انقلاب النيجر.. صراع النفوذ يغتال الديمقراطية الوليدة
تاريخ النشر: 28th, July 2023 GMT
على نفس إيقاع الانقلابات العسكرية في القارة السمراء وعلى غرار نغمة البيان الأول لتلك الانقلابات، يبدو أن النيجر لم تكن فريدة وهي تشهد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد بازوم، وتنصيب قائد الحرس الرئاسي نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، وسط حديث عن الفساد وسوء الإدارة وحماية أمن الوطن والمواطنين.
وفي هذا التقرير تحاول الجزيرة نت الإجابة عن أهم التساؤلات بشأن الانقلاب العسكري الذي تشهده النيجر.
ينتمي بازوم إلى أقلية عرقية لا تعترف بمواطنتها الأغلبية، إذ ينتمي إلى العرب الذين لا يمثلون سوى 1% من مجموع السكان، فضلا عن حداثة وجودهم على أرض النيجر.
لكن انتماءه إلى الحزب الحاكم (حزب النيجر من أجل الديمقراطية والاشتراكية) أهّله للترشح لأعلى منصب في البلاد، فضلا عن كونه صاحب تجربة في عدد من الوزارات، حيث شغل وزارتي الخارجية والداخلية، إضافة إلى منصب نائب الرئيس، وما يصفه البعض باتفاق سري بينه وبين سلفه محمد إيسوفو على تطبيق نظرية (بوتين- ميدفيديف)، أي تبديل المناصب بين الرئيس ونائبه، التي حدثت في روسيا بين رئيس الوزراء وقتها فلاديمير بوتين والرئيس السابق ديمتري ميدفيديف.
كما أن فوز بازوم في الجولة الثانية كان محل نزاع مع المعارضة، أولا بسبب ضعف حاضنته الاجتماعية وتململ عدد من قادة الحزب الحاكم، من صعوده، الأمر الآخر هو الشكوك في التزوير وصعوده على أكتاف عرقية الهوسا التي تمثل ما يزيد على نصف سكان البلاد، وضعف تصويت سكان العاصمة له، ما واجه رفضا منذ البداية داخل مفاصل الدولة العميقة وحاولت الانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع قبل تنصيبه رئيسا.
أسباب الانقلاب
غني عن القول أن فوز بازوم لم يكن مرحبا به سواء من المجموعات العرقية التي تشعر بأحقيتها في الحكم أو من بعض أركان الجيش، وكانت الإشارات واضحة من المحاولات التي جرت لتغيير الحكم، حيث يبدو أن بازوم لم يلتزم الخارطة التي اتفق عليها مع سلفه، والتي سمح له بموجبها أن يكون في موقع ميدفيديف مع بوتين، ومن أبرز المؤشرات على ذلك:
محاولة بازوم بناء مراكز نفوذ جديدة في الأجهزة الرئيسية للدولة بعيدا عن النافذين في الحزب الحاكم. الخلافات مع سلفه وأركان الحزب حول الإقالات والتعيينات في الجيش والحرس الرئاسي. نية الرئيس بازوم إقالة قائد الحرس الرئاسي وهو المخضرم الذي خدم كل فترة الرئيس السابق. إقالة عدد من الموالين للرئيس السابق محمد إيسوفو من عدد من المواقع الحيوية. محاولة إضعاف وإنهاء هيمنة الرئيس السابق إيسوفو على المؤسسات الحزبية والحكومية. رغبة بازوم بالتخلص من صراعات الأجنحة من خلال تصفية الجناح المناوئ له. إعلان بازوم رفع عدد الجيش وتجنيد أعداد جديدة، ما ضاعف شكوك المناوئين من توسع نفوذه. كل ذلك يعكس حجم الصراعات الداخلية بين النخب الحاكمة، ونفاد صبر العسكريين على التجربة الديمقراطية الوليدة.أما الأسباب التي تتعلق بعموم البلاد فهي كثيرة، ليس أقلها الفقر المدقع الذي تعيش فيه البلاد إذ تحتل النيجر المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية (189 من 189 دولة) وأكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر، مع نسبة 50% من الأطفال في عمر التعليم غير مقيدين بالمدارس.
كما تؤثر الأبعاد الأمنية على المشهد السياسي في النيجر، حيث تقع البلاد في حزام المنطقة التي تنشط فيها الجماعات المسلحة، مثل بوكو حرام وأخواتها في تنظيم القاعدة، ومتفرعاتها في منطقة الساحل.
الموقف الراهن
الحرس الرئاسي هو الجهة التي نفذت الانقلاب وتلت البيان الأول، لكن بعد يوم واحد انحاز الجيش للحرس الرئاسي مؤيدا للانقلاب، وتم إعلان قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تياني رئيسا للمجلس الانتقالي، بصفته "رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن"، أي المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم.
لم يعترف الرئيس المعزول بالانقلاب ولم يوقع على قرار التنازل، بينما أضرم مؤيدو الانقلاب النار في مقر الحزب الحاكم.
وأعلن الانقلابيون عن عدد من الإجراءات:
إغلاق كافة المنافذ البرية والجوية، إذ تعتبر النيجر دولة مغلقة لا منافذ بحرية لها. تعليق جميع أنشطة الأحزاب السياسية. إقالة كافة الوزراء ونوابهم وتكليف المديرين العامين بالقيام بإدارة المؤسسات إلى حين ترتيبات لاحقة. الحفاظ على الاتفاقيات المبرمة من قِبَل النظام السابق والتعهد بسلامة أعضاء النظام السابق.
ارتدادات الحدث دوليا
على الرغم من أن النيجر أصبحت قاعدة رئيسية للجيوش الغربية وأجهزة مخابراتها بعد التحولات التي شهدتها المنطقة بخروج فرنسا التاريخي من معاقلها في مالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، فإن التلويح بالبعبع الروسي ظل حاضرا، فضلا عن هشاشة الأوضاع الأمنية بسبب الانقلابات المتكررة وانتشار الحركات المسلحة، لذلك هرعت دول الجوار والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، ابتداء برفض الانقلاب ثم محاولة التوسط لتدارك ما يمكن تداركه في حماية أول تجربة انتقال ديمقراطي للسلطة في النيجر.
وتعرض انقلاب الحرس الرئاسي في النيجر إلى سيل من الانتقادات والرفض، أولا لكون الرئيس المعزول يعتبر من أقوى حلفاء الدول الغربية، ثانيا لكون النيجر أحد أهم المعاقل التي تتركز فيها القواعد الغربية، ففرنسا تحتفظ بـ4 قواعد، وأميركا بقاعدة واحدة ووجود أمني كبير، كما تعتبر النيجر مركزا لتدريبات قوات حلف الناتو مؤخرا، فضلا عما تذخر به البلاد من الموارد المعدنية خاصة اليورانيوم الذي تملك النيجر ثاني أكبر احتياطي منه، إضافة إلى الماس والذهب والفحم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحرس الرئاسی الحزب الحاکم عدد من
إقرأ أيضاً:
حكومة نتنياهو تعيد تنفيذ الانقلاب القانوني وبأقصى سرعة
في الوقت الذي تواصل فيه حكومة الاحتلال تورطها في حروبها الدموية في المنطقة، دعت أوساطها مجدداً لإعادة خطوات الانقلاب القانوني إلى الطاولة، بدءً من معركة انتخاب رئيس المحكمة العليا، مروراً بإقالة أمناء المظالم في المكاتب الحكومية، إلى التمثيل الخاص في القضايا المثيرة للجدل في المحكمة، وهو ما أصبح ظاهرة، وهكذا يروج الوزراء بقوة، في زمن الحرب، لسلسلة التحركات المتفجرة.
توفا تشموكي خبيرة الشئون القضائية والقانونية، أكدت أنه "منذ تشكيل الحكومة الحالية أواخر 2022، وهي تواصل العمل من أجل تغيير الأمور بشكل جذري في الدولة، من حيث تغيير تشكيل المحكمة العليا، وتعديل نظام المشورة القانونية للحكومة، ووضع حد للتنفيذ الانتقائي، وقد عرض وزير القضاء ياريف ليفين قبل ساعات بالتفصيل خطوات الانقلاب القانوني التي روّج لها ويروّج لها الائتلاف الحاكم، ودعا لإعادتها على طاولة المفاوضات، في تأييد قاطع للتحركات التي تمت قبل الحرب، وتوقفت بسببها، زاعما أنه حان الوقت لتقديم الدعم الكامل لاستعادة تنفيذ ذلك الانقلاب".
وأضافت في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21" أن "التغييرات الواسعة التي تهدف الحكومة لتعزيزها في علاقات القوة بينها وبين النظام القضائي لم تتوقف قط عن جدول الأعمال منذ بداية الدورة الشتوية للكنيست الشهر الماضي، حيث يستمر الانقلاب القانوني على قدم وساق، وسيصل لإحدى ذرواته من خلال عقد اجتماع لجنة اختيار قضاة المحكمة العليا التي أصدرت أمراً أجبر ليفين على عقد اللجنة، واختيار رئيس لها، لكنه كنوع من الاحتجاج والتحدي، لن يقدم الأخير مرشحيه لرئاستها".
وأشارت إلى أنه "من المحتمل أن تختار اللجنة رئيسا لها القاضي نوعام سولبرغ، أقدم قاض في المحكمة، فيما يريد الوزير أن يكون اثنان على الأقل من القضاة المنتخبين حسب اختياره هو، رغم أنه قدم مرشحين غير جديرين".
وذكرت أن "مظهرا جديدا للانقلاب القانوني يتمثل فيما ستناقشه المحكمة العليا في التماسات ضد "قانون السكن"، الذي يهدف للتحايل على واجب تجنيد أعضاء المدارس الدينية في صفوف الجيش، ويسعى مشروع القانون لمنح عائلات المتهربين من الخدمة العسكرية دعما ماليا من الدولة، أما الفقراء فلا، وبما أن هذا القانون، في رأي أمين المظالم، غير دستوري، لأنه يعطي الأولوية لتمويل أعضاء المدرسة الدينية الذين يرفضون التجنيد في انتهاك للقانون الاسرائيلي، فلن يدافع عنه وزير الرفاه يوآف بن تسور".
وأشارت الى مؤشر إضافي على استعادة الانقلاب القانوني المتمثل في "قرار الحكومة يوم أمس بإنهاء ولاية أمناء المظالم في الوزارات الحكومية بحلول نهاية العام، ممن ظلّوا في مناصبهم لفترة طويلة، وهذه خطوة قانونية، لكن الطريقة التي اتخذت بها الحكومة القرار بسرعة، أيضًا هذه المرة، خلافًا لموقف ديوان المظالم، يشتبه في أنها تريد إقالتهم بسبب اعتبارات دخيلة وشخصية، وتعيين مستشارين قانونيين موالين للوزير المكلف".
وختمت بالقول إن "إجراءات اختيار مفوضي الخدمة المدنية تتمثل بأن يقوم رئيس الوزراء قريبًا بتعيين لجنة بحث لاختيارهم، ويخشى أن تتحول الهيئة بعد تغيير الآلية إلى خدمة توزيع الوظائف على معاوني الوزراء والناشطين السياسيين على أساس الولاء فقط، وليس المهنية، وهي كلها مؤشرات لا تخفى على أحد بشأن استعادة الانقلاب القانوني الذي أوقفته الحرب على غزة".
عوديد شالوم الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أكد أن "ليفين، الرأس المدبر للانقلاب القانوني، لن يهدأ له بال حتى يحترق النادي كله على أصحابه، رغم عدم توقف الحرب الجارية لأسباب حزبية، وحادثة إطلاق القنابل المضيئة على منزل رئيس الوزراء، لكن ليفين يواصل طريقه لمحاولة هدم النظام القائم مرة أخرى، كما فعل في الأشهر التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر، من خلال تنظيم هجوم تشريعي مناهض للدولة، بحيث يظهر الشخص المسؤول عن الاضطرابات الأكثر رعبا وفظاعة التي شهدها المجتمع الإسرائيلي".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "عودة الحكومة لتنفيذ انقلابها القانوني يعني أنها تريد أن توجه للإسرائيليين الضربة القاضية الآن، بما يعنيه من عودة مجددة للانقسام الرهيب والاستقطاب والاحتجاجات الجماهيرية، رغم إدراك حماس للنقطة المتدنية التي وصلت إليها الدولة، واستغلت ذلك في هجومها لتفاجئنا، ومنذ ذلك الحين والإسرائيليون يخوضون حربا متعددة الجبهات، ويقاتل الجنود معًا: من اليمين واليسار، من المستوطنين والعلمانيين، من المدن والضواحي، ومن جميع شرائح المجتمع تقريبًا".
وأكد ان "ليفين غير مهتم بحقيقة أن الجيش يحتاج بشكل عاجل لعشرة آلاف جندي، ورغم ذلك فإنه سيحلّ مع ائتلافه اليميني أزمة تجنيد اليهود المتشددين في مزيج ما، وهو غير مهتم بنقص القضاة في النظام القضائي، وهذا السبب في أنه نظام عالق، والبتّ في القضايا يطول، هذا الوزير لا يهدأ له بال حتى يحترق النادي على رؤوس الإسرائيليين".
وأشار إلى أن "تعمّد الحكومة في استمرار الحرب التي لا نهاية لها، لأسباب شخصية وحزبية بحتة، تهدف لصرف انتباه الإسرائيليين عن رؤية الصورة الكبيرة، وهي أن ليفين واليمين الموالين لبنيامين نتنياهو مصممون على تشويه البنية السياسة القائمة في الدولة".