تقلب الأحوال.. رحلة نفسية بين النور والظلام بآيات من القرآن
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
لا يخلو إنسان في هذه الحياة من المتاعب والأحزان والآلام ، وتقلب الأطوار وتغير الأحوال من قبض وبسط وعسر ويسر وفرج وكرب وشدة ورخاء وسراء وضراء.
ولا شك أن ذلك كله يظهر أثره على وجهه ولكن ما سبب ذلك؟ وماعلاجه؟
القبض الذي يصيب الإنسان
يقول الشيخ مبارك علي محمد علي، إمام وخطيب مسجد سيدي أبي الحجاج الأقصري، لا شك أن القبض الذي يصيب الإنسان له أسباب كثيرة منها: 1- كثرة الذنوب وهذا يزول بالتوبة والاستغفار.
أخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أبِي مُوسى أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «لا يُصِيبُ عَبْدًا نَكْبَةٌ فَما فَوْقَها أوْ دُونَها إلّا بِذَنْبٍ وما يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أكْثَرُ. وقَرَأ: ﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكم ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى»: ٣٠]
وذكر الإمام القرطبي عن ابن صبيح قال : "شكا رجل إلى الحسن الجدوبة : فقال له : استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له : استغفر الله وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له : استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له : استغفر الله، فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار ! فقال : ما قلت من عندي شيئاً ! إن الله عز وجل يقول في سورة نوح : " قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا " ( سورة نوح، الآيات: 10-12 ) .
2- وقد يكون القبض والكرب بسبب أمل ضاع أو مرض ألم بالإنسان وعلاج ذلك يكون في التسليم لأمر الله وفي ذلك يقول الإمام الشافعي: دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً
وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا
وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ
يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ
وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً
فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ
فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي
وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ
وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ
إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ
فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ
وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا
فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ
وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن
دعاء الغباشي : شخصية الأهلي سر التتويج بلقب دوري الطائرةإِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ.
3- وقد يكون القبض والكرب بسبب ظلم وقع على الإنسان لا يستطيع دفعه وعلاج ذلك الصبر وسعة الصدر فدعْوةُ المظلومِ تُحمَلُ علَى الغَمامِ و تُفتَحُ لها أبوابُ السَّماءِ و يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّكَ ولَو بعدَ حينٍ.
4- وهناك قبض لا يعرف له سبب وهذا يزول بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد28.
أخرج أحمد والترمذي في سننه من حيث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت». قال: قلت: الربع، قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك»، قلت: النصف، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك»، قال: قلت: فالثلثين، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك»، قلت: أجعل لك صلاتي كلها قال: «إذا تُكْفَى همَّكَ، ويُغْفرُ لك ذنبك»: «هذا حديث حسن».وفي رواية: «إذن يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك».
والمتدبر للقرآن الكريم والفاهم لسنة النبي الكريم يعلم: أن كل شيء بقدر الله والله سبحانه قسم للعبد سعادته وشقائه ورزقه وعمره، فما كان لك سوف يأتيك على ضعفك، وما كان لغيرك لن تناله بقوّتك. قال تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّۢ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍۢ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِۦ ۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ).
والسنة النبوية الشريفة مليئة بالأذكار والأدعية لتفريج الكربات
وأهل البيت وصحابته الكرام تعلمنا منهم في الشأن الكثير فمن ذلك قول سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه:
وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ
يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ
وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ
فَفَرَّجَ كَربَهُ القَلبُ الشَجيِّ
وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحاً
وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ
إِذا ضاقَت بِكَ الأَحوالُ يَوماً
فَثِق بِالواحِدِ الفَردِ العَلِيِّ
تَوَسَّل بِالنَبِي في كُلِ خَطبٍ
يَهونُ إِذا تُوُسِّلَ بِالنَبيِّ
وَلا تَجزَع إِذا ما نابَ خَطبٌ
فَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيِّ
دعاء النبي محمد في ليلة ويوم 29 رمضانبيهقي وابن عساكر
وقال الحافظ السيوطي رحمه الله في تاريخ الخلفاء: أخرج البيهقي وابن عساكر من طريق أبي المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال: أضاق الحسن بن علي رضي الله عنهما وكان عطاؤه في كل سنة مائة ألف فحبسها عنه معاوية رضي الله عنه في إحدى السنين فأضاق إضاقة شديدة، قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية رضي الله عنه لأذكره نفسي ثم أمسكت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: " كيف أنت يا حسن" فقلت بخير يا أبتِ وشكوت إليه تأخر المال عني، فقال: " أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك" فقلت نعم يا رسول الله فكيف أصنع، فقال: (قل اَللَّهُمَّ اقْذِفْ في قَلْبِي رَجَاءَكَ وَاقْطَعْ رَجَائِي عَمَّنْ سِوَاكَ حَتى لا أَرْجُو أَحَدًا غَيْرَكَ اَللَّهُمَّ وَمَا ضَعُفَتْ عَنْهُ قُوَّتِي وَقَصُرَ عَنْهُ عَمَلِي ولَمْ تَنْتَهِ إِلَيْهِ رَغْبَتِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْأَلَتِي وَلَمْ يَجْرِ عَلَى لِسَانِي مِمَّا أَعْطَيْتَ أَحَدًا مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مِنَ الْيَقِينِ فَخُصَّنِي بِهِ يا رَبَّ الْعَالَمِين )قال: فوالله ما ألححت به أسبوع.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مبارك علي محمد علي رضی الله عنه استغفر الله فقال له ما شئت
إقرأ أيضاً:
آداب الطعام في الإسلام.. احذر من امتلاء البطن
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن آداب الطعام تهذب النفس وتشير إلى صلاح المتأدب بها وإلى فساد المتخلي عنها، فمن آداب الطعام أن تتوسط درجة حرارته، فلا يكون شديد السخونة ولا شديد البرودة، وأن يأكل الإنسان مما يليه، ولا يملأ بطنه بالطعام، فيترك للنفس والشراب مكانًا.
آداب تناول الطعام من القرآن والسنة.. علي جمعة يوضحه لماذا نشعر بالنعاس بعد تناول الطعام؟وأضاف علي جمعة في منشور له عن آداب الطعام، أن من آدابه أن يحسن الإنسان مذاقه، فنتقي الأطيب والأزكى وقد أشار القرآن الكريم إلى مثالين لتأكيد ذلك المعنى، الأول للعصاة المعاندين لرسولهم، فقال تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَى بَالَّذِى هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ) فكان من أخلاقهم أنهم تخيروا الطعام الأقل في الجودة والمذاق والقيمة الغذائية على الطعام الأفضل، بما يشير إلى علاقة بين سوء فهمهم للطعام وتذوقه، وبين عصيانهم وعنادهم ومشغابتهم التي وسموا بها عبر القرون، بما يجعلنا نؤكد على أن للطعام أثر في هذا الكون، في تصرفات الإنسان، وفي الاستجابة لأوامر الله، وفي وضعه الاجتماعي والكوني.
وقد جمع القرآن -في آية واحدة- بين سوء ذوقهم وفهمهم بتخير الطعام الأخس على الأعلى، وبين كبير جرمهم مع الله بقتل أنبيائه، حيث عقب ذلك بقوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ).
أما المثال الثاني فكان للصالحين وهم أهل الكهف، قال تعالى : (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) فهؤلاء الصالحين اهتموا أن يكون الطعام زكيًا طيبًا، بل أزكى الأطعمة التي يمكن أن تشترى بهذه القيمة ، فكان من الممكن أن تكون طول فترة النوم سببًا في عدم الاهتمام بتخير الطعام الأزكى، وكانت شدة الجوع مبررًا لهم لأكل أي شيء دون تميز، إلا أنهم أثبتوا أن أخلاقهم عالية مهذبة، ومن أسباب هذا العلو وذلك التهذيب تخيرهم للطعام الأزكى، فكانوا يتخيرون إذا تحدثوا من الكلام أزكاه، رضي الله عنهم، ونفعنا بهم وبسيرتهم في الدنيا والآخرة.
وفي ذلك كله إشارة لما في الطعام الزكي الطيب من آثار أخلاقية وسلوكية إيجابية تترتب عليه، كما أن الطعام الذي يأتي من الغصب والسرق، وكذلك لا يكون طيبًا في نفسه وفي مذاقه له من الآثار السلبية على خلق صاحبه وسلوكه