تغطية الحرب في السودان : القنوات الفضائية.. المهنية (على المحك)
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
ومثلما تفاجأ الشارع السوداني صبيحة الخامس عشر من أبريل 2023 م، باندلاع الحرب، تفاجأت الآلة الإعلامية الوطنية، وصدمتها مفاجأة الحرب، فختمت عليها غشاوة، أعجزت ألسنتها عن النطق، وأعينها عن الرؤية، فغابت وانزوت حيناً من الوقت، قبل أن تمتص صدمة الحرب، وتتجاوز اضطرابها، لتعود وتستأنف عملها في ظروف بالغة التعقيد، زماناً ومكاناً، محتوىً ومضموناً.
فراغ قسري:
الاحتجاب القسري للآلة الإعلامية الوطنية في بواكير الحرب، ترك فراغاً ، ومساحات شاسعة تحركت فيها الآلة الإعلامية الأجنبية بمختلف مستوياتها وأصنافها،. حيث جعلت حرب الخامس عشر من أبريل 2023م من السودان، سوقاً رائجة بالأحداث والتفاصيل والتداعياتها التي خلفتها الحرب، فتصدرت أخبار السودان العناوين، وتمددت في بعض الفضائيات إلى ساعات من التغطيات الخاصة والمتلاحقة.
سياسات تحريرية:
ولما كان لكل مؤسسة إعلامية سياسة تحريرية، تتحكم في أسلوب وطريقة عرض وتناول الأزمة السودانية، فقد تسابقت المؤسسات الإعلامية الأجنبية في مضمار تغطية الحرب في السودان، منطلقة من خطوطها العريضة المرتكزة على الاجندة والأفكار التي تخدم سياستها التحريرية، وتحقق مصالحها وتعكس اهتماماتها المختلفة.
تباين في التغطية:
لقد شهدنا تبايناً واختلافاً كبيراً في شكل تغطية القنوات والفضائيات الأجنبية لمسار الحرب في السودان، الأمر الذي أثار حفيظة الكثيرين ممن كالوا الاتهامات لبعض الفضائيات، وشككوا في المهنية التي أصبحت على المحك، وشكل هذا الوضع ضغطاً كبيراً على الحكومة السودانية، فخلعت وزارة الثقافة والإعلام رداء الصبر، وأصدرت قراراً علّقت بموجبه عمل قنوات العربية والحدث، واسكاي نيوز عربية.
حيثيات القرار:
وزارة الثقافة والإعلام السودانية قالت إن قرار إيقاف قناتي العربية والحدث السعوديتين، واسكاي نيوز عربية الإماراتية، استند في حيثياته على موجهات ومطلوبات المهنية في العمل الإعلامي ومصلحة المواطن السوداني وقيمه، فضلاً عن عدم تجديد القنوات المذكورة لتراخيص ممارسة العمل الإعلامي.
أصداء:
ولقى قرار إيقاف السلطات السودانية المختصة لقناتي العربية والحدث، واسكاي نيوز عربية، أصداءً واسعة في المشهد الإعلامي السوداني، فقد أشاد البعض بالقرار وإنْ جاء متأخراً، ووصفه آخرون بالقرار القوي والذي من شأنه أن يزعج الفضائيات المعنية، مطالبين بالمزيد من القرارات التي تعيد هيبة الإعلام، وتحاصر ما وصفوه بالكذب والتدليس السياسي.
رسالة سياسية:
ويرى آخرون أن قرار إيقاف قناتي العربية والحدث واسكاي نيوز عربية، يعتمد على منطلقات سياسية، ويفتقد إلى الموضوعية على الأرض، مشيرين إلى جهود وإشراقات بذلها بعض السودانيين العاملين في هذه القنوات، منوهين إلى أن تأثيرات قرار الإيقاف ستطال الحكومة السودانية نفسها التي سيكون صوتها غائباً في هذه القنوات الفضائية، وتوقع آخرون أن تراجع الحكومة موقفها، وتُخضع قرار إيقاف هذه القنوات للدراسة والمراجعة، بعد أوصلت رسالتها السياسية لمالكي القنوات المعنية.
الآلة الإعلامية والحربية:
الملوك على دين إعلامهم ، هكذا ابتدر منتج البرامج الإخبارية بالتلفزيون الأستاذ هاشم عبد الفتاح، حديثه لصحيفة الكرامة، وأشار عبد الفتاح إلى ارتباط وثيق بين الآلة الإعلامية والآلة الحربية في حال نشوب نزاعات وحروب، مبيناً أن دعاة الحروب دائما ما يلجأون إلى الفضائيات والميديا الحديثة لاستخدامها كذراع أو أداة أساسية في قيادة الحروب والمعارك العسكرية، مبيناً أن قادة ميليشيا الدعم السريع استخدموا الترسانة الإعلامية في حربهم ضد الجيش السوداني، جنباً إلى جنب مع الكلاش والمدفعيات، وكل أشكال الأسلحة الثقيلة.
أجندة مسبقة :
ويتهم الأستاذ صلاح عمر الشيخ الأمين العام للاتحاد العام للصحفيين السودانيين بعض القنوات الأجنبية والإعلام الخارجي بعدم المهنية، وقال في حديثه ل(صحيفة الكرامة) إن معظم هذه الفضائيات تحركها أجندة، بالرغم من أنها تدعى الحيادية والمهنية، ولا نرى ذلك إلا في القليل، مبيناً أن معظم القنوات الأجنبية والإعلام الخارجي يأتي بتقييم مسبق للأحداث والمواقف السياسية دون معرفة بالواقع السياسي على الأرض.
السقوط في المهنية:
ويدعم منتج البرامج الإخبارية بالتلفزيون الأستاذ هاشم عبد الفتاح قرار الحكومة القاضي بإيقاف قناتي العربية والحدث واسكاي نيوز عربية، بعد أن سقطت في امتحان المهنية، وضحّت بقيم الاحترافية، مستشهداً ببعض الأخطاء والادعاءات الكاذبة والتي قال إنها أوقعتها في عدم الحياد، فوجدت نفسها مجبرة في كثير من المراحل على الاعتذار عن الأخطاء.
قرار صائب:
ويصف الأمين العام للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات دكتور عبد العظيم عوض، قرار الحكومة بإيقاف قناتي العربية والحدث واسكاي نيوز عربية بالصائب،وقال إن القرار تأخر كثيراً، وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي مطلقاً، مبيناً القرار ارتكز على السياسات الإعلامية لهذه المؤسسات التي قال إن المهنية جانبتها في الكثير من الوقائع، ولم تقدم الخدمة الموضوعية والمنهجية، ونوه دكتور عبد العظيم عوض إلى وجود صلة كبيرة لمالكي بعض هذه القنوات بدعم وإشعال فتيل الحرب الجارية في السودان.
إشراقات سودانية:
وأشار الأمين العام للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات، دكتور عبد العظيم عوض إلى إشراقات أبرزتها بعض الكوادر السودانية العاملة في هذه القنوات خلال تغطيتها لمجريات الحرب، مبيناً أن قرار الإيقاف لم يكن يستهدفهم.
الكوادر السودانية:
ويبدو الأستاذ صلاح عمر الشيخ، متفقاً مع دكتور عبد العظيم عوض بشأن الكوادر السودانية العاملة في بعض هذه القنوات الفضائية من مراسلين ومنتجين وصحفيين ومذيعين، والذين قال إنهم يجتهدون في تقديم تقارير واقعية ومهنية ومحايدة، ولكنهم في النهاية يظلون محكومين بالسياسة التحريرية للقناة المعنية، ونوه الأمين العام للاتحاد العام للصحفيين السودانيين إلى ملاحظة مهمة تتعلق ببعض القنوات الفضائية التي قال إنها تقوم في كثير من الأحيان باختيار محللين ومراقبين، وتتواصل وتتصل بهم للتعليق على الأوضاع وفق أهواء وتوجه القناة الفضائية المعنية بعيداً عن المهنية، ويتم ذلك بدون علم ومعرفة المراسلين.
لينا ترفض:
ونشرت مديرة مكتب قناتي العربية والحدث في السودان الأستاذة لينا يعقوب مدونة على صفحتها على منصة فيسبوك وصفت فيه قرار إغلاق القناتين بالظالم و”السياسي” من أعلى جهة في الدولة، ولا علاقة له بالمهنية والمصداقية، واستعرضت يعقوب الظروف والتحديات والتعقيدت التي ظل يعمل تحت وطأتها فريق العربية والحدث على مدار فترة الحرب، التزاماً بالحياد والمهنية، آملة أن تراجع السلطات السودانية المختصة قرار إيقاف قناتي العربية والحدث في السودان.
تسابيح كسر الخاطر:
وكانت مذيعة اسكاي نيوز عربية تسابيح خاطر، تعرضت إلى وابل من الهجوم الانتقادات الشديدة على خلفية تورطها في قراءة تقرير وصف بالمفبرك والكاذب يتناول دخول عناصر داعش في ميدان الحرب في السودان، حيث حوى التقرير مقاطع فيديو زعمت القناة، أنه لعناصر من تنظيم داعش يقاتلون إلى جانب الجيش السوداني ضد ميليشيا الدعم السريع المتمردة، واتضح أن الفيديو لهجوم شنه تنظم حركة الشباب الصومالي على مطار مقديشو في العام 2016م.
تقوية الإعلام الوطني:
على كلٍّ تبقى السلطات السودانية المختصة مواجهة بالعديد من التحديات بعد قرار إغلاقها قناتي العربية والحدث واسكاي نيوز عربية، أبرزها ضرورة أن تستعيد الحكومة هيبة الإعلام الوطني من خلال الاهتمام به وتقويته بالدعم والإسناد، ليضطلع بالفاعلية المطلوبة في سد الفراغات وشغل المساحات، التي تتحرك فيها آلات إعلامية بخطى أجندة وسياسات تحريرية، تجري رياحها بما لا تشتهي سفن الحكومة السودانية.
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
الكرامة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: القنوات الفضائیة الحرب فی السودان الأمین العام هذه القنوات قرار إیقاف قال إن
إقرأ أيضاً:
السلطات السودانية تحظر عمل مكتب قناة “الشرق” ونقابة الصحافيين تندد بالقرار وتعتبره انتهاكاً صريحاً لحرية الصحافة وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات
أثار قرار وزارة الإعلام السودانية حظر عمل مكتب قناة «الشرق» التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) في السودان، قلق نقابة الصحافيين السودانيين، وعدّته انتهاكاً لحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات، و«تهديداً خطيراً للمبادئ الأساسية لحرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام».
وجاء قرار حظر وقف نشاط قناة «الشرق للأخبار» بعد أيام قليلة من تصريحات أدلى بها وزير الإعلام خالد الإعيسر لـ«الشرق الأوسط» في مدينة جدة السعودية، أكد فيها التزام حكومته بـ«حماية حرية الصحافة وتوفير بيئة آمنة للصحافيين».
الوزير اشترط التزام المؤسسات الإعلامية والصحافية والصحافيين بما سمّاه المعايير المهنية و«الوطنية»، وقال: «رغم الظروف الاستثنائية التي يمر بها، لم يتخذ أي إجراءات تعسفية ضد وسائل الإعلام»، وأكد تعامل وزارته مع الصحافيين بـ«مهنية واحترام، دون تقييد أو تهديد».
وبعد عدة أيام من تصريحات الوزير، أبلغ مدير إدارة الإعلام الخارجي في وزارة الإعلام الخميس، مكتب «الشرق» بالعاصمة المؤقتة بورتسودان، بصدور قرار قضى بحظر نشاطه دون أن يقدم أي تفسير رسمي للقرار الذي اتخذته الوزارة، وكان الوزير خالد الإعيسر قال في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، بعدم إغلاق أي مؤسسة إعلامية أو تقييد عمل صحافيين.
وفي تغريدة لاحقة على صفحته في منصة «فيسبوك» تبريراً لقرار حظر «الشرق»، قال الإعيسر إن بعض وسائل الإعلام نشر بنوداً من الوثيقة الدستورية، منسوبة لمصادر مجهولة، احتوت «معلومات غير صحيحة، بعضها تكهنات حملت روحاً مزاجية وغير مهنية»، ومعلومات غير دقيقة.
نقابة الصحافيين تندد
من جهتها، نددت نقابة الصحافيين السودانيين في بيان الجمعة، بحظر نشاط قناة «الشرق للأخبار» في السودان، وعدَّته انتهاكاً صريحاً لحرية الصحافة وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات، و«تهديداً خطيراً للمبادئ الأساسية لحرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام».
وانتقدت «تكرار» عمليات استهداف المؤسسات الإعلامية، وعدَّته «نهجاً مقلقاً نحو فرض قيود مزدادة على العمل الصحافي المستقل»، يتعارض مع التزامات السودان الدولية والدستورية بحماية حرية الصحافة، و«تسهم في خلق بيئة قمعية تعيق وسائل الإعلام عن أداء دورها المهني في نقل الحقائق للجمهور».
ودعت النقابة، الصحافيين والمؤسسات الإعلامية والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية، للتضامن مع «الشرق للأخبار»، والتصدي لأي محاولات لتقييد الحريات الصحافية.
الوزير الإعيسر نفى لـ«الشرق الأوسط»، أي تهديدات أو مضايقات من قبل الحكومة للصحافيين أو المؤسسات الإعلامية، كما نفى الأخبار والأحاديث عن استهداف الصحافيين، ووصفها بأنها «غير صحيحة، ومبالغ فيها»، مؤكداً حرصه على «دعم حرية التعبير»، بشرط «التزام وسائل الإعلام بالمهنية والموضوعية في نقل الأخبار».
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد أيام من تسميته وزيراً، دعا الإعيسر المراسلين والصحافيين إلى «تنوير صحافي» بحضور ضباط من جهاز الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات العامة، بغرض «التنوير والتشاور»، لكن الوزير وجه «تحذيرات» للصحافيين من نقل أخبار «قوات الدعم السريع»، واعتبار ذلك «عدم وطنية».
اتهامات لنقابة الصحافيين
وتوعد بإغلاق وحظر أي مؤسسة إعلامية تنقل أخبار «الدعم السريع»، وقال مهدداً: «إذا حظرت مؤسسة إعلامية، فلن تعود للعمل في السودان مجدداً»، وذلك في إشارة إلى قرار حظر أصدره سلفه ضد مكتب فضائية «العربية»، تم التراجع عنه بقرار من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.
وانتقد الوزير بحدة نقابة الصحافيين، واتهم عضويتها بتنفيذ أجندة سياسية معادية للسودان، وقال إن الصحافيين يستغلون صفتهم، من أجل أجندات سياسية، وهو ما رد عليه الصحافيون الحضور بقوة، وعدُّوه «تهديداً وتقييداً» لحريتهم.
وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أقر الإعيسر بوجود شروط لتنظيم العمل الإعلامي، بقوله: «السودان ليس استثناءً في تنظيم العمل الإعلامي. إن كثيراً من الدول، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، لديه قوانين تحظر نشر معلومات عسكرية قد تؤثر على الأمن القومي أو تعرض حياة الجنود للخطر»، مشترطاً ألا «تضر التغطية المهنية بمصالح الدولة، ولا تؤثر سلباً على القوات المسلحة أو العمليات العسكرية».
وقال الإعيسر إن وزارته وجهت خطابات رسمية لقنوات وصحف، دعتها للالتزام بالمعايير المهنية عند نقل الأخبار، بقوله: «نحن لم نستدعِ أي صحافي أو مؤسسة إعلامية بغرض التهديد، بل كانت هناك اجتماعات مهنية هدفها توضيح الخطوط العامة للتغطية الصحافية في السودان، خصوصاً في ظل الظروف التي تمر بها البلاد». وكانت مراسلة قناة «الشرق» مها التلب، قد تعرضت لحملة تحريض وتهديد على خلفية نقل أخبار عن طرفي الحرب، قادها وزير إسلامي سابق، وعلى أثر تلك الحملة تم استدعاؤها من قبل وزير الإعلام خالد الإعيسر، وتم خلال الاستدعاء التهديد بحظر عمل القناة، وهو ما نفذته وزارة الإعلام أمس.
الشرق الأوسط: