حمدوك هو أنت، أيها المسكين، الغافل!
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
بقلم: الريح عبد القادر
قال الشاعر والروائي الفرنسي الشهير فيكتور هوجو:
"حين أحدّثكم عني، فأنا أتحدثُ عنكم!
أيها الجاهلون من قال لكم إنني لستُ أنتم؟"
لدى كلمتان أود أن أقولهما: واحدة بالعقل، والأخرى بالقلب.
بالعقل أقول: إنّ هذا الرجل الأعزل، الذي لم يأتِ على ظهر دبابة، ولا ترافقه المليشيات، ولا يملك جبال الذهب، ولا تناصره الجياد والجنجويد، ولا يسنده بيت عز ونسب وحسب، ولا بيت مال وعيال وعقار، قد هزم بسماحته، وابتسامته، وتفاؤله، وحكمته، وببعد نظره، وتواضعه، انقلابَاً عسكرياً، قادته شرذمة ذات بأس مدججةً بالدبابات، والمليشيات، وبالجياد والجنجويد، وبجبال الذهب، والشركات الأمنية، ومنظومات الصناعات الدفاعية.
سيسجل التاريخ أنّ هذا الرجل، الذي قلّ أجاويده فجأةً، وكَثُر مستضعفوه ومستصغروه وشانئوه، في هذا الزمان الماكر، هو القائد السوداني الوحيد الذي وضع قاطرة الوطن على سكّتها الصحيحة، ليصبح السودان، في مقبل السنوات، دولةً-قِبلةً يؤمُّها الناس ويأتمّون بها. وسيذكر التاريخ، شاء من شاء وأبى من أبى، أن اللبنات التي وضعها هذا الرجل، خلال هاتين السنتين، ستظل هي الأساس الذي قامت/ستقوم عليه الدولة السودانية المدنية الحديثة. وسيذكر تاريخ سير الرجال العظماء من بني السودان أنّ عبد الله ود آدم ود حمدوك كان قائداً بسيطاً، حكيماً، صبوراً، زاهداً في الظهور وفي السمعة والصيت، لا يريد التهليل والتكبير من أجله، كما كان يفعل سابقوه، ولا يريد لنفسه هالة ولا هليمانة، ولا هِتِّيفة ولا مدّاحين. وفي حين كان أسلافه من رؤساء السودان غوغائيين جوّاظين صياحين، جاء هو ليعمل في صمت، دون جلبة ولا ضوضاء، فإن نطق قال خيراً، وإن صمت كفى العباد والبلاد شر عثرات لسانه.
لقد طعنوا منذ البداية في أهليته لمنصب رئاسة وزراء حكومة الثورة، فأصبح في وقت وجيز أكثر زعيم سوداني وجد القبول في المحافل الدولية النافذة، فعاد ذلك بالنفع العظيم على البلاد، سواء من حيث تطبيع وجود السودان في المؤسسات المالية والمجتمع الدولي، أو في الشروع في إعفاء الديون وتقديم المساعدات والتمويل.
ووصفوه بالضعف والتردد، ولكن ها هو التاريخ قد سجّل، بالفعل، أنه اتخذ أشجع وأنفع القرارات في تاريخ السودان، إلا وهي قرارات تحرير العملة ورفع الدعم. اتخذ حمدوك تلك القرارات التي كان أسود إفريقيا "ومرافعينها" من رؤساء البلد يتحاشون اتخاذها خشية أن يثور عليهم الشعب. ويشهد التاريخ أن رؤوساء السودان المتعاقبين، حرصاً منهم على استمرار جلوسهم على كرسي الحكم، كان يرشون الشعب السوداني بأرخص خبز في العالم وأرخص وقود في العالم، لكن على حساب الصحة والتعليم والتنمية وحقوق الإنسان، وحقوق الأجيال القادمة. لقد صحح حمدوك بشجاعته هذا التشوه القاتل، وجنّب السودانيين أكل ذلك السُحت الماحق.
وطعنوا في وطنيته، فأثبت وطنيته حين رضي بالعودة إلى الشراكة مع المكون العسكري، رغم علمه التام بأن ذلك سينال من "رصيده الثوري"، وسيؤثر في شعبيته، بعد وقوع الانقلاب الآثم. لماذا فعل ذلك؟ لأنه يعرف أن هدف الثورة، وهدف دماء الشهداء التي سالت، هو إقامة الدولة المدنية، دولة الحرية والعدالة؛ ولا يصون الحرية والعدالة إلا السلام، ولا يُستدام السلام إلا باستمرار الشراكة إلى أجلها المحدد لها. هذا هو العهد والميثاق. ولئن تسير على طريق طويلة شائكة خير لك من عجلة تعقبها الندامة. لقد عرف حمدوك الطريق إلى تحقيق الهدف، فركز عليه ولم يحد عنه؛ وعرف شركاءه في الحكم، فتعامل معهم بما يحفظ هذه الشراكة حتى يتحقق الهدف منها. وهو يعرف رأي الشارع في هذه الشراكة، ولكنه يعرف أيضاً رأي الخارج فيها. فالعالم الخارجي يؤمن بأن خروج العسكر من الحكم إنّما هو "سيرورة"، process، لها خارطة طريق، أو جدول زمني، وليس عملاً يتم "بالضربة القاضية" كما يريد الحالمون. وإذا كان الثوار ينادون بإصلاح المؤسسة العسكرية، فإنّ معظمهم يريد إصلاح المؤسسة العسكرية بدون مشاركة العسكر! وتلك مفارقة، لأنك لا يمكنك إصلاح قطاع التربية والتعليم، مثلاً، بدون إشراك المعلمين، ولا قطاع الصحة بدون إشراك الأطباء والممرضين في الكبيرة والصغيرة.
وسيسجل التاريخ أيضاً أن المخذول من قومه حمدوك، أو المغدور من زملائه حمدوك، هو أكثر من صبر على الأذى، أذى العدو ثم الصديق! لقد ضعّفوه وخوّنوه وضيّعوه! الأعداء والأصدقاء على حد سواء. فظل دوما بين نارين. الأصدقاء لا يحبونه إلا عندما يفعل ما يحلو لهم. ويريدونه ألا يخالفهم لا في حق ولا في باطل. فإن خالفهم سلقوه بألسنة حداد. وخوّنوه وضعّفوه. ذلك لأنهم لا يفرقون بين قيادة الثورة وبناء الدولة. يريدون من حمدوك أن يتجول داخل دواوين الدولة وكأنه شفّاتي في مظاهرة. أما فهو فكان يدرك أن الثورة هي عمل الثوار، أما بناء الدولة فيتم بعقلية رجال الدولة. وكان يريدهم أن "يشتغلوا شغلهم ويشتغل هو شغله". لقد ظل منذ البداية يعمل على ترويض الأفاعي، وملاطفة الذئاب، وملاينة الحانقين، ببراعة وحنكة، متجمِّلا بالصبر والأناة، ويحدوه التفاؤل الكبير، والإيمان العميق بربه وبشعبه.
إنّ حقن دماء أبناء وبنات الوطن فُضلى جميع الفضائل. وهذه قاعدة في الدين وفي الدنيا. فمن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً، ومن قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً. أما الذين يتبعون أهواءهم، و"يركبون رؤوسهم"، فيستهينون بالموت وإراقة الدماء! فإذا كان الثوار مستعدين دائماً للتضحية بالدماء، فإن حمدوك يدرك أن التضحية لا تكون فقط بالدم؛ بل ربما تكون التضحية بالدم أهون من تضحيات كثيرة أنفع وأجل. فهناك التضحية بالسمعة الشخصية، والتضحية بـ"الرصيد الثوري"، والتضحية بأن تصبر على الاتهامات المنهالة عليك بالتخوين وبالجبن، وبأنك أصبحت "حذاء للعسكر". وهناك التضحية بأن تصبر على العدو حتى لا يغدر بالوطن، وليس أقل منها الصبر على تجهُّم الصديق والقريب عليك. كل ذلك يمكن أن يكون تضحية في سبيل الوطن. نعم، الدم مسترخص فداءً للوطن، ولكن الدم ليس هو دائماً أنفع ما يُوهب للأوطان: يمكنك أن تقدِّم لوطنك صبرك، ومحبة مواطنيك واحترامك لهم رغم جفوتهم لك ورغم اتهامهم لك بكل ما تكره. قدِّم لوطنك الإيثار، والتواضع، وحسن الخلق، وحسن المعاملة، وحسن الظن بإخوتك رغم الخلاف والاختلاف. فربّ وطنٍ تغطّتْ أرضه طويلاً بدماء أبنائه وبناته، إلا أنّ تلك الأرض تظل عطشى للسماحة والتسامح والتسامي فوق الصغائر والعمل. القاعدة العامة هي أن حياتك من أجل وطنك أنفع لك ولوطنك من موتك من أجله؛ إلا حين لا يكون من الموت بد. حينئذ فقط يصبح من العار أن تعيش جباناً.
من مشاكل كل ثورة الاغترار الثوري: أن يغالي الثوار في تصور حدود قوتهم، والاستهانة بمكر خصومهم، فيطلبون تحقيق كل شيء الآن، فوراً. هؤلاء لم يتوقفوا متفكرين عند صلح الحديبية، وكيف وافق الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، على حذف البسملة من الاتفاق، ورضي بالرجوع عن دخول مكة بدون عمرة. أما الاغترار الثوري فيدعو أصحابه إلى دخول مكة عنوةً، فوراً.
ومن مشاكل الثورة أيضاً ما أسميه "البلم الثوري". وهو أن يعتقد بعض الجهلة أن مناصب الثورة مثل الجوائز. فمن أعطي منصباً كان كمن حظي بجائزة، فإن أساء كانت عقوبته حرمانه من ذلك المنصب، أو تلك الجائزة. أعرفوا تماماً أن أخاكم حمدوك لا يرى في منصبه جائزة ولا منحة. ولا يشعر بمنةّ عليه من أحد. فالمنصب عنده مسؤولية وأمانة ثقيلة. لا يريدها ولا يتشرف بها، فلا يأتينَّ أحدٌ ليمتنّ عليه بالقول "إن الثورة جابتك". بل هو جاء تلبية لنداء الواجب. فإن بقي في المنصب، بقي فيه من باب القيام بالواجب، لا متشرّفاً ولا متنفّعاً، وإنْ ترك ذلك المنصب فسوف يشكر الله أن كفاه شرا كبيراً.
نعلم جميعاً أن عبد الله حمدوك ظل طوال أيام الإقامة الجبرية في تشاور مستمر مع أهل الرأي، من شتى المشارب، واتفقوا معه على الخطوة التي استصوبوها معا، فلما اتخذها، وعلموا أن الشارع رافض لها، انفضوا عنه، وتركوه وحده، لم يجد منهم ولياً ولا نصيراً، ولكن كفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً.
وإلى هنا آتي إلى الكلمة التي أقولها من القلب، وهي كلمة مقتضبة، نابعة من الإيمان القاطع بقانون رب العباد: ما تواضع أحد لله إلا رفعه؛ فتواضعوا لله مثل حمدوك، وأبشروا برفعة السودان.
حمدوك هو أنت، أيها الغافل المسكين، يا من لا دبابة لك، ولا مليشيا، ولا حركة مسلحة، ولا جبل ذهب، و لا جياد ولا جنجويد، وليس معك إلا الثورة في جوانحك، وحب الوطن في قلب.
فإياك أن تعادي نفسك!
elrayahabdelgadir@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن للمليشيا ومن يدعمها بعد كل تلك الفظائع التى إرتكبتها بحق أهل السودان أن يعيشوا معهم بسلام
من أحاجي الحرب ( ١٧٦١١ ):
○ كتب: د. إدريس عبدالله الله ليمان
□□ والغفلة تصنع الفوضى.
□ لم تعرف الدولة السودانية على إمتداد تأريخها إنزلاقات مجتمعية خطيرة كما تَجَسَّدَتْ فى أعمال الإبادة التى تقوم بها مليشيا آل دقلو الإرهابية بالسلاح الإماراتى والتى خرجت من كهوف الجبال وكثبان الصحراء الأفريقية ووصلت إلى حواضرنا وهى تعتريها حالة من الإعاقة النفسية لعدم تقبل المجتمع السودانى لوجودهم بينهم فهم غرباء فى لسانهم المتفرنس وفى مشاعرهم المتبلدة وطقوسهم البهيمية وثقافتهم الوثنية وجميع تفاصيل حياتهم البائسة .. فأسروها فى أنفسهم لحين إندلاع الحرب التى فجَّرَتْ المشهد السياسى المختَّل أصلاً بصورة كبيرة وأظهرت حقيقة كل القوى السياسية الفاعلة ، فهنالك من وقف مع القوات المسلحة الموقف الوطنى والأخلاقى الذى يشبهه ، ومجموعة أخرى عميقة الوضاعة شديدة الوضوح والصراحة فى دعمها للإرهابيين والسعى للنيل من بركة آل دقلو ومن بيده المال والقوة والسلاح فتهافتوا لإرضاء المجتمع الدولى المنافق والتزلف إليهم بهذا الصنيع وعدم إغضابهم ولاندرى كيف نشأوا وعلى أى شئ قامت شهرتهم ولا إلى أين تمضى أهدافهم وقد لوَّثوا ضمائرهم وأخلاقهم وعزائمهم بتلك المواقف الإماء ..!!؟ ، وفئةً أخرى إلتزمت الصمت المعيب والحياد المصطنع والمفضوح مع دعمها للمليشيا سراً من الباطن .
فكيف يمكن للمليشيا ومن يدعمها بعد كل تلك الفظائع التى إرتكبتها بحق أهل السودان وآخرها التى حدثت بالأمس فى الصالحة أن يعيشوا معهم بسلام وقد تعاظم البناء والحاجز النفسى ..!!؟ وكيف يمكن لأهل السودان أن يتعايشوا معهم بسلام وقد حولوا مساجدهم وبيوت الله إلى منصَّاتٍ للإعدام وبيوتاً للدعارة *وإندايات* يمارسون فيها المُنكر ..!!؟ كيف يمكننا أن نسامحهم وقد أسرفوا فى سفك الدماء والبطش والإيذاء ..!!؟ *كيف ..!!؟* لقد حفرت هذه الحرب الظالمة أخاديد عميقة فى الذاكرة الجمعية لأهل السودان من الصعب محوها بسهولة لاسيما بعد جريمتهم التى يندى لها جبين الإنسانية بالأمس القريب ، وبعد الذى تفوه به مستشار الهالك فى حديثه لقناة الجزيرة مباشر ..!!؟ إنهم وبصراحة ودون مواربة لايشبهوننا أبداً ، وأصبح المرء يجد صعوبة فى مجرد التفكير أن يعيشوا معنا فى دولةٍ واحدة وأن تُقِلَّنا أرضٌ وتُظَّلنا سماء تحت دستور واحد وقوانين تنظم الحياة ..!! فكيف نعيش مع تلك الكائنات التى دمَّرت بنيتنا التحتية وبيوتنا ومساجدنا ومؤسساتنا الصحية والتعليمية والثقافية ونهبت ثرواتنا ومدخراتنا وتراثنا وتأريخنا وأسرفت فى الدماء ..!!؟ *كيف ..!!؟*
من الصعب التعايش مرةً أخرى مع من تورط فى دماء السودانيين وسجله حافل بالمخازى والدماء ولايزال يتوعدنا ..!! بل من الصعب التعايش حتى مع من يُنكر علينا منازلة المليشيا والسعى لإمتلاك عناصر القوة للدفاع عن إرادتنا وحقنا فى الحياة ممن كُنَّا نُحسن الظَّن بهم ونَعُدَّهم من بنى جلدتنا ..!!؟
من الصعب التعايش مرةً أخرى مع من يُبرًَرُ للمليشيا الإرهابية جرائمها وفظاعاتها الدموية ويروِّجُ للسردية البائسة التى تقول أن جيش الإسلاميين هو من أشعل الحرب ويشوه صورة المقاومة الشعبية التى إنتظمت البلاد من أجل أهدافهم القذرة ويهلل فرحاً مع كل تدميرٍ بالمسيرات للمنشآت المدنية ومحطات الكهرباء ويُعظِّم فعل المليشيا المجرمة ويمارس حقده على الشعب السودانى المكلوم الذى يصفه بالكيزان والفلول ودولة ٥٦ المفترى عليها بكل أشكال الشماتة وقلة الأخلاق وإنعدام المروءة .!!؟
من الصعب التعايش مرةً أخرى مع من يمارس الصمت تجاه جرائم آل دقلو الذين دمروا المدن والقرى ودفعوا بمئات الآلاف إلى النزوح واللجوء
لدول الجوار بل وينتظر إنتصارهم على الشعب السودانى وإنهيار الدولة إرضاءًا لنزولتهم الإنعزالية ..!!؟
إنهم لا يشبهوننا بل إن أهل السودان الذين حملوا أرواحهم فى أكفهم ويقاتلونهم بكل بسالةٍ وفدائية لايشبهونهم .. فمعركة الكرامة القائمة تمثل عنواناً لسودانٍ جديد يَتَخلَّق الآن مهما علت أصوات الراجمات الهاونات والمدافع الثنائية والرباعية ومهما علت أصوات العملاء فلاصوت يعلو فوق صوت الكرامة .
*هذا من ناحية* .. ومن ناحيةٍ أخرى هل يا تُرى أن دولتنا على ما يُرام فى تعاملها مع هذا الإنسان المكلوم ، وأنها قادرة على ملامسة جروحه ومكامن التضييق عليه ..!!؟
وهل ياتُرى أن دولتنا تُدرِك أن من حق هذا هذا الإنسان السودانى الكادح المعروق من القهر اليومى أن يعيش ولو بقليلِ حُلمٍ وبعض إهتمام ليعَوِّض زمَنَاً أغبَرَ بزمنٍ قابلٍ للحياة وأنَّ من حقِّه الخروج من الوحل الأمنى والوحل الصِحِّى والمعيشى وإنعدام الخدمات الضرورية أو ضعفها الذى إنغرست أقدامه فيه ..!!؟
وهل ياتُرى أن دولتنا تُدرِك أنها وحدها من يَحِقُّ لها إمتلاك القوة القاهرة والباطشة ، وأنها وحدها من يسمح لها القانون بإستخدام تلك القوة ولاينبغى لها أن تتنازل عنها إلاَّ وفق وضوابط صارمة كشرط من شروط الإباحة المسموح بها ..!!؟
وهل ياُترى أن دولتنا إستمعت لذلك الخطاب الفوضوى المتحدى لمؤسسات الدولة ولمشاعر الناس وكل شروط الإستقرار أم أنها غافلة ولاهية ..!!؟ وآمل أن يخيب ظنَّى وأنَّ الدولة ليست بضعيفة ولا غائبة بل هى واعية لكل المحاذير الأمنية وأنَّ عينها *لاتنام* ولن تُفَرِّط فى هيبة الدولة *والأنام*.. !! فمثل تلك الخطابات التى تطحن الدولة وتهرسها فى طاحونة القبلية وتُذيبها فى ماء المناطقية علناّ ودونما حَرَجْ فيه خطر كبير يجب أن لاتصبِر أو تصمت عليه الدولة مهما كان الثمن .. *فالتأريخ لايُعيد نفسه إلاَّ عندما لايفهمه الناس ولايستلهمون منه العِبَر .. !!* فلو أضحى كل من يملك البندقية ورصاصاتها هو صاحب الصوت الأعلى ولو كان فاقداً للتمييز وجاهلاً بأمور الدنيا والدين ، وهو الذى يُقرر فى شأن الدولة ويطرح شروط وطنيته وشروط إنضباطه وشروط إحترامه لقانون الدولة وإن لم تكن الدولة دولة قانون ستكون فوضى وخروج عن التنظيم والأعراف والإنضباط .. *فالفوضى ليست صُدفة والغَفلَة تصنعُ الفوضى ..!!* .
فعندما يتعلق الأمر بمصلحة الوطن وأمنه وإستقراره فعلى الجميع أن يلتزموا السمع والطاعة دون تذمر أو إحتجاج ومن غير نقاش لأن الوطن وبعيداً عن كل المطامع فى السلطة والثروة يجب أن يظل فى منأى عمَّا قد يمس هيبته وسمعته وكبريائه وكرامته *وإلاَّ فالعازة ستكون فى خطر*.. ومن أجل ذلك يجب أن تكون المرحلة القادمة هى مرحلة الرجال الصادقين الذين عهدناهم أبطالاً أيام المحنة وسنوات الحرب لتتجاوز بلادنا هذا التحدى وليحقق كل مواطن أمله فى مستقبل أفضل .. وكُلنا يقين وثقة برب العالمين أنه وعلى الرغم من كل تلك المنغصات والمُسيَّرات الغادرة التى إستهدفت الإستقرار والأمن المجتمعى فالأحوال تُبَشِّر بفجرٍ جديد ملؤه الثقة والإصرار على النهوض من جديد وستستعيد الدولة عافيتها وقوتها وقواها وسنوات مجدها بحول الله وقوته وبتكامل وتكاتف وتضحيات أبنائها فليس بعد المخاض إلاَّ ميلاد الفرح .. !! وكل الذى يرجوه أهل السودان من حكامهم أن يُعلوا من مشروع دولة المواطنة الحَقَّة والعدالة الإجتماعية والمساواة والقانون وأن يَعمَلوا على نقض بناء مشروع المحاصصة .. كما يأملوا منهم أن يقودوا سفينة الدولة السودانية إلى شاطئ الأمان ، والاَّ يجعلوا منهم جسراً للعبور نحو المستقبل .. وأن يتلطفوا بهم ويُنعِموا عليهم بإعفاءات جمركية لجميع مدخلات الإنتاج وتشجيع الإعمار مهما تسبب هذا الأمر فى عجز الميزانية .. فأهل السودان دفعوا ثمن غفلة الحكام مع الهالك وجنوده دماءًا ودموعاً وجوعاً ومسغبة ونزوحاً ولجوءًا وهم راضون بقدر الله ومحتسبون الأجر عند الله .. فهل المواطن المنكوب بعد كل الذى حدث له يستحق قسوة الدولة التى تنظر إلى جيبه الخالى فى سنوات القحط والسنبلات اليابسات ..!!؟
إنها أسئلة لاتنتظر إجابات بل لتغيير الحال .
نسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر وأن يحفظ بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍???? *لواء شرطة (م) ????
*د . إدريس عبدالله ليمان*
*الإثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥م*