لجريدة عمان:
2024-12-25@07:24:02 GMT

الخليلي.. أمير البيان العماني

تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT

الخليلي.. أمير البيان العماني

عبدالله بن علي بن عبدالله بن سعيد بن خلفان الخليلي، ينتمي إلى ثلاثة وعشرين إماما من عشيرته منهم أربعة من خاصة بيته آل الخليل، ولد في ولاية سمائل بوسط سلطنة عمان في منطقة العلاية في بيت (السبيحة) في السابع من محرم من عام 1340ــ أو 1341ــ عام 1922م، وأمضى معظم أيام صباه في سمائل وكذلك أيام شبابه، تتلمذ على يد مدرسه زاهر بن مسعود الرحبي في علوم القرآن، ودرس علوم العربية والإعراب على يد أساتذته حمد بن عبيد السليمي وحمدان بن خميس اليوسفي وسالم بن حمود السيابي، اكتسب ثقافته من القرآن الكريم ودواوين شعر العرب وأعجب كثيرا بشعر المتنبي والبحتري وجرير والفرزدق وشوقي وحافظ والباروني وأبي القاسم الشابي ونزار قباني والرصافي وأبي مسلم البهلاني العماني.

يقول محمد الحضرمي: «عبدالله بن علي الخليلي هو من تلك السلالة الشعرية الكبيرة في سلطنة عمان والوطن العربي، التي حفظت للشعر مجده ورصانته وتاريخه، من أبي مسلم البهلاني الرواحي، عمانيا وحتى بدوي الجبل والجواهري عربيا،...وإذا قلنا: إن عبدالله الخليلي هو شيخ القصيدة العمانية خلال النصف الأخير من القرن العشرين فليس في ذلك مبالغة ولا إطراء، فقصيدته جامعة للكثير من اللطائف البلاغية بمعانيها وبيانها، إلى جانب ما تمتاز به من انفراد لغوي، إذ فيها خليط سحري من الإلهام المقذوف في لب الشاعر والاستلهام الذي يوظفه ليوشي به قصيدته، عشق يتجلى في لغة ناصعة ليس فيها حشو ولا مفردات ركيكة».

نلمح في أدب الخليلي نثره وشعره وأفكاره وآراءه ونظراته للحياة والوجود والمجتمع والإنسان والكون ونتحرى في إطار هذا الأدب مفردات فلسفته الأخلاقية الداعية إلى الخير ونبذ الشر، والحاض على المروءة والشهامة والتمسك بأهداف الدين الإسلامي الحنيف وحب الوطن والسعي لتجاوز الواقع الراهن إلى واقع أفضل، بالصدق والعلم والجد والعمل.

يمتاز شاعرنا بجزالة الألفاظ وعمق المعاني وتدفق العاطفة الجياشة من شعره تدفقا يحس معه القارئ لأشعاره أنه أقرب إلى الفلاسفة والحكماء وذلك حين يتحدث في أغراض كالفخر والحماسة والتصوف والحكمة، بينما تظهر عذوبة ألفاظه في أشعار الوصف والغزل التي تشبه حديقة غناء:

بين الرياض وبين الروح والنغم

حق الأبوة في موصولة الرحم

وبين مضجعِ من أهوى ومنبره

روض من الخلد لم يورق ولم يقم

روض من الخلد من يعلق بدوحته

يعلق بطوبى ومن يعلق بها يهم

وقد تطرق شاعرنا الكبير أمير البيان عبدالله بن علي الخليلي إلى أكثر الأغراض الشعرية ومن أهمها الشعر الديني والغزلي والوطني والوصفي والتاريخي والقصصي والرثاء والإخوانيات.

فالشيخ الخليلي كتب في أغلب مجالات الشعر الديني من سلوكيات وتصوف ومن المديح النبوي، وله ديوان شعر أسماه بين الفقه والأدب يختص بالمسائل الدينية واللغوية وهو سؤال وجواب بينه وبين مجموعة من علماء عمان. أما الشعر الوطني عند الخليلي فاتخذ ثلاثة محاور فهناك العماني وهناك العربي وهناك الإسلامي، وهذا نابع من إيمانه بوحدة الأمة ووحدة المصير والتاريخ والدين واللغة والعادات والتقاليد، فنجد في شعر الخليلي إفصاحه بقضية العرب الكبرى فلسطين ونراه تارة أخرى يذكر مصر وثالثة الجزائر، يقول عن عمان:

هزت كياني وما أدراك ما الحالُ

وأرقتني ولمّا يهدأ البال

وجاذبتني عناني وهي صامدة

والحاديات إلى الغابات آمال

وسابقت خطوات الدهر صاعدة

حتى تسامت وكل الكون إقبال

وحاذت الركب في زحف التقدم عن

وعي وشاهد نص القول أفعال

أما الشعر التاريخي فمنه ما جاء في ديوانه وحي العبقرية بعنوان عمان في سجل الدهر ذكر فيها أحوال عمان التاريخية منذ عصر الجاهلية إلى العصر الزاهر للسلطان قابوس بن سعيد وهي ملحمة تاريخية مطلعها:

قف على العالم حول الواقفين

وتأمله بعين المبصرين

وتدبر في مرائيه ترى

قدرة البارئ خير الخالقين

إلى إن وصل إلى حكم السلطان قابوس بن سعيد:

واستوى قابوس في الحكم على

عدة والنصر للفتح المبين

ومضى يجمع ما شتته

ذلك الحكم على مر السنين

كما أغرم الخليلي في الشعر الأندلسي بالموشحات فنظم أحد عشر موشحا، ومن نماذج موشحات شاعرنا الخليلي موشح بعنوان (طائر الجمال) يقول في مقطعه الأول

يا طائر الجمال

على قدود السمر

رفرف على الدلال

فوق الغصون الخضر

تحت الهواء الطلق

ويقول في مقطعه الأخير:

في قبلة المشتاق

على الشفاء الحمر

في ضمة الأشواق

بين الطلى والسحر

تحت خنوع الرق

أما الوصف، فالخليلي يرسم فيه لوحات، تكاد أن تتحرك بك، تأمل كيف يصف تلك الخميلة السمائلية حين قال عنها:

وخميلة حاك الربيع بساطها

خضرا ونمنمها بزهر كاس

من أحمر مثل العقيق وأصفر

ومورد زاهٍ كوجنة حاس

غناء باكرها الحياء فأتاحها

ثغر ونرجسها ذوات نعاس

والياسمين على البنفسج طافح

والورد جوري على منعاس

والآس من تحت النسيم كأنه

مرح المليح بقده المياس

وكأنما النسرين في باقاته

أقراط غانية على مقباس

وكأنما الرمان أثداء المها

والكرم يلحفه بليل عاس

أما قصائد الرثاء، فهو كعادة الشعراء الكلاسيكيين المتأثرين بالقديم من الأدب العربي، يمزجون بين التفجّع والتأبين والعزاء بالحكم الخالدة، ومن قصائد الرثاء قصيدة (النفس البريئة) قالها في رثاء طفل توفي بسبب حادث سيارة:

الدهر يحسن مرة ويسيء

والحال تصلح بالفتى وتسوء

وأرى الرجال ثلاثة فمهذب

صافي الفرِند فجيد فرديء

ما لليالي لا تنام شرورها

والكائنات قلاقل وهدوء

والناس أفواجا إلى غاياتهم

ما يمض من فوج فليس يفيء

والحزن ليس بدافع متوقعا

والحزن منه محسن ومسيء

أسليل أحمد صالح استكف القضا

شر القضاء وما لديه يجيء

لا تجزعن لدى مصاب إنما

جزع الفتى مهما أصيب وبيء

فلتلك نفس لا تزال بريئة

فاضت ورضوان الإله مضيء

«وفي مجموعة «فارس الضاد» توجد قصائد قصصية كثيرة، بعضها يحتل أكثر من عشرين صفحة متتالية، مثل قصة «الملك ووزيراه» والتي تتعدد فيها الشخصيات بين الملك والوزير الكبير والوزير الصغير، وزوجة الملك الأولى وزوجة الملك الثانية، إلى جانب شخصيات ثانوية تتناثر هنا وهناك مثل «بائع الحكمة» وخدم القصر، ووالد الزوجة الثانية، وأفراد من قبيلته، ويدور فيها الحوار الشعري ساعيا لتشكيل قصة لها عقدة وتبحث عن حل، وفيها جوانب مشوقة، وجوانب غامضة تنجلي شيئا فشيئا، ومن نماذج حواراتها بين الوزير والشيخ «بائع الحكمة»:

الشيخ:

أنا شيخ ولي تجارة مثلى

فادن مني لمتجر الحكماء

الوزير:

أي شيء تبيع، قل لي، فاني

لا أرى قط ما يراه الرائي

الشيخ:

أنا في متجري أبيع كلاما

جملا أحكمت به إحكاما

جمل حشوها سلامة عقبا

ك وإن أنت لم تعرها اهتماما

قيمة الجملة الفريدة ألف

من نقود البلاد فابتع كلاما

وإلى جانب هذا النمط من القصص الشعرية الحوارية توجد القصة الشعرية السردية وبعضها يشكل حكايات واقعية معاصرة، مثل قصة «سراب بقيعة» وبعضها الآخر يستمد مادته من أعماق التاريخ ومن التراث الديني مثل قصة «المسيح والخائن»، أو التراث العربي قبل الإسلام مثل قصة «هند والكاهن»، وأحيانا تختار القصة السردية وضع عناوين داخلية تتغير معها القافية ولكن يظل المتحدث الراوي هو الشاعر كما حدث في قصة «أخت الزليخا» التي تمتد نحو مائتي بيت تتخللها عناوين مثل: «خطاب في السر، الأب يوصي بولديه خالهما». ولا تتوقف أنماط الشعر الدرامي في هذه المجموعة على ما يمكن أن يسمى بالقصة الشعرية، سواء منها الحوارية أو السردية وإنما تمتد إلى أنماط أخرى يقترح الخليلي منها نمطا يسميه «الصورة الشعرية» التي تشتمل على مشاهد متعددة، كما حدث في قصة «جذيمة والأحداث» التي قدم لها الشاعر بقوله: «صورة شعرية تشتمل على عشرين مشهدا في عصر ما قبل الإسلام» ويمهد لها الشاعر بمقطوعتين قصيرتين، تحمل الأولى عنوان «تقديم» والثانية عنوان «توطئة»، ثم تتوالى المشاهد، المشهد الأول، المشهد الثاني... إلخ، ويحتفظ الشاعر فيها بدور الراوي مع مزج بين الطريقة الحوارية والطريقة السردية، ولعل هذا هو ما دفع الشاعر لأن يطلق عليها صورا ومشاهد تصل أبياتها إلى نحو مائة وثلاثين بيتا من بحر الخفيف.

ترك الخليلي أيضا مساهمات نثرية تضم بين دفتيها المقامات، والمذكرات المكتوبة التي تتحدث عن جانب من حياته، ثم القصص القصيرة وهناك بعض المحاولات المسرحية وإن غلب عليها الطابع الشعري ولكنها تعتبر فنا نثريا، وقد صدرت عام 2018 الموسوعة الشعرية لأمير البيان في تسعة مجلدات، مضافا إليها بعض شعر آبائه.

توفي الشاعر الشيخ عبدالله بن علي الخليلي 2000م.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عبدالله بن علی مثل قصة

إقرأ أيضاً:

ننشر البيان الختامي للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين

 جاءت الدعوة للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين في ظروف استثنائية، تتعرض المهنة فيها لأزمات حادة على جميع المستويات، مهنية واقتصادية، وكذلك على مستوى الحريات والتشريعات، تعوقها عن ممارسة دورها المنوط بها في خدمة المجتمع والتعبير عن قضايا المواطنين.

حسين الزناتي: القيد عصب نقابة الصحفيين وأداة لتطوير المهنة سكرتير عام نقابة الصحفيين يكشف استعدادات المؤتمر العام السادس

وأصبح الصحفيون شهودًا على أزمة حقيقية تتمثل في تراجع حرية التعبير، وزيادة الضغوط الملقاة على الصحفيين، وتحجيم فرصهم للقيام بدورهم الحيوي في المجتمع، وهي الأزمة التي امتدت لتلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية للمهنة وللصحفيين، ويدفع أعداد كبيرة من ممارسي المهنة ثمنها، وتحجّم فرصهم للقيام بدورهم الحيوي في المجتمع. فالعديد من زملائنا يعيشون ظروفًا مهنية واجتماعية واقتصادية صعبة حان الوقت أن نناقشها بشكل علني وجاد، ومعلن في مؤتمرنا، وعيننا على مستقبل أفضل للجميع.

 

تصاعد ذلك في ظل التطورات التكنولوجية، التي عجزت الكثير من المؤسسات الصحفية عن ملاحقاتها في ظل ما ينوء بها من أعباء اقتصادية، وبينما اتجه العالم لإعداد تعريفات جديدة للصحافة من خلال التركيز على المحتوى الصحفي، فإن صراعًا جانبيًا ثار بين نوعين من الصحافة هما: الورقية والإلكترونية، وأيهما سيبقى، فيما انشغلت قطاعات واسعة عن ضرورة إنتاج محتوى يلبي احتياجات الجمهور، ويسعى من خلال التدريب وتعظيم الإمكانات إلى صنع تكامل داخل المؤسسات، وبين مختلف المؤسسات لتطوير هذا المحتوى وتطوير البيئة، التي تمكّن الصحفيين من أداء دورهم بحرية واستقلال، وأن بداية الطريق دائمًا تأتي عبر تحرير الصحفي من كل القيود المهنية، والاقتصادية، والتشريعية المكبلة لعمله، خاصة في مهنة لا تعيش، ولا تتنفس، ولا تنمو إلا بالحرية.

 

لقد كان أمام مجلس النقابة والجمعية العمومية طريقان، إما الاستسلام لتحديات العصر، والاكتفاء بأحاديث الغرف المغلقة، وإما أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لتغيير الوضع الراهن. وأن نسعى جاهدين لبناء نموذج إعلامي جديد يعتمد على الشفافية والمصداقية والابتكار والنقاش الجاد والصريح حول أزماتنا.

 

فعلى الصعيد العام، جاءت الدعوة للمؤتمر وسط أزمة عامة طالت الحريات العامة في المجتمع، وقيدت المجال العام والقدرة على الحركة، وكذلك وسط أزمة اقتصادية طالت قطاعات واسعة من المواطنين، وأثرت على قدرتهم الشرائية كما تسببت في رفع تكاليف الإنتاج لكل السلع، وهو ما دفع السلطة للدعوة لحوار وطني لمناقشة هذه القضايا، كانت نقابة الصحفيين حريصة على المشاركة فيه تنفيذًا للقرارات الصادرة عن الجمعية العمومية في انعقادها الأخير، وحرص مجلس النقابة على طرح رؤية الصحفيين لإصلاح أحوالهم، وذلك بعد استطلاع قطاعات واسعة من الجمعية العمومية، لكن التقدم في النقاش وطرح الحلول جاء وئيدًا، وتلازمت مع كل دعوة لنقابة الصحفيين حدوث انتهاك يطال المهنة كالقبض على أحد الزملاء، أو استمرار ظاهرة الحجب، فعلى سبيل المثال لا الحصر سعت النقابة لحل ملفات الحبس، والحجب، وحرية العمل في الشارع، فحققت بعض النجاحات في البداية، لكنها ما لبثت جميعًا أن تعطلت، ففي البداية أسفرت جهود النقابة عن خروج ما يقرب من 11 زميلًا من غياهب الحبس، وتم إغلاق الباب الدوار لدخول محبوسين جدد لأكثر من عام كامل، لكن مع بدايات العام الثاني في عمر المجلس وقت تصاعد الدعوة للمؤتمر العام عاد الباب ليدور بشكل عكسي، وبعد أن تراجع عدد المحبوسين من الصحفيين من 30 زميلًا إلى 19 زميلًا، ارتفع العدد مرة أخرى ليصل إلى 24 زميلًا محبوسًا في انتكاسة لكل هذه الجهود، خاصة أن 15 زميلًا من بين المحبوسين تجاوزت فترات حبسهم الاحتياطي عامين كاملين، وبعضهم استطالت فترات حبسه الاحتياطي لتصل إلى خمس سنوات، ويكفي تطبيق القانون الحالي، ومراجعة أوضاعهم لإطلاق سراحهم فورًا.

 

وخلال مشاركات النقابة في الحوار الوطني، رفع ممثلوها وفي إطار المساحات المتاحة لهم رؤية النقابة للخطوط العامة لحل مشكلة الصحافة، لكن كان لا بد أن نتشارك معًا في كل التفاصيل لتقديم رؤية جامعة لقضايانا.

 

على الجانب الآخر، كان تطوير العمل النقابي جزءًا أساسيًا من المطالب المرفوعة داخل الجمعية العمومية، ففي ظل هذا الوضع أصبح فرض عين علينا نحن كصحفيين أن نبني نقابة قوية تُعبر عن صوتنا، وتدافع عن حقوقنا من خلال هيكل مؤسسي فعّال وقائم على الشفافية، ويستند إلى مشاركة جميع الأعضاء في صنع القرار، مدركين أن تعزيز العمل النقابي سيعزز قوتنا كمجتمع صحفي، ويضمن لنا الأمان الاجتماعي والمهني.

 

في ظل هذا الوضع، جاءت الدعوة للمؤتمر العام السادس للنقابة مع بداية العام الحالي 2024م، وذلك لفتح نقاش عام داخل الجماعة الصحفية لمناقشة قضاياها عبر كل أطراف المهنة، لنتشارك جميعًا في تحليل الأزمة، التي نعيشها والخروج برؤى وخطوات وحلول واضحة لهذه الأزمة على كل الأصعدة يتولى مجلس النقابة وجمعيتها العمومية، وجميع أطراف المهنة رفعها لكل الجهات، وتكون برنامج عمل نتشارك جميعًا في تحقيقه.

 

لقد كنا حريصين منذ البداية على الحفاظ على تنوع هذه المهنة في سعينا لاستعادة قوتها الناعمة، لا نفرق بين فريق وآخر، وكان الهدف أن يتم فتح الأبواب للجميع للإدلاء برأيهم من خلال المؤتمر العام.

 

وعلى مدار عشرة شهور كاملة، شهدت النقابة أكثر من 80 اجتماعًا وندوة وحلقة نقاش تحضيرية للمؤتمر شارك فيها المئات من أعضاء الجمعية العمومية، بدأت بأربعة مؤتمرات تحضيرية عامة، حضرها لفيف من القيادات النقابية، وكذلك قيادات المؤسسات، والنواب الصحفيون، وأعضاء الجمعية العمومية تم خلالها مناقشة الخطوط العريضة لمحاور المؤتمر، وطريقة اختيار أمانته العامة، وكذلك عنوان المؤتمر، وجاءت مواكبة الإعداد للمؤتمر للمذبحة، التي تجري بحق الشعب الفلسطيني على حدودنا الشرقية خلال العدوان على غزة، وجميع الأراضي الفلسطينية ليختار الحاضرون في الاجتماعات التحضيرية بالإجماع عنوان "دورة فلسطين" لهذه الدورة من المؤتمر.

 

كما تشارك مجلس النقابة، والمشاركون في الجلسات التحضيرية الأولى محاور المؤتمر ولجانه التحضيرية ليتم تقسيم العمل إلى ثلاثة محاور هي: الحريات والتشريعات، والأوضاع الاقتصادية للصحافة والصحفيين، ومستقبل المهنة والتطورات التكنولوجية، كما طغت على جميع المحاور أزمات العمل النقابي والقيود المفروضة على عمل الصحفيين، خاصة ما يتعلق بأزمات الحجب وحبس الصحفيين، لتبدأ دورات عمل اللجان في الدوران متواكبة مع اجتماعات مشتركة للأمانة العامة، وممثلين مع مجلس النقابة، وظهر حماس الزملاء لعمل المؤتمر من خلال تقديم عدد كبير من أوراق العمل منذ الأسابيع الأولى للمؤتمر.

 

وبالتوازي مع الاجتماعات التحضيرية العامة، وكذلك النقاشات حول قضايا المهنة وقضايا المجتمع، التي طغت خلال هذه الفترة، وفي مقدمتها النقاش المحتدم حول مشروعي قانوني الإجراءات الجنائية والعمل الموحد، التي برزت خلال فترة الإعداد للمؤتمر، استمر العمل الدؤوب داخل اللجان لتعقد لجنة الحريات والتشريعات أكثر من 25 فاعلية بين 12 اجتماعًا تحضيريًا، وثلاث ندوات، وأربع ورش عمل، وستة لقاءات مع خبراء، نتج عنها نحو ثلاثة وعشرين مخرجًا، بينها مشروع قانون لإلغاء العقوبات السالبة للحرية في مجال النشر والعلانية، ومشروع بقانون لحرية تداول المعلومات، ومذكرة بحزمة واسعة من التعديلات التشريعية واللائحية على مجموعة من القوانين ذات الصلة بالصحافة والإعلام، ومذكرة مطوّلة بتعديلات على مشروع قانون العمل الجديد، وثماني أوراق بحثية رئيسية مصحوبة بتوصيات، ومشروع مدونة سلوك لبيئة عمل آمنة، كما تم تقديم مشروعين لمدونتين مهنيتين من لجنة المرأة والزميلات، وسبع أوراق بمقترحات متنوعة.

 

وعقدت لجنة مستقبل الصحافة، أكثر من 17 فاعلية بين اجتماعات تحضيرية وندوات، وتم تقديم 7 أوراق ودراسات عمل من خلالها، فيما عقدت لجنة اقتصاديات الصحافة أكثر من 20 فاعلية بين اجتماعات تحضيرية، وندوات نقاشية، وتم تقديم 7 أوراق عمل، كما تواصل عقد لقاءات الأمانة العامة والفاعليات العامة حول مختلف القضايا، كما تم تقديم عدد من الأوراق خلال انعقاد فاعليات المؤتمر، الذي انعقد على ثلاثة أيام خلال الفترة من 14 لـ 16 ديسمبر 2024م، عبر أكثر من 20 ندوة ومائدة مستديرة شارك فيها ما يقرب من 120 متحدثًا بخلاف مئات الزملاء، الذين حضروا أعمال المؤتمر، وشاركوا في النقاشات بفاعلية.

 

ومنذ إطلاق الدعوة للمؤتمر كانت الرسالة التي وصلت للجميع أننا نحتاج ليس فقط لتصحيح الأوضاع، ولكن للمشاركة الفاعلة في وضع الحلول، ورسم خارطة طريق لبناء جديد يستعيد للصحافة مكانتها، وذلك من خلال الإحاطة الكاملة بحجم أزمتنا، وإدراك جميع أبعادها، وتوصيف حالنا عبر تواصل مستمر مع كل الأطراف، وعبر أبواب مفتوحة لجميع الزملاء، وكان علينا أن نطرح ونصيغ ذلك بطريقة عملية، فوضعنا ونحن نعد لهذا المؤتمر استبيانًا لقياس ما وصلنا، ولدراسة أوضاعنا بشكل عملي، وكذلك رؤية أصحاب الأزمة للحلول وأزماتها، فجاءت النتائج لتدق العديد من نواقيس الخطر.

 

لقد جاءت نتائج الاستبيان لتؤكد أننا في أزمة عظيمة، وفي محنة كبيرة، ولكنها في الوقت نفسه كشفت اعتزاز الصحفيين بمهنتهم، وحرصهم على استعادتها، والإمساك بتلابيب تطويرها، وهو ما أكد أن حلم الخروج من الأزمة ما زال ممكنًا، ولم يفلت منا، وأن أبناء هذه المهنة ما زالوا يحلمون، وما زالوا يضعون التصورات لإنقاذها، وهذا ما ظهر في العديد من النتائج.

 

لقد شارك في الاستبيان 1568 زميلًا وزميلة، 88% منهم من النقابيين، و60% منهم في الفئة العمرية من 30 إلى 50 عامًا، وما يقرب من 30% منهم من الزميلات، وجاء المشاركون في الاستبيان تعبيرًا عن كل تنوعات المهنة ومؤسساتها، وهو ما يعزز مصداقية أرقام الاستبيان، التي جاءت لترسم خريطة كاملة لأوجاع الصحفيين الاقتصادية والمهنية.

 

وكان من غير الممكن في ظل العدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني أن يخرج المؤتمر دون أن يوجه تحية واجبة لزملاء لنا ضربوا أروع المثل في المهنية والوطنية، والتضحية والفداء، وهم زملاؤنا تحت نيران العدوان الصهيوني في أرض فلسطين الأبية، وهذه التحية جاءت عنوانًا لهذه الدورة "دورة فلسطين".

 

الأرقام تقول إن ما يقرب من 20% ممن ينقلون الحقيقة في غزة فقدوا حياتهم، وما زال زملاؤهم يعملون، حيث استُشهد أكثر من 194 صحفيًا وعاملًا بقطاع الإعلام، من بين 1000 صحفي يعملون على الأرض في غزة. ولقد كان المؤتمر حريصًا في كل فعالياته أن يقدم تحية إجلال وإكبار لـ 194 شهيدًا للصحافة الفلسطينية، الذين ضحوا بأرواحهم خلال العدوان الغاشم على غزة.

 

وفي هذا الإطار، فإن نقابة الصحفيين المصرية وأمانة المؤتمر العام تشدد على موقف النقابة الثابت والدائم ضد التطبيع مع العدو الصهيوني، مؤكدةً أن حظر التطبيع المهني والنقابي والشخصي سيظل مستمرًا حتى يتم تحرير الأراضي المحتلة، وعودة حقوق الشعب الفلسطيني.

وشدد المؤتمر على أن رفض النقابة لأي شكل من أشكال التطبيع ليس مجرد موقف سياسي، بل هو تعبير عن التضامن الإنساني العميق مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقوقه المشروعة، وبهذا تكون النقابة جزءًا من الحركة العالمية المناهضة للاحتلال.

 

بقيت كلمة أخيرة:

إن نتائج المؤتمر وتوصياته هي رسالة لكل الأطراف، ويبقى العمل على تحقيقها فرض عين علينا جميعًا كأبناء لهذه المهنة، وعلى كل حالم بمساحات أوسع للتعبير عن مشاكله، وكذلك على كل مَن يريد بناء وطن يتسع للجميع دون إقصاء أو تهميش، وكل مَن يريد أن تكون لدينا صحافة تعبر عن جموع المواطنين، وليس طرف واحد مهما علا شأنه وعظمت مكانته.

 

ويبقى أن تحقيق مطالب وتوصيات المؤتمر وضمان فعاليتها لا بد أن يأتي ضمن حزمة من الإجراءات العامة على رأسها إرساء قواعد الديمقراطية في المجتمع وتوسيع مساحات الحرية المتاحة للتعبير عن الرأي، ورفع القيود عن المؤسسات الصحفية والإعلامية بما يُبرز التعدد والتنوع، ويساعد على صناعة محتوى صحفي يليق بالمتلقي المصري والعربي، ويتيح فرصًا متساوية لجميع الأطراف للتعبير عن نفسها، ووقف التدخلات في العمل النقابي، وتحريره من أي قيود تعوقه، وتحرير المجال العام من القيود التي تمنع النقابات ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب من الحركة، والعمل بحرية، والتفاعل فيما بينها بما يتيح لها تمثيل جموع الموطنين، والتفاوض من أجلهم، فلا حوار منتج أو يحقق هدف التغيير والتطوير بنفس الأدوات القديمة.

 

‏‎والمؤتمر يشدد على أن إعادة الاعتبار للتنوع في المجتمع، من خلال صحافة حرة ومتنوعة عبر تحرير الصحافة والصحفيين من القيود المفروضة على عملهم، وعلى حريتهم في ممارسة مهنتهم سيظل ضمانة رئيسية ليس للصحفيين وحدهم، ولكن للمجتمع بكل فئاته، فحرية الصحافة ليست مطلبًا فئويًا ولا "ريشة توضع على رأس ممارسي المهنة"، ولكنها طوق نجاة للمجتمع بأسره، وساحة حوار دائمة مفتوحة للجميع لمناقشة كل قضايا الوطن والمواطنين، فمطالب الصحفيين لا تقف عند حدود العمل اليومي، ولكنها تمتد أيضًا إلى المناخ العام، الذي يحكم عمل الصحافة، وكذلك الأوضاع الاقتصادية للصحفيين والمواطنين. فلا يمكن أن يكون هدفنا هو الاكتفاء بإصلاح منزلنا بينما بقية البيوت تحتاج إلى خطوات جادة لتعزيز الديمقراطية والشفافية، والحريات العامة، والتصدي لكل الانتهاكات والقيود، التي تعوق تقدم مجتمعنا، وفي مقدمتها تنامي ظاهرة الحبس، والإيغال في تشريعات وممارسات تنال من الحقوق السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية للمواطنين.

مقالات مشابهة

  • صاروخ يمني يستهدف يافا المحتلة (نص البيان)
  • مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة
  • نائب أمير منطقة مكة المكرمة يفتتح الملتقى العلمي الأول “مآثر سماحة الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله تعالى وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام”
  • الإفتاء تعلن البيان الرابع لحصاد إنجازاتها خلال 2024
  • نص البيان الختامي للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين- فيديو
  • ننشر البيان الختامي للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين
  • نائب أمير منطقة مكة المكرمة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول “مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام”
  • طريقة عمل الشعرية باللبن خطوة بخطوة
  • طريقة تحضير الشعرية باللبن بخطوات بسيطة
  • البيان الثالث لحصاد دار الإفتاء المصرية خلال عام 2024