لم يمثل طوفان الأقصى، زلزالا سياسيا فقط لجهة إسقاط مقولة الجيش الذي لا يقهر لدولة الاحتلال، وإنما أيضا مثل سؤالا فكريا وثقافيا وفلسفيا لا يزال يتردد منذ عصر النهضة العربية الأولى، عن سر النهضة والتقدم..

صحيح أن طوفان الأقصى وما تبعه من حرب إسرائيلية موغلة في الإبادة والوحشية، هو في ظاهره معركة بين حركات تحرر وطني وشعب يتوق إلى الاستقلال والسيادة، وبين قوة احتلال ترفض الانصياع للقانون الدولي، لكن ما تبعه من اصطفاف دولي غير مسبوق ضد الشعب الفلسطيني هو ما أثار علامات استفهام كبرى، حول مفاهيم الحرية والقانون والسيادة والمساواة والحقوق وغيرها من القيم التي عملت الإنسانية على مدى تاريخها بإسهامات تراكمية في صياغتها.

.

الفيلسوف والمفكر التونسي الدكتور أبو يعرب المرزوقي يعمل في هذه المقالات التي تنشرها "عربي21" في أيام شهر رمضان المبارك، على تقديم قراءة فلسفية وفكرية وقيمية للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف باعتبارهما المرجعية الأساسية التي يبني عليها العرب والمسلمون إسهاماتهم الحضارية..

خاتمة المحاولة ووصلها بالظرفية الحالية

لا أشك في ذكاء من يحالون تفسير ذلك بعجز الحكام العرب والمسلمين فيعتبرون الأمر كله ناتجا عن مسألة خلقية والخيانة. لكني مع ذلك لا يمكن أن أصدق أن كل حكام العرب والمسلمين فاقدين للأخلاق والحمية إلى هذا الحد.

لو كنت أصدق هذا التفسير لما فرحت لما رأيت عدم تدخلهم لئلا تتكرر نكبة 48 وخاصة ما تلاها من انقلابات عسكرية جعلت الأمة اكثر ضعفا مما كانت، ومن ثم فالأسباب تتجاوز تبادل التهم بالولاء والخيانة من دون البحث عما يحول دون فهم المشكل.

مصيبة المسلمين الحالية هي أنهم صاروا سجناء النوعين من يظن نفسه شعب الله المختار (الصهيونية) ومن يظن نفسه وريث أسرة اللاه المختارة (الصفوية).فهذا التدخل كان سيكون لصالح إسرائيل لو حصل دون أن يحسن الوقف العسكري لأنه كان سيبرر أكثر تدخلا غربيا والأخطر هو أنه كان سيقفد حماس ما حققته، وخاصة إسقاط أصل كل سرديات إسرائيل بالتظاهر بادعاء المنزلة الضحية لتبرير عدوانها وتبرر تدخل الغرب لصالحها بدعوى خضوعها كميا على الأقل للتصفية بعدد كل العرب لإضفاء الشرعية على السند الغربي للعدوان.

سأحاول تجريب تفسير أكثر تعقيدا دون أن يعني ذلك أني أنفي أن محاصرة إسرائيل كان يكون كافيا حتى لو ماثل ما فعلوه مع قطر عندما حاصروها لكن جل الحكام "بعضمتهم" أي إن إسرائيل وأمريكا تمسك عليهم ما يرهبهم.

والتعليل الذي سأقدمه يتألف من خمس علل اثنتان ذاتيتان  للمسلمين واثنتان ذاتيتان للغرب خاصة والأخيرة هي أصل الأربعة الأولى أعني الكوني في تعليل ما يجري من خذلان للمظلوم في كل تاريخ الحضارات الإنسانية.

العلتان الخاصتان بالمسلمين عامة والعرب خاصة:

1 ـ ليس العجز عن التدخل بل خوفا كم هدم إمكانية تحديد العدو المتربص بالحكام داخليا خارجيا في الإقليم.

2 ـ وعدم تحديد العدو الداخلي الخارجي علته تحالفاتهم الخفية مع القوى العظمى التي تسيطر على الإقليم.

العلتان الخاصتان بالغرب عامة والعالم التابع خاصة:

1 ـ سلطان المال والإعلام الفاسدين أداتي الدولة العميقة في الحكم الديموقراطي.

2 ـ اعتماد سلطان الغرب على عملاء يحكمهم في بقية شعوب العالم والمحميات التي تسمى دولا.
الأصل المشترك في العالم كله لما يجعل التاريخ يجري بهذه الصورة هو استعمال أداتين  هما جوهر "الابيسيوقراطيا" المتنكرة بالجمع بين التأسيس على الدين المحرف أو الثيوقراطيا (الحكم باسم الحق الإلهي) وعلى ادعاء الديموقراطية المحرفة أو الإنثروبوقراطيا (الحكم باسم الإنسان)، وهو سلطان دين العجل الذي يحكم بمعدنه وخواره أي بسلطان مالكي النظام البنكي والنظام الإعلامي في تشكيل الرأي العام في العالم وتحديد القيم التي تفرض على النخب التي تحكم سياسيا وحضاريا.

ومصيبة المسلمين الحالية هي أنهم صاروا سجناء النوعين من يظن نفسه شعب الله المختار  (الصهيونية) ومن يظن نفسه وريث أسرة اللاه المختارة (الصفوية).

وكلاهما يمثلان أداتي الدول العميقة في الغرب للسيطرة على بقية العالم عامة وخاصة على المسلمين منذ هزيمتهم في الحروب الصليبية وفي حروب الاسترداد وحروب الاستعمار. والمثال الأوضح في ذلك هو العرب. فهم اليوم ينقسمون إلى فريقين يخضعان عبودية المضاعفة:

1 ـ فريق يخاف من إيران فيحتمي بإسرائيل وأمريكا وهي عبودية مضاعفة لأنها تجمع نوعي الخوف من الحامي ومن المخيف الدافع للاحتماء به.

2 ـ  فريق يحتف كم ‘إسرائيل فيحتمي بإيران وروسيا وهي كذلك عبودية مضاعفة لأنها بين نوعي الخوف من  الحامي ومن المخيف الدافع للاحتماء به.

ويخطئ من يتصور ذلك أمرا جديدا. فالأمر بدأ منذ الحروب الصليبية واكتمل في حرب الاسترداد وبلغ الذروة في حروب الاستعمار الحديث وهو يتواصل الأن بصورة أوضح لأنه لم يعد خافيا حتى على أدنى مستويات العامة.

ففي الصليبيات كلنا يعلم أن الصليبيين لم يستطيعوا البقاء قرنين في الإقليم إلا بسبب تحالف بعض الأنظمة التي تدعي الإسلام معهم وجلهم سواء في عصر الدولة الفاطمية أو حتى بعد أن انفصمت عراها فصارت مسيطرة على الهلال.

لا يوجد أي نظام عربي يمكن أن يفعل شيئا دون أن يكون ضحية إما لإسرئيل وأمريكا أو ضحية لإيران وروسيا وينطبق ذلك على تركيا المستهدفة أكثر من كل العرب ومثلها باكستان لأنهما الدولتان الوحيدتان اللتان لا يريد الغرب تركهما يصلان إلى مرحلة الردع التي تحميهم ممن يتربصون بهما أي روسيا والهند.وفي المغوليات الأمر بين ، وفي الاسترداديات يكفي تذكر الحلف بين الصفويين والبرتغاليين ضد العثمانيين الذي كانوا كل ما بقي للامة لحماية البيضة، وفي الاستعماريات الكل يعلم كيف أن الإيرانيين سواء في النظام الشاهنشاهي أو في نظام الملالي كانوا من أدوات الأنجليز فالأمريكان فالروس وربما قريبا الصين لكنهم لم يغادروا التعاون الخفي مع أمريكا.

لذلك فلا يوجد أي نظام عربي يمكن أن يفعل شيئا دون أن يكون ضحية إما لإسرئيل وأمريكا أو ضحية لإيران وروسيا وينطبق ذلك على تركيا المستهدفة أكثر من كل العرب ومثلها باكستان لأنهما الدولتان الوحيدتان اللتان لا يريد الغرب تركهما يصلان إلى مرحلة الردع التي تحميهم ممن يتربصون بهما أي روسيا والهند.

وبهذا المعنى فإني أعذر الأنظمة التي تخشى الغدر من بعضها البعض ومن ثم فلعل الاحجام عن التدخل علته الخوف من أنن يحصل لها ما يحصل لحماس عندما  لعب بها ما يسمى بحلف الجبهات خداعا ولم تفهم أن ذلك كان يكون كذلك لو استهدفت إيران لا غير وألوم الشعوب التي لم تفهم بعد أن ما يحصل لغزة وكل فلسفطين يستهدفهم مثلهما ولكن بالتقسيط فالمشروع الإيراني الإسرائيلي  وما فيه من تنافس ظاهر وتحالف خفي هدفه تفاسم الأقليم واسترجاع تاريخ ما قبل الإسلام.

ولأختم المحاولة بالإشارة إلى أن كل الأقطار العربية مستهدفة بالتقسيم والتفتيت نفس الاستهداف الذي حدث في العراق وفي السودان وفي اليمن وسوريا وليبيا والأهداف المقبلة هي مصر والجزائر والمغرب ودائما بضربهم بما يشبه الحرب الأهلية في كل قطر وبالحرب الأهلية بين الأقطار، ودور الجرب بين الجزائر والمغرب  والحرب بين السعودية والامارات سيبدأ مباشرة بعد الانتهاء من فلسطين لا قدر الله.
أما مصر فهم فتتوها بعد لأن الحرب عليها من الداخل هي عين سلطان البلحة ومن الخارج هي عين تعطيشها.

بقيت الأقطار الهزيمة التي من جنس تونس والتي يكفيها حربها الأهلية بين أرذل النخب السياسية والفكرية والفنية وخاصة خدم المخابرات وعجائز السياحة المتخلفة فلا احد من قوى العالم يحتاج لبذل اكثر من شراء جوعى نخبها التي أي ارذل من لا دين لهم ولا ملة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الرأي تراث المسلمون رأي واقع أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دون أن

إقرأ أيضاً:

داعش وإيران والشرق الأوسط.. قراءات أمريكية متباينة للانسحاب من العراق

داعش وإيران والشرق الأوسط.. قراءات أمريكية متباينة للانسحاب من العراق

مقالات مشابهة

  • خبير استراتيجي: إسرائيل تريد استعادة الردع الذي فقدته بالهجوم على لبنان
  • خبير بمركز الأهرام: إسرائيل تسعى لاستعادة الردع الذي فقدته بالهجوم على لبنان
  • الصراع الحقيقي بين إسرائيل وحزب الله وحماس وإيران
  • تقارير: واشنطن تعمل مع (إسرائيل) لتعزيز دفاعاتها .. وإيران تنقل آلاف المقاتلين
  • "فتح": الصين حاضنة آمنة للقضية الفلسطينية وقضايا التحرر في العالم
  • وظائف البنك الأهلي 2024.. طريقة وشروط التقديم
  • كل ما تريد معرفته عن طريقة وشروط حجز شقق الإسكان 2024 في ملوي الجديدة
  • داعش وإيران والشرق الأوسط.. قراءات أمريكية متباينة للانسحاب من العراق
  • الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني 2024.. المصروفات والفروع وشروط الالتحاق
  • اغتيال نصر الله.. بين تحركات حزب الله وإيران وخطط إسرائيل