في آخر تراويح من شهر رمضان.. آلاف المصلين يصطفون داخل رحاب الجامع الأزهر
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
اصطف المصلون الذين جاؤوا بالآلاف من ربوع مصر، ومن عواصم العالم المختلفة، من الدارسين بالأزهر والمقيمين والزائرين لمصر، اليوم الإثنين، في الليلة الثلاثين من شهر رمضان المبارك، لم يثنهم البعد عن الإفطار في رحابه، وأداء الصلوات حتى صلاة التهجد، خاشعين لله يبتغون فضله ورضوانه وعفوه، متضرعين لله في الليلة الأخيرة من رمضان، أن يعتق رقابهم من النار.
وتقدم المصلين فضيلةُ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، وفضيلة الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور أتى خضر، رئيس قطاع مكتب فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، ولفيف من قيادات وعلماء الأزهر الشريف.
جاء ذلك في إطار ما يقوم به الجامع الأزهر من جهود مكثفة طوال الشهر الكريم، وحرص كبير على إحياء الأجواء الرمضانية ودعم الصائمين في التزود من خيرات الشهر الفضيل وبركاته حتى الليلة الأخيرة من الشهر الكريم، وذلك في إطار البرنامج العلمي والدعوي للجامع تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر.
هذا ويختتم غدا الجامع الأزهر خطته العلمية والدعوية لشهر رمضان، التي وجه بها فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، طوال شهر رمضان وتتضمنت: (١٣٠ مقرأة- ٥٢ ملتقى بعد الظهر- ٢٦ ملتقى بعد العصر- صلاة التراويح بالجامع الأزهر ومسجد مدينة البعوث ٢٠ ركعة يوميًّا بالقراءات العشر- ٣٠ درسًا مع التراويح- 30 ملتقى بعد التراويح- صلاة التهجد في العشر الأواخر- تنظيم ٧ احتفالات متعلقة بمناسبات الشهر الكريم- ٦٠٠٠ وجبة إفطار يوميًّا و٤٠٠٠ وجبة سحور للطلاب الوافدين والمصريين، لتصل الوجبات لأكثر من ١٥٠ ألف وجبة طوال الشهر الكريم).
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الليلة الأخيرة أخر صلاة تراويح الجامع الأزهر شهر رمضان مدير عام الجامع مدير عام الجامع الأزهر الجامع الأزهر الشهر الکریم
إقرأ أيضاً:
من لاجئ مغمور إلى إمام الأزهر الأكبر.. رحلة الشيخ الثائر محمد الخضر حسين
هذا المهاجر "اللاجئ" التونسي الغريب والغامض الذي وصل إلى القاهرة في العام 1920، لا يكاد يعرفه أحد، يبحث عن مأمن له يحميه من ملاحقة الفرنسيين الذين حكموا بإعدامه، فيسكن في حارة مغمورة من حارات حي الحسين الشعبي، ويبحث عن فرصة عمل ينفق بها على إيجار مسكنه وطعامه وشرابه، فيعطف عليه بعضهم بعمل متواضع كمصحح في دار الكتب، لم يكن يدري أحد أن هذا "اللاجئ" المغمور سيكون ملهما للحياة العلمية والفكرية في مصر، وأحد أقطابها الكبار، ونبراسا للمعرفة والتجديد الفكري، وأنه سيكون "الإمام الأكبر" للمسلمين بتوليه مشيخة الأزهر الشريف في عز مجده.
مولانا محمد الخضر حسين، رضي الله عنه وأرضاه، تتنازعه ثلاث دول عربية، الجزائر حيث ولد في 16 أغسطس/آب 1876 ، في قرية على الحدود مع تونس وترعرع صبيا في أسرة معروفة بالعلم والدين، ثم في تونس حيث نشأ علميا وتعلم في الزيتونة ثم تولى التدريس فيها ثم تولى القضاء ، ومصر حيث استقر به المقام وتوهج علمه وانتشر أثره وتولى أعظم المناصب الدينية فيها.
عندما وصل الإمام محمد الخضر حسين إلى القاهرة عام 1920 لم يكن أحد يعرفه فيها تقريبا، وكان أهم شاغل له في البداية ـ كمهاجر غريب ـ تأمين فرصة عمل ولو متواضعة، للإنفاق منها على إيجار مسكنه ونفقات طعامه وشرابه، فكان أن توسط له بعضهم ليعمل في وظيفة صغيرة كمصحح في دار الكتب المصرية، ومن خلالها بدأ تواصله مع النخبة العلمائية والفكرية التي كانت تفد إلى المكتبة، وبدأت صداقاته تتسع، وبدأت النخبة المصرية ـ مثل أحمد تيمور باشا ـ تتولاه بالرعاية بعد أن أدركت أنها أمام عالم كبير وليس مجرد موظف في مكتبة.هذا العالم الجليل لم يكن من أولئك علماء الدين الذين ينفصلون عن هموم أمتهم وتحدياتها الكبرى، أو يدير ظهره للمظالم التي يعاني منها الناس، بل كان يؤدي دوره العلمي و"الأكاديمي" في الوقت نفسه يقوم بدوره الجهادي/النضالي، دفاعا عن حرية وطنه وحقوق شعبه، والغريب أن سيدنا "الخضر حسين" عندما تولى القضاء الشرعي في تونس، وهي تحت الاحتلال الفرنسي، قرر أن يصدر صحيفة سياسية دينية تجديدية باسم "السعادة العظمى" ينشر فيها علوم العربية والدين، ويندد فيها بما يفعله الاحتلال الفرنسي من محو لهوية تونس العربية الإسلامية، ومحاولته إحلال ثقافته الغريبة قيما وفكرا وعقيدة في قلوب وعقول أهل تونس، وقد كان يمكنه أن يعيش هانئا وادعا مترف العيش في ظل الاحتلال لو أنه التزم الصمت أو لزم دروسه العلمية في الزيتونة فقط، أو التزم حدود وظيفته القضائية، ولكن هذا الشيخ "الثائر" المجاهد، كان يأبى لنفسه هذا المقام الرخو، وبطبيعة الحال لم يصبر عليه الاحتلال الفرنسي طويلا، فطاردوه، ولاحقوه بالاتهامات، فهرب من البلاد نجاة بنفسه، فحكم عليه الاستعمار غيابيا بالإعدام شنقا.
كعادة علماء جيله ومفكريه، توجه مباشرة لاجئا إلى الاستانة "إسطنبول"، مركز الخلافة والمحضن الآمن الذي ينظر إليه عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على أنها المظلة السياسية التي تسعهم جميعا وتحميهم، وكانت له قرابة فيها، لم يبق الإمام الأكبر في إسطنبول طويلا، لأنها كانت تعيش أصعب أوقاتها، من الفتن وضعف الدولة وانهيار المؤسسات وانتشار الدسائس، فحمل حقيبته واتجه إلى ألمانيا حيث كان يوجد عدد من مفكري الأمة المعروفين وقتها، مثل الشيخ عبد العزيز جاويش، لكنه لم يسترح هناك ولم يكمل عاما واحدا فيها، فاتجه إلى دمشق، حيث استقر بها عدة سنوات، وعمل فيها بتدريس علوم الشريعة وتولى مهمة القضاء الشرعي أيضا، حتى وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وتم تقسيم بلاد العرب بين الانجليز والفرنسيين في الصفقة الشهيرة "سايكس/بيكو"، وكانت سوريا من نصيب الاستعمار الفرنسي، فعلى الفور قرر الهرب من الشام نجاة بنفسه، لأنه صادر ضد حكم فرنسي بالإعدام في تونس، وحمل حقيبته وتوجه إلى القاهرة، حيث كان مستقره حتى وفاته ودفن في ترابها.
عندما وصل الإمام محمد الخضر حسين إلى القاهرة عام 1920 لم يكن أحد يعرفه فيها تقريبا، وكان أهم شاغل له في البداية ـ كمهاجر غريب ـ تأمين فرصة عمل ولو متواضعة، للإنفاق منها على إيجار مسكنه ونفقات طعامه وشرابه، فكان أن توسط له بعضهم ليعمل في وظيفة صغيرة كمصحح في دار الكتب المصرية، ومن خلالها بدأ تواصله مع النخبة العلمائية والفكرية التي كانت تفد إلى المكتبة، وبدأت صداقاته تتسع، وبدأت النخبة المصرية ـ مثل أحمد تيمور باشا ـ تتولاه بالرعاية بعد أن أدركت أنها أمام عالم كبير وليس مجرد موظف في مكتبة.
بعد انتشار حضوره العلمي، تداعى علماء الأزهر لعقد لجنة امتحان علمية لتنظر في منح هذا التونسي الغريب شهادة العالمية من الأزهر، بعد أن جذب أنظار الجميع بعلمه وعمقه الفكري، وما إن انطلقت مناقشات اللجنة معه، حتى وقف رئيسها الشيخ عبد المجيد اللبان، وخاطب زملاءه قائلا : "أي نقاش مع هذا الرجل ، هذا بحر من العلم لا شاطئ له"، وقرروا بالإجماع منحه شهادة العالمية، التي أتاحت له أن يصبح أستاذا في الأزهر الشريف، وعلما من أعلامهحادثتان في تلك الأثناء وقعتا في مصر وكان لهما ضجيج كبير، كانا نقطة تحول في حضور الخضر حسين في الحياة السياسية والثقافية والدينية، الأول هو صدور كتاب الشيخ علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم"، والثاني هو صدور كتاب الدكتور طه حسين "في الشعر الجاهلي"، الكتابان أثارا ضجيجا واسعا لجرأتهما على ثوابت دينية، ومقدسات لها حساسية عند جمهور المسلمين، وبقدر ما صدرت ردود من مفكرين وكتاب على الكتابين، إلا أن كتابات مولانا محمد الخضر حسين كانت هي القاصمة، بالنسبة للاثنين، وكان سوء حظ علي عبد الرازق أن الشيخ الخضر كان تخصصه الأساس هو "السياسة الشرعية" وكان يدرسها لطلابه في الزيتونة وفي الشام، فنقض كتاب علي عبد الرازق نقضا علميا وافيا وساحقا، وكشف عن جهل صاحبه بموضوع كتابه، وظل هذا الرد يؤلم الشيخ علي حتى وفاته كما روى غير واحد، وأما طه حسين فقد كشف الشيخ في كتابه " "نقض كتاب في الشعر الجاهلي" أن الباحث "الشاب" وقتها نقل فكرته الأساسية بتفاصيلها عن كتاب المستشرق الإنجليزي "مارجليوث" وأتى بالنصوص وطابقها، وكانت مفاجأة أن يكون هذا المعمم التونسي، عالم الدين، متضلعا بالثقافة الغربية ومطلعا بدقة على جهود مستشرقيها.
لم يتوقف نشاطه في القاهرة على الكتابة في الصحف وتأليف الكتب، بل كان حريصا على أن ينقل الفكرة إلى الواقع، فعمل على تأسيس الجمعيات العلمية والثقافية والدينية، فأسس مع محب الدين الخطيب "جمعية الشبان المسلمين" التي أرادها محضنا للشباب المسلم يحصنه من تيارات التغريب والاستلاب والإلحاد التي انتشرت في ذلك الوقت، وهو الذي وضع اللائحة الأساسية للجمعية، كما أنشأ "جماعة الهداية الإسلامية"، وكان هذا التوجه في تأسيس الجمعيات الدينية ملهما للشيخ حسن البنا الذي أنشأ بعد عام واحد جمعية الإخوان المسلمين، والتي انتشرت بعد ذلك في عموم مصر والعالم العربي.
بعد انتشار حضوره العلمي، تداعى علماء الأزهر لعقد لجنة امتحان علمية لتنظر في منح هذا التونسي الغريب شهادة العالمية من الأزهر، بعد أن جذب أنظار الجميع بعلمه وعمقه الفكري، وما إن انطلقت مناقشات اللجنة معه، حتى وقف رئيسها الشيخ عبد المجيد اللبان، وخاطب زملاءه قائلا : "أي نقاش مع هذا الرجل ، هذا بحر من العلم لا شاطئ له"، وقرروا بالإجماع منحه شهادة العالمية، التي أتاحت له أن يصبح أستاذا في الأزهر الشريف، وعلما من أعلامه، ثم قرر شيخ الأزهر تكليفه برئاسة تحرير مجلة "الأزهر" ذات الهيبة والانتشار، فأشعلها فكرا وعلما، حتى وصل إلى العام 1950 حيث تم اختياره عضوا في هيئة كبار علماء الأزهر، وبعدها بعامين حدث التحول الأهم في تاريخه، حيث اختير إماما أكبر، وشيخا للأزهر الشريف، رغم أنه ابن جامعة الزيتونة في تونس، فعلق كثيرون من علماء زمنه بأنه تأكيد على الرابطة العلمية والدينية بين المؤسستين الدينيتين العريقتين .
لم يمكث مولانا الخضر، صاحب كتاب "الحرية في الإسلام" أكثر من عامين في المشيخة، حتى وقع الصدام بينه وبين عبد الناصر، الذي قرر عام 1954 أن يضم المحاكم الشرعية إلى المحاكم المدنية، ولم يكن لهذا الشيخ الثائر أن يرضخ لتغول السلطة، فرفض القرار، وأكد على أن الشريعة الإسلامية هي أساس الحكم والقضاء المدني يكون تابعا لها ولا يصح العكس، إلا أن عبد الناصر أصر على قراره، فقدم الشيخ استقالته من منصبه بكل كبرياء العلم وشرفه، واعتزل الناس، ومات بعدها بأعوام قليلة في 28 فبراير 1958، ودفن في القاهرة التي أحبها وأحبته، يرحمه الله.