في رمضان نصلي صلاة من يجعل الصلاة قرة عين، ونصوم صوم وصيام من ذاق حلاوة الإيمان وطاعة الرحمن، وننفق نفقات من لا يخشي الفقر ولا يخاف الجوع وإذلال النفوس، ونؤدي الفرائض والصلوات والسنن والعبادات بخفة ونشاط، مستشعرين بلذة النفس وبهجة الروح، وهكذا نتقلب في أعمال الخيرات والبركات والإنتصارات الرمضانية الروحية والوطنية، ورغم إستمرار جهاد الثورة الروحية الرمضانية المنسية يرحل رمضان وربما عاد تارك الصلاة وأكل الربا ومشاهد الفحش وفاعل الزنا والشبهات المتعددة.

 

ودائما يأتي السؤال الذي يتبادر في الأذهان عندما ينتهي شهر الصيام وماذا بعد رمضان؟، ماذا جنينا من ثماره الناضجة وظلاله الوارقه؟، هل تحققت فينا التقوي، هل تعلمنا الصبر والمثابرة، هل تربينا علي مجاهدة النفس عن كل ما تريد من شهوات متعددة الأشكال والألوان، هل إنتصارنا علي العادات السيئة والتقاليد الكارثية المدمرة، هل إنتصارنا في الثورة الروحية الرمضانية المنسية، هل تخرجنا من المدرسة الرمضانية بشهادة صفة الربانية أم الرمضانية، هل... وهل.... وهل...أسئلة كثيرة وخواطر عديدة لا تخطر الإ علي قلب مسلم مؤمن مخلص صادق مع ربه، والإجابة جاءها نبينا محمد صل الله عليه وسلم منذ قرون فقال لمن سأله:" قل آمنت بالله ثم استقم"، أي الإستقامة بعد الطاعة هي أعظم كرامة يجنيها من كان مؤمنا تقيا نقيا.

 

فالواجب علي المسلم الإستقامة الدائمة في رمضان وبعد رمضان وفي سائر الأشهر والأيام فهي علامة علي النجاح والفلاح يوم الحسرة والندامة والملامة، ولذلك فإن كل مسلم يسأل ربه في جميع صلواته "اهدنا الصراط المستقيم" سورة الفاتحة، فالمؤمن الحقيقي مطالب بالإستقامة سبيل إلي كثرة النماء وطريق إلي تدفق الرزق، تصديقا لقوله تعالي "والو استقاموا علي الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا، لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا" سورة الجن، فكلما قل ماء الحياء قل ماء السماء، وكلما هان الله علي الناس هانوا عليه وذلك في قوله" ومن يهن الله فما له من مكرم "سورة الحج.

 

أليس رب رمضان رب شعبان وشوال، وهو رب سائر الأشهر والليالي والأيام؟، أليست العبادة والتقوي هي الحالة التي يجب علي المسلم المداومة عليها حتي تتحول إلي أسلوب حياة أكثر صلاحا وإستدامة وروحانية؟، أليس رب رمضان هو القائل في كتابه المجيد: واعبد ربك حتي يأتيك اليقين"؟!، واليقين هو الموت، وقال سبحانه وتعالى:" وما خلقت الجن والإنس الإ ليعبدون"، وقال أيضا "إنما يتقبل الله من المتقين"، ومن علامات قبول العبادة في رمضان وفي سائر الليالي والأيام هي التقوي، وصفة التقوي لا توجد الإ في المؤمن وليس مجرد مسلم، وذلك مصداقا لقوله تعالي "الذين آمنوا وكانوا يتقون".

 

فكيف حالك بعد أن ينتهي سيد الشهور ومتجر الأولياء والصالحين؟، فهل ينتهي شهر رمضان فينتهي معه التوبة والخشية من رب رمضان؟، هل سيمر هذا الضيف العزيز بأجوائه الروحانية ونفحاته الرحمانية ولياليه النورانية الربانية ثم تعود ريمة إلي عاداتها السلبية القديمة؟!.

 

كيف حالك بعد أن ينتهي موسم الأبرار والمتقين، هل ستتحقق العودة إلي الوراء ومع إنتهاء شهر رمضان الفرائض تترك، والمصاحف تشكو لهجرها، والعبادات تشكو لإهمالها، والمساجد تشكو لقلة عمارها، والشوارع تشكو فسقها وفجورها، والبيوت تشكو خرابها وقطع أرحامها، والمعاصي ترتكب دون حياء أو خجل وغيرها..وغيرها..،فلا تعود إلي ذلك إلا في مناسبات دينية وروحانية أخري؟!.

 

شهر رمضان هو لتجديد العهد والوعد مع الله بزيادة القرب، شهر الصيام هو لتجديد الصلح مع الله بأن نشغل أروحنا بالتقرب إلي بارئها، شهر القيام هو لمحاسبة النفس وتقويمها، شهر الجهاد هو لمواصلة تفعيل البرامج والمبادرات والثورات الروحية الرامية إلي الإرتقاء في سلم الطاعات والمقامات الربانية بالجهاد والعبادات طوال العام، نبني أخلاقنا بمحاسن أفعالنا وأقوالنا من أجل العيش في الدنيا بأنفاس الأخرة.

 

ولو تحدثنا عن فكرة الولاء والإنتماء للوطن لوجدنا عدم تعارضه مع الولاء والإنتماء للدين، وأيقننا أن ثمرات العبادات هي نتاج المعاملات الطيبة، وتجديد العهد مع الله في رمضان هو تجديد الولاء والإنتماء للوطن علي إستكمال مسيرة البناء  وتحقيق تطلعات الشعب والأمة والإنسانية جمعاء، وأوامر الدين كلها لصالح البلاد والعباد في كل أوان وفي كل زمان ومكان، وصلاح الدين هو تهذيب للنفس وصلاح للأسرة والمجتمع، وبالتالي يتحول الأمن الإجتماعي إلي أمن قومي وطني بني علي أساس سليم وذلك لمن يتدبر ويتفكر.

 

نحن لا نناشد أن نكون كما كنا في رمضان من الجهاد والإجتهاد في العبادات والمعاملات، ولكن أذكر نفسي وإياكم ألا ننقطع عن الأعمال الصالحة، فلنحيا علي روح الصوم والصيام والصدقة والقيام في رمضان وغيرها من السلوكيات والأفعال الخيرة ولو بالقليل وعلي قدر المستطاع، كما قال الرسول صل الله عليه وسلم "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتي عملوا" متفق عليه.

 

فلنسأل الله العون والمدد علي الإستمرار والمثابرة والمداومة علي الأعمال الصالحة شعار المسلمين والمؤمنين الأتقياء الأخفياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولنداوم معا دعاء النبي صل الله عليه وسلم" اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

 

وأخير لا يسعني الإ أن أختم مقالي المتواضع هذا بثلاث نقاط على النحو التالي:ألا بئس قوم لا يعرفون الله في رمضان، وبئس قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، ونعم قوم يعرفون الله طوال العام، ويعبدون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم يتدبرون ويتفكرون آناء الليل وأطراف النهار، ويجتهدون في الثبات على الطاعات بعد مواسم العبادات وفعل الخيرات.

 

رمضان ينقضي كأي شيء يرحل وينتهي ويبقي الرحمن الرحيم، هل غابت الشمس وتخلف القمر هل أمسكت السماء عن قطرها وأوقفت الأرض نباتها، كلا ثم كلا، فالحياة مستمرة، فإغتنم كل لحظة في عمرك فإنها إلي يوم القيامة لن تعود، ينقضي رمضان ويبقي الإيمان، ينقضي رمضان ويبقي القرآن، ينقضي رمضان وتبقي العبادات وذكر الرحمن، ينقضي رمضان ويبقي البر والصدقات والإحسان، ينقضي رمضان كأي شيء ينقضي، فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان يرحل وينقضي، ومن كان يعبد الله فإن الله دايم باقي ليس لأوليته إبتداء، ولا لآخريته إنقضاء.

 

ما أجمل العبادة في رمضان، وما ألذ المداومة علي الطاعة بعد رمضان، فهل نعود إلي الضلال بعد الهدي، هل نعود إلي الظلام بعد النور، كلا ثم كلا، بل معا نتمسك بالعروة الوثقي والدين القويم والطريق المستقيم، معا نستقيم بأوامر الله ومحبته وحسن عبوديته، معا لإحياء المباديء والمعتقدات الدينية المتفقة مع الشريعة الإسلامية والمنبثقة مع الأهداف الموالية للكتب والشرائع السماوية، مهما كلفتا ذلك من مشقة، ولنقارن بين حالنا في رمضان وحالنا بعد رمضان!!، هل مازالت الأكف ضارعة والعيون دامعة والألسن ذاكره والقراءات خاشعة أم هناك نية للإنتكاسة والتراجع؟!.

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

الشيوعيون وأذيالهم وسلاح التشكيك في الثوابت

الشك في التصور الإسلامي خللٌ في اليقين وليس مدخل إليه بأي حال من الأحوال، وهو ظاهرة مرضية، ولا تجد الشك مذكوراً في القرآن إلا في موضع ذم له أو نهي عنه، ولم يوصف بالشك إلا الكفار والمنافقون.

وللأسف أصبح التشكيك -في العديد من مُسَلَّمات الدين- يتسرب إلى عقول شبابنا منذ أن سرق الشيوعيون والبعثيون والجمهوريون الثورة وحكموا خلال الاعوام الماضية، يتبين المرء ذلك في ثنايا الواقع الحياتي العام في السودان منذ أن (استعلى) اليسار بليل، مارسوه في أوساط الصبية وبعض الشباب ممن سيقوا خلف شعاراتهم وهتافاتهم التافهة، وسعوا إلى تهيئة بيئة سياسية وفكرية واعلامية وتعليمية لتخدم ذلك وتغذيه وتهيئ له- عن قصد- بإستخدام كل السبل الدافعة والمعززة، بما في ذلك وسائط وزارة الثقافة والإعلام السودانية من تلفزيون ومنابر للدولة خلال وجود الشيوعي رشيد سعيد الذي نصب نفسه وكيلا (أول) لوزارة الثقافة والاعلام!.

وقد حرصت على متابعة العديد من البرامج التلفزيونية التي تبين بأن رشيد سعيد كان يشرف عليها بنفسه تم تحضيرها واخراجها تحت ستار مشروعية التساؤل والفضول المعرفي لل(راكبين الراس والكنداكات)، حيث يتم اعلاء شأن الشك باعتباره البوابة والمدخل إلى المعرفة، وبذم اليقين بوصفه تسليم أعمى ينافي إعمال العقل، واعتبار كل ذلك استنارة تضاد الظلامية في نظر اليسار الرافض لحاكمية الدين…

ودونكم مصطلحات عديدة لم تطرأ على الساحة السودانية إلا خلال فترة حكمهم التي نسأل الله أن لايعيدها، ومنها:
الفيمينيزم.
قهر النساء.
رفض آيات المواريث.
رفض مؤسسة الزواج.
الفهم الاعتباطي للحرية ممثلا في هتاف (حريااااو).
الدعوة إلى تصالح النساء مع (اجسادهن) كما طالبهن بذلك من جعلوه وزيرا لل(تربية) وهو الشيوعي السبعيني محمد الأمين!
المناداة بفصل الدين عن الدولة، الذي تنشرخ به حلاقيم كل قيادات الطفابيع من اليسار شيوعيون وبعث وقحاطة،
إلخ إلخ إلخ.

وللعلم فإن أول من أَصَّلَ لمنهج الشك في الفكر الغربي هو الفرنسي رينيه ديكارت الملقب أبو الفلسفة الحديثة، وذلك في مقولته الشهيرة (أنا أشُكُّ، إذن أنا موجودٌ).
والشك عند ديكارت هو السبيل الأمثل للتوصل إلى معرفة الحقيقة بوضوح، ثم إنشاء اليقين بها.

وقد ظهر هذا المذهب كرؤية شخصية عند صاحبه لأسباب نفسية واجتماعية وعقلية لم ينتبه لها غالب المستوردين لهذا الفكر الخاطئ والسطحي، ومن يقرأ عن حياة ديكارت يتبين ذلك، إلا أن تَعمِيدَهُ كمرجع فكري مهيمن عند اليسار في السودان له أغراض أخرى تتجاوز حيّز تقدير الفلسفة الإنسانية، اذ جعلوه جسرا للعبور بمنهجهم المصادم للفطرة الانسانية الساعي إلى هَدم القيم الدينية والعقدية في وجدان الناشئة بالذات، واستئصال أي بقاء لمسلمات الاسلام ويقينياته، وإبطال الاعتقاد بوجود حقيقة مطلقة أو حق مرجعي للمسلم، لأن ذلك يفتح السبيل للاستمساك بالدين.

وكثير من نخب اليسار والعلمانيين المنتسبين للفكر والثقافة الغربية أخذتهم موجة الشك الديكارتي وانبهروا بها، وجعلوها الطريق الوحيد للمعرفة، وكثير منهم حاول تطبيق هذا المنهج على نصوص الوحي كما فعل طه حسين حين (شكك) في قصص القرآن، وقال في تقرير منهجه: (أريد أن اصطنع في الأدب العربي هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق الأشياء في أول هذا العصر الحديث)!.

ويسعى بعض كُتّاب اليسار والعلمانيون ومعهم الجمهوريون -المؤمنون ببعض الكتاب والكافرون ببعضه- التلبيس والخلط على العوام ببعض أقوال أبي حامد الغزالي في كتابه ميزان العمل، لكنهم -عن قصد- لم يبينوا للناس بأنها رؤى تم الرد عليها، وإن الغزالي رحمه الله عاد عنها ووثق لتوبته في كتابه (التوبة إلى الله ومكفرات الذنوب).

ويبرر اليسار ورافضي الإسلام لمنهج التشكيك -وكذلك منهج (التفكيك)- قدرتهما على صنع عقلية جديدة للأجيال الناشئة؛ تحترم فقط النتائج الصادرة من مختبرات العلوم، رافضة لكل الغيبيات، بل وصل الأمر بهم إلى التحجج بسؤال ابراهيم عليه السلام لله عندما قال: {رب أرني كيف تحيي الموتى}، ولأن قرأوا لتبينوا بأن سؤال نبي الله إبراهيم عليه السلام ليس فيه تشكك البتة في أمر الكفر والإيمان، ولا في قدرة الله على الخلق:

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة 260.

لنفترض إنك سألت مهندسا وقلت له أرني كيف تبني البيوت، هل يعني ذلك انك تتشكك في قدرة هذا المهندس؟!
ولله المثل الأعلى.
إبراهيم نبي وصفه الله تعالى بقوله:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)} النحل.
فهل يعقل أن يكون متشككا من يصفه الله بكونه أمة وهو نبي؟!

لقد كتب الشيخ سيد قطب رحمه الله في الظلال وهو يتحدث عن سؤال ابراهيم عليه السلام لربه وقال:
(إنه تشوُّف لا يتعلق بوجود الإيمان وثباته وكماله واستقراره؛ وليس طلباً للبرهان أو تقوية للإيمان، إنما هو أمر آخر له مذاق آخر، إنه أمر الشوق الروحي إلى ملابسة السر الإلهي في أثناء وقوعه العملي).
انتهى قول الشيخ سيد قطب رحمه الله.
وقد قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:
(إن إبراهيم طلب الانتقال من الإيمان بالعلم بإحياء الله الموتى إلى رؤية تحقيقه عيانًا، فطلب بعد حصول العلم الذهني تحقيق الوجود الخارجي، فإن ذلك أبلغ في طمأنينة القلب).
انتهى قول إبن القيم رحمه الله.

فسؤال ابراهيم عليه السلام لربه كان زيادة لنفسه ولطمأنة قلبه، إذ يسكن القلب عند المعاينة، ويطمئن لقطع المسافة بين الخبر والعيان. وقد رد نبينا صلى الله عليه وسلم على الذين اتهموا ابراهيم عليه السلام بالتشكك وقال: (نحن أحق بالشك من إبراهيم).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: ” رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَىٰ وَلٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي”. قَالَ: “وَيَرْحَمُ اللّهُ لُوطاً، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ”.
رواه الشيخان.

قال ابن حجر رحمه الله:” واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم “نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ” فقال بعضهم معناه: نحن أشد اشتياقاً إلى رؤية ذلك من إبراهيم عليه السلام،
وقيل: إن سبب هذا الحديث أن الآية لما نزلت قال بعض الناس شك إبراهيم ولم يشك نبينا، فبلغه ذلك فقال: “نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ” وأراد ما جرت به العادة من المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئاً، قال مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي، ومقصوده (لا تقل ذلك).
وقيل: أراد بقوله: نحن أمته الذين يجوز عليهم الشك وإخراجه منه بدلالة العصمة، وقيل: معناه هذا الذي ترون أنه شك أنا أولى به لأنه ليس بشك إنما هو طلب لمزيد البيان”.
وفي معناها أقوال أخرى وما تقدم أشهرها، وخلاصتها نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء، فالشك لا يقع ممن رسخ الإيمان في قلبه فكيف بمن بلغ رتبة النبوة؟!، أما تفكره في ملكوت الله حين {هذا ربي} عندما رأى الكوكب، ثم القمر، ثم الشمس، لم يرد ذلك منه كتشكك، إنما جاء في ثنايا حوار بينه وبين قومه (الذين كانوا يعبدون تلك الأفلاك؟، والدليل ختام الآيات عندما قال لهم {… فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} الأنعام 78.
وهذه الآيات التي يحكي فيها الله جل في علاه عن نبيه إبراهيم عليه السلام انزلها الله على نبينا صلى الله عليه وسلم في ثنايا حواره مع المشركين الذين كانوا يعبدون الافلاك فيما يعبدون:
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} ذات سورة الأنعام، الآية 56.

وقيل أيضا بأن قول إبراهيم عليه السلام في ختام كل آية يتحدث فيها مع قومه عن فلك من الافلاك (الكوكب، القمر، ثم الشمس) وكان يقول (هذا ربي؟)؛ يقول ذلك في صيغة سؤال استنكاري موجه لقومه، يضاف إلى ذلك أن الآية الأولى من سورة الأنعام التي ورد فيها حوار ابراهيم عليه السلام مع قومه هي هذه الآية الكريمة:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} الأنعام1
وقد سأل ابراهيم عليه السلام الله تعالى أن يجعل له لسان صدق في الآخرين:
{وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} الشعراء 84

أي أن يجعل له من يثني عليه في الآخرين ثناء صدق، وقد استجاب الله تعالى دعاءه فكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام محل الثناء في كتب الله عز وجل وعلى ألسنة رسله، وقال الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} وقال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ}، فالثناء على إبراهيم حصل في الآخرين حتى إن اليهود قالوا إن إبراهيم كان يهوديا، والنصارى قالوا إن إبراهيم كان نصرانيا، فأنكر الله ذلك وقال {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} والمقصود أن هذه الأمم كلها تفتخر أن يكون إبراهيم عليه الصلاة والسلام منها، لكنها كاذبة ما عدا المسلمين:
{وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}، وقد كذبهم الله تعالى في ذلك في قوله {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} وفي سورة الإخلاص قال الله تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}.

ومن الثناء على إبراهيم عليه السلام الصلاة الإبراهيمية (التحيات لله) في ختام كل صلاة عند المسلمين، وكذلك من الثناء لإبراهيم عليه السلام:
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} الصافات 107.
فإذا بذكرى ابراهيم عليه السلام وابنه اسماعيل عليه السلام في كل بيت من بيوت المسلمين كل عيد اضحى، وفي كل حج.

معاذ الله أن يكون هناك شك من إبراهيم، وإنما هو (عين يقين) بعد (علم يقين)، وشهود بعد خبر، ومعاينة بعد سماع”.

إبراهيم عليه السلام عندما سأل الله أن يريه كيف يحيي الموتى أراد به زيادة الإيمان والانتقال من علم اليقين إلى عين اليقين، وطمأنينة القلب ولذا قال: {وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.
ولقد كتبت من قبل مقالا عن (علوم اليقين الثلاث) تجدونه في صفحتي.
آمنت بالله.

عادل عسوم

adilassoom@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • وظُلم ذوي القربى أشد مضاضة
  • 9 أشهر من البحث عن السنوار.. 3 أشخاص يعرفون مكانه ويوفرون احتياجاته
  • صحيفة: السنوار على اطّلاع دائم بالمفاوضات و3 أشخاص فقط يعرفون مكانه
  • الشيوعيون وأذيالهم وسلاح التشكيك في الثوابت
  • محمد رمضان يتألق بزي من تصميم فاطمة الزهراء الإدريسي عليه خريطة الصحراء المغربية
  • كبرى شركات الشحن البحري الداعمة لكيان العدو تشكو عمليات القوات المسلحة اليمنية
  • دوام الحال من المحال
  • لأول مرة .. عمل سينمائي يجمع بين محمد رمضان وسعد لمجرد
  • لعنة الله عليك.. خيري رمضان يهاجم وزير إسرائيلي (فيديو)
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام