحصى.
وهذا التعبير: عبارة (وَاسْتَعْمَرَكُمْ)؛ لأن الله هيأ الأرض بنفسها بما أودع فيها من النعم، أيضاً في تكوينها، وتركيبها، وتشكيلها، وتصميمها، هُيِّئَت على نحوٍ ينتفع الإنسان فيها غاية الانتفاع: يعمر، ويبني، ويحرث، ويزرع، ويعمل الأشياء الكثيرة، يصمم الإنشاءات المتنوعة، التي تخدمه لحياته، بأشكالها وأنواعها، وأودع الله في هذه الأرض النعم الكثيرة، يستخرجها الإنسان، وينتفع بها بأشكال كثيرة وفق سُنَّة التسخير؛ لأن الله سخَّر ما خلق في الأرض، وما خلق في السماوات للإنسان؛ ليكون قابلاً للانتفاع به بأشكال كثيرة، بطرق كثيرة، بوسائل كثيرة، لمنافع متعددة ومتنوعة.
وهيأ الله الإنسان نفسه، من خلال ما منحه إياه، وأعطاه إياه: من طاقات، من قدرات، من وسائل، من إمكانات؛ وما زوَّده به من مدارك، وما هداه له وألهمه إياه، وما هيأه له أيضاً من خلال الاستفادة من التجارب: في الابتكار، في الاستنتاج، في التصنيع، في الحصول على المعارف التي تساعده على أداء هذه المهمة في الاستعمار في الأرض، والعمارة لها، والانتفاع بما فيها من النعم.
هذا مفهوم أن الله استعمرنا في الأرض، يعني: أعطانا القدرات، والطاقات، والمدارك، والمعارف، وهدانا بهدايته، ومن جانبٍ آخر: هيأ لنا في الأرض نفسها كيف نعمرها بما ننتفع به في حياتنا، وكيف ننتفع أيضاً بما أودع لنا فيها من النعم الواسعة جداً.
هذا التعبير القرآني: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، أتى الغرب الكافر في هذا العصر ليُقَدِّم هذا العنوان لمفهومٍ آخر، استخدم مصطلح (الاستعمار)، ولكن لمعنىً آخر، ولمفهومٍ آخر، ولأهدافٍ أخرى، وهو: أن تأتي الدول الكبيرة المتمكنة، ذات القوة العسكرية، لتسيطر على البلدان الضعيفة، وتنهب ثرواتها، وتظلم شعوبها، وتضطهد أبناءها، وتصادر حقوقهم، وتتحكم بهم، وتستغلهم، وتستأثر عليهم، بما منحهم الله من الموارد والثروات والنعم، وهو مفهوم آخر، وهذا من التحريف أيضاً، والاستغلال لمصطلحات معينة، بمفاهيم مختلفة تماماً عن المعنى الحقيقي لها، كما استخدموا مصطلحات أخرى: استخدموا مفردة (الحريَّة)، مفردة (الحقوق)… مفردات أخرى، ويوظفونها لأمور أخرى، بعيدةً تماماً عن المعنى الأصلي لها، والمعنى الأول لها، يأتون لها بمفاهيم مختلفة تماماً، مفاهيم سيئة طبعاً؛ ليعملوا وفقها.
{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}[هود: من الآية61]، فالنعمة التي هم فيها هي نعمة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عندما يرسل رسله هو يرسلهم بمشروع حضاري، يعني: فيه الخير للناس لدنياهم وآخرتهم، وليس لحرمانهم مما هم فيه من النعمة؛ إنما أيضاً لتستمر لهم النِعَم، وليُحسِنوا التصرف مع نعم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والاستفادة منها بشكلٍ صحيح، بعيداً عن الإفساد، بعيداً عن الاستخدام الضار؛ لأن مشكلة الإنسان تتلخص في: سوء استخدامه وتعامله مع نعم الله، سوء استخدامه لها، وسوء تعامله معها، عندما يفسد بها، عندما تتحول بالنسبة له إلى وسيلة للإفساد، للإضرار، للتصرف السيء؛ فهو بذلك يسيء إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” المنعم الكريم، الذي مكَّنه وأعطاه تلك النعم؛ لينتفع بها فيما يفيده لدنياه وآخرته، فأساء الاستخدام، وأساء إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وألحق الضرر، ونشر الفساد على مستوى واقعه: يتأثر الإنسان شخصياً عندما يتحول إلى مفسد في الأرض، وفي واقع الحياة من حوله: على الآخرين أيضاً، يصبح مصدر فساد وضرر عليهم.
عندما بلَّغهم نبي الله صالح رسالة الله، وأقام الحجة عليهم، كيف كانت ردة فعلهم؟ وكيف كان موقفهم؟ عابوا عليه ذلك، واستنكروا عليه، واحتجوا عليه، وغضبوا منه، وردُّوا عليه: {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا}[هود: من الآية62]، كنت فيما قبل شخص نرجوا فيه الخير لقومه، نرى ما أنت عليه من الحكمة والرشد، نستشيرك في بعض الأحيان، نعتبرك أملاً لأن يكون هناك من جانبك ما فيه الخير لقومك، فإذا بك تأتي بهذا الكلام، الذي استنكروه عليه جداً: {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ}[هود: 62-63].
نجد كيف أنهم حاولوا أن يثيروا العصبية لمواجهة دعوته: {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}، بدون حجة، بدون برهان؛ إنما فقط منطق العصبية يستخدمونه، وهم يتجاهلون ويتنكرون لما كان يعبده الآباء الأولون، قبل آبائهم المنحرفين، يعني: حالة الانحراف هي طرأت فيما بعد، وإلا فكان من آبائهم، من أجدادهم القدامى من هم على ملة التوحيد؛ لأن البشر استأنفوا بعد الطوفان العظيم حياتهم مع نبي الله نوح “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وبدأ هو وذريته، والمؤمنون معه، وتناسلت ذريته، على مبدأ التوحيد، على اتِّباع الرسالة الإلهية، ثم طرأت فيما بعد، وظهرت حالة الشرك، والانحرافات، والخرافات، والعقائد الباطلة، والانحراف على المستوى السلوكي والعملي، هي حالات طرأت.
ولذلك فينبغي الوعي بهذه الحقيقة المهمة: الأصل في مسيرة البشرية منذ بداية الوجود الإنساني، بوجود نبي الله آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وبوجود حواء “عَلَيْهَا السَّلَامُ”، ثم استمرت المسيرة البشرية، الأصل في ذلك هو: التوحيد لله، والعبادة لله، والاتِّباع لرسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والحالة التي طرأت وهي غريبة، وأتت غريبةً إلى حياة البشر، وطارئةً على حياتهم، هي: حالة الشرك، والانحرافات الأخرى، والخرافات الباطلة الأخرى، التي تشبَّث بها الكثير من البشر.
فما يقدِّمه علماء الأديان في الغرب، في دراساتهم، ومقارناتهم، وتصوراتهم، عن مسألة العقائد والأديان، هي تصورات باطلة، عندما يتصورون أنَّ: ملة التوحيد كانت غائبة تماماً عن الواقع البشري، وأن البشر على مرِّ التاريخ كانوا مشركين، وكانوا يتصورون أن الآلهة متعددة، ثم في مراحل متأخرة أتت فكرة التوحيد، وتَوصَّل إليها البعض من البشر، وتبناها البعض منهم. هذا تصورٌ باطلٌ خاطئ، لا أساس له من الصحة، فالأساس هو: ملة التوحيد، والطارئ والانحراف في واقع البشر هي: تلك التصورات الخرافية الباطلة عن تعدد الآلهة، عن اتخاذ آلهةٍ والإشراك بها مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فهم عندما أثاروا منطق العصبية: {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}، تجاهلوا ما كان عليه من قبلهم من الآباء والأجداد ما قبل مرحلة الانحراف، ولكنهم يريدون أن يحرِّكوا حالة العصبية؛ لأنهم لا يمتلكون الحجة، لا يمتلكون البرهان، ليس لديهم ما يستندون إليه، إلا منطق العصبية، وهو قد ردَّ عليهم: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي}؛ لأنَّ أنبياء الله ورسله يمتلكون الحجة، والبرهان، والوضوح فيما يقدِّمونه، يقدِّمون حقاً واضحاً بيِّناً، بحجةٍ واضحةٍ بيِّنة، ويؤيدهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالمعجزات الدالة على صدقهم، وصدق رسالتهم ونبوءتهم.
{وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً}[هود: من الآية63]؛ لأنها رحمة، رحمةٌ له، ورحمةٌ لقومه، الرسالة الإلهية هي رحمة، والرسل هم رحمةٌ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لإنقاذ الناس، لما يقيهم من العذاب والهوان والخزي، وبما يفوزون به، ويفلحون به، وينالونه من الخير العظيم والشرف الكبير.
{فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ}[هود: من الآية63]؛ لأنهم يطلبون منه أن يتخلى عن رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، عن الرحمة التي أهداها الله لهم، ومَنَّ بها عليه وعليهم، ويريدون منه ما فيه الخسارة له ولهم: أن يتخلى عن تلك الرسالة الإلهية.
نهاهم عمَّا ينشرونه من الفساد، وما هم عليه من الفساد: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[الأعراف: من الآية74].
وجَّهوا له الاتهامات:
{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء: الآية153]، قالوا: [أنت رجلٌ مسحور، قد أثَّر عليك السحر، وعطَّل فهمك، وعقلك، ورشدك، وأصبحت تحمل هذه الخرافات، والأوهام، والتخيلات، والتصورات الغير صحيحة]، {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}.
اتهموه أيضاً بالكذب.
اتهموه أيضاً، وجَّهوا دعايةً عليه: بأنه لا يمكن أن يكون رسولاً وهو بشرٌ مثلهم: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}[الشعراء: 153-154].
وهذا ما كان يقوله قبلهم قوم عاد، وقوم نوح أيضاً، وما قاله من بعدهم، وما يقوله الكثير من الناس في محاربة الهدى والهداة من عباد الله: {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}، وهذا ليس فيه أي حجة لهم، بل حجةٌ عليهم؛ لأن الله يجعل الهداة لعباده منهم؛ لأنهم في مهمتهم التي هي لهداية الناس، هم في موقع القدوة، وفي موقع الأسوة، وعليهم مهام عملية يتحركون في إطارها.
والرسول بنفسه هو مُتَّبِعْ، ليست المسألة أنه اتِّباعٌ له في ما هو من نفسه؛ لأنه قد أتى إليهم بأفكاره، بآرائه الشخصية، يتحرَّك بهم وفق مزاجه الشخصي، هو مُتَّبِعْ، تحدثنا عن هذه النقطة سابقاً: كيف أنَّ الله قال لنبيه يعلِّمه كيف يرد عليهم: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}[الأنعام: من الآية50]، وهذا هو حال كل الرسل والأنبياء، هم مُتَّبِعُون، هم حلقة وصل بين البشر وبين الله في الالتزام بتعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهم يعبِّدون أنفسهم لله أكثر من غيرهم، يلتزمون هم في مقام الطاعة لله، والعمل بتعاليمه، قبل غيرهم، وأكثر من غيرهم.
فما تذرَّعوا به من قولهم: {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}[الشعراء: من الآية154]، ليس فيه حجةٌ لهم، والشيء الغريب- كما قلنا سابقاً- أنهم يَتَّبِعُون بشراً ضالين، مجرمين، سيئين جداً، ويستنكفون ويستكبرون من الاتِّباع للرسل، الذين هم بشر عظماء، صالحون، أخيار، أبرار، ومتَّبعون لهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتعليماته، وليسوا متَّجهين بالناس وفق أهواء، أو آراء شخصية من جانبهم، {فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الشعراء: من الآية154]، طلبوا منه معجزةً يقترحونها له.
{فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}[القمر: 24-25]، اتهموه بالكذب، وبأنه ماهرٌ في الكذب، يختلق أكاذيب رهيبة جداً، لا يختلقها إلَّا كذَّاب محترف، ومتَّجه في الأكاذيب بشدة، وبجرأة ووقاحة، وهم يهدفون إلى الإساءة إليه، والسُّخريَّة به، والتحذير منه.
أمَّا قولهم: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا}[القمر: من الآية25]، فهذا يبين حالة الحسد، وعقدة الحسد، فجمعوا بين عقدة الكبر، وعقدة الحسد، وذلك هو منطق الملأ منهم، الذين قالوا: [كيف يكون الوحي عليه، والنبوة له؟ لماذا لم يكن واحداً من أولئك الملأ، الذين هم بارزون في المجتمع بثروتهم، ونفوذهم، ووجاهتهم، وسلطتهم].
طلبوا منه الآية (المعجزة)، ومَنَّ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- حجةً عليهم- مَنَّ له بآيةٍ عجيبة، كانت تلك الآية كما يقال في الأخبار والآثار: في يوم عيدهم، وقد احتشدوا جميعاً؛ لانتظار هذا المشهد، عندما يأتي لهم بالآية، تلك الآية كانت هي الناقة، أخرج الله لهم ناقةً عظيمةً وكبيرةً وعجيبة، بطريقة معجزة، يعني: لم تكن تلك الناقة ناقةً عادية، لا في مجيئها: أنها تولد بشكل عادي من ناقة أخرى، بل يقال في الأخبار والآثار والروايات: أنَّ الله أخرجها لهم من الجبل، من الصخرة الكبيرة الصمَّاء، انفلقت وخرجت منها الناقة العجيبة الكبيرة، وكانت عظيمةً وكبيرةً في حجمها، إلى درجة أنه لابدَّ أن يخصصوا يوماً يكون لها في شرب الماء، شرب ماء المنطقة التي هم فيها، تلك المنطقة، فأخرج لهم تلك الناقة، التي هي آية عجيبة جداً، وحذَّرهم من أن يمسوها بسوء، وطلب منهم أيضاً أن لا يعترضوها في المرعى، {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الشعراء: 155-156]، أي سوء: ضرب، أو أذية، أو جرح، أو قتل، وهي سترعى بنفسها في المرعى العام، لن ترعى شيئاً يخصهم، بل في المرعى العام، {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ}[الأعراف: من الآية73].
مع هذه الآية العجيبة جداً، آمن بعض المستضعفين منهم، وحصل انقسام فيما بين قومه، وقد حاول الملأ منهم أن يُؤَثِّروا على الذين آمنوا، وأن يهزوا إيمانهم وقناعتهم، لكنهم فشلوا، {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[الأعراف: 75-76]، فهم يستنكرون عليهم إيمانهم، ويعلنون موقفهم الحاسم، الذي منبعه استكبارهم، منبعه كبرهم، عقدة الكبر لديهم، {إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}، وتحولوا إلى الخصام معهم، ومحاولة الضغط عليهم، لكنهم فشلوا أيضاً، {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}[النمل: من الآية45]، بينهم الجدال، المشاكل، المحاججة، المقاطعة، المباينة، الاختلاف فيما بينهم، والخصومة.
وقد حذَّر نبي الله صالح حذَّر أولئك المستكبرين، الذين اتَّجهوا للمخاصمة، والعناد، وإثارة الشر والمشاكل في مواجهة رسالته، بالرغم من تلك الآية العجيبة الباهرة، {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ}[النمل: 46-47]، قالوا: نحن نتشاءم بك، ونتشاءم بأولئك الذين آمنوا بك، أنكم سبب شؤم، وشر، وخطر، وسوء على قومكم، وهذه عادة أيضاً لدى بقية الأقوام، كانوا يتشاءمون بالرسل والأنبياء، وأنهم سبب لنزع النعمة، سبب للمشاكل، سبب لأن يخسروا ما هم فيه من الراحة… إلى غير ذلك.
{قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}[النمل: من الآية47]، المشكلة هي مشكلتكم أنتم فيما بينكم وبين الله، عندما تعصون الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تكفرون برسالته، تصدون عن سبيله، تنحرفون عن تعاليمه، تنشرون الفساد في الأرض، هذا يسبب عليكم سخط الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وغضبه، وعذابه، وتظهر آثار ذلك في حياتكم: في نزع البركات، في الجدب، في الشدائد… في أشياء أخرى.
كان وجود الناقة وحركتها المستمرة في أوساطهم معجزة، معجزة متحركة، معجزة موجودة، مؤثرِّة، تفرض على أولئك القوم- على المستضعفين منهم بالذات، وعلى من لم يصل إلى درجة الخذلان التام- أن يتأثر، وهو يشاهدها يومياً، بما هي فيه من خلقها العجيب، وعِظَمِهَا، وهي بذلك المستوى، وكذلك كان فتنةً لهم، اختباراً: هل سيتحملون مشاهدتها، فيما هي معجزة حيَّة، متحركة، موجودة، قائمة، أم سيتورطون في الإجرام الكبير بالاستهداف لها؟
فاتخذوا قراراً خاطئاً وكارثياً بالتَّخَلُّص منها، وقتلها، يريدون أن يتخلصوا منها كمعجزة موجودة، متحركة، ظاهرة، تتحرك بين أوساطهم، تبقى مؤثِّرة في إسقاط تشكيكاتهم وباطلهم، ومؤثرةً على الآخرين، اتخذوا قراراً بالتَّخلُّص منها وبقتلها، بالرغم من أنَّ نبي الله صالحاً “عَلَيْهِ السَّلَامُ” قد حذَّرهم، حذَّرهم بالعذاب القريب، والعذاب العظيم، إن مسوها بسوء.
عقد الملأ منهم اجتماعاً سرياً، واتخذوا ذلك القرار الخاطئ، الكارثي، الذي جرَّ عليهم الهلاك والعذاب، واختاروا لتنفيذ تلك المهمة- بعملية كمين- اختاروا شخصاً منهم، شقياً، مجرماً، عدواً لله، سيئاً، معروفاً بإجرامه وسوئه، ومعروفاً بجرأته على ارتكاب القبائح والذنوب، وكان مشهوراً بينهم بذلك؛ ولهذا يقول الله: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ}[القمر: الآية29]، نادوه وانتدبوه لتلك المهمة الإجرامية الخطيرة جداً، التي تجلب عليهم الشقاء، وهو شقيهم، وأشقاهم، وفعلاً، وأولئك الذين اتخذوا القرار، وهم كانوا أهل شقاء، جلبوا الشقاء على قومهم، يقال في الروايات وفي كتب التاريخ: أنَّ اسمه [قَدَارَةُ بن سَالِف]، واشتهر اسمه هذا بين الأجيال، فهو جرَّ عليهم الشقاء والهلاك، أقدم ذلك المجرم على ارتكاب تلك الجريمة الخطيرة، التي جلب الشقاء لهم بها عن طريق كمين نفَّذه للناقة، وعقرها، وهم فرحوا بذلك.
فكان منهم الآمرون: أولئك الذين قال الله عنهم: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ}[القمر: من الآية29]، طلبوا منه تنفيذ تلك المهمة، وشجَّعوه على ذلك. وكان منهم المُنفِّذ: وهو ذلك المجرم {صَاحِبَهُمْ}، المجرم الذي نَفَّذ تلك الجريمة. وكان منهم المؤيدون، والراضون، والمبتهجون، والمرتاحون لتنفيذ تلك الجريمة، والمؤيدون لذلك. فكانوا بكلهم شركاء: الآمرون، والمُنفِّذ، والمؤيدون، اُعتبروا بكلهم مشتركين في تنفيذ تلك الجريمة؛ ولهذا نسبها الله إليهم جميعاً، فقال: {فَعَقَرُوهَا}[الشمس: من الآية14]، مع أنه قال في آيةٍ أخرى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ}، {فَعَقَرُوهَا}، ارتكبوا تلك الجريمة، وأقدموا على ذلك المحظور، الذي حذَّرهم منه نبي الله صالح “عَلَيْهِ السَّلَامُ”.
{فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود: من الآية65]؛ لأنه قد حذَّرهم فيما قبل ذلك وأنذرهم، أنهم إن مسوها بسوء، فسيأخذهم عذاب قريب وعظيم.
وهنا درسٌ مهمٌ جداً في خطورة التأييد للباطل، والتأييد للظلم، والتأييد للإجرام: أنَّ الإنسان بذلك يكون شريكاً في نفس الجريمة، وهذه مسألة خطيرة، يستهين بها الكثير من الناس، يستهين بها الكثير من الناس، ولأمير المؤمنين عليّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” كلامٌ عظيمٌ ومفيدٌ في ذلك، هو على ضوء هذه الآيات القرآنية المباركة، قال: ((أَيُّهَا النَّاس، إِنَّمَا يَجمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَالسُخط))، ((إِنَّمَا يَجمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَالسُخط، وَإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُود رَجُلٌ وَاحِد، فَعَمَّهُمُ اللهُ بِالعَذَاب؛ لمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا، فَقَال: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}[الشعراء: الآية157]))، أيضاً قال: ((الرَّاضِي بِفِعلِ قَومٍ)) فعل مُعيَّن سيء، ((الرَّاضِي بِفِعلِ قَومٍ كَالدَّاخِلِ فِيْهِ مَعَهُم، وَعَلَى كُلِّ دَاخِلٍ فِي بَاطِلٍ إِثمَان: إِثْمُ العَمَلِ بِه، وَإِثْمُ الرِّضَا بِه))، وفعلاً هذا مُطابق للقرآن الكريم فيما حصل في قصة ثمود، وفي آيات كثيرة، يُبيِّن خطورة حالة الرضا بالفعل، أنَّه جُرمٌ إلى جانب الجُرم، إلى جانب الفعل الذي هو جرم؛ ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” (في سورة التوبة): {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ}[التوبة: من الآية81]، فكانت جريمتان:
كان تخاذلهم وقعودهم عن الجهاد جُرماً.
وكان فرحهم بذلك، ورضاهم به، جُرماً إضافياً، وهذا درسٌ مهمٌ جداً.
نجد في هذه الأحداث، التي تحصل في عدوان العدو الإسرائيلي على غزة، من بعض الدول الخليجية، وبعض الدول العربية، من يؤيِّد ما يفعله العدو الإسرائيلي، ومن يبرر، ومن يحمِّل المسؤولية على المستضعفين، المظلومين، المضطهدين، أبناء الشعب الفلسطيني، وهذا خطأ رهيب، كارثة رهيبة جداً، لماذا؟ لأن الإنسان سيصبح شريكاً مع العدو الإسرائيلي في كل تلك الجرائم، بسبب تأييده، فيتحمل وزراً عظيماً وكبيراً جداً، جرائم رهيبة للغاية، يشترك فيها نتيجة ولائه للعدو الإسرائيلي؛ ولهذا في تحذير الله من الولاء لهم (لليهود والنصارى)، قال في ختام ذلك: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: من الآية51]، يتحول الإنسان إلى ظالم من أسوأ الظالمين، يشترك في جرم أسوأ الظالمين، وهم أولئك المجرمون.
كذلك في أثناء العدوان على بلدنا، البعض من الناس أيَّد المعتدين على بلدنا، وهم يقتلون الآلاف من الأطفال والنساء، والأبرياء المساكين، وهم يرتكبون أفظع الجرائم، يصبح الإنسان شريكاً في نفس تلك الجرائم، يصبح شريكاً في وزر قتل أولئك الأطفال والنساء والآخرين، فهي حالة خطيرة جداً.
لم يكفهم قتلهم وعقرهم للناقة، بل اتجه كبار مجرميهم أيضاً لإعداد خطة لتنفيذ عملية اغتيال لنبي الله صالح “عَلَيْهِ السَّلَامُ”؛ ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ}[النمل: من الآية48]، في مدينتهم، كان لهم مدينة ضخمة، {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}[النمل: الآية48]، {تِسْعَةُ رَهْطٍ}، يعني: بيوتات، مجموعة، كل مجموعة هي قرابة فيما بينهم، مجموعة هناك، ومجموعة هناك، ومجموعة… تسعة بيوتات، بينهم رابط القرابة فيما بينهم، وكانوا هم مصدراً للفساد، ونشاطهم، وأعمالهم، وممارساتهم، وخططهم، وبرنامجهم، كله إفساد، إلى هذه الدرجة: {يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}، لا يأتي منهم إلَّا الفساد، دائماً يخططون للأعمال التي هي فساد، يتحركون فيما هو فساد، ينشرون الفساد، لا يعملون أي شيء فيه صلاحٌ للمجتمع.
{قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[النمل: الآية49]، أعدوا خطة اغتيال؛ لأنهم لا يجرؤون أن يقتلوا نبي الله صالحاً “عَلَيْهِ السَّلَامُ” بشكلٍ ظاهرٍ واضح، هناك من أقاربه، من عشيرته، من يقف إلى جانبه، إضافةً إلى المؤمنين به؛ ولذلك يريدون أن ينفِّذوا عملية اغتيال سرية، ليلاً، هذا معنى التبييت، {لَنُبَيِّتَنَّهُ}[النمل: الآية49]، يعني: لتنفيذ عملية الاغتيال ليلاً، بطريقة سرية، من غير أن يُعرَفوا، أو يظهر من هو بالتحديد الذي أقدم على ذلك الجرم، وذلك الفعل، ثم على أساس أنهم إذا اتُّهِمُوا بذلك فسينكرون، {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ}[النمل: من الآية49]، وكانت خطتهم على أن يقتلوه هو وأهله، أن يقتلوا نبي الله صالح، وأن يقتلوا أهله معه.
مكروا، وأعدُّوا الخطة وترتيباتها، وموعد التنفيذ، ومن يُنفِّذ، وكيف يُنفِّذ، كل التفاصيل، {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[النمل: 50-52]، كانت خطتهم التي تقاسموا عليها بالله، هم كانوا معترفين بالله، وتلك الأقوام الكافرة كانت تعترف بالله، وتُقِرُّ بالله، ليس كما في كثير من المسلسلات، والكتابات القصصية، يتحدثون عنهم وكأنهم كانوا ينكرون وجود الله أساساً، أو يجهلون بشيء يقال عنه: (الله)، اسمه (الله)، هم كانوا يقرون بالله، ويعترفون به؛ إنما يشركون به آلهة أخرى زائفةً باطلة، بل إنهم في الأمور المهمة، التي هي ذات أهمية كبيرة جداً عندهم، يقسمون بالله عليها؛ لأهمية الموضوع، وهنا على ماذا يقسمون؟ هل لتنفيذ عمل صالح؟ أو لتنفيذ عبادة؟ أو للقيام بأمرٍ جيد؟ يقسمون بالله على تنفيذ جريمة قتل نبي الله، يعني: شيء غريب، شيء غريب جداً!
هم فشلوا في تلك المهمة، ونبي الله صالح “عَلَيْهِ السَّلَامُ” غادرهم، وهاجر من بينهم، ذهب من بينهم هو ومن معه من المؤمنين، وانتقل عنهم، وتلك العملية فشلت، ويقال: أنَّ الذين أرادوا تنفيذها هلكوا بأنفسهم في تلك اللحظة، ومن المؤكد هلاكهم مع قومهم، كما في الآية المباركة: {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}.
بدأت الثلاثة الأيام التي ذكرها لهم نبي الله في الوعد المؤكَّد، {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود: من الآية65]، وبدأت مؤشرات العذاب، وندموا، لكنه ليس ندم التائبين؛ بل ندم المتوجِّسين، المترقِّبين، الذين بدأوا يقلقون، ويشعرون باحتمال نزول العذاب، {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف: الآية79]، وما أكثر من يكرهون الناصحين، ويتعقَّدون على الناصحين! وما بعد نصح الأنبياء، وأولياء الله! {فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}[الشعراء: من الآية157].
اكتملت الثلاثة الأيام، فأتاهم العذاب المهلك المدمر، نعوذ بالله! {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ}[الأعراف: من الآية91]، دمَّرهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” تدميراً كاملاً برجفةٍ دمرتهم بشكلٍ تام، {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}[الأعراف: من الآية91]، قد ماتوا، وبادوا، وانتهى أمرهم، {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ}[هود: الآية68]، ما كانوا فيه من النعمة، ما كانوا فيه من الإمكانات، ما كانوا فيه من الرفاهية، ما كانوا فيه من الحياة التي تتوفر لهم فيها متطلبات حياتهم، ما كانوا فيه من التمكين، انتهى؛ أمَّا الجبال التي نحتوها إلى بيوت، فلم تشكل حمايةً لهم من عذاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أبداً، هلكوا في رجفةٍ واحدة، وصيحةٍ واحدة، وصاعقة واحدة، أنهتهم تماماً، وهلكوا بشكلٍ كامل.
العبرة الكبيرة في تاريخ الأمم والأقوام: أنَّ الله ينعم عليهم بالنعم الكبيرة في حياتهم، ويُتِمُّ نعمته عليهم بنعمة الهدى، وأوليائه، وأنبيائه، ورسله؛ لتستقر حياتهم، وتصلح حياتهم، ونعمة الرسل ونعمة الهدى هي أعظم النعم، التي بها تُستكمل بقية النعم، وتطيب بها بقية النعم، وتستقر بها حياة الناس، لكنهم بدلاً من شكر النعمة على ما هم فيه من رفاهية وراحة، يتَّجهون للفساد، يتَّجهون للانحراف عن تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يعاندون، وينحرفون، ولا يقبلون بهدى الله؛ فتأتي العقوبات، والعقوبات كثيرة، والعقوبات متنوعة، يعني: نجد مثلاً فيما قصَّه الله عن الأمم الهالكة التي أهلكها الله، كيف تنوَّعت العقوبات، أيضاً هناك عقوبات بالفيروسات، بالأوبئة، بالحروب والتسليط… بأشياء كثيرة، مجال العقوبات مجال واسع.
ولذلك عندما نجد مثلاً في واقع حياتنا بلداناً معينة، أو دولاً معينة، أصبح أهلها في حياة طيِّبة على المستوى المادي، حياة رفاهية، تتوفر لهم النعم والإمكانات وغير ذلك، فهم في واقع الحال في حالة اختبار: إن شكروا نعمة الله، واتَّبعوا هدى الله؛ كان في ذلك الخير لهم، وإن قابلوا نعم الله بكفر النعمة، بسوء الاستخدام للنعمة: في المعاصي، في الفساد، في الظلم، في البغي، مثلاً:
قوم نبي الله هود “عَلَيْهِ السَّلَامُ” (عاد)، كانوا أيضاً أهل قوة: قوة بدنية، قوة عسكرية، قوة اقتصادية، فمع فسادهم ومعاصيهم أيضاً اتجهوا للظلم، والطغيان، والجبروت، والاعتداء على البلدان والمجتمعات الأخرى، والظلم لها، انتهى كل ذلك، أهلكهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
قوم نبي الله صالح “عَلَيْهِ السَّلَامُ” (ثمود)، مع إمكاناتهم ورفاهيتهم، وما هم فيه من الإمكانات الضخمة، والحياة التي تتوفر لهم فيها متطلبات تلك الحياة، اتَّجهوا للفساد، ونشروا الفساد، والمنكرات، والفواحش، والرذائل… ومختلف أنواع الفساد، أصبحوا بؤرةً للفساد، ومصدِّرين الفساد إلى بقية المجتمعات، التي لها علاقةٌ بهم، أو تتعامل معهم.
فهم يسيئون استخدام نعم الله عليهم، ويتصرَّفون بها فيما هو معصيةٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ثم تنتهي، يعني: لا تدوم النعمة على قومٍ يتنكَّرون لها.
إذا رأينا في عصرنا هذا بلدانا متمكنِّة على المستوى الاقتصادي، وحتى على مستوى عسكري… وغيره، فهذا لا يعني أنَّ ذلك سيدوم لها، بكفرانها للنعمة؛ تنتهي، تأتيها العقوبات، تختلف العقوبات من زمن إلى آخر، وعصرٍ إلى آخر، تتنوع العقوبات أيضاً، إن لم يشكروا نعمة الله عليهم، بحسن التعامل مع نعم الله، والكف عن المعاصي عن الفساد، عن الظلم، والطغيان، والبغي، فما هم فيه ينتهي في نهاية المطاف، يستمر إلى وقت معين، ثم يتلاشى، تتغير أحوال الناس، وتغيرت أحوال أمم وبلدان، تغيرت أحوالهم تماماً: من الغنى، والدعة، والرفاهية، إلى الفقر، إلى البؤس، إلى الشدة، إلى العناء، وهذا يحصل.
أثناء النعمة يكونون في حالة سُكْر، سُكْر للنعمة، لا يتخيَّلون أنَّ حالهم ذلك سيتغير، وأنهم سيبدَّلون بما هم فيه من النعمة، التي لم يشكروا الله عليها، واستغلوها للفساد، والظلم، والمنكرات، سيبدَّلون عنها بالبؤس، والشقاء، والعذاب، لا يتخيلون ذلك.
أحياناً في بعض البلدان تكون معهم منغِّصات أصلاً، لا يهنؤون بما هم فيه، ولو أنَّ لديهم رفاهية كبيرة جداً على المستوى المادي، فهذا هو عِبرةٌ مهمةٌ لنا مما حلَّ بتلك الأقوام والأمم.
فيما يتعلق أيضاً بخطورة الشرك، عندما كان الأنبياء والرسل يحاربونه، ويعملون على إنقاذ الناس منه، ويوجِّهونهم إلى عبادة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وحده؛ لأنه باطلٌ كبيرٌ، وفي نفس الوقت يصرف الناس عن رسالة الله تماماً، يعني: الذين هم في حالة كفر وشرك، لا يقبلون أصلاً ببقية تعليمات الله، وبقية التفاصيل التي يأتي بها الرسل والأنبياء؛ لأنهم لم يقبلوا الأصل الذي بُنِيَّت عليه بالأساس.
ومن أخطر، من أخطر ما يسعى له الأعداء: أنهم يحاولون- على مستوى الأمة الإسلامية، وغيرها- أن يبعدوا المجتمعات تماماً عن رسالة الله، ما تسعى له أمريكا، ما تسعى له إسرائيل، ما يسعى له اللوبي اليهودي الصهيوني المضل، المفسد في الأرض: أنه يحاول أن يصرف الناس نهائياً عن تعاليم الله، عن رسالته، وأن يتَّجه بهم منفصلين عنها بشكلٍ تام، وأن يجعلهم يتنكَّرون لها في اعتقاداتهم، في أعمالهم، في تصرفاتهم، وأن يتَّجه بهم إلى الاستباحة للمحرمات بكلها، وعدم الانضباط في حياتهم على أساس هدى الله وتعليماته التي فيها الرشد، والخير، والسعادة، والفلاح، والنجاة، وهذه مسألة خطيرة؛ لأنهم يريدون أن ينكبوا البشرية، ويريدون أن يستمروا فيما هم فيه من فساد، في بيئة متقبِّلة لفسادهم، لمنكرهم، لشرهم، لاستعبادهم للناس، وهي حالة خطيرة للغاية، يريدون أن يكون الناس في جاهلية جهلاء بكل ما تعنيه الكلمة.
نكتفي بهذا المقدار…
وَنَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
قائد الثورة يؤكد أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يتجلى في الممارسات الإجرامية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني
يمانيون |
أكد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يتجلى في الممارسات الإجرامية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني.. مشيرا إلى أن المنظمات الدولية تشهد على المجاعة في قطاع غزة ونفاد القمح والطحين من المخابز التي كانت توزع الخبر لأبناء الشعب الفلسطيني.
وأشار السيد القائد في كلمته اليوم بتدشين الدورات الصيفية وحول آخر التطورات والمستجدات، إلى أن العدوان الأمريكي على اليمن هو جزء من المعركة التي يشترك الأمريكي فيها مع العدو الإسرائيلي.. مؤكدا أن العدوان الأمريكي لم يتمكن من إيقاف العمليات العسكرية المساندة للشعب الفلسطيني ولا توفير الحماية للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي.
مؤكدا مواصلة التصدي للأمريكي الذي يشترك مع العدو الإسرائيلي ويسنده ويحميه ويشاركه في عدوانه على فلسطين وضد شعوب الأمة.
العدوان الصهيوني على غزة:
وأوضح أن العدو الإسرائيلي لأكثر من شهر وهو يمارس جريمة التجويع ومنع الغذاء والدواء عن الشعب الفلسطيني في غزة، كما استأنف الإبادة الجماعية ويلقي القنابل الأمريكية على الشعب الفلسطيني في خيامهم وأطلال منازلهم المدمرة.. مبينا أن العدو الإسرائيلي استأنف الإجرام منذ أكثر من نصف شهر بذات الوحشية والعدوانية التي كان عليها لمدة 15 شهرا.
وأفاد بأن العدو الإسرائيلي لا يلتزم بالقوانين ولا بالاتفاقيات ولا قيم ولا أخلاق ويرتكب أبشع الجرائم بكل توحش.. مؤكدا أن العدو الإسرائيلي يركز على محاربة الجانب الإنساني في كل ما يتعلق به من إعدامات ومنع كل مقومات الحياة، ويرتكب كل أنواع الجرائم في غزة بتشجيع أمريكي ويقدم له السلاح لقتل الأطفال والنساء.
وذكر السيد القائد أن الأمريكي يتبنى بشكل معلن وصريح ما يفعله العدو الإسرائيلي، وعندما استأنف عدوانه أكد البيت الأبيض دعمه لكل ما يقدم عليه الإسرائيلي.. وقال” ما يفعله العدو الإسرائيلي في الضفة الغربية يهدف إلى التهجير وما حصل في جنين نكبة كاملة”.
وأشار إلى أن المسجد الأقصى مستهدف باستمرار بالاقتحامات وتحركات بن غفير تظهر الاستهداف والتصعيد ضد مقدس من أعظم المقدسات الإسلامية.. لافتا إلى أن الأمة أمام خطري جرائم العدو الإسرائيلي وما يهدف إليه من تصفية القضية الفلسطينية بدعم أمريكي شامل.
وبين أن العدو الإسرائيلي يخرق الاتفاق في لبنان ولم تتوقف انتهاكاته وغاراته وصولا إلى بيروت في استباحته للأراضي والدم اللبناني، ومستمر في عمليات القصف الجوي في دمشق وباقي المحافظات السورية وقسم الجنوب السوري إلى ثلاثة تصنيفات فيما الأمريكي يتوغل في ريف دمشق بحراسة من مسلحين محليين.
وأضاف” الجماعات التكفيرية في سوريا لا هم لها ولا شغل إلا قتل المدنيين المسالمين العزل الذين لا يمتلكون السلاح، تتفرج على ما يفعله العدو الإسرائيلي من قتل وغارات وتدمير دون أي توجه جاد وعملي للرد عليه”.. مبينا أن العدو الإسرائيلي يسعى فعليا لتثبيت معادلة الاستباحة لهذه الأمة بشراكة أمريكية.
وأفاد قائد الثورة بأن الخطة الإسرائيلية التي كشف عنها كبار المجرمين الصهاينة هي أنهم يريدون أن يتجهوا إلى تقطيع أوصال قطاع غزة.. موضحا أنه ومع تقطيع وعزل بقية القطاع عن بعضه وإطباق الحصار يفتح العدو لما يسمونه بالهجرة الطوعية.
وتساءل” أي هجرة طوعية والقنابل الأمريكية تلقى على الشعب الفلسطيني في خيامه وعلى أطلال منازله المدمرة وهو يجوع؟!”.. مشيرا إلى أن ما يفعله العدو الإسرائيلي في الضفة بمثل ما فعله في مخيم جنين هل هي هجرة طوعية أو تهجير قسري؟.
كما تساءل” إن لم يكن التهجير القسري بإطلاق القنابل الأمريكية القاتلة المدمرة على النازحين في مخيماتهم في الخيم القماشية فكيف هو التهجير القسري؟.. لافتا إلى أن الدور الأمريكي هو الأساس لأنه الممول والحامي والشريك والمتبني حتى لمسألة التهجير بنفسها.
وقال” لا يجوز أبدا ان يتحول كل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني إلى حالة روتينية يشاهدها الناس ويكتفى بالبيانات”.
وأكد السيد القائد أن صمت وتجاهل الشعوب العربية إزاء ما يجري في فلسطين انقلاب على كل المبادئ والقيم والأخلاق والقوانين والشرائع، ولابد من العودة للنشاط العالمي والتحرك بمثل ما كان عليه وأكثر في الـ15 شهرا في معركة طوفان الأقصى.
وأضاف” ينبغي أن يكون هناك نشاط واسع في مختلف البلدان على المستوى العالمي للضغط على الحكومات لتتبنى سياسات داعمة إنسانيا للشعب الفلسطيني، وأن يكون هناك عزل للعدو الإسرائيلي وللعدو الأمريكي في توجههما الوحشي المنفلت الهمجي الإجرامي، ولا ينبغي أن تتحول المسألة هذه المرة إلى حالة صمت يعم البلدان بكلها”.
وأشار إلى أن هناك ضغط أمريكي على الجاليات وعلى الناشطين في الجامعات إلى درجة الترحيل لبعضهم، وهناك ضغط أيضا في البلدان الأوروبية للتضييق على الناشطين والتهديد بترحيلهم.
ولفت إلى أن السلطات في ألمانيا تحذو حذو الأمريكيين في التضييق أكثر على الناشطين بل والبدء في ترحيل بعضهم.. مشددا على أهمية أن يكون هناك نشاط واسع لأن هناك خطر يتهدد الإنسانية والضمير الإنساني والقيم الإنسانية في كل العالم.
وأكد قائد الثورة أن الأمريكي والإسرائيلي يتجهان بالمجتمع البشري نحو الغابة والحيوانية والتنكر التام لكل شيء.. مشيرا إلى أهمية تذكير المؤسسات الدولية بمسؤولياتها وإقامة الحجة عليها والضغط عليها لتبني مواقف أكثر جدية.
وتساءل: “لماذا لا تقوم الأمم المتحدة بطرد العدو الإسرائيلي منها، وهي قد ارتكبت جرما عظيما وتحملت وزرا كبيرا يوم اعترفت بالكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين”.. وقال” مجلس الأمن ولو أنه مجلس أمن المستكبرين وليس ضمن اهتماماته إطلاقا العناية بالمستضعفين لكن ينبغي أن يكون هناك تحرك”.
وذكر أن العدو الإسرائيلي ينزعج عندما يكون هناك تحرك من المنابر والجهات والمنظمات لمواقف أكثر، ومن واجب الجميع أن يذكر أبناء العالم الإسلامي بمسؤوليتهم الدينية والإنسانية والأخلاقية وباعتبار أمنهم أيضا القومي كأمة.
وأضاف” يجب أن يذكر الجميع بهذه المسؤولية ويجب الاستنهاض للجميع فحالة الصمت خطيرة وهي بحد ذاتها وزر وذنب تجاه ما يجري”.. مؤكدا أن تجاهل الأمة لما يجري في فلسطين لا يعفيها أبدا من المسؤولية بل تتحمل وزر التجاهل والسكوت.
وأشار السيد القائد إلى أن تحرك الأمة بأكثرها رسميا وشعبيا ليس في مستوى الموقف والحالة العامة حالة تخاذل وتجاهل وتفرج.. وقال” لو اتسعت المقاطعة للبضائع الإسرائيلية والأمريكية لكان لها تأثير كبير”.
وأضاف” يجب أن يكون هناك نشاط واسع في أوساط الشعوب على مستوى التبرع والإنفاق في سبيل الله، ويجب أن تتجه الأنظمة إلى خطوات عملية في المقاطعة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية للعدو الإسرائيلي”.
ولفت إلى أن وسائل الإعلام على المستوى الرسمي العربي يجب أن تغير من سياستها السلبية تجاه إخوتنا المجاهدين في فلسطين.. مشددا على أهمية أن تتغير وسائل الإعلام على المستوى العربي في أدائها المتردي تجاه العدو الإسرائيلي.
وأشار إلى أن التفريط في المسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية له عواقب خطيرة في الدنيا والآخرة.
موقف اليمن الرسمي والشعبي:
وأكد السيد القائد أن اليمن رسميا وشعبيا أعلن موقفه منذ أن قام العدو الإسرائيلي بمنع دخول الغذاء والدواء وعاد إلى التجويع من جديد للشعب الفلسطيني.
وقال” عدنا بالعمليات البحرية وحظر الملاحة على العدو الإسرائيلي ثم كذلك الاستئناف لعمليات القصف إلى عمق فلسطين المحتلة، ومنذ استئناف العدو الإسرائيلي الإبادة الجماعية من جديد على قطاع غزة عاد شعبنا العزيز إلى التحرك في مختلف الأنشطة”.
وأضاف” ما بعد شهر رمضان ستعود كل الأنشطة الشعبية ويتم استئناف الخروج المليوني إن شاء الله من الأسبوع القادم”.. لافتا إلى أن الشعب اليمني تحرك فيما يتعلق بالتعبئة رسميا وشعبيا مع الشعب الفلسطيني على كل المستويات.
وأشار قائد الثورة إلى أن العدو الأمريكي يسعى مع العدو الإسرائيلي إلى تكريس معادلة الاستباحة لأمتنا والاستفراد بالشعب الفلسطيني.
وأكد أن التحرك بالموقف الكامل والشامل من اليمن في نصرة الشعب الفلسطيني أغاض العدو الأمريكي والإسرائيلي.. مبينا أن الأمريكي اتجه للعدوان على بلدنا في إطار اشتراكه مع العدو الإسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني.
وجدد التأكيد على أن العدوان الأمريكي على بلدنا هو جزء من المعركة يشترك الأمريكي فيها مع العدو الإسرائيلي.. وقال” المعركة هي ما بيننا وبين العدو الإسرائيلي ونحن أعلنا موقفنا الكامل ومنه الدعم العسكري لإسناد الشعب الفلسطيني”.
وأضاف” موقفنا موجه ضد العدو الإسرائيلي، والأمريكي لأنه مشترك مع العدو الإسرائيلي أعلن عدوانه على بلدنا وبدأ هو ابتداء عدوانه على بلدنا”.. مؤكدا أن العدوان الأمريكي بكل همجية وإجرام يصعد ويستهدف الأعيان المدنية، مبينا أن الأمريكي والإسرائيلي مشتركان في المشروع الصهيوني.
فشل العدوان الأمريكي على اليمن:
وأفاد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بأن الأمريكي يرتكب الجرائم وهو في حالة عدوان على بلدنا ليس له أي مستند أبدا.. موضحا أن الأمريكي في عدوانه على بلدنا هو في حالة تصعيد ولذلك يستخدم طائرات الشبح وقاذفات القنابل ويحاول تكثيف غاراته.
وذكر أن غارات واعتداءات الأمريكي تصل في بعض الأيام إلى أكثر من 90 غارة، ورغم تصعيد العدوان الأمريكي لكنه فشل والحمد لله ولا أثر له على القدرات العسكرية.. مؤكدا أن العدوان الأمريكي لم يتمكن من إيقاف العمليات العسكرية المساندة للشعب الفلسطيني ولا هو تمكن من توفير الحماية للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي.
وأوضح أن العدوان الأمريكي لم يتمكن أيضا من تنفيذ أهدافه فيما يسميه بتصفية القيادات والقضاء على أحرار اليمن.. وقال” الأمريكي فاشل وسيفشل باستمرار بإذن الله تعالى ولن يتمكن في المستقبل من تحقيق الأهداف المشؤومة”.
وأضاف” شعبنا يتوكل على الله ويعتمد عليه وله مسيرة طويلة في الجهاد في سبيل الله تعالى”.. مؤكدا أن الغارات الجوية والاستهداف المكثف للبلد ليست حالة جديدة والأمريكي أشرف بنفسه وأدار العدوان على بلدنا على مدى 8 سنوات.
وقال” مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية اعترفوا بفشلهم فيما يتعلق بتدمير القدرات العسكرية ولم يحققوا النجاح الذي يريدونه”.. مشيرا إلى أنه وأمام هذا العدوان الأمريكي والبلطجة الأمريكية، شعبنا العزيز له مسيرة طويلة في الجهاد في سبيل الله.
وتابع” نحن في العام العاشر في وضع جهاد ومواجهة للطغيان الأمريكي ومواجهة لكل من يتحالف معه في العدوان على بلدنا، والمهم بالنسبة لنا أننا وصلنا إلى درجة المواجهة المباشرة فيما بيننا وبين الإسرائيلي والأمريكي وهذا ما كنا نحرص عليه”.
ولفت قائد الثورة إلى أنه ” خلال كل المراحل الماضية كانت أمنيتنا الوحيدة ولا تزال أن يكف العرب عنا وأن يتركونا في المواجهة المباشرة بيننا وبين العدو الأمريكي والإسرائيلي”.. مبينا أن المعركة القائمة الآن هي معركة ما بيننا وبين العدو الإسرائيلي، والأمريكي هو جزء من هذه المعركة.
وقال” لسنا كالذين يتفرجون على جرائم العدو الإسرائيلي ويسكتون فنحن نؤدي مسؤوليتنا أمام الله سبحانه وتعالى، وما يهمنا هو أن يرضى الله عنا وأن ننجو من سخط الله وغضبه ولعنته وانتقامه وفي نفس الوقت يرضي ضميرنا الإنساني”.
وأضاف” ندرك أننا في موقف نعمل كل ما نستطيع ولا نتردد في أي شيء نستطيعه مما هو في إطار مسؤوليتنا الدينية”.
ومضى قائلا” لا ترهبنا أمريكا ولا نعتبرها مهيمنة على العالم فهي تنجح تجاه من يرضخون لها أما من يعتمدون على الله فالمسألة مختلفة”.. وأضاف” لسنا معتمدين على مستوى قدراتنا وإمكاناتنا تأتي في إطار الأسباب، واعتمادنا كليا هو على الله تعالى”.
وتابع” نحن في حالة انتصار على مدى كل العشرة الأعوام ولسنا في حالة هزيمة وهذه نعمة علينا من الله سبحانه وتعالى، وسنواصل إسنادنا للشعب الفلسطيني ومعركتنا وموقفنا المتكامل ضد العدو الإسرائيلي”.
موقف اليمن فاعل ومؤثر:
وجدد السيد القائد التأكيد على مواصلة التصدي للأمريكي الذي يشترك مع العدو الإسرائيلي ويسنده ويحميه ويشاركه في عدوانه على فلسطين وضد شعوب أمتنا.. وقال” نحن في إطار موقف فعال ومؤثر ونتصدى للعدوان الأمريكي ببسالة وفاعلية”.
وأشار إلى أن القوات الصاروخية تؤدي واجبها وكذلك الطيران المسيرة والدفاع الجوي.. مبينا أن الدفاع الجوي تمكن بفضل الله من إسقاط 17 طائرة من نوع إم كيو تسعة وهذا عدد كبير وحالة فريدة لا نسمع بمثلها.
ولفت إلى أن هناك بفضل الله على المستوى الشعبي حالة ثبات عظيم ومعنويات عالية وليس هناك أي التفات إلى أصوات المرجفين والمثبطين والمخذلين.. وقال” نحن في موقف متقدم على المستوى البحري وحاملة الطائرات ترومان هي في حالة هروب باستمرار والمطاردة لها مستمرة”.
وبين قائد الثورة أن الأمريكي يعتمد في تصعيده هذه الأيام على طائرات الشبح وقاذفات القنابل التي تأتي من قواعد أخرى من غير حاملة الطائرات “ترومان” أما الأخيرة فهي في حالة مطاردة باستمرار وهي تهرب في أقصى شمال البحر الأحمر.. مؤكدا أن اليمن في موقف قوي ومتقدم والأمريكي يعترف بفشله والواقع يثبت فشله أيضا.
التعاون مع الأمريكي هو إسناد للعدو الصهيوني:
وخاطب السيد القائد الأنظمة العربية والدول المجاورة قائلا” العدوان على بلدنا هو عدوان سافر وظالم ويستهدف الأعيان المدنية في إطار الاشتراك مع العدو الإسرائيلي، ونحن لا ننتظر ولا نتوقع أي موقف مساند لنا كشعب يمني عربي مسلم، فأنتم خذلتم الشعب الفلسطيني”.
وأضاف” لا ننتظر منكم شيئا بموجب الانتماء العربي، فمن خذل فلسطين سيخذل غيرها من شعوب هذه المنطقة”.
كما خاطب تلك الأنظمة قائلا ” العدوان علينا يشكل خطرا على الأمن القومي للعرب جميعا وعلى المنطقة العربية بكلها، نحن لا نتوقع منكم لأن يكون لكم أي موقف إيجابي أو مساند أو متضامن لأنكم تخليتم عن فلسطين”.
وقال” ننصح ونحذر كل الأنظمة العربية والبلدان المجاورة لليمن على المستوى الأفريقي وغيره ألا تتورطوا مع الأمريكي في الإسناد للإسرائيلي”.. مشيرا إلى أن ” العدو الأمريكي هو في عدوان على بلدنا إسنادا منه للعدو الإسرائيلي والمعركة بيننا وبين العدو الإسرائيلي”.
وأضاف” لا تتورطوا في الإسناد للعدو الإسرائيلي، يكفيكم الخزي والعار الذي قد تحملتموه وزرا فظيعا يبقى في الأجيال وتحملونه يوم القيامة في الخذلان للشعب الفلسطيني”.
ودعا الأنظمة العربية والدول المجاورة بألا تتورط في الإسناد للعدو الإسرائيلي ولا تحارب معه.. وقال” أي تعاون مع الأمريكي في العدوان على بلدنا بأي شكل من الأشكال هو إسناد للعدو الإسرائيلي”، مؤكدا أن “معركتنا هي من أجل فلسطين ومنع تهجير شعبها والضغط لوقف الإبادة ضده”.
وأردف السيد القائد مخاطبا الأنظمة العربية والدول المجاورة:” إذا قمتم بأي تعاون مع الأمريكي إما بالسماح له بالاعتداء علينا من قواعد في بلدانكم أو بالدعم المالي أو الدعم اللوجستي أو الدعم المعلوماتي فهو دعم وإسناد للعدو الإسرائيلي”.. مؤكدا أن معركة الأمريكي ضدنا هي معركة إسناد للعدو الإسرائيلي ولا نريد منكم أي شيء”.
وأضاف” كفوا أذاكم وشركم عنا واكتفوا بالتفرج بما يحدث من جرائم ضد أبناء الشعب اليمني، أنتم خذلتم فلسطين لكن لا تشاركوا في إسناد العدو الإسرائيلي، يكفيكم الخزي والعار الذي سيبقى عبر الأجيال بخذلانكم للشعب الفلسطيني وسيكون وزرا رهيبا عليكم”.
وتابع” لا تدعموا العدو الإسرائيلي ضدنا ولا تقفوا مع الأمريكي في إسناده للعدو الإسرائيلي ضد بلدنا، ولا تشتركوا في الدفاع عن العدو الإسرائيلي وحمايته ومحاربة من يحاربه واتركونا وشأننا”.
وقال السيد القائد” نحن مستعينون بالله في مواجهة العدو الإسرائيلي والأمريكي وواثقون بالله ومعتمدون عليه، ونخوض هذه المعركة بكل شرف وعزة وإيمان واعتماد كلي على الله سبحانه”.
وأكد أن السياسة الأمريكية عدوانية واستعمارية ومتكبرة وتوجه الأمريكي في هذه المرحلة هو توجه مستفز لكل دول العالم، والأمريكي والإسرائيلي في أسوأ مرحلة من الانعزال العالمي والسياسات العدوانية والتصرفات الهمجية والسياسات الرعناء والحمقاء.
وقال” لا ينبغي للعرب في مثل هذا الظرف أن يتجهوا للمزيد من الانبطاح للأمريكي والإسرائيلي”.. مشيرا إلى أن السياسات الترامبية معروفة في التعرفة الجمركية التي مثلت ضربة اقتصادية وابتزازا لحلفاء أمريكا وكبار شركائها.
وذكر السيد القائد أن كل الأوروبيين يصيحون ومن يتابع تصريحاتهم يعرف مدى تأثير السياسات الأمريكية المستفزة وابتزازها.. موضحا أن القرارات الترامبية والأمريكية لم تراع حلفاءها الأوروبيين وهم أقرب للأمريكيين من العرب والمسلمين.
ولفت إلى أن الأمريكي يتخذ سياسات اقتصادية مؤثرة سلبا على حلفائه الأوروبيين بما لها من تأثيرات على الشركات والمصانع، كما أن الأمريكي ليس عنده مشكلة تجاه كل التأثيرات السلبية لحلفائه بل ويمارس فيما يتعلق بحلف الناتو الأمريكي ابتزازا غير مسبوق.
أضاف” الأوروبيون يدركون أن عليهم أن يهتموا بما يوفر لهم الحماية لأنفسهم من أنفسهم والدول العربية لديها تفكير كيف تحظى بالحماية الأمريكية!!”.
وأشار إلى أن على الدول العربية أن تأخذ الدروس مما يحدث في أوروبا وما يفعله الأمريكي فيما يتعلق بسياساته الاقتصادية انقلب فيها حتى على مبادئ الرأسمالية.. مبينا أن السياسة العدوانية الأمريكية استفزت كل دول العالم والكل يرى أمريكا بصورتها الحقيقية فيما هي عليه من طغيان وتكبر وعدوانية وابتزاز.
وأوضح قائد الثورة أن ” المسؤولية على الجميع وفي الحد الأدنى أن تكف الأنظمة شرها عن الفلسطينيين ومن يقف معهم أو يدعمهم”.
الدورات الصيفية تحصين للجيل الناشئ:
وأكد قائد الثورة أن الدورات الصيفية تأتي في إطار الاهتمام بالجيل الناشئ لأن التعليم والمعرفة والتربية من الحاجات الأساسية لهذا الجيل.. مشيرا إلى أن هذه الدورات هي للتحصن في مواجهة الحرب العدوانية المفسدة المضلة التي يطلق عليها الحرب الناعمة.
ولفت إلى أن الدورات الصيفية تهدف إلى تربية الجيل الناشئ والتمسك بهويته الإيمانية وتنويره بالهدى والوعي والبصيرة والمعرفة والعلم النافع، كما تهدف إلى تنشئة الجيل على مكارم الأخلاق وعلى العزة الإيمانية والشعور بالمسؤولية.
وقال” نهدف لتنشئة جيل مؤمن قرآني عزيز كريم حر ينهض بدوره في تغيير الواقع نحو الأفضل وفي مواجهة التحديات والأخطار، ومن يتأمل في واقع الأمة بشكل عام يدرك أن هناك مخاطر كبيرة وفي ذات الوقت فرصا كبيرة”.
وذكر السيد القائد أن هناك مخاطر تتعلق بالسياسة المتبعة في كثير من البلدان نتيجة للتوجه الذي عليه أنظمتها وهو المزيد من تدجين الأجيال لأعدائها.. موضحا أن حال الأمة بشكل عام يتجه إلى توارث حالة تدجين الأمة للأجيال القادمة للخضوع للأعداء والذل والاستسلام والجمود.
وأكد أن توارث حالة التدجين من جيل إلى جيل هو انحدار نحو الحضيض وظلم للجيل الناشئ.. مشيرا إلى أن التحريف للمفاهيم والقيم والإسقاط فيما يسمى بالحرب الناعمة خطر كبير بكل ما تعنيه الكلمة.
وأفاد بأن بعض الأنظمة تتجه بالولاء للأمريكي والإسرائيلي لتؤقلم مناهجها الدراسية ونشاطها التثقيفي فتتجه بالجيل نحو الضياع.
وقال” من يتم إسقاطهم في الحرب الناعمة بالإضلال والإفساد هم في حالة قتل لإنسانية الإنسان ولشرفه ولمستقبله وهو أخطر من قتله وتصفيته جسديا”.. مؤكدا أن الخسارة الأكبر هي إسقاط الملايين من الجيل الناشئ ومن شباب أمتنا عبر الحرب الناعمة ممن فرغوهم من محتواهم الإنساني.
وتطرق قائد الثورة إلى واقع الأمة، موضحا أن الأمة في هذه المرحلة بشكل عام تعاني من الوهن والحالة العامة التي نراها تجاه غزة هي الوهن، وهي حالة خطيرة جدا على أمتنا.. مبينا أن الأمة في حالة مخزية ووهن وضعف ليس فيها عزة ولا كرامة ولا حرية ولا استقلال، في حالة استباحة بكل ما تعنيه الكلمة.
وأضاف” انظروا كيف هي أمة الملياري مسلم في مواجهة عشرة مليون يهودي صهيوني بضعفها وعجزها ووهنها”.. مؤكدا أن الحالة الخطيرة على الأمة شجعت الأعداء عليها وهي حالة غير طبيعية وليست سليمة ويجب التخلص منها والعمل على الخروج منها.
وأشار إلى أن بقاء الأمة غثاء كغثاء السيل يعني مداسة يدوسها الأعداء بأقدامهم.. وقال” أزمة الثقة بالله هي أم المشاكل التي تعاني منها أمتنا وتفرع عنها الخلل الكبير على مستوى الرؤية والبصيرة والوعي والقيم والأخلاق”.
وأفاد السيد القائد بأن من أهم ما تحتاج إليه أمتنا وجيلها الناشئ تعزيز العلاقة بالقرآن الكريم ككتاب هداية وأن نتعلم منه معرفة الله وترسيخ الشعور بعظمته.. مبينا أن تعزيز الأمة لعلاقتها بالقرآن تستعيد به فاعليتها وتخرج من الحالة الرهيبة من انعدام الفاعلية والوزن إلى النموذج الأصيل المغيض للكفار.
وأشار إلى أن ” كل بناء للجيل الناشئ لا يعتمد على القرآن الكريم وأسسه وهدايته ونوره لن يغير من الواقع شيئا بل يسهم في السقوط أكثر وأكثر”.. مؤكدا أن البناء القرآني العظيم الفعال والمؤثر المغير نحو الأفضل في هذه المرحلة الحساسة سيكون امتدادا للنموذج الأصيل.
وذكر السيد القائد أن مستوى الاستفادة من الدورات الصيفية يتطلب اهتماما من جميع الجهات ذات العلاقة على المستوى الرسمي والقائمين على الدورات الصيفية.. وقال ” من يمتلك الخلفية الثقافية والعلمية في التدريس عليه أن يساهم في الدورات الصيفية بجد ومثابرة وهذا إسهام عظيم في تربية الجيل الناشئ”.
وأكد أن تربية الجيل الناشئ وتعليمه وإكسابه المهارات اللازمة هو جزء من الجهاد في سبيل الله.. معبر عن الآمل من الجميع الاهتمام بالدورات الصيفية والمجتمع له دور أساسي ومهم في ذلك.