القدس المحتلة- فتح الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في معركة "طوفان الأقصى"، باب النقاش على مصراعيه حول إستراتيجية الردع الإسرائيلية ومدى نجاعتها في مواجهة التحديات والتهديدات، وطُرحت العديد من الأسئلة عن مدى اعتماد إسرائيل الكبير على هذه الإستراتيجية ومدى تآكلها والفشل باستعادتها، حتى بعد مرور نصف عام من العدوان على غزة.

فعلى مدار عقود شكلت إستراتيجية الردع ركيزة مهمة لمفهوم الأمن الإسرائيلي، واعتمدت تل أبيب بشكل كبير على قوة الردع التي بقيت ركيزة أساسية في تعامل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وحركة حماس على وجه الخصوص.

وتتفق قراءات المحللين السياسيين الإسرائيليين على أن الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على مستوطنات "غلاف غزة" وبلدات إسرائيلية بالجنوب، يعكس فشل سياسة الردع التي اعتمدتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قبالة حماس، وهي التقديرات ذاتها للمحللين العسكريين والمختصين بالأمن القومي، التي تتفق فيما بينها بأن استمرار الحرب على غزة يؤكد فشل إسرائيل باستعادة قوة الردع.

ضرب المفهوم

وفي قراءة لمفهوم الردع الإسرائيلي وما حدث له منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مرورا بأشهر الحرب على غزة، يقول المحلل العسكري في القناة 13 الإسرائيلية ألون بن ديفيد "لقد ثبت خطأ مفهوم الردع الإسرائيلي في مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة" وفق تعبيره.

ويقول المحلل العسكري "على مدار سنوات، أوضح الجيش الإسرائيلي للمواطنين أن جولات القتال لدينا تخلق ردعا، يجعل العدو لا يريد القتال معنا، وللحصول على دليل، قالوا: انظروا إلى 16 عاما من الهدوء الرائع الذي تمتعت به الحدود الشمالية منذ حرب لبنان الثانية".

ويضيف بن ديفيد أن "مفهوم الردع الذي روجت له مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم يؤد إلا إلى تكثيف التهديدات الإسلامية حولنا، حيث أدركت التنظيمات المسلحة المحيطة بإسرائيل أن كل ما هو مطلوب هو بناء ما يكفي من القوة العسكرية، التي في لحظة الحقيقة يمكنها مهاجمة إسرائيل وتحقيق الحسم لصالحها".

وأوضح المحلل العسكري أن "حزب الله اللبناني وحماس أسسوا قوات هجومية، وفي يوم صدور الأمر، نقلت الحرب إلى الأراضي الإسرائيلية"، قائلا "لقد أوهمنا أنفسنا، وكنا نؤمن بالردع، علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، لو أن حزب الله شن هجوما مع حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنا ما زلنا نحارب من أجل تحرير القواعد البحرية للفرق الشمالية والقاعدة الجوية في رامات ديفيد قرب حيفا".

أين يكمن الفشل؟

واستعرض الدكتور أمير لوبوفيتش، المحاضر بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة تل أبيب، دراسة أعدها بالتعاون مع "معهد دراسات الأمن القومي"، سلط من خلالها الضوء على فشل الردع الإسرائيلي، وتساءل عن سبب وضع إسرائيل ثقتها بهذه الإستراتيجية تجاه حماس، رغم عدم وضوح مدى فعاليتها على الإطلاق في مواجهة التهديدات المحدقة.

وأوضح لوبوفيتش أن "التجارب خلال الجولات القتالية السابقة على جبهة غزة، أظهرت عدم نجاعة الردع الإسرائيلي، وتأثيره المحدود جدا على نهج وسلوك حماس، التي كانت تتأهب بالسر لمهاجمة إسرائيل، والتي رغم فشل إستراتيجيتها وعدم فعاليتها واصلت اعتمادها".

ورغم أنه لا يزال من السابق لأوانه التحديد بشكل مؤكد أسباب فشل الردع، يقول لوبوفيتش "يشكك البعض في القدرة على ردع منظمة مثل حماس، إلا أنه يمكن التقدير أن عددا من العوامل كان لها تأثير حاسم على قرار حماس، التي بدت غير مردوعة، واعتمدت عنصر المفاجئة بمهاجمة إسرائيل، وذلك لمنع تصفية القضية الفلسطينية".

وأوضح المحاضر الإسرائيلي أن إسرائيل صقلت لها على مر السنين هوية "قوة الردع"، إذ رأت دورها على الساحة الدولية من حيث الردع الذي يجب أن تمارسه، والخطوات الفاعلة التي تقوم بها من أجل تحقيق الأمن القومي، وهو الدور الذي تحطم بالسابع من أكتوبر.

ويعتقد أن حماس بشنها الهجوم المفاجئ على إسرائيل، "هشمت هوية قوة الردع الإسرائيلية التي بدت أصلا متآكلة، كما أن استمرار الحرب لفترة طويلة من دون حسم يمثل أيضا تهديدا لهوية إسرائيل الأمنية، التي لطالما كانت تتباها بها وأنها عنصر فاعل رادع".

انهيار الإستراتيجية

بدا الباحث في معهد "ليونارد ديفيس" للعلاقات الدولية في الجامعة العبرية بالقدس، الدكتور دان سيجير، أكثر انتقادا لإستراتيجية الردع الإسرائيلية، ويجزم في مقال له بالموقع الإلكتروني "زمان يسرائيل" أن "الردع الإسرائيلي قبالة الفلسطينيين انهار بالكامل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي".

وقال سيجير "في أعقاب الهجوم المفاجئ، خاضت إسرائيل الحرب في المقام الأول من أجل تقويض القوة العسكرية لحماس، واستعادة الردع وإعادة المختطفين، لكن بعد أشهر من الحرب لم يتحقق أي من الأهداف، وهو ما يعكس الفشل على كافة الأصعدة".

ويعتقد سيجير أن "استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة لن يعيد قوة الردع، ولن تتأطر صورة النصر المرغوبة من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وذلك بسبب الظروف الافتتاحية لهذه الحرب، حيث كانت حماس صاحبة اليد العليا بمهاجمة إسرائيل".

ويقول "باعتباري باحثا في الردع الإسرائيلي، أعتقد أن استعادة قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة الفلسطينيين وحزب الله والمنظمات الأخرى التي ترعاها إيران، يجب أن تتوافق أولا وقبل كل شيء مع الرسالة القوية التي مفادها: أن إسرائيل لن تتخلى عن مواطنيها في أوقات الحرب، ولن تبقي عليهم بالأسر".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات أکتوبر تشرین الأول الردع الإسرائیلیة الردع الإسرائیلی فی مواجهة قوة الردع على غزة

إقرأ أيضاً:

سبب الضغوط على لبنان رفضه الترتيبات الأمنية الإسرائيلية

أكد مصدر وزاري لبناني معني لـ "الأنباء الكويتية" ان "هناك غموضا متعمدا يكتنف التحذيرات والتهديدات التي تصل إلى لبنان، من مغبة توسعة الحرب على لبنان جبهة الجنوب، وهذا الغموض جعلنا نطرح عدة تساؤلات واقعية واستنتاجية حول مسار الامور".

واوضح المصدر ان "من هذه التساؤلات، صحيح ان الأمر البديهي عند تصاعد التوتر بين بلدين ان تسارع الدول إلى الطلب من رعاياها تجنب السفر إلى مناطق التوتر وان تطلب منهم المغادرة، ولكن لماذا التحذير طال الرعايا في لبنان فقط؟ ولماذا لم يطل الرعايا في إسرائيل من قبل الدول التي تقيم علاقات مع تل ابيب، كون ذات المخاطر التي تتهدد لبنان تتهدد إسرائيل؟ الا يحق لنا امام هذا الواقع ان نعتبر أن هذه التهديدات والتحذيرات سياسية وتهويلية اكثر منها جدية؟ أليس الهدف هو ارغام حزب الله على وقف اطلاق النار وإقفال جبهة الاسناد لقطاع غزة؟". وكشف المصدر عن انه "وفقا للمعطيات التي تجمعت لدى القيادات اللبنانية، فإن التصعيد العسكري الإسرائيلي المحتمل سيكون تحت سقف الحرب ولن يصل إلى حد الحرب، كي لا يتجاوز الجبهة اللبنانية بحيث نصبح أمام حرب إقليمية. والسبب الاساسي للضغوط الخارجية وتحديدا الغربية، هي رفض لبنان للترتيبات الأمنية التي حملها الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين من إسرائيل، والتي تشبه إلى حد كبير الترتيبات التي كانت مدرجة في اتفاق 17 ايار 1983 بين لبنان وإسرائيل، بعد اجتياح الأخيرة لمعظم الأراضي اللبنانية، والذي ألغي من قبل لبنان لاحقا".   وقال المصدر ان "السبب الجوهري الذي يدفع للخوف من نشوب حرب واسعة، انه في الشهر المقبل يدخل الكنيست الإسرائيلي في العطلة الصيفية التي تمتد إلى شهرين. ووفق الدستور الإسرائيلي تنتقل صلاحيات الكنيست كليا في هذه الفترة إلى الحكومة، وبالتالي يمكن لحكومة بنيامين نتنياهو ان تتخذ قرارات مصيرية من دون العودة إلى الكنيست". وأضاف المصدر "هناك حرب اعلامية ونفسية تخاض ضد لبنان، وهناك ماكينة خارجية تهدف إلى الضغط علينا للقبول بالشروط الإسرائيلية، وايضا لجعل المغتربين اللبنانيين يحجمون عن المجيء إلى بلدهم بعدما سجلت حركة مطار رفيق الحريري الدولي كثافة غير مسبوقة في حركة الوافدين، بينما تعاني إسرائيل من حركة عكسية، خصوصا ان منطقة الشمال المتاخمة للبنان هي الملاذ السياحي الجاذب عندها". وأشار المصدر إلى ان "المؤشرات الميدانية وفق تقارير قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) والاجهزة اللبنانية، تفيد بأن كل الانتشار العسكري الإسرائيلي في منطقة الشمال هو انتشار دفاعي وغير هجومي، وان دولة كبرى ابلغت إلينا بأن الحشود العسكرية لاسيما سلاح الدبابات والمدرعات والمدفعية لا يزال يبعد في مواقع تمركزه اكثر من 20 كيلومترا عن الحدود مع لبنان، وبالتالي هذا الانتشار لا يعتبر هجوميا بالعلم العسكري، الا اذا تقدمت هذه الاسلحة وعددها بالآلاف إلى مسافة 5 كيلومترات وما دون من الحدود اللبنانية".  

مقالات مشابهة

  • سموتريتش: مستوطنة جديدة مقابل كل اعتراف بالدولة الفلسطينية
  • أبرز الوجهات التي يفرّ إليها الإسرائيليون منذ بداية الحرب علي غزة
  • "فاينانشيال تايمز": إسرائيل تستعد لاختبار نموذج تجريبي لإدارة غزة بعد الحرب لا يشمل حماس
  • إسرائيل تطلق سراح مدير مستشفى الشفاء وآخرين اعتقلوا أثناء الحرب
  • إسرائيل تطلق سراح مدير مستشفى الشفاء وعددا من المعتقلين أثناء الحرب
  • رويترز: إسرائيل تمدد فترة سماح تتيح التعاون بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية
  • سبب الضغوط على لبنان رفضه الترتيبات الأمنية الإسرائيلية
  • الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جنديين وإصابة آخرين في مواجهات شمالي غزة
  • خطط ما بعد الحرب تقترح عيش الفلسطينيين داخل جزر وفقاعات في قطاع غزة
  • التقسيم والفقاعات.. تعرف على سيناريوهات إسرائيل لإدارة غزة بعد الحرب