كانت هجمات حماس في السابع من أكتوبر على إسرائيل، وتفجيرات حزب الله اللاحقة، والضربات الصاروخية لجماعة أنصار الله في البحر الأحمر، مدعومة جميعها من قوة واحدة، هي إيران التي قادت تحالفا عسكريا غير رسمي حمل مسمى «محور المقاومة»، حيث قامت بتسخير القوات العسكرية لحركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، وجماعة أنصار الله في اليمن، والحكومة السورية، في بناء نفوذ جغرافي واسع النطاق وإمكانات دفاعية مادية عابرة للحدود لطهران في الشرق الأوسط.

وبوسع الحكومة الإيرانية -من خلال هذه الشبكة- أن تضغط على المصالح الإسرائيلية والأمريكية وأن تهاجمها بشكل غير مباشر. فلم تستهدف الحرب غير الدولتية التي شنتها حماس وحزب الله وجماعة أنصار الله، إسرائيل فحسب -وهي الهدف الرئيس للجماعات الإسلامية والدول الإسلامية على حد سواء- بل استهدفت أيضا، في حالة أنصار الله، سفنا للحلفاء الغربيين، ومنهم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا.

على السياسة الأمريكية أولا أن تقيِّم إيران باهتمام دقيق لتفكيك هذه الصراعات، ويجب على صناع السياسات معالجة مساعدة طهران وتحريضها على الإرهاب من خلال دراسة شاملة لطموحاتها الكبيرة. فإلى جانب تمكينها لحلفاء غير تقليديين من إحداث الفوضى، يكمن خطر يتمثل في تقدم إيران النووي وفي مساعيها العسكرية. وإن الخوف شديد القتامة من امتلاك النظام الإيراني قدرات نووية ليعزز الحاجة إلى اتخاذ إجراءات لمكافحة الإرهاب وتنسيق استراتيجية دفاعية.

تشير تقارير مستقلة وبيانات عسكرية متاحة للعامة إلى احتمال كبير لتحول إيران إلى قوة نووية في المستقبل القريب. وتظهر من تطوير الطاقة والبنية الأساسية الدفاعية في إيران قدرة مثيرة للقلق على المدى القريب على امتلاك الأسلحة النووية والنشر الناجح لهذه الأسلحة.

وقد أوضح مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى علنا ضرورة وجدوى امتلاك الأسلحة النووية لإيران. ففي عام 2021، اقترح وزير الاستخبارات آنذاك محمود علوي عبر التلفزيون الرسمي الإيراني استخدام الأسلحة النووية كحل للمخاوف الأمنية الإقليمية. وخلال مقابلة أذيعت في شهر فبراير الماضي، زعم وزير الخارجية السابق أكبر صالحي أن إيران تمتلك بالفعل كل التكنولوجيا والعلوم النووية اللازمة لصنع أسلحة نووية.

فضلا عن ذلك، فإن استراتيجية الدفاع الأمامية الإيرانية تعطي الأولوية لبرنامج نووي متقدم وللصواريخ الباليستية باعتبارهما ركيزتين من ركائزها الرئيسة الثلاثة (والثالثة هي القوات بالوكالة). ويشير هذا المزيج من التصريحات الصادرة عن سياسيين مؤثرين والمواقف العسكرية العامة إلى سعي واضح إلى امتلاك أسلحة نووية برغم إنكار طهران.

وتشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إنتاج إيران المتسارع لليورانيوم المخصب يوجِد مجالا مدته شهران لإنتاج اليورانيوم الصالح للاستخدام في الأسلحة النووية. وبما أن القوات المسلحة الإيرانية تمتلك بالفعل أنظمة توصيل، ومنها صواريخ ذات قدرة نووية، وذات قدرة على حمل أسلحة نووية، فإن قدرة البلد على تطوير اليورانيوم المخصب للدرجة النووية تصبح مركزا لاعتبارات استخباراتية.

ومن سوء الحظ بالنسبة للمشرعين الأمريكيين، وحتى أمثالهم في بريطانيا أو فرنسا، أن برنامج اليورانيوم الإيراني يعمل تحت ستار من السرية. فقد عمد مسؤولون إيرانيون مرارا إلى تأخير أو تقييد الوصول إلى المعلومات الخاصة بمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتحويل اليورانيوم ونقله واستخدامه، وكذلك إنتاج مخزون أجهزة الطرد المركزي.

ووفقا لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية (ODNI)، قامت إيران بتوسيع ترسانتها من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، ويشمل ذلك الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والأسلحة السيبرانية. وقد خلص تحليل معهد العلوم والأمن القومي إلى أن إيران تحتاج إلى قرابة أسبوع لإنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة والمطلوب لصنع سلاح نووي. وبما أن لدى إيران بالفعل القدرة على حمل مثل هذه الأسلحة على صواريخ موجودة لديها وأجهزة أخرى، فإن إيران باتت على بعد طرفة عين من القوة التي من شأنها أن تهز ميزان القوى الدولي.

وفي حين أن السرعة التي قد تتمكن بها إيران من صنع سلاح نووي لم تزل موضع تساؤل، فلا بد أن يتحرك المشرعون والمسؤولون في واشنطن. لقد انسحبت إدارة ترامب في عام 2018 من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). ومنذ ذلك الحين، لم توضح إدارة بايدن استراتيجية ذات شأن لمنع انتشار الأسلحة النووية الإيرانية في المستقبل في ما عدا الوعود الغامضة باستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة الفاشلة.

وبدلا من ذلك، اختار البيت الأبيض إلغاء تجميد ستة مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني مقابل عودة خمس رهائن أمريكيين من إيران في سبتمبر.

وفي المقابل، انتقد الجمهوريون في الكونجرس إدارة بايدن واقترحوا تجديد العقوبات على النفط الإيراني. ويقوم البيت الأبيض حاليا بمراجعة الصفقة البالغة قيمتها ستة مليارات دولار في ضوء هجمات السابع من أكتوبر، ويزعم أن طهران لا تستطيع الوصول إلى هذه الأموال. ومع ذلك، فإن البيت الأبيض لم يضع استراتيجية واضحة لمواجهة الدعم المالي الإيراني المستمر للجماعات «الإرهابية».

ومع تقاعس البيت الأبيض، يجب على الكونجرس أن يتخذ إجراء. وفي عام 2019، استعرض المشرعون عضلاتهم في السياسة الخارجية من خلال السعي إلى تفعيل قانون صلاحيات الحرب والانسحاب من اليمن. واليوم، على المشرعين أن يعطوا الأولوية للأمن القومي وأن يسعوا إلى وضع استراتيجية دفاعية وقائية، ويتعين على أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، وخاصة أعضاء لجان الشؤون الخارجية والطاقة، أن يستثمروا قدرا كبيرا من الوقت والموارد في معالجة التهديد النووي الإيراني.

لقد قدم عضوا الكونجرس روبن جاليجو (الديمقراطي عن ولاية أريزونا) وجيم بانكس (الجمهوري عن ولاية إنديانا) رسالة من الحزبين إلى وزير الخارجية تسلط الضوء على الحاجة إلى المساءلة النووية الإيرانية والدعم الاستخباراتي للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولا بد لمزيد من المناقشات أن تضع جميع الأوراق على الطاولة، وأن تنظر إلى ما هو أبعد من تفاؤل إدارة بايدن البائس بشأن تجديد خطة العمل الشاملة المشتركة. فعلى صنّاع السياسات والدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين أن ينظروا في خياراتهم، وهي: تحديد «خط أحمر» دبلوماسي، وعقوبات اقتصادية، ومواقف دفاعية، واستخدام ضربات وقائية، بل والعمل السري.

وفي نهاية المطاف، يعتمد ردع البرنامج النووي الإيراني على دفاع قوي عن إسرائيل. ونظرا للتهديد الوشيك الذي تشكله إيران النووية على حلفائنا في إسرائيل، فإن النهج الفعال يعتمد على دعمنا الثابت للإجراءات الدفاعية لحكومة إسرائيل. ويجب أن يبدأ الكونجرس بتمرير حزمة المساعدات الحالية لإسرائيل ثم يلتفت إلى طهران.

سام راوس مشارك في منظمة (الأصوات الشابة)، يدرس العلاقات العامة والعلوم السياسية في جامعة ميامي. وله مقالات في العديد من الإصدارات والدوريات السياسية.

عن ناشونال إنتريست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأسلحة النوویة البیت الأبیض أنصار الله

إقرأ أيضاً:

تصاعد التحدي الإيراني في مواجهة ضغوط ترامب: استراتيجية مقاومة أم مواجهة حتمية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يتبنى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، موقفًا أكثر تحديًا في مواجهة التهديدات المتزايدة بالعنف من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران.

وخلال زيارته لمعرض الدفاع في طهران، حثّ خامنئي الحكومة الإيرانية على تعزيز قدراتها العسكرية، مؤكدًا أن "التقدم لا يمكن إيقافه، ولا يمكننا أن نكون راضين". وأضاف بشكل واضح: "اليوم، قوتنا الدفاعية معروفة، وأعداؤنا يخشون ذلك".

التصعيد المتبادل بين ترامب وخامنئي وضع الولايات المتحدة وإيران في مسار تصادمي مباشر، ورغم أن إيران ليست موضوعًا رئيسيًا في مؤتمر ميونيخ للأمن لهذا العام، إلا أن تأثيرها حاضر في عدة أزمات عالمية، خاصة في ظل الأزمة المستمرة في غزة، ما يجعلها تحديًا أمنيًا لكل من الولايات المتحدة وأوروبا.

ما وراء تحدي خامنئي

يرى دامون غولريز، المحلل الاستراتيجي في معهد لاهاي للجيوسياسية، أن "مبادرات ترامب الدبلوماسية تجاه خامنئي، إلى جانب سياسة 'الضغط الأقصى' التي تنتهجها إدارته، أضعفت موقف المرشد الأعلى".

وأضاف، أن "الأسابيع الأخيرة شهدت انفتاحًا ملحوظًا من كبار المسؤولين الإيرانيين تجاه فكرة التفاوض المباشر مع ترامب"، معتبرًا أن معارضة خامنئي للمحادثات النووية مع واشنطن نابعة من "تراجع سلطته على المستويين المحلي والإقليمي".

وأشار إلى أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الحليف الوثيق لطهران، العام الماضي، ألحق ضررًا بالغًا بالمكانة الإقليمية لإيران. أما داخليًا، فإن خامنئي يواجه ضغوطًا متزايدة.

وأوضح المحلل الأمني والسياسي حسين آقائي أن "الخطر الأكبر الذي يخشاه خامنئي ليس خارجيًا، بل داخلي".

 وأشار إلى أن "السيناريو الأسوأ للمرشد الأعلى هو استغلال الأغلبية الصامتة من الإيرانيين الساخطين الفرصة التي تتيحها تهديدات واشنطن للتحرك ضده، في وقت يكون منشغلًا بالأزمات الخارجية".

وبالتالي، يمكن تفسير موقف خامنئي المتشدد تجاه الولايات المتحدة على أنه محاولة لمواجهة التهديدات الداخلية التي تهدد موقعه.

هل يمكن لترامب استخدام القوة العسكرية ضد طهران

لا تزال القدرات النووية الإيرانية نقطة خلاف رئيسية بين البلدين، حيث تعتبر إدارة ترامب أن "منع إيران من امتلاك سلاح نووي" هو ركيزة أساسية في استراتيجيتها للضغط الأقصى.

وفي هذا الصدد، يرى آقائي أن "إدارة ترامب من غير المرجح أن تنخرط في نزاع واسع النطاق مع إيران"، لكنه أضاف: "نظرًا لأن البرنامج النووي الإيراني المتقدم يُنظر إليه على أنه تهديد للأمن العالمي، فإن الرئيس ترامب يدرس خيارات لمنع النظام الإيراني من بناء قنبلة نووية، بما في ذلك شن ضربات جوية وقائية".

ولتجنب هذا السيناريو، يتفق الخبراء على ضرورة أن تمنح إيران الدبلوماسية فرصة. وقال آقائي: "الكرة الآن في ملعب إيران"، لكنه استدرك قائلًا إن "التوصل إلى اتفاق نووي كما يقترحه ترامب أمر ممكن، لكنه ليس مرجحًا".

وأضاف أن "النظام الإيراني يعتقد أنه إذا دخل في مفاوضات مع الولايات المتحدة، فسيتعين عليه تقديم تنازلات هائلة لترامب في قضايا حساسة، مثل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وشبكة وكلائه في المنطقة، ولذلك تفضل طهران المماطلة في محادثات غير حاسمة".

ما القادم بالنسبة لإيران؟

إلى جانب المخاوف قصيرة المدى بشأن اندلاع أعمال عنف جديدة في الشرق الأوسط، يرى المحلل الاستراتيجي غولريز أن الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية طويلة المدى للتعامل مع إيران، بهدف تحويلها إلى دولة قادرة على التعايش السلمي في المنطقة والمجتمع الدولي.

لكنه أشار إلى أن "نهج ترامب يركز على إبرام اتفاقيات قصيرة الأجل مع الأنظمة الاستبدادية"، مستشهدًا بانسحاب إدارته من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وأضاف: "أعتقد أن استراتيجيته تجاه إيران ستجمع بين التهديد العسكري الجاد والعقوبات الاقتصادية الصارمة".

من جانبها، ترى الناشطة الإيرانية المقيمة في الولايات المتحدة، مسيح علي نجاد، أن مقاربة ترامب قصيرة المدى تحمل أهمية كبيرة، معتبرة أن "المجتمع الدولي لا يبذل جهودًا كافية للتعامل مع النظام الإيراني المتشدد".

وقالت في تصريحات على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن: "المفاوضات النووية تمنح النظام الإيراني الوقت لإعادة تنظيم صفوفه"، مؤكدة أن "الوقت للتحرك هو الآن".

وأضافت أن "إيران في أضعف حالاتها حاليًا، حيث لم يعد المواطنون من الطبقتين الوسطى والفقيرة يدعمون النظام الإسلامي، فالناس سئموا ويريدون حياة طبيعية".

وفي سياق متصل، أكدت مصادر دبلوماسية إسرائيلية لموقع "المونيتور" أن الولايات المتحدة وإسرائيل توصلتا إلى "تفاهم كامل" بشأن كيفية مواجهة البرنامج النووي الإيراني، حتى في حال عدم التوصل إلى اتفاق.

ووفقًا لما أوردته صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست"، استنادًا إلى تقييمات استخباراتية أمريكية صدرت الشهر الماضي، فإن إسرائيل ترى فرصة محتملة لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية منذ بداية هذا العام.

وأشارت التقارير إلى أن إسرائيل تعتمد في تقييمها على ضعف إيران بعد الهجوم الإسرائيلي الذي وقع في 26 أكتوبر، والذي أدى إلى تدمير جزء كبير من دفاعاتها الجوية، بالإضافة إلى زيادة تقبل الولايات المتحدة لخيار التدخل العسكري.

لقاء ترامب ونتنياهو

خلال زيارته إلى واشنطن هذا الشهر، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، حيث أكدا على رؤية مشتركة حول الخطر الذي تشكله إيران، وذلك بعد محاولة طهران استهدافهما معًا.

وقد ظهر الزعيمان، المعروفان بنهجهما المتشدد تجاه إيران، في حالة انسجام وثيق، حيث أكدا أنهما لن يسمحا لإيران بامتلاك أسلحة نووية.

وبينما تنفي إيران سعيها لامتلاك سلاح نووي، تصر إسرائيل على أن طهران تكذب، وأنها تسعى للحصول على قنبلة نووية بهدف تدمير الدولة اليهودية.

ونقل "المونيتور" عن أحد المقربين من نتنياهو قوله: "رئيس الوزراء في موقف لا يخسر فيه شيئًا. إذا نجح ترامب في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، فمن المرجح أن يكون هذا الاتفاق أفضل بكثير من اتفاق أوباما، كما أن نتنياهو مقتنع بأن جزءًا كبيرًا من المطالب الإسرائيلية سيتم تلبيته بفضل التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة".

مقالات مشابهة

  • روبيو: إيران لن تمتلك أسلحة نووية في عهد ترامب
  • إيران ترفض تصريحات رئيس وكالة الطاقة الذرية بشأن ملفها النووي
  • إيران تهاجم مدير الطاقة الذرية: برنامجنا النووي لم يشهد انحرافا
  • غروسي يطالب إيران بإثبات عدم سعيها لامتلاك أسلحة نووية
  • وكالة الطاقة الذرية: يجب على إيران إثبات أنها لا تسعى للحصول على أسلحة نووية
  • هل تستعد إيران للحرب.. منذ 30 عاماً «يرددون أننا على بعد 6 أشهر» من امتلاك «قنبلة نووية»
  • الإدارة الأمريكية ترغب أن يتضمن الاتفاق مع الصين أمن الأسلحة النووية.. تفاصيل
  • إيران: أي استهداف للمنشآت النووية يعني اشتعال المنطقة بأكملها
  • ترامب يرد على الانتقادات بشأن فصل موظفي الأمن النووي
  • تصاعد التحدي الإيراني في مواجهة ضغوط ترامب: استراتيجية مقاومة أم مواجهة حتمية؟