لجريدة عمان:
2025-01-23@12:16:29 GMT

الإسلام وأهل الكتاب.. الحروب

تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT

في مقال سابق.. رأينا دعوة النبي محمد أهلَ الكتاب إلى الإسلام؛ بكونه ملة إبراهيم والأنبياء من بعده، فاتّبعه كثير منهم بما فيهم رهبان وقسيسون، وربما أحبار أيضا، إلا أنه كذلك رفضه كثير منهم وصدَّوا عنه؛ خاصةً اليهود، حتى وصل الأمر إلى الاقتتال. هذا المقال.. يقرأ الحروب التي حصلت بين النبي محمد وأهل الكتاب من خلال القرآن.

القرآن.. رسم صورة عن الحالة النفسية لأهل الكتاب؛ وبالذات اليهود من بني إسرائيل، إطارها العام بأنهم قوم (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) البقرة:61 ، إنها صورة بائسة، حيث اجتمعت فيهم الذلة والمسكنة، وقد ضُربت عليهم ضربا؛ بسبب الأوضاع التي عاشوها وسوء تعاملهم مع الناس، فالمجتمع.. أنزلهم أسفل درجات سُلَّمه، ومعنى هذا أنهم ليسوا رجال حرب.

ولذلك؛ جبنوا عن خوض القتال مع النبي موسى عندما أراد أن يدخل بهم الأرض المقدسة، وقالوا صراحةً: (يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْما جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) المائدة:22 ، وبلغ بهم جبنهم أنهم لم يخجلوا أنْ: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ) المائدة:24 . وهم لا يقدرون أن ينفكوا عن ذلتهم إلا إنْ دفعهم القدر الإلهي واستعانوا بغيرهم: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) آل عمران:112 .

الذلة والمسكنة.. أورثتهم تعويضا نفسيا بإثارة العداوة فيما بينهم، وإشعال الفتن في المجتمعات، والإفساد في الأرض: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادا) المائدة:64. وكانوا يفعلون ذلك إلى درجة التناقض البيّن، كما حصل.. بطرد فريق منهم ثم سعيهم إلى فدية أسراه، وهذا من طبيعة النفوس الذليلة: (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) البقرة:85 . لقد أصبح تكذيب الرسل أو قتلهم سجيةً من سجاياهم: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقا كَذَّبُوا وَفَرِيقا يَقْتُلُونَ) المائدة:70.

وهم قد يطلبون القتال بأنفسهم ثم يجبنون ويتراجعون عنه، كما فعلوا مع أحد أنبيائهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلا مِنْهُمْ) البقرة:246. وبسبب ذلك كله؛ طُبِع على قلوبهم فلم يعودوا يؤمنون بآيات الله إلا قليلا: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلا) النساء:155 .

هذه هي الصورة التي رسمها القرآن عن أهل الكتاب في بيان طبيعة نفوسهم ومدى إحجامهم عن القتال، والتعويض النفسي الذي لجأوا إليه بالخديعة والتآمر لقتل مَن خالفهم. ولذلك؛ حذّرهم القرآن من الاستمرار على نهجهم، وذكّرهم بما كُتب عليهم من أن قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعا: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا) المائدة:32، وكان هذا أيضا تحذيرا لهم من السعي لمحاربة المسلمين، وبأنهم سيلقون جزاءً وبيلا: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة:33-34. يبدو أن النبي بدأ يشعر بتحركاتهم في المدينة بأساليبهم التآمرية، فوجّه إليهم القرآن هذا التحذير الشديد، وقد أعذر إليهم بذكر العقاب الذي سيقع عليهم حالَ ارتكابهم ما يخل بالأمن، لاسيما وقت الحروب، وهذا ما وقع منهم فعلا.

القرآن.. ذكر خمس حروب وقعت بين المسلمين وأهل الكتاب؛ بالذات اليهود:

- الأولى.. عندما خانوا عهدهم مع المؤمنين الذين ساكنوهم المدينة، فوقفوا مع الأحزاب المهاجِمة في «معركة الخندق»، وهذا بعُرف السياسة «خيانة عظمى». ولذلك؛ ما أنْ سكت نقع المعركة وقبل تلاشي غبارها حتى توجه إليهم النبي بجيشه: (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقا، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضا لَمْ تَطَئُوهَا) الأحزاب:26-27. لقد استحكم الرعب بنفوس الذين (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ)، فأسفرت المعركة عن قتل فريق وأسر فريق آخر، ثم نفيهم من أرضهم، والنبي بنفيهم لم يتعامل معهم إلا وفق قواعد الحرب المعتبرة حينذاك، على الرغم من أن القرآن حذّرهم في حال «محاربتهم الله ورسوله» أولا بتقتيلهم وتصليبهم وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف.

- الثانية.. ذكر القرآن بأن النبي محمدا توجه إلى فئة منهم (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)، بسبب أعمال بدرت منهم فيما يبدو أنها تمس أمن المجتمع، تآمروا فيها مع المنافقين، وصفهم القرآن فيها (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الحشر:4، فعاجلوا أنفسهم بتخريب بيوتهم (بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)، ثم الجلاء من ديارهم، قبل أن يحدث لهم ما حدث لمَن سبقهم مَن قتل وأسر: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ، وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) الحشر:2-3.

- في «سورة التوبة» التي نزلت في ظروف عصيبة «ساعة العسرة»، أثناء استعداد النبي محمد لمواجهة المشركين، أمر الله المؤمنين أن يقاتلوا فئة من اليهود والنصارى بدأت تحركاتهم بالدعاية ضد الإسلام: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) التوبة:32 فخشي النبي منهم أن يقفوا مع المشركين والمنافقين، كما فعل من قبل إخوانهم: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التوبة:29، حتى يعطوا الجزية؛ لكسر عداوتهم عن الإسلام وأهله، وليست -كما يذهب المفسرون والفقهاء- مقابل بقائهم في المجتمع المسلم؛ فهذا حكم فقهي سياسي متأخر.

- «مرتين».. بعد فتح مكة، ذكرتهما «سورة الإسراء» الآيات:1-8 عند الحديث عن «إفساد بني إسرائيل في الأرض»، أثناء سري النبي محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وقد شرحت ذلك في مقالي «الإسراء.. من الواقع إلى المتخيّل» جريدة «$»، 27/ 2/ 2022م .

هذا ما حصل بين المسلمين وأهل الكتاب في الحروب التي وقعت بينهما، بحسبما ورد في القرآن، والتي جاءت بسبب «الإفساد في الأرض» و«الخيانة العظمى»، وكان جزاؤهم قتل فريق منهم وأسر آخر، وتخريب بيوتهم، وجلاءهم من أرضهم، و«تتبير علوهم»، وكل هذا سائر وسائغ في الحروب، وحتى الإجلاء من الأمكنة أمر معتاد في تلك الأزمنة. وما عدا ذلك ما تسوقه كتب السِيَر والتاريخ والتفسير والرواية لا يُعتد به، لما شابه من أخاليط وأكاذيب ومعتقدات و«شعوبية» وروايات شفوية وتأخر في التدوين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النبی محمد ال ک ت اب ال أ ر ض

إقرأ أيضاً:

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

يظلّ اليمن والتحولات التي شهدها، منذ خروج علي عبدالله صالح، من السلطة في فبراير (شباط) 2012، لغزاً كبيراً. زاد الوضع تعقيداً واللغز عمقاً منذ سيطرة الحوثيين، أي إيران، على صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) 2014.

يتصرف الحوثيون بطريقة توحي بأنّ مصير اليمنيين المقيمين في مناطقهم آخر همّ لديهم. المهم بالنسبة إلى هؤلاء، وإلى إشعار آخر، خدمة الأجندة الإيرانية والمشروع التوسعي الإيراني اللذين لا أفق سياسياً لهما من جهة وتأكيد أنّ «الجمهوريّة الإسلاميّة» باتت تمتلك موطئ قدم في شبه الجزيرة العربيّة من جهة أخرى.
انشغل العالم طوال سنوات عمّا يفعله الحوثيون في مناطق سيطرتهم، أي شمال اليمن. لم يكن شمال اليمن يوماً، على العكس من جنوبه، موضع اهتمام دولي ذي طابع جدّي.
يستفيد الحوثيون، الذي يسمّون نفسهم «جماعة أنصار الله» والذين كانوا ومازالوا، على علاقة وثيقة قديمة جدّاً مع «حزب الله» في لبنان، من نقاط قوّة عدّة. في مقدّم هذه النقاط عدم وجود بنك أهداف لدى القوى الغربيّة والإقليمية التي تحاول التصدي لهم. لم تستفق هذه القوى على خطر الحوثيين سوى بعد أحداث غزّة التي بدأت في السابع من أكتوبر عندما قرّرت إيران زج هؤلاء في حروبها.
شنت «الجمهوريّة الإسلاميّة»، مباشرة بعد «طوفان الأقصى»، سلسلة من الحروب استهدفت منها توجيه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة. فحوى الرسالة أنّها تمتلك قرار توسيع الحرب التي بدأتها «حماس» والقدرة على ذلك... وأن المطلوب عقد صفقة معها تفادياً لجعل حرب غزّة تشمل المنطقة كلّها.
فشلت إيران في الحروب التي شنتها، لكنّ اللغز اليمني باقٍ على حاله. ارتدّت هذه الحروب الإيرانيّة على قطاع غزّة نفسه الذي دمرته الوحشية الإسرائيلية. في لبنان تلقّى «حزب الله» الذي فتح جبهة الجنوب ضربة قويّة لم يستفق منها بعد. لولا تلك الضربة، لكان الفراغ الرئاسي مستمرّاً، ولكانت رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة لاتزال رهينة لدى إيران. بكلام أوضح، لولا الضربة التي تلقاها «حزب الله»، لما كان قائد الجيش العماد جوزف عون، في قصر بعبدا الذي بقي شاغراً طوال سنتين وشهرين.
كان الفشل الإيراني الأكبر في سوريا التي كان النظام العلوي فيها برئاسة بشّار الأسد، مجرّد تابع لـ«الجمهورية الإسلاميّة». أمّا العراق، فقد سعى، أقلّه ظاهراً، إلى التملّص من السيطرة الإيرانية المباشرة أو غير المباشرة عن طريق ميليشيات «الحشد الشعبي». إنّّها ميليشيات يتحكّم بها بطريقة أو بأخرى «الحرس الثوري» الإيراني. من الآن إلى أن يخرج العراق من تحت الهيمنة الإيرانية، لابدّ من ملاحظة أنّ حماسة ميليشيات «الحشد الشعبي» لـ«إسناد غزّة» خفت كثيراً، بل باتت شبه معدومة.
لم يبق سوى جزء من اليمن يخوض منه الحوثيون آخر الحروب الإيرانية. سيأتي يوم تتوقف هذه الحرب أيضاً التي أضرّت بحركة الملاحة في البحر الأحمر والتي لم تلحق أذى يذكر بإسرائيل. كلّ ما في الأمر أن الخسائر الكبرى لحقت بمصر حيث هبط الدخل الذي كانت تؤمنه لها حركة الملاحة عبر قناة السويس. يبدو الخيار الوحيد أمام الحوثيين التراجع والسعي إلى صفقة ما تحافظ على وجود لهم في شمال اليمن الذي باتوا يعتبرونه مملكة خاصة بهم.
ليس غياب بنك الأهداف وحده الذي يجعل من الصعب القضاء على الحوثيين. هناك أيضاً طبيعة الأرض في اليمن التي تسمح للحوثيين بإخفاء ما لديهم من صواريخ في أماكن يصعب تحديدها بدقة. في النهاية، الأولوية بالنسبة إلى الحوثيين حكم منطقة محددة في اليمن والسيطرة على أهلها وتغيير طبيعة المجتمع في تلك المنطقة التي كانت تسيطر عليها القيم القبلية، وهي قيم تبقى راسخة في بلد مثل اليمن... ولابدّ من أن تعود إلى الحياة يوماً.
في مواجهة الوضع القائم، أي بقاء القرار في اليمن الشمالي في يد الحوثيين، سيعتمد الكثير على ما إذا كانت على الأرض اليمنية قوى محلّية مستعدة للتحرّك في مواجهة هؤلاء.
لا شكّ أنّ «الشرعية» اليمنية، بقيادة الدكتور رشاد العليمي، في حاجة إلى أخذ المبادرة، خصوصاً في حال قرّرت القوى الغربيّة التنسيق مع القوى المناهضة للحوثيين الموجودة على الأرض.
عاجلاً أم آجلاً، سيتغيّر الوضع في اليمن. يؤخّر ذلك أن العالم الغربي غير مستعد للذهاب بعيداً في مواجهة الحوثيين بطريقة فعالة. يدفع هذا العالم ثمن تهاونه مع «جماعة أنصار الله» وذلك منذ سنوات عدّة عندما منع سقوط ميناء الحديدة في العام 2018، وقرّر بدل ذلك عقد اتفاق ستوكهولم مع تلك الجماعة التي ليست سوى أداة إيرانيّة.
هل جاء دور التغيير في اليمن الآن بعدما اكتشف العالم خطأ استرضاء الحوثيين؟ الجواب أنّ العالم يستطيع الانتظار ما دام الأذى الذي تلحقه إيران، عبر أداتها اليمنية، لايزال محدوداً... وما دام الطرف الذي يعاني هو الشعب اليمني.
سيأتي دور اليمن والوجود الإيراني فيه يوماً. لا يبدو العالم الغربي في عجلة من أمره، خصوصاً أنّ اليمن الشمالي لم يهمّه يوماً... بل كان همّه دائماً في الجزء الجنوبي من البلد الذي لديه ساحل طويل يمتد من بحر العرب... إلى ميناء عدن وميناء المخا الذي يتحكّم بباب المندب مدخل البحر الأحمر وبالتالي قناة السويس!
يبقى أنّ الحاجة في كلّ وقت إلى التعاطي مع لغز يمني يتمثل في أهمّية الجنوب بالنسبة إلى العالم في مقابل العزلة النسبية التي عانى منها الشمال عبر التاريخ.

مقالات مشابهة

  • له إصحاح في الكتاب المقدس.. الكنيسة تحتفل بذكرى نياحة عوبديا النبي
  • كيف حذر النبي من التمثيل بالجثث؟ لا تؤذي أحدًا فتقع في هذه الكبيرة المُحرمة
  • أزهري: يجب تدبر القرآن بفهم صحيح والتمسك به كمرجع ثابت في حياة كل مُسلم
  • لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة
  • مجلس الوزراء: مصر تنافس في إنتاج زيتون المائدة عالميا
  • من المزرعة إلى المائدة.. كيف غيرت التكنولوجيا صناعة الدواجن؟
  • الإفتاء: آيات القرآن الكريم وضعت في أماكنها بمعرفة النبي محمد
  • ترامب : إدارتي ستضع حدا لكل الحروب
  • ترامب: سنضع حدا لكل الحروب في العالم
  • طبق رئيسي على المائدة خلال تنصيب ترامب.. ما هي كعكة السلطعون؟