عام من الحرب في السودان.. الخراب يسود الخرطوم
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
بعد 12 شهرا من القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع تحولت أغلب أحياء العاصمة السودانية إلى ساحات مهجورة، فالخرطوم التي نزح منها عشرات الآلاف من ساكنيها لم تعد كما السابق، ومنازلها المدمرة والمنهوبة والمحترقة تحكي قصصا مأساوية لفعل الحرب.
بعد عام من الحرب خسائر بمليارات الدولارات لحقت بالبنى التحتية والمصانع والمنشآت، فقد الملايين وسائل كسب العيش وتوقفت رواتب الموظفين وهاجر ونزح ما لا يقل عن 10 ملايين سوداني جراء القتال الذي امتد إلى ولايات عدة.
آلاف المباني الحكومية والخاصة في مدن الخرطوم بدت كساحات لقتال لا يزال مستمرا في أجزاء واسعة من العاصمة وإن تراجعت وتيرته عما كان عليه الوضع في الأشهر الأولى، لكن أصوات الرصاص وهدير الطائرات لا تزال مسموعة في مواقع عدة بالخرطوم.
محطة المواصلات العامة في حي الشهداء تحولت إلى ساحة مهجورة (الجزيرة) أطلالتبدلت ملامح حي الشهداء في أم درمان إثر الحرب، حيث كان طوال عام تقريبا مركزا لقوات الدعم التي اتخذت من بناياته العالية مكانا للقناصة، فكان الحي هدفا للطيران الحربي وقذائف الجيش، فتحولت المباني التاريخية والحديثة والأثرية إلى أطلال.
فالحي -الذي أخذ اسمه من "شهداء" معركة كرري التاريخية التي وقعت عام 1898 بين قوات المهدية والجيش البريطاني- شهد أشرس المعارك وتناثرت الجثث في المكان، ولا يُعرف حتى الآن عدد من قضوا من الطرفين.
السيارات المحطمة متناثرة في طرق حي الشهداء (الجزيرة)وتؤكد الشواهد في بعض مناطق حي الشهداء أنها كانت مكانا لتخزين الأسلحة وإخفاء السيارات العسكرية من قصف المسيّرات، كما أن مشهد السيارات المحطمة والأخرى المسروقة منها أجزاء رئيسية يكاد يبدو اعتياديا، وهي متناثرة على امتداد الطرقات.
وفي كل الطرق الفرعية والأزقة والشوارع الرئيسية في وسط أم درمان وشرقها تدمرت توصيلات وأعمدة الكهرباء بفعل القذائف.
السيارات التالفة ومحطات الوقود المعطلة هي السمة الأبرز في شوارع الخرطوم (الجزيرة)لم تسلم منازل الشخصيات التاريخية في أم درمان من التخريب والنهب، واستباحتها قوات الدعم السريع وتحصنت داخلها، كما سرقت منها مقتنيات تاريخية، مثل منزل الرئيس الأسبق جعفر النميري الذي حُطّم أثاثه وسُرق القيّم منه وتناثرت صور صاحبه على الأرض.
كما لحق السطو بمنزل الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة رئيس الوزراء الأسبق، علاوة على منزل الزعيم إسماعيل الأزهري رافع علم الاستقلال وأول رئيس وزراء سوداني، حيث ترتكزت قربه قوة من الجيش لتأمينه، لكن بدا واضحا للعيان تعرضه لقذائف ورصاص وللنهب.
مستشفى أم درمان التعليمي تأثر بالقتال وتدمرت أجزاء رئيسية فيه (الجزيرة) خرابالخراب في المشافي والأعيان والجامعات يعدّ السمة الأبرز للوضع في أم أدرمان حيث تحول أغلبها إلى ساحات بلا معالم ومرتعا للقطط والكلاب الضالة.
ودمرت القذائف مستشفى أم درمان التعليمي بأقسامه المتعددة التي تسد حاجة القطاع الصحي في المدينة وغيرها من المناطق المجاورة، كما طال الخراب مستشفيات خاصة في محيط الشهداء، بينها مستشفى النيل الأزرق ومستشفى المناطق الحارة ومستشفى آسيا الذي احترق كليا.
وحول هذه المشافي تبعثرت معدات طبية، وبدت الصيدليات الملحقة بها خالية من الأدوية التي تناثر بعضها في الشوارع القريبة.
ووفق تقديرات وزارة الصحة السودانية الأولية، فإن حجم التخريب والخسائر في المستشفيات والمراكز الصحية بلغ نحو 11 مليار دولار.
مستشفى النيل الأزرق في حي الشهداء بدت عليه آثار القصف والخراب (الجزيرة)ويعدّ مسجد رجل الدين الصوفي العارف بالله الشيخ الفاتح قريب الله معلما بارزا في أم درمان، لكنه تحول إلى ساحة عراك شرس واستبيح حرمه وطالته القذائف من كل الاتجاهات، وظهرت آثار تخريب على الضريح الذي يضم مدفن الشيخ الصوفي.
القذائف دمرت أجزاء من مسجد الشيخ قريب الله في ود نوباوي بأم درمان (الجزيرة)اختفت بشكل كلي ملامح محال ومتاجر كثيرة في سوق أم درمان العريق، والذي يقع وسط المدينة وكان يضج بالحياة والبضائع من مختلف الأصناف ويقصده عدد كبير من سكان العاصمة لتميزه ومزجه بين السلع التقليدية والحديثة، علاوة على أسعاره المعقولة.
وتحول السوق إلى ركام وتمت سرقته بالكامل، بما في ذلك سوق المصوغات الذهبية، حيث تم إحراق أغلب المتاجر بعد نهبها، فيما تأثرت أخرى بالقذائف المتساقطة.
القصف والسرقات غيّرا ملامح المحال التجارية في المحطة الوسطى (الجزيرة) معركة طاحنةكما تحولت المحطة الوسطى في أم درمان إلى ساحة للروائح الكريهة جراء تناثر الجثث، ويقول عسكري كان يتجول في المكان للجزيرة نت إن الروائح منبعثة من مجاري الصرف الصحي حيث تساقطت عشرات الجثث وتحللت.
وتبرز في المحطة الوسطى بقوة أيادي اللصوص والناهبين الذين عاثوا فسادا في المكان وأحرقوا ما لم يتمكنوا من حمله، كما يمكن ملاحظة آثار القصف المدفعي والجوي، وبدا أن المكان الذي كانت تسيطر عليه قوات الدعم السريع لأشهر طويلة شهد معارك ضارية ومواجهات مميتة مع الجيش السوداني.
في مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون وقعت معركة طاحنة بين الجيش والدعم السريع، وتمكن الجيش من استعادته بعد أن اتخذته قوات الدعم السريع قاعدة عسكرية ومخزنا للسلاح منذ بدء القتال في منتصف أبريل/نيسان 2023.
وشهد محيط المقر معارك طاحنة واستماتت قوات الدعم في التحصن داخله لأيام طويلة، لكن تواصل الحصار واستخدام الجيش المسيّرات قضيا على أغلب القوة التي كانت داخله، وأظهرت المشاهد والصور من داخل الهيئة حجم الأضرار الكبيرة التي لحقت بها.
آثار معركة ضارية في محيط الإذاعة والتلفزيون (الجزيرة)بدوره، قال إبراهيم بختان رئيس اللجنة التي شكلتها وزارة الإعلام لحصر الخسائر في الإذاعة والتلفزيون في تصريحات يوم 24 مارس/آذار الماضي "اتضح للجنة تعرض الإذاعة القومية لحريق شبه كامل وتضرر أستوديوهات التلفزيون وتسريب كل معينات النقل الخارجي الجديدة وإحراق القديمة".
وقدّر بختان الخسائر التي تعرضت لها الإذاعة والتلفزيون بملايين الدولارات، وتحدث عن سرقة كل السيارات العاملة في المقر وعن تدمير غرفة التحكم الرئيسية للإذاعة ومركز الأخبار ووحدة النقل الخارجي، وما لم تتم سرقته تم تدميره بإطلاق النار، كما طال التخريب أجهزة أستوديوهات قناة ولاية الخرطوم.
تدمير معدات الإذاعة والتلفزيون وقدرت الخسائر بمليارات الدولارات (الجزيرة) مقابر في البيوتكغيرها من مدن العاصمة تحولت أغلب أحياء الخرطوم بحري إلى مساكن مهجورة ومدمرة، ولا تزال أجزاء واسعة منها تشهد مناوشات واشتباكات مستمرة، ولا سيما الجهة الشمالية حيث مصفاة الجيلي للنفط.
والمدينة -التي تعدّ مركزا صناعيا وتجاريا مهما- لم تعد كما السابق، فمصانع الدقيق والمشروبات الغازية والزيوت وغيرها باتت أطلالا تذرها الرياح، وأسواقها العامرة تحولت إلى ركام.
وفي الأحياء المترامية يتمسك بعض السكان بالبقاء، لكنهم يعيشون تحت ظروف بالغة السوء بسبب انقطاع الكهرباء والمياه لقرابة العام، ومن بقي منهم تحولوا إلى السكن في منزل واحد لاحتياطات أمنية وخوفا من الاعتداءات ولتجهيز الطعام جماعيا.
مصانع عديدة بالخرطوم بحري تدمرت وآلت إلى حطام (الجزيرة)لم يجد العديد ممن فضلوا البقاء بديلا لطهو الطعام بعد انعدام غاز الطبخ في مناطق عديدة بمدينتي الخرطوم وبحري خيارا غير قطع الأشجار وترك القطع في الشمس لفترات حتى تجف للطهو.
تحولت بيوت وشوارع وساحات بعض الأحياء إلى مقابر لدفن الموتى، خاصة عند اشتداد المعارك حيث يقوم بعض المتبقين بدفن الجثث في أقرب شارع أو ساحة فارغة، ويواجه السكان المتبقون مشاكل جمة عند ذهابهم إلى المقابر من تفتيش واعتقالات واعتداءات، لذلك يدفنون موتاهم في المنازل والشوارع.
ويروي سكان بحري حادثة مؤلمة عن شخص لم يعلم أحد بموته معتقدين أنه ذهب لزيارة ذويه في منطقة أخرى كما يفعل عادة، لكن بعض الجنود من القوات المتقاتلة عثروا على أجزاء من جسده مقطعة وأبلغوا الأهالي بذلك، ووجد رفاقه بقية أجزاء جسده وقد قطعته الكلاب بعد وفاته داخل منزله.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات الإذاعة والتلفزیون قوات الدعم السریع فی أم درمان حی الشهداء
إقرأ أيضاً:
السودان يشكك في الأرقام المعلنة من الأمم المتحدة بشأن نازحي ولاية الجزيرة
شككت الحكومة السودانية في صحة الأرقام التي نشرتها الأمم المتحدة بشأن نزوح أكثر من 135 ألف شخص من ولاية الجزيرة إثر هجمات تشنها قوات الدعم السريع منذ 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
جاء ذلك في تصريح لمفوضة العون الإنساني سلوى آدم بنية أمس الأربعاء نشرته وكالة الأنباء السودانية خلال وداعها قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى مناطق النازحين من شرق ولاية الجزيرة.
وقالت سلوى إن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا) "لم يقم بمسح يعطي الأرقام الحقيقية للنازحين"، مشيرة إلى أن الأرقام المعلنة "غير سليمة وقد تكون مضخمة أو أقل من الرقم الحقيقي".
وكشفت عن وجود لجان فرعية على الأرض تقوم بعمليات الحصر اليومي، مؤكدة أن وفد اللجنة الفنية سيزور هذه المناطق برفقة مفوض العون الإنساني اليوم الخميس، للوقوف على إجراءات المسح والتوصل إلى الأرقام الحقيقية.
وأضافت أن أعداد النازحين في تزايد مستمر، وأن المفوضية تعمل على التوصل إلى الإحصائيات الحقيقية وتقدير الحاجات الفعلية.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان قد أعلن أول أمس الثلاثاء على صفحته بمنصة إكس أن عدد النازحين من مناطق مختلفة في ولاية الجزيرة قد وصل إلى 135 ألف شخص.
وأرجع ذلك إلى موجة من العنف المسلح والهجمات على أكثر من 30 قرية وبلدة منذ 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع تقارير عن وجود أطفال مفقودين أو غير مصحوبين بذويهم، وأطفال مصابين بطلقات نارية متعددة، واعتقالات تعسفية واحتجاز للأطفال في أجزاء من ولاية الجزيرة.