بالجرم المشهود.. القبض على فتاة باعت فتى سوري الجنسية في بغداد
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
بغداد اليوم -
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
سرينادة سوريّة: نشيد أم الشهيد
السرينادة ليست لفظا لاتينيا للزينة والمباهاة في العنوان، ليست عثنون "سكسوكة" إنتلجنسيا يتخذها المثقف، ليست نهجا مثل نهج شعراء قصيدة النثر في السبعينات، الذين عشقوا ربيكا وإلسا ومادلين، وقد كانت حبيبات شعرائنا العرب؛ عنيزة، ومي، وزينب، وسعاد، ليس لفظا انتخب ادعاء للثقافة والكهانة المحدثة، وقد يكون سيرناده لفظا عربي الأصل، كما سيرد في متن هذا المقال.
لو أني سئلت: ما أول أمر تحب فعله شعبيا، أو حكوميا، بعد إسقاط النظام واجتثاث جذروه، بعد: الإطعام من جوع والأمان من خوف؟ فلن يكون جوابي إلا البحث عن رفات الشهداء، وإعادة دفنهم، والصلاة عليهم صلاة الغائب، وفك إسار المعلقين -وبعض القيود لا تفك بسهولة- ومواساة المأسورين، وجبر خواطر الثكالى، وتعزية الأرامل والمعتقلات السوريات الناجيات، الكليمات، وتكريمهن بالمال أو بالأوسمة، أو بتسمية شوارع وساحات بأسمائهن، فسوريا هي بلد الحسناوات، وبلد الخنساوات، وما أكثر من فقد منهن أربعة أو خمسة من أبنائهن، وقد فقدت أسرة سورية 112 شهيدا، بلا أثر، فقد حكَمَنا نظامُ إعدام، وثقبٌ أسود أرضي، ومثلث برمودا على اليابسة، شبيه بالذي في الماء.
لو أني سئلت: ما أول أمر تحب فعله شعبيا، أو حكوميا، بعد إسقاط النظام واجتثاث جذروه، بعد: الإطعام من جوع والأمان من خوف؟ فلن يكون جوابي إلا البحث عن رفات الشهداء، وإعادة دفنهم، والصلاة عليهم صلاة الغائب، وفك إسار المعلقين -وبعض القيود لا تفك بسهولة- ومواساة المأسورين، وجبر خواطر الثكالى، وتعزية الأرامل والمعتقلات السوريات الناجيات، الكليمات، وتكريمهن بالمال أو بالأوسمة، أو بتسمية شوارع وساحات بأسمائهن
وكان النظام يظن أنه لن تسري عليه قوانين الفيزياء، خاصة قانون نيوتن الذي يقول: "الطاقة لا تفنى ولا تخلق من عدم، بل تتحول من شكل لآخر". كانت أدبيات ثورة آذار توحي وكأنها ثورة من عدم (بيغ بانغ)، ومنه اختلقوا شعار الأسد أو نحرق البلد. ولا أعرف إن كان الشاعر الجواهري عندما قال: سلمت ويسلم البلد، كان يضمر شعار الأسد أو نحرق البلد.
وقد وجد السوريون طريقة لطيفة، بديعة، حسنة؛ في تعزية أم شهيد الحي -وكم في الحي من شهداء- وتسليتها، إلى أن تتوفر الخزينة السورية على المال لدفع دية الشهيد، وهي تعزية الثكالى بالسرينادة. وشهدتُ سيرناده في حمص إبان انبلاج فجر الثورة السورية، كان شباب الحي يتنادون عقب استشهاد أحد أصحابهم وأترابهم ويجتمعون، ويقصدون منزل أم الشهيد، وينشدون تحت شرفتها: أم الشهيد.. نحنا أولادك، فتخرج وتتسرى وتتسلى بتلك التعزية الفريدة. وقد رأينا أمس بعد سقوط النظام، وعودة قوانين الفيزياء، خاصة قانون: الطاقة لا تفنى ولكنها تتحول في روسيا إلى لجوء إنساني، عشرات الشبان في دمشق يعزون أم شهيد بسرينادة شامية.
خرجت الأم إلى الشرفة في الفيديو الحديث عقب تحرير الشام، وسمعنا صوتها، ولم نرَ وجهها، كانت تبكي بصوت شجي متهدج، من الوجد وحسن العزاء، حتى أن دموعها بللت قلب من سمعها. وهذه طريقة تشبه السرينادة في أوربا وأمريكا اللاتينية في القرون الوسطى.
قرأت أول مرة عن السرينادة في رواية الحب في زمن الكوليرا، أو في إحدى قصص غابرييل غارسيا ماركيز، وهي أن يستأجر العاشق مطربا، ويقصد شرفة حبيبته، ويغني لها، معلنا حبه. أما السرينادة تعريفا في المعاجم فهي:
عمل موسيقي يُعرض على شرف شخص ما. السرينادة موسيقا هادئة وخفيفة. تعد السرينادة في الأصل أغنية ليلية للتودد للمحبوبة، ولاحقا في أواخر القرن الثامن، صارت السرينادة متتالية قصيرة من مقطوعات آلية، تماثل الدفرتمنتو. مثال على النوع الأول من الموسيقا سرينادة "أوه تعالي للنافذة"، من أوبرا دون جيوفاني لموتسارت. السرينادة الآلية فقدت تدريجيا صلتها بالتودد للمحبوبة، وصارت نحو 1770، وهي مجموعة مقطوعات خفيفة مثل الرقصات والمارشات المناسبة للعرض في الهواء الطلق في المساء.
يقول الباحث الإسباني ذو الأصل العربي الأندلسي خوان فينتيا: إن الفلامنكو الإسبانية رقصة أصلها عربي، واسمها عربي مصحّف من الفلاح المنكوب، مثل التروبادور، وهي من "طرب دور"، أو دور طرب، سرق منه الإسبان كل شيء، فلم يبق له سوى أن يدق بقدميه الأرض، أو يصفق مبتكرا رقصة احتجاج، رقصة طير يرقص مذبوحا من الألم اسمها العربي "الفلاح المنكوب".
تختلف سرينادة سوريا عن سرينادة الفرنجة بأمرين -مع اقترانها معها بأنها قصيدة حب- هما: أنها تجري في النهار وليس في الليل، وأنها قصة حب ووفاء جماعية وليست فردية
ويميل كاتب السطور إلى أن السرينادة عربية الأصل: وأصلها النداء في الليل، نادى من النداء، والسري، وهو السير في الليل، ومنها الإسراء، "فأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ".. الآية. ثم صحبته الموسيقا في الغرب، وقد مال المتأخرون من العرب في البادية إلى إنشاد الشعر بالربابة، وما يزالون. وكان الشاعر العربي إذا طرب، أو غضب، أو ركب، أو شرب، أنشد شعرا. والشعر إيقاع، وألحان، إن العربي إذا عشق أو طرب أنشد. وثمة ظاهرة ندب الميت واستئجار النواحة في العراق، وهي نائحة تستأجر لندب الميت والبكاء عليه ورثائه. قال العرب فيها مَثل: "ليست النائحة كالثكلى". أما السرينادة السورية التي برزت في الثورة عفوا، فهو نشيد جماعي شبابي، وهي إحدى عطايا الثورة السورية، الثورة المعجزة.
تختلف سرينادة سوريا عن سرينادة الفرنجة بأمرين -مع اقترانها معها بأنها قصيدة حب- هما: أنها تجري في النهار وليس في الليل، وأنها قصة حب ووفاء جماعية وليست فردية.
استوقف مراسل صحفي أُمّا تحمل صورة ابنها في ساحة المرجة (في دمشق) التي تحولت إلى معرض صور للشهداء المفقودين، وسألها عن أحوالها فعلمنا أنها من دير الزور وتنام في الفنادق وتقف كل يوم وهي تحمل صورة ابنها لعلّ أحدا يخبرها خبره، أو يؤتها بشهاب قبس.
أنادي الأم السورية من تحت الشرفة: وقد تحولت دماء الشهداء بقانون نيوتن في تحول الطاقة إلى حرية، فالطاقة لا تفنى، والأسى لا ينتسى، والشهداء هم بناة الحضارة، وهم ممثلونا في سفارة الجنة وقنصلية الآخرة:
أم الشهيد..
نحنا أولادك..
أم الشهيد أنت أمنا..
أم الشهيد أنت أختنا..
أم الشهيد أنت بنتنا..