الحريديم يهود متشددون يرفضون الخدمة العسكرية
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
تيار يهودي أرثوذكسي متشدد، نشأ في نهاية القرن الـ18 في هنغاريا بهدف الحفاظ على التقاليد اليهودية القديمة، يعتبر أتباعه التوراة هويتهم الأساسية ويضعون دراستها والالتزام بتعاليمها ضمن أولوياتهم.
ينقسم الحريديم إلى تيارات متعددة ومتباينة فكريا، بينهم المؤيدون لقيام إسرائيل والمعارضون لها، كما أن لديهم مواقفهم الخاصة، إذ منهم من يعتبر أن الديمقراطية لا توافق القيم اليهودية ويظهر رفضا مطلقا للخدمة العسكرية، ويتمركز وجودهم بشكل رئيسي في إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
نشأت الحريدية في نهاية القرن الـ18 باعتبارها هوية يهودية جديدة في أوروبا الشرقية، خاصة في هنغاريا، حيث اعتبرت نفسها حركة تنهل من التقاليد اليهودية القديمة لمواجهة تحديث وعلمنة المجتمع اليهودي.
كان للحاخام موشيه سوفير دور بارز في تأسيس الحريدية، إذ وضع الأسس للعزل بين الحريديم والأرثوذكسيين الحداثيين الذين رغم اعتبارهم التوراة أساسا لهويتهم فإنهم لم يرفضوا الحداثة واندمجوا في المجتمع بشكل كامل.
أضفى الحريديم طابع القداسة على عاداتهم وتقاليدهم، وذلك من خلال وصية سوفير التي كتبها عام 1836 وحذر فيها من تغيير الاسم واللغة واللباس.
في فلسطين يعود تاريخ تأسيس الطائفة الحريدية إلى فترة الانتداب البريطاني، خاصة بين عامي 1919 و1929، إذ شهدت انقسام طوائف الأشكناز داخل السكان اليهود الأصليين "اليشوف القديم" إلى فريقين.
أسس الفريق الأول الحاخامية الرئيسية بزعامة الحاخام أفراهام يتسحاق كوك الذي تبنى اتجاها يميل إلى الصهيونية ويؤيد أفكارها من الناحية الدينية، وكان يرى أن إقامة دولة إسرائيل تبشر ببداية الخلاص.
أما الفريق الآخر فقد أسس "لجنة المدينة لطوائف الأشكناز" بزعامة يوسف حاييم زوننفلد، وتحول اسمها عام 1937 إلى الطائفة الحريدية وتبنت فكرة الاستقلال التام والانفصال الكامل عن الصهيونية.
يتمركز الحريديم في إسرائيل بشكل رئيسي في مدينة القدس وبني براك، إضافة إلى بعض الأحياء في مستوطنات صغيرة أو مستوطنات حريدية خاصة بهم.
وتشير المعطيات الإحصائية إلى أن 40% من اليهود الحريديم يعيشون في القدس وبني براك، فيما يسكن 7% منهم في مستوطنة بيت شيمش قرب القدس، وتبلغ نسبتهم 53% في المستوطنات ذات الأغلبية الحريدية، خاصة في الضفة الغربية.
تيارات الحريديمينقسم مجتمع اليهود الحريديم إلى 3 تيارات رئيسية هي "الليتائيم" و"الحسيديم" و"السفارديم"، وتمثل نسبة الفئة الأولى 40%، فيما الثانية 35% و20% للفئة الثالثة، وينتمي الباقون إلى تيارات فرعية.
تأسست اليهودية الحسيدية على يد الحاخام نحمان برسلاف الذي عاش في أوكرانيا عام 1802، وهي الحركة التي انتقلت إلى إسرائيل ونمت بشكل كبير خلال نهاية القرن الـ20 لتصبح من أهم مكونات الطائفة الحريدية.
وتتميز بهوية يهودية حديثة يشدد أفرادها على البعد النفسي والنوايا، وذلك على حساب الأهمية لتعلم التوراة، ويحرصون على التشبث بنوع اللباس الذي كان شائعا في القرن الـ18، وأغلبيتهم يتحدثون لغة "الإيدش" وسيلة للتواصل.
أما الليتائيم فيتحدثون العبرية، وهم معارضون للحسيديم بسبب عدم جعلهم تعليم التوراة في المرتبة الأولى وتقليلهم من أهمية الالتزام الصارم بالديانة اليهودية.
أما الحريديم السفارديم فينتمون إلى اليهود الذين قدموا من بلدان العالم الإسلامي ودرسوا في مدارس دينية ليتائية، ثم تحولوا إلى حريديم بعد اكتسابهم العلم الديني في تلك المدارس، لكنهم ليسوا متشددين في الدين، ومع ذلك ظلوا الفئة الأضعف التي ينظر إليها الحريديم الأشكناز (الغربيون) باستعلاء، وقد أسسوا حركة شاس الدينية بزعامة الحاخام عوفاديا يوسف.
وإلى جانب هذه التيارات الرئيسية -التي أضحت تؤيد إسرائيل- توجد حركة ناطوري كارتا التي نشأت خلال منتصف الثلاثينيات من القرن الـ20 بزعامة الحاخام عمرام بلوي (1894-1974).
اشتهرت هذه الحركة بمواقفها الرافضة لكل ما تقوم به إسرائيل، بما في ذلك رفضها بطاقات الهوية الإسرائيلية وتخلي بعض أتباعها عن الجنسية الإسرائيلية.
تأتي معارضة "ناطوري كارتا" قيام إسرائيل من معتقدات دينية تفترض أن الرب عاقب اليهود بالنفي والشتات بسبب ذنوبهم، وأن عليهم انتظار مشيئته وتوبتهم للتخلص من هذه العقوبة، وتعتبر إقامة دولة إسرائيل "تمردا على الرب" بالنسبة لهم.
يسكن أغلبية أفراد هذه الطائفة في القدس ويرفضون الحصول على دعم من حكومة الاحتلال الإسرائيلية، كما أنهم لا يشاركون في انتخابات البرلمان (الكنيست)، ويعترفون بحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال.
كان أحد قادتهم البارزين هو الحاخام موشيه هيرش، وأتباعه يحرقون علم إسرائيل في "يوم استقلالها"، وكان هيرش مقربا من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي عينه وزيرا لشؤون اليهود في السلطة الوطنية الفلسطينية.
المشاركة السياسيةبعد الهولوكوست توحدت التيارات الحريدية واندمجت التيارات الدينية المركزية في المشهد السياسي الإسرائيلي، وظهرت أحزاب دينية تمثل المتدينين الحريديم مثل "أغودات يسرائيل"، و"يهودات هتوراه"، و"ديغل هتوراه"، إلى جانب حزب مركزي يمثل المتدينين القوميين أو الصهيونيين وهو حزب المفدال.
كانت المهمة الأساسية لهذه الأحزاب خلال العقدين الأوليين من قيادة إسرائيل هي الحفاظ على مصالح المتدينين، خاصة في ما يتعلق بتوفير الميزانيات للجهاز التعليمي الخاص بهم.
وبعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 والسيطرة على مناطق مثل القدس ونابلس والخليل اندمج التيار الأرثوذكسي مع الصهيونية التي كان يعارضها سابقا، وطغت المرجعية الدينية على هذا المشروع بعد الاحتلال، إذ عادوا إلى الأماكن الدينية محاولين السيطرة عليها، وعلى رأسها المسجد الأقصى.
ووفقا لبعض الدراسات، يمكن تقسيم علاقة الحريديم بدولة إسرائيل إلى 3 فترات رئيسية:
الفترة الأولى تمتد قبل عام 1977، حيث شارك الحريديم في سوق العمل وكانوا ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، وكان متوسط عدد أفراد أسرهم لا يتجاوز المعدل العام. الفترة الثانية وتمتد ما بين عامي 1977 و2002، إذ لعبت هذه الطائفة دورا مركزيا في السياسة، ومكنت لمدارسها وارتفعت نسبة العزلة لديها، وانخفضت مساهمتها في سوق العمل، إضافة إلى زيادة عدد أطفالها. أما الفترة الثالثة فهي بعد عام 2002، وأصبح الحريديم ينخرطون في سوق العمل والأوساط الأكاديمية والتدريب المهني وفي الخدمة العسكرية، لكن بأعداد أقل. طقوس وعاداتيعتقد الحريديم أن الحياة هي الصلاة وتعلم التوراة وأداء الواجبات الدينية ليحظوا بالخلاص، ولذلك فإنهم لا يعملون لكسب لقمة العيش، بل يعتمدون على النساء لتوفير احتياجات الحياة اليومية، ويعتبرون أن الدولة ينبغي أن توفر لهم مصاريف عيشهم.
لهذه الطائفة طريقتها في التعليم، فمنذ ولادة الطفل يسجل بحلقة تابعة لحاخام معين يعتبره الطفل الحريدي قدوته ويقبل كل أفكاره دون تمحيص أو تساؤل.
لدى الحريديم مدارس دينية ولا يعترفون بالعلوم الأخرى التي يعتبرونها تفسد الناس، ولا يؤمنون بالشهادات، وعلى الرغم من ذلك تلزمهم الدولة بتبني مناهجها مقابل الاعتراف بمؤسساتهم وتمويلها وفقا للقانون.
يمتلك الحريديم مؤسسات خاصة بهم للتقاضي في إسرائيل، وتسمى محكمة عدل الطائفة الحريدية، وتختص في قضايا فض النزاعات وقوانين الأحوال الشخصية وقيادة الطوائف والمؤسسات والمعلمين المختصين في البت بالمسائل الدينية.
يحملون تصورات سلبية عن الأديان والثقافات والشعوب المختلفة عنهم، ولا يثقون بغير اليهود.
يتميز الحريديم بالحفاظ على لحاهم طويلة، وترك شعر رؤوسهم ينمو بشكل طبيعي دون حلق، كما يرتدون عادة معطفا طويلا وقبعة سوداء وشالا خاصا بصلاة اليهود يسمى الطاليت، أما نساؤهم فإنهن يحافظن على اللباس المحتشم وقد يرتدين البرقع الذي يسمى في العبرية "فرومكا".
الوضع الجغرافي والاقتصاديتعيش أغلبية اليهود الحريديين في كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية اللتين تمثلان مجتمعتين نحو 92% من جميع اليهود الحريديين في العالم.
أما في أوروبا -التي يعيش فيها نحو 9% من يهود العالم- فإنه يوجد فيها 5% من الطائفية الحريدية، ويوجد كذلك نحو 3% من الحريديم في كل من جنوب أفريقيا وكندا وأستراليا.
وعلى الصعيد العالمي، يقدر عدد السكان اليهود الحريديين بنحو مليونين و100 ألف نسمة، ويمثلون نسبة 14% من إجمالي عدد اليهود على المستوى العالمي (15 مليون نسمة)، وذلك حسب إحصائيات عام 2020 التي نقلتها دراسة لمعهد بحوث السياسة اليهودية.
ووفقا للمصدر نفسه، فقد بلغ عدد الحريديم في إسرائيل عام 2020 مليونا و200 ألف نسمة، وهو ما يمثل 17% من المجتمع اليهودي، فيما يبلغون في الولايات المتحدة الأميركية نحو 700 ألف، وهو ما يمثل نسبة 12% من اليهود.
ووفق دراسة معهد ديمقراطية إسرائيل، فإن معدل نمو الحريديم في إسرائيل يعتبر الأعلى مقارنة بباقي سكان البلدان المتقدمة، ويبلغ نحو 4% سنويا، ويشكل الشباب نسبة عالية من هذه الطائفة، إذ إن نحو 60% منهم تحت سن الـ20.
وتشير الدراسات إلى أن أسباب نمو هذه الطائفة تعود إلى معدلات الخصوبة المرتفعة لديهم، حيث يتبنون سياسة الإنجاب الكثيف، فعادة ما تنجب كل امرأة من هذه الطائفة بين 6 و7 أطفال، وهذه النسبة أعلى بكثير مقارنة بمعدلات الخصوبة في مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا.
وبحلول عام 2040 تتوقع دراسات أن يشكل الحريديم 25% من إجمالي السكان اليهود في إسرائيل ونحو 20% من اليهود الأميركيين و40% من السكان اليهود البريطانيين.
وعلى المستوى الاقتصادي، يواجه الحريديم في إسرائيل تحديات كبيرة تؤثر على مستوى عيشهم، إذ إنهم يعيشون أوضاعا صعبة، فمستوى دخلهم منخفض وعدد أفراد العائلة كبير.
ففي عام 2022 سجلت نسبة بطالة مرتفعة في صفوفهم وصلت إلى 46.5%، وهو معدل يعتبر أعلى مقارنة باليهود غير الحريديين، ويعزى ارتفاع معدل البطالة إلى تفرغهم لدراسة التوراة في المدارس الدينية، حيث يقضي كل طالب منهم ما لا يقل عن 3 سنوات في هذه الدراسة، ويحصل على تعويض شهري يبلغ 1200 دولار.
الحريديم والخدمة العسكريةبدأ إعفاء فئة الحريديم من الخدمة العسكرية منذ الأيام الأولى من تأسيس إسرائيل، إذ أعفي 400 طالب من المدارس الدينية (اليشيفوت) والذين اعتبروا أن توراتهم هي مهنتهم.
استمرت الحكومات المتعاقبة على إسرائيل تحدد عدد الطلبة المعفيين من الخدمة العسكرية، وفي عام 1977 ألغي تحديد عدد الطلبة، وأصبح كل حريدي يحصل على إعفاء منها.
منذ عام 1995 ارتفع عدد الذين يحصلون على الإعفاء من الخدمة العسكرية، مما يتيح لهم التفرغ للدراسة وتلقي إعانات مالية من الدولة.
وعلى الرغم من هذا الإعفاء فإن إسرائيل تمكنت من دمج بعض الحريديم في الخدمة العسكرية خلال تسعينيات القرن الماضي، إذ أسست وحدة عسكرية خاصة بهم، كما انخرطوا في مختلف المجالات العسكرية والأمنية، بما في ذلك جهاز المخابرات.
في عام 2017 أصدرت المحكمة العليا في إسرائيل قرارا بإلغاء إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، معتبرة ذلك تمييزا يمس بمبدأ المساواة، وأمرت الحكومة بإيجاد حل ووضع قانون لذلك، وأمهلتها إلى 30 مارس/آذار 2024.
لكن الحكومة طلبت تمديد المهلة حتى 30 أبريل/نيسان، وهو الوضع الذي يهدد بتفجر الأوضاع داخل إسرائيل، خاصة أن هناك قادة حريديين هددوا بمغادرة إسرائيل في حالة سن قانون يجبرهم على الخدمة العسكرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات الحریدیم فی إسرائیل من الخدمة العسکریة السکان الیهود هذه الطائفة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تكثف عمليات الهدم والتحصينات العسكرية شمال قطاع غزة: تقرير موثق بالصور
كشفت صور جديدة التقطتها الأقمار الاصطناعية عن حجم عمليات الهدم التي نفذتها إسرائيل في شمال قطاع غزة، إضافة إلى إنشاء تحصينات عسكرية في المناطق السكنية.
التقرير الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية يوثق تدمير أحياء بأكملها وإنشاء بنية تحتية عسكرية في مناطق مثل جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، مما أدى إلى تفاقم معاناة السكان المحليين.
التدمير في شمال غزة: آلاف المباني في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانونوفقًا للتقرير، هدمت إسرائيل أكثر من:
5000 مبنى في جباليا.3600 مبنى في بيت لاهيا.2000 مبنى في بيت حانون.ورغم التحذيرات الإسرائيلية التي وصلت للسكان عبر منشورات ومكالمات هاتفية، أفاد المدنيون بأنه لا توجد أماكن آمنة تهرب إليها العائلات، في ظل الغارات الجوية المتواصلة.
النزوح الجماعي ومعاناة المدنيينأسفرت العمليات العسكرية عن نزوح عشرات الآلاف من السكان:
اضطر أكثر من 100 ألف شخص إلى الفرار من منازلهم.بقي أقل من 50 ألف شخص فقط في المناطق الشمالية، وهو ما يمثل نحو ثُمن عدد السكان قبل بدء العدوان، وفق بيانات الأمم المتحدة.وأشارت منظمات إنسانية إلى صعوبات كبيرة في إيصال المساعدات إلى السكان المتبقين، مما يزيد من معاناتهم في ظل انعدام الخدمات الأساسية.
التحصينات العسكرية الإسرائيلية شمال القطاعأظهرت صور الأقمار الاصطناعية قيام الجيش الإسرائيلي ببناء تحصينات عسكرية جديدة تشمل:
منصات دفاعية مرتفعة قادرة على استيعاب نحو 150 مركبة عسكرية.إنشاء طرق ومرافق دفاعية حول مخيم جباليا للاجئين، الذي دُمّر نحو نصفه منذ بدء العمليات العسكرية.الأوضاع الإنسانية تحت الحصارتستمر المعاناة الإنسانية في شمال غزة مع استمرار القصف والنزوح. ويؤكد السكان أن الوضع يتدهور يومًا بعد يوم، في ظل غياب أي حلول دائمة أو ممرات آمنة تتيح لهم النجاة من دائرة الصراع.