لجريدة عمان:
2025-02-19@23:25:04 GMT

المواطنة والهويّة الثّقافيّة في عالم متغير

تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT

كثر الحديث في الفترة الأخيرة حول المواطنة والهويّة الثّقافيّة في عالم متغير، ورأيتُ بعض البرامج حول هذا في معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الماضية، وفي أثناء المعرض كان لي لقاء حول هذا في إذاعة سلطنة عمان في برنامج الظّهيرة، وابتداء المواطنة لم تكن سابقا بالصّورة الحاليّة، وكان الإنسان هويّة مرتبطا بالانتماء الأكبر دينيّا أو جغرافيّا أو ثقافيّا، وسياسة كان مرتبطا بالولاء القبليّ، ثمّ تغيّر الحال عند تكوّنت الدّولة القطريّة، فظهر مفهوم المواطنة بالشّكل الإجرائيّ بصورة أكبر، فاعتبر بعضهم المواطنة بالشّكل الإجرائيّ هويّة كبرى، وبعضهم مايز بين المواطنة والهويّة، فالمواطنة مرتبطة بالذّات، والهويّة مرتبطة بالانتماء أيّا كان تشكله، فقد تكون هناك هويّة أكبر وهويّات الهامش، لكن الجميع سواء من حيث المواطنة، أي من حيث الذّات والماهيّة، فالهويّة الإجرائيّة هي الشّيء الجامع تعاقديّا في دولة قطريّة ما، دون تهميش للخصوصيّات الانتمائيّة.

ومن مايز بين المواطنة والهويّة ربط المواطنة بالقيم الكبرى، فظهر ما يسمّى بالقيم الوطنيّة، وهي إمّا قيم ذاتيّة مطلقة، أو ذاتيّة مضافة، أو أخلاقيّة انتمائيّة، فالمطلقة تتمثل في المساواة والعدل وكرامة الذّات والحريّة، والمضافة مثل التّعليم والصّحة والاكتفاء المعيشيّ، ودونهما الأخلاقيات الانتمائيّة المرتبطة بالهويّات كالكرم وإكرام الضّيف، فإذا فهمنا الثّقافة والهويّات والانتماءات من خلال القيم المطلقة تتهذّب وتستقر، أمّا إذا انطلقنا من الهويّة والانتماء ذاته تتصارع وقد تتحارب، خصوصا إذا ضعف المركز.

لهذا حتّى لا نقع في هذا التّصارع والاحتراب تأتي أهميّة الثّقافة ودورها في ترسيخ الوعي الثّقافي، والثّقافة كما يعرّفها تايلور هي الكلّ المركب، والثّقافة كالمواطنة والهويّة مصطلحات إجرائيّة معاصرة ارتبطت بالدّولة القُطريّة، وعليه الثّقافة جامعة حافظة ناقدة لهذه الهويّات غير مفرقة، ومن الثّقافة يأتي دور المثقف الرّاصد، الّذي يجمع بين التّحرّر والانتماء، فلمّا يكون راصدا لابدّ أن يتحرّر أي يقرأ من الأفق الواسع، ولكنّه إجرائيّا أو اجتماعيّا منتسبا لهويّة ما.

وما تقوم به الثّقافة من ترسيخ القيم الوطنيّة في عالم متغيّر ومتنوع ليس مشروعا ميسرا، بل هو مرتبط بتحدّيات عديدة، منها عدم وجود انطلاقة واضحة من القيمة المطلقة ذاتها، وخلطها بالعادات والسّجايا، أو على الأقل عدم الانطلاق من الذّات من حيث القيمة، وتضييقها بالهويّة، فينتج عن هذا الازدواجيّة إجرائيّا في التّطبيق خلاف التّنظير، مثلا لمّا توضع الدّساتير التّعاقديّة باعتبار الهويّات الانتمائيّة أكثر من الهويّات الجامعة وفق الذّات الواحدة، وارتباطها بالمصالحيّة الفئويّة، وتقديم الشّخوص والمصالح الآنيّة على قيم الوطن الكبرى، فيحتاج هذا إلى شيء من المراجعات والنّقد بالنّسبة إلى داخل الدّولة القُطريّة ذاتها، ليكون تدافعا طبيعيّا بعيدا عن التّفكّك والاختلاف.

فإذا كانت الدّولة الوطنيّة أو القُطريّة موحدة في ذاتها قيميّا، مع استقرار في الخصوصيّات والانتماءات، دون تهميش للحقوق الفرديّة أيضا، هذه الدّولة لا تخشى من الانفتاح على العالم الآخر، فالدّولة الوطنيّة أو القطريّة هي صورة مصغرة لهذه العوالم المعقدة، ولا يمكن فصل عالمك عن العالم الآخر، بسب العمل والإعلام والسّياحة والسّينما، والانطلاق من الذّات لا يخيف الانفتاح إذا كانت الذّات قويّة ومستوعبة للآخر استيعابا تهذيبيّا لا إقصائيّا، وعليه الهويّة الوطنيّة إذا جمعت بين سعة الذّات وسننيّة الانفتاح بلا شك بقدر ما تحافظ على انتماءاتها هي تستثمره في الانفتاح الطبيعيّ ثقافيّا وسياحيّا واقتصاديّا.

وعليه الأصل في ثقافة الدّولة القُطريّة أو دولة المواطنة أنّها تتفاعل مع الثّقافات الأخرى، فجميع الثّقافات البشريّة ذات أصل إنسانيّ واحد، وتعدّد الثّقافات جوانب كسبيّة لها ارتباط بالماضي وبالفلسفات القديمة والحديثة، والتّفاعل ينطلق من الجانب التّعارفيّ المبني على القيم الكبرى والمبادئ المشتركة في المجموع الإنسانيّ، والأصل فيه أنّه -كما أسلفتُ - يساهم في الحفاظ على الخصوصيّات الثّقافيّة كانت دينيّة أم مذهبيّة أم اجتماعيّة (عادات وتقاليد)، ويؤدي إلى استثمار هذه الخصوصيّات بما يخدم المجتمعات الإنسانيّة وفق الهويّة الوطنيّة.

ويطرح اليوم سؤال هل الهويّة الوطنيّة قابلة للتّغيير أم يجب الاحتفاظ بها كما هي؟ ومن حيث الأصل لا توجد هويّة ثابتة لأنّها شيء كسبيّ متحرك، وما نعيش فيه من هويّات ليست كهويّات أجدادنا حرفيّا، بل تطوّرت بتطوّر الحياة وأساليبها وتلاقحها مع ثقافات أخرى، وقولنا إنّ الهويّات تحترم ويحافظ عليها، هذا لا يمنع أن تتفاعل إيجابيّا فيما يخدم الذّات الإنسانيّة الواحدة، والدّولة الوطنيّة ذاتها، وهنا يمكن تحقيق التّوازن بين الانتماء الوطنيّ والانتماء الثّقافيّ للفرد في عالم متغير، فالانتماء الثّقافيّ عابر للانتماءات الوطنيّة، وله ارتباط بالفردانيّة، والانتماء الوطني انتماء إجرائي تعاقديّ وفق هويّة مشتركة، والهويّة المشتركة حافظة للفردانيّة ومنطلقة منها، وفي الوقت ذاته لا تهمشّ الانتماءات الهويّاتيّة الأخرى في الدّولة القطريّة، ويتحقّق التّوازن بينهما إذا انطلقنا من القيم الجامعة إلى الخصوصيّات الهويّاتيّة، وكانت مهذبة لا ملغيّة لها.

ولتعزيز الوعي الثّقافيّ والهويّة الوطنيّة في المجتمع لابدّ من خلق وعي جمعي مبنيّ على التّعدّديّة واستيعاب المختلف، وأن يكون مدركا أنّ هويّة الدّولة المركزيّة هويّة جامعة مستوعبة للكل دون تفريق بين أحد، مع ترك التّدافع الطبيعيّ قراءة ونقدا بدون مصادرة أو أبوية مبالغ فيها، وأن يكون الجيل الجديد مستوعبا اللّحظة الزّمنيّة الّتي يعيشها، وعدم اجتراره إلى لحظة أخرى ماضويّة أو بعيدة عن محيطه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الق طری ة الث قافی فی عالم من حیث

إقرأ أيضاً:

بيتر ثيل.. ملياردير يكره الديمقراطية وهكذا يرى العالم

رسمت مجلة لوبس صورة متعددة الألوان والأبعاد للمستثمر في فك التشفير بيتر ثيل المسيحي المعادي للديمقراطية والذي يدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورأت أنه يحمل أفكارا غريبة، وله تأثير قوي على جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي.

وافتتحت المجلة مقالها المطول -بقلم جولي كلاريني وريمي نيون- عن ثيل، الذي يصف نفسه بأنه ليبرالي ومسيحي وشاذ وقارئ ومعلق على الفيلسوف الفرنسي رينيه جيرار، بقوله "مرحبا بفوز ترامب" الذي دعمه منذ عام 2016، مبرزا أن "المستقبل يتطلب أفكارا جديدة وغريبة".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 25 أسئلة لتوضيح ما تعنيه خطة نشر قوات أوروبية في أوكرانياlist 2 of 2الإسلاموفوبيا في فرنسا.. ليبيراسيون: 173 عملا معاديا للمسلمين عام 2024end of list

وإذا كان هذا المستثمر الذي صنع ثروته من خلال فيسبوك والمشاركة في تأسيس "باي بال" وشركة البرمجيات "بالانتير"، أقل شهرة بين عامة الناس من صديقه الملياردير إيلون ماسك، فهو يعد من الشخصيات الأكثر نفوذا في الإدارة الجديدة، وهو من أكثر رجال الأعمال في مجال التكنولوجيا قدرة على التعبير الفكري، وتقول الفيلسوفة كاثرين مالابو "إن ما توصل إليه ليس فلسفة عظيمة، ولكنه ليس سيئا مقارنة بترامب وماسك".

ولتوضيح صورة ثيل صاحب الفكر المتقلب، يؤكد عالم الاجتماع أرنو سان مارتن أن الخط الفاصل بين العظمة والسخافة رفيع للغاية، وأن "الحياة اليومية لثيل لا تزال تتلخص في التماس المال، لكن هؤلاء الناس يحاولون إعطاء أنفسهم طابعا فلسفيا من خلال إشارات غامضة، وهو يقول أشياء شنيعة، ولكن كلما كنت أكثر ثراءً زاد الأمر سوءًا".

إعلان

وقد لخص المقال فكر هذا الملياردير، الذي ولد عام 1967، في ست نقاط محورية حسب التسلسل التالي:

1. كآبة المشاريع العظيمة

يرى ثيل أن العالم راكد، وهذا هو أحد الجوانب الأكثر إثارة للدهشة في خطابه، رغم وجوده فيما يعتبر القلب النابض للابتكار العالمي وادي السيليكون، فهو يرى أن دماء الغرب قد نفدت منذ زمن طويل بعد أن كان المهندسون أصحاب الرؤية الثاقبة يريدون إعادة تشكيل العالم وكشف أسرار المادة.

في ذلك -كما يرى ثيل- نجح المهندسون في اختراق الذرة، ونشروا الزراعة المعدلة وراثيا، وبنوا السدود، وصمموا طائرة الكونكورد، أما اليوم ففقدنا هذا الزخم، ونحن نكتفي بتوزيع ثمار التقدم الماضي دون أن نخترع أي شيء آخر في الواقع.

ويرد ثيل، الذي يكره النساء، فقدان روح الفتح إلى "تأنيث المجتمع" واستيلاء البيروقراطيين وموظفي المالية والعصريين (الهيبسترز) على السلطة، وهم جميعا شخصيات ضعيفة، وإلى الخوف من التقدم، إذ يرى أن علاج الخوف من الحرب النووية ليس الهروب من بناء الأسلحة النووية، بل بتطوير "أنظمة أفضل مضادة للصواريخ الباليستية".

وكذلك يسخر ثيل من علم المناخ الذي يعتقد أنه بعيد عن الصواب في إثارة الشك في المستقبل، وحسب رأيه، لا ينبغي أن تتمثل الاستجابة للأضرار البيئية في الإبطاء، بل في الإسراع لأن حل مشكلة تغير المناخ يكمن في "مفاعلات الاندماج".

العبقري في نظر ثيل يشبهه تماما، فهو رجل أولا وأبيض ثانيا ثم هو أميركي أو على الأقل غربي، وفكر ثيل هو بمثابة حنين إلى الزمن المبارك عندما كانت هذه الفئة من الناس تعتقد أنها مركز الكون.

2. اختفاء الرجال العظماء

في ذهن ثيل، قراءة التاريخ بسيطة، فهو جدول مزدوج الإدخال، إما "متفائلون أو متشائمون" وكذلك "متأكدون أو غير محددين"، فالأوروبيون متشائمون غير محددين، "يقتصرون على رد الفعل على الأحداث عند وقوعها"، أما الصينيون فهم متشائمون محددون يفعلون كل ما في وسعهم لتجنب اندلاع ثورة، في حين أن الأميركيين -في نظره- متفائلون بشدة، ولكنهم لا يخططون لمستقبل أفضل إلا في أوقات رخائهم.

وتعد فلسفة ثيل التاريخية بأكملها نخبوية، وهو يفتقر إلى وجهات نظر يرسمها رجال أقوياء، وهو قريب من الحركة التي يتزعمها المدون كيرتس يارفين، الذي يحارب الديمقراطية باعتبارها "ضعيفة"، ويهاجم ما يسميه "الكاتدرائية"، وهي الهيمنة الثقافية المفترضة للديمقراطيين الليبراليين، ويدافع وسط فوضى عارمة عن ظهور "ملوك الرؤساء التنفيذيين".

إعلان

والعبقري في نظر ثيل يشبهه تماما، فهو رجل أولا وأبيض ثانيا ثم هو أميركي أو على الأقل غربي، وفكر ثيل بمثابة حنين إلى الزمن المبارك عندما كانت هذه الفئة من الناس تعتقد أنها مركز الكون.

3. الموت البطيء للنظام القديم

وقد كتب بيتر ثيل مقالا يرى فيه أن "عودة ترامب إلى البيت الأبيض تنذر بنهاية النظام القديم"، لأنه مرحلة جديدة من التاريخ، تموت فيه الليبرالية الكلاسيكية كسياسة وكفلسفة، وهو يعتبر أن التنوير قد فشل، وأن "الديمقراطية أظهرت عجزها عن كبح جماحها"، لأن العنف لا يرفع من خلال "العقد الاجتماعي" الذي تدافع عنه الفلسفة الليبرالية.

ويرى ثيل أن حركة اليقظة (ووكيسم) "انحراف عن التقاليد اليهودية المسيحية"، وأيديولوجية وحشية، والخطر بالنسبة له هو أن هذه "الصوابية السياسية" سوف تؤدي إلى حكومة عالمية من "الملحدين الشيوعيين".

4. ابتعد عن السياسة

وللهروب من الديمقراطية، التي يرى ثيل أن ما يقوضها هو "الزيادة الكبيرة في عدد المتلقين للرعاية الاجتماعية وتوسيع حق التصويت للنساء"، يسعى لمضاعفة المجالات التي تفلت من الدولة، كالفضاء والعملات المشفرة والجزر البحرية، لأنه يرى -حسب الخبير الاقتصادي برنارد بيريت- أن "الدولة والديمقراطية أعداء للحرية وأن التكنولوجيا سوف تنقذنا من السياسة".

وترى المؤرخة مايا كاندل أن "ما يجب أن نفهمه هو أن الحرية في أذهان أصحاب التكنولوجيا ليست للجميع. بل هي مخصصة للأقوياء الذين لديهم القدرة والواجب على تحريك العالم".

إذا لم تكن جزءًا من الكائنات العليا، فلست من عالم ثيل، عالم النمو والوصول إلى الموارد، عالم المعرفة والخلود، وقبل كل شيء عالم التفوق

5. تسريع التقنية

ماذا نفعل في زمن نهاية العالم؟ في بعض الأحيان لا يكتفي ثيل بالانتظار حتى عودة المسيح، لأنه يبدو من الممكن "المساهمة في تعجيل (نهاية العالم)"، ولتحقيق هذه الغاية، يرغب ثيل في أن نعود إلى الأسئلة الكبرى مثل طبيعة الإنسان، والسيطرة على الطبيعة، ومحاربة الموت.

وفي فكر بيتر ثيل يتعايش منهجان، فكر ديني حول نهاية التاريخ، وفكر تقدمي، وليس في ذلك تعارض بالنسبة له، ويبدو له أن السعي إلى الخلود هو الطريق للوصول إلى الجنة، لذا فإن التطور البشري والمسيحية ليسا متعارضين.

إعلان 6. السيطرة على العالم

وبيتر ثيل هو من أشد المعجبين بسلسلة أفلام "سيد الخواتم"، التي تجمع بين ثلاثية السلطة المفسدة، والصراع الكوني بين الخير والشر، وإمكانية الخلود. وقد قال عدة مرات إنه يريد أن يصبح قزما، و"إذا كان يرى نفسه قزما، فهو -حسب أوليفييه ألكسندر- يرى بقية العالم أنواعا أدنى جسديا أو أخلاقيا، تجب السيطرة عليها أو ستختفي".

وملخص نظرة ثيل للعالم -حسب المقال- تعتمد على مبدأ التمايز العمودي أدنى أو أعلى، و"إذا لم تكن جزءًا من الكائنات العليا، فلست من عالمه، عالم النمو والوصول إلى الموارد، عالم المعرفة والخلود، وقبل كل شيء عالم التفوق".

مقالات مشابهة

  • وظائف شاغرة في عالم المغامرات
  • العراق يبدي استعداده لإعادة جنسيته لمن جردتهم الكويت من المواطنة
  • الغرباوي يكرم طلاب بورسعيد المشاركين في مسابقة المواطنة الرقمية
  • مدير تعليم بورسعيد يكرم الطلاب المشاركين في مسابقة المواطنة الرقمية ومخاطر الإنترنت
  • عُمان.. هُوية متجذرة ومواطنة متجددة
  • رئيس جامعة بنها: بيت العائلة المصرية يعزز قيم المواطنة بين الطلاب
  • بيتر ثيل.. ملياردير يكره الديمقراطية وهكذا يرى العالم
  • في ميناء الصيادين في بيروت.. العثور على جثة رجل مجهول الهويّة
  • [ من الحقائق الواضحة الثابتة ]
  • تدشين برنامج قيم وانتماء لتعزيز المواطنة المسؤولة للأطفال