شيطنة المقاومة تزداد ضراوة.. لماذا الآن ولصالح مَنْ؟
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
دأبت وسائل إعلام عربية، بعد عملية طوفان الأقصى، وما تبعها من عدوان صهيوني وحشي على غزة، على مهاجمة المقاومة في غزة، وتحميلها مسؤولية الدمار الهائل، والجرائم والمجازر المروعة التي ارتكبها جيش الاحتلال على مدار أيام الحرب والعدوان خلال الشهور الستة الماضية.
ووفقا لمراقبين فإن حملة مهاجمة المقاومة ازدادت ضراوة وشراسة في الآونة الأخيرة، وتوسعت دائرتها وانضم إليها كتاب وصحفيون ومحللون باتوا يهاجمون المقاومة بصورة مباشرة، ويحذرون منها ويؤلبون بعض الدول العربية ضدها بذريعة أنها باتت تشكل خطرا يتهدد السلم المجتمعي في تلك الدول.
تواصل تلك الحملة واشتدادها في هذه المرحلة الصعبة من الحرب على غزة يثير تساؤلات عديدة حول دوافعها ومحركاتها وأهدافها، ويضع علامات استفهام وتعجب كثيرة على تلك الأصوات التي باتت تهاجم المقاومة بقوة وشراسة، فما الذي طرأ واستجد حتى تحذر تلك الأصوات من المقاومة وتصفها بالخطر الداهم الذي بات يهدد السلم المجتمعي في بعض الدول العربية كما تروج في كتاباتها ومنشوراتها؟
في رصده ومتابعاته الحثيثة للتقارير والتغطيات التي تنشرها قناة العربية، لفت الأكاديمي السعودي، أستاذ الإعلام السياسي، الدكتور أحمد بن راشد بن سعيّد إلى ما أسماه "فضيحة جديدة مدوّية: حاولت مذيعة العربية استدراج سمير الحباشنة (وزير داخلية أردني سابق)، لإدانة حركة حماس وتخوينها، والإيحاء بخطرها على الأمن الأردني، غير أنه خيّب كل آمالها، وأفشل كل محاولاتها.." على حد قوله.
وأضاف عبر صفحته على موقع (إكس): "الأسئلة التي طرحتها المذيعة على الضيف كانت سهاما موجهة إلى صدر المقاومة الفلسطينية، ونابعة من أيديولوجية التصهين، والعجيب أنها ترمي (حماس) بما تسميه (التحريض)، ومع ذلك فالعناوين التي واكبتها على الشاشة تحرض جميعها على (حماس) وهي عادة النفاق التي لخصها قول العرب "رمتني بدائها وانسلت".
فضيحة جديدة مدوّية: حاولت مذيعة #العربية استدراج سمير الحباشنة (وزير داخلية أردني سابق)، لإدانة حركة #حماس وتخوينها، والإيحاء بخطرها على الأمن الأردني، غيرَ أنّه خيّب كلّ آمالها، وأفشل كل محاولاتها، حدَّ أنها صارت بعد انتهاء المقابلة تصيح مدافعةً عن موقفها وموقف القناة، في مشهد… pic.twitter.com/NJ4ywDAZp8
— أحمد بن راشد بن سعيّد (@LoveLiberty_2) April 2, 2024في سياق الرد على تلك الحملات الرامية إلى شيطنة المقاومة، قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أسامة حمدان، في رده على سؤال بشأن الحملة التي تُشن على الحركة بسبب دعوتها الشعب الأردني للتضامن مع غزة "أدعو أصحاب المعارك الدنكشوتية الوهمية أن يتوقفوا عن مثل هذه التصرفات التي لا تخدم إلا الاحتلال، إن من يطلق هذه الحملات يجد نفسه تلقائيا في مربع الاحتلال، وعليه أن يجيب عمّا إذا كان يوافق على جرائم الاحتلال أو يدعمها".
فضيحة مدوّية جديدة:
وقعت قناة #العربية في فضيحة جديدة، فقد نزعت #المقاومة_الفلسطينية القشور التي كانت تستر سوأتها، فظهرت عاريةً تتلوّى. في سياق الحملة التي تشنّها على دعوة حركة #حماس جماهير الأمّة وأحرار العالم إلى التظاهر أمام السفارات الإسرائيلية والأميركية، احتجاجاً على… pic.twitter.com/lhCPwjlSU8
في هذا الإطار رأى الباحث الفلسطيني في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور منصور أبو كريم أن "الهدف من حملات شيطنة المقاومة هو التستر على العجز العربي الرسمي في ظل استمرار العدوان، وتواصل المعركة لستة شهور، وعدم تحميل الدول العربية أية مسؤولية سياسية أو أخلاقية عما يجري بحق الشعب الفلسطيني في غزة".
وردا على سؤال "عربي21" إن كانت المقاومة الفلسطينية باتت تشكل خطرا على السلم الأهلي في بعض الدول العربية، نفى أبو كريم أن تكون كذلك، مستدركا "لكن في المقابل حتى نكون موضوعيين، هناك دعوات إقليمية تصدر من بعض الأطراف الإقليمية تحاول زعزعة الاستقرار في الدول العربية، مثل الدعوة لتشكيل ميليشيا مساندة للمقاومة الفلسطينية في الأردن، وهذا بالطبع يشكل خطرا على الأمن الأردني".
وأضاف "بالتالي هناك محاولة إقليمية للاستفادة من حالة الصراع، وتصعيده في المنطقة، لا سيما أن الصراع في الشرق الأوسط على أوجه، فهناك صراع ما بين إسرائيل وإيران بالوكالة سواء في سوريا أو لبنان أو غزة، وهذه الحالة تشكل تهديدا للاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، وتسعى بعض الأطراف الإقليمية للاستفادة منها لزعزعة الاستقرار في الدول العربية".
وأرجع أبو كريم اشتداد حملة شيطنة المقاومة في الآونة الأخيرة إلى "وصول الأوضاع إلى حافة الانفجار، وصعوبة الوصول إلى تهدئة، وإصرار إسرائيل على استمرار العدوان مع عدم قدرة الأطراف العربية والدولية لكبح جماح القوة الإسرائيلية، لذا تظهر حملات ومحاولات تحميل المقاومة الفلسطينية تبعات ما يحدث من قتل وتدمير للشعب الفلسطيني بما يصب في شيطنتها".
د. منصور أبو كريم، باحث فلسطيني في الشؤون السياسية والعلاقات العامة
من جانبه لفت الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حلمي الأسمر إلى أن "شيطنة المقاومة كانت منذ عملية طوفان الأقصى، لكنها ازدادت شراسة في الأيام الأخيرة، وغايتها حرف بوصلة "الطوفان"، التي كانت من أجل الأقصى والتي يجب أن تبقى كذلك، وهنا يجب الحذر الشديد من الوقوع في مخططات الكيان الصهيوني، الذي يسعى في إطار تصدير أزماته للخارج إلى افتعال الفتن في العالم العربي وتأجيجها، لحرف البوصلة عن فلسطين والأقصى ونصرة غزة ودعمها".
وأضاف "ولا يخفى أن اشتداد حملة شيطنة المقاومة يرجع إلى صمودها البطولي وصلابتها في مواجهة العدوان والاحتلال، وفاعليتها في أرض الميدان، وثباتها في مناجزة العدو خلال أشهر الحرب التي تقترب من شهرها السابع، وأما دوافع المنخرطين في تلك الحملة فتستهدف إضعاف المقاومة بكل الطرق وكشف ظهرها، وتسعى ثانيا، إلى حرمانها من قطف ثمار النصر، وهذا هو الهدف الأسمى والأهم لهم".
وواصل الأسمر حديثه لـ"عربي21" بالقول "يتمثل قطف ثمار نصر المقاومة بترسيخ نهجها المقاوم، وإعادة رسم خارطة المنطقة، وتغيير البيئة الاستراتيجية للمفاعيل التي توجه الأحداث وترسم السياسات، لذا فإن الجهود كلها الآن تتركز للحيلولة دون تمكين المقاومة من قطف ثمار نصرها، مع أنها انتصرت فعلا بصمودها وثباتها وتصديها البطولي للعدوان".
وعن اتهام المقاومة بإشعال الفتن الداخلية، وتهديد السلم الأهلي في الدول العربية، بدعوة الشعوب لنصرة غزة والتضامن معها، أوضح الأسمر أن مثل هذه التوجهات ما هي إلا "ترسيخ لذهنية سايكس بيكو التي قسمت المنطقة إلى جزئيات صغيرة لا تتوافر لديها مقومات الدولة، وترتب على هذا مصالح عديدة وطبقات من المستفيدين الذين رأوا في الزلزال الذي ضرب المنطقة خطرا يهدد مصالحهم ومكتسباتهم التي أحرزوها في المدة السابقة، ما حركهم بشراسة لمهاجمة المقاومة ونهجها".
وتابع "تلك الطبقات والنخب المستفيدة من تقسيمات سايكس بيكو ترى أن خط التحرير والمقاومة يتناقض مع مصالحها التي تحققت لها من قبل، ومع أنها كانت تتحدث كثيرا عن الوحدة العربية، والمصير المشترك، والأمة العربية الواحدة، إلا أننا حينما اقتربنا من أن نكون بالفعل أمة عربية واحدة حركتها المقاومة، وجعلت مشاعرها تتجه إلى الأقصى كنقطة مركزية جامعة انكشفت عورة تلك الطبقات والنخب، بما تقوم به من حملات شيطنة المقاومة ومحاربة نهجها".
حلمي الأسمر، كاتب ومحلل سياسي أردني
بدوره أكدّ الكاتب والباحث المغربي في العلوم السياسية، الدكتور عبد الرحمن الشعيري منظور أن دوافع حملات شيطنة المقاومة، وتحريض بعض الأنظمة العربية لقمع الفعاليات الداعمة لها "نابعة من الاصطفاف السياسي لمموّليها وتحالفهم مع دولة الاحتلال، وهي من استحقاقات توجهاتها في استئصال إرادة الشعوب في الوحدة والاستقلال والتحرر من الاستبداد السياسي، ومن هيمنة الاستكبار الغربي الذي تعد "إسرائيل" عنوانه الأبرز في المنطقة العربية".
وتابع في حواره مع "عربي21": "المقاومة الفلسطينية في صيغتها الإسلامية نأت بنفسها منذ التأسيس عن التدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، ودعوات قادة المقاومة الشعوب العربية للمزيد من الحراك والضغط السياسي لإيقاف اتفاقيات التطبيع مع دولة الاحتلال تذكير لهذه الدول والشعوب بواجبهم تجاه فلسطين المحتلة، وثوابتها التاريخية المجمع عليها عربيا وإسلاميا".
وأردف: "لكن الحملات الإعلامية المغرضة تحاول استغلالها لتحريض الحكومات لقمع التظاهر السلمي لفلسطين، تماهيا مع تحالفها السياسي المطلق مع دولة الاحتلال بخلاف دول مثل المغرب والأردن اللذين توجد فيهما قوى سياسية مناهضة تاريخيا للتطبيع والاحتلال، وفيهما تقاليد سياسية تعد التظاهر السلمي من عناوينه البارزة رغم محاولات المنع والتضييق".
وأرجع منظور اشتداد حملة شيطنة المقاومة، وتوسع دائرة مهاجمتها إلى "صمود المقاومة والشعب الفلسطيني أمام وحشية جرائم الاحتلال، التي كشفته أمام شعوب العالم، وأظهرت هزيمته الأخلاقية، وكذلك إلى فشل خيارات الضغط السياسي لتصفية القضية الفلسطينية عبر المفاوضات الأخيرة، ثم انكشاف مخططات هذه الدول المتحالفة مع (إسرائيل) في القضاء على المقاومة، وفي استئصال القوى السياسية العربية المناهضة للاستبداد السياسي والاحتلال الإسرائيلي".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير غزة المقاومة الاحتلال الفلسطينية احتلال فلسطين مقاومة غزة تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة الفلسطینیة شیطنة المقاومة الدول العربیة أبو کریم
إقرأ أيضاً:
الإعلام اللبناني: بين الفشل في تظهير قوة المقاومة وعجز العدو
يمانيون – متابعات
كل الذين خبروا الحروب الإسرائيلية يعرفون أن العدو الإسرائيلي يتقن التأثير الكبير في أي بيئة تحاول دعم مقاومتها في صد اعتداءاته وهمجيته، فتبدأ المعارك في حدود الحروب التقليدية، وترتفع حدّتها حسب الوقائع الميدانية، التي دائماً تثبت العقيدة الانهزامية لـ”جيش” الاحتلال، وتراجع الروح المعنوية في ساحة القتال والمواجهة، وفي معظم المراحل التاريخية للحروب التقليدية للعدو على أكثر من جبهة عربية، كانت السيطرة واضحة لهذا العدو، نتيجة التفوق العسكري، والدعم الغربي في حال احتاج أي مساعدة تحقق أهدافه، في فترة زمنية قصيرة، نظراً إلى ضعف جبهته الداخلية في إطالة أمد الحروب، ولتجنب الخسائر وتحديداً البشرية منها، وأخطرها وقوع جنوده في الأسر، لما يشكله هذا الأمر من ضغط داخلي، لا يمكن لأي سلطة سياسية أو عسكرية تحمّله.
ناهيك بمبدأ أساسي لدى الكيان، المحافظة على الحياة اليومية داخل “إسرائيل”، لتشجيع المقيمين فيها على البقاء وتأسيس أعمالهم داخلها، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، العمل على استيعاب الأعداد الجديدة من المهاجرين إلى “إسرائيل”، في عملية مستمرة لتوسيع الاستيطان، وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتسليح المستوطنين للقيام باعتداءاتهم المستمرة، لمنع أي محاولة تتصدى للتهويد المتواصل، بهدف محو الهوية الفلسطينية، وتركيع الشعب الفلسطيني وإذلاله، عبر ضرب مقومات الصمود، نتيجة فقدان إمكانيات العيش، والسعي لتهجير الفلسطينيين في اتجاهات مختلفة، لما يشكله ذلك من مخططات استراتيجية وضعها العدو، للحصول على مكاسب إضافية، فنجاح التهجير القسري أو نتيجة صعوبة استمرار الحياة في المناطق الفلسطينية، ينتج منه توطين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، وخصوصاً في لبنان والأردن وسوريا والكثير من الدول العربية، وأيضاً في الدول الأجنبية، حيث ينتشر الفلسطينيون، الذين يحاولون ترتيب معيشتهم في تلك الدول.
والخطورة هنا تكمن في متابعة الاحتلال للمزيد من الضغط، لإنشاء بؤر استيطانية جديدة، وما يثبت نجاح المخطط الإسرائيلي، التزايد المخيف لعدد المستوطنين في الضفة الغربية، التي لم تخف السلطات في “إسرائيل” اقتراب موعد إعلان السيادة عليها، بعد الانتعاش في وصول المرشح الجمهوري إلى البيت الأبيض دونالد ترامب، والمعروف بمواقفه وسياسته في دعم “إسرائيل”، والذي سيحاول متابعتها في ولايته الثانية التي تبدأ في كانون الثاني عام 2025، كونه توج تلك السياسة في ولايته الأولى، بخطوات عديدة قام بها، أخطرها قرار نقل السفارة الأميركية من “تل أبيب” إلى القدس عام 2017، والاعتراف بضم الجولان السوري إلى “إسرائيل” عام 2019، وتصريحاته المتكررة بضرورة توسيع مساحتها، التي تعيش وسط محيط عدائي للكيان يهدد وجوده.
وهذا مبدأ ثابت بالنسبة إلى “تل أبيب” وواشنطن، ومعها دول غربية داعمة لوجود كيان غاصب، قادر على تنفيذ الأجندة الغربية، وفتح المزيد من الأبواب، بغية الهيمنة على تلك المنطقة الغنية بثرواتها الطبيعية ومواردها البشرية والمادية، وموقعها الاستراتيجي، الذي يشكل ممراً للقارات الأخرى، وسوقاً اقتصادياً يمكن لـ”إسرائيل” التكنولوجية والاقتصادية والسياحية والعسكرية قيادته، والاندماج مع شعوبه، في ظل دعاية إعلامية متبوعة بترهيب استخباري وعدواني دائم، ما يمنع الاعتراض على أي خطط أو برامج مشتركة في المستقبل، سيكون العدو الرابح الأكبر فيها، ما يعطي للتطبيع بعداً شاملاً يتخلص من عقدة الرفض الشعبي، والدخول في علاقات طبيعية، تشكل الفرصة الحقيقية للتوسع في أي لحظة مناسبة، يستطيع العدو تبريرها تحت ذرائع عديدة، مدعوماً من الدول الغربية وإعلامها المنحاز، لترويض شعوب تلك الدول، التي تحاول في كل مرة أن تعترض على سياسات دولها المتعلقة بدعم الكيان الإسرائيلي المحتل للأراضي الفلسطينية، لكنها تسقط نتيجة الضخ الهائل للمعلومات المضللة، التي غالباً ترمي المسؤوليات الثقيلة على عاتق حركات التحرر والمقاومة، والتغييب الكامل لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، والتي تكفلها المواثيق الدولية، بالرغم من أنها نتاج التطور الحضاري للغرب، حسب زعمه.
لكن ما يثير القلق عدم تفعيل تلك المواثيق لوقف الحروب والاعتداءات، بالإضافة إلى تهميش المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، واستخدام مجلس الأمن لمنع محاسبة الدول المعتدية، التي تتصدر قائمتها “إسرائيل”، وتعطيل المحاكم الدولية، وخصوصاً محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية، بغية إفلات المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والعدوان والجرائم ضد الإنسانية، والمؤسف أن الحروب الإسرائيلية تنسف حتى اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، وتقوم بجرائم إبادة لا تحتاج إلى أي براهين أو أدلة أو تحقيقات لإثباتها، كل ذلك يحصل والوسائل الإعلامية المحلية والدولية، تمارس دوراً تضليلياً في تبرير تلك الجرائم، وتحميل المسؤولية للمقاومة، من دون النظر إلى الهمجية غير المسبوقة في التدمير والقتل، بداية في قطاع غزة، وصولاً إلى العدوان الخطير على لبنان، والتصعيد الممنهج للضغط على الشعب اللبناني، وأيضاً على بيئة المقاومة، بهدف إخضاعها للشروط الإسرائيلية والأميركية، الهادفة إلى تغيير الشرق الأوسط، ونسف موازين القوى الداخلية، والاستثمار في ضرب المقاومة لتكوين سلطة لا تمانع التطبيع مع العدو الإسرائيلي مستقبلاً.
وما نشهده من محاولة الترويج لضعف المقاومة بغية تحقيق مآرب سياسية، يأتي في سياق البناء على نزع سلاح المقاومة، وفرض التطبيق الشامل للقرار 1701، والتغاضي عن مندرجاته المتعلقة بالعدو الإسرائيلي، والإيحاء بأن هذا القرار يشكل فرصة ذهبية للتخلص من فائض القوة لدى المقاومة، وتغيير قواعد الاشتباك الداخلي، تمهيداً لفرض وقائع جديدة، تعكس تراجع قوة المقاومة، وتنزع عنها الدعم الخارجي، وحصر اللاعب الإيراني في حدوده الجغرافية، وتهديد إيران بالعقوبات القاسية وضرب برنامجها النووي، في تكرار لمشهدية تراجع الدور السوري، بداية من استغلال جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان، وصولاً إلى حرب تموز 2006 لمتابعة الضغط على الداخل اللبناني، وفك الارتباط مع سوريا، وانتهاءً بالحرب على سوريا، التي أخرجتها من المعادلة الإقليمية، وجعلتها غير قادرة على فرض سلطتها على كامل أراضيها.
وفي ظل العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ الثالث والعشرين من أيلول 2024، وبعد أكثر من 45 يوماً من الإعلان عن العملية البرية، والتدمير المتواصل للمدن والقرى اللبنانية، وسقوط آلاف الشهداء والجرحى، فشل الإعلام اللبناني في طريقة التعاطي مع هذا العدوان، وهذا الفشل ساعد في إحباط الشعب اللبناني، والخطير أنه يسعى لضرب بيئة المقاومة وصمودها، المطلوب لملاقاة صمود المقاتلين على الحدود اللبنانية، وقوة إدارة المعركة من قبل قيادة المقاومة، وعجز العدو عن احتلال أي قرية لبنانية، أو تحقيق أي هدف من أهداف الحرب، سوى التدمير الوحشي وقتل المدنيين.
فهل يعقل أن تدار الحرب بعقلية الانهزام؟ وكيف تخلى الإعلام عن دوره في التصدي للعدوان؟ وهل حصل ذلك بخطة مدروسة أم نتيجة الجهل الفكري لدى وسائل الإعلام؟
في ظل غياب السلطات اللبنانية لمواجهة محاولات إشعال الفتنة في أكثر من منطقة لبنانية، كما عجزها عن مواكبة تداعيات الحرب، والتلهي في قطف ثمارها، والغريب أن وسائل الإعلام ومعها وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها كافة، تنقل حجم الدمار في لبنان، وتتجاهل الخسائر البشرية والمادية للعدو، والتداعيات الخطيرة على مستقبل كيانه، وعدم التطرق إلى ما يعانيه على الصعيد الداخلي، والعزلة الشعبية الدولية.
——————
الميادين محمد حسن خليفة