لماذا أخطأ الاحتلال في تقديراته الزمنية لعملية خان يونس؟.. خبير عسكري يجيب
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد ركن حاتم كريم الفلاحي، إن عملية الاحتلال الإسرائيلي في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، بُنيت مدتها الزمنية على تقديرات إسرائيلية خاطئة بعدما استغرقت 4 أشهر بدلا من شهرين.
وأوضح الفلاحي -خلال فقرة التحليل العسكري للجزيرة- أنه لا يمكن إعطاء مدة زمنية حقيقية في مسألة تحقيق الأهداف في المناطق المبنية، خصوصا أن الوسائل التي وضعت لا تتفق وغير قادرة على تحقيق أهداف العملية البرية العسكرية.
وأشار إلى أن القتال بالمناطق المفتوحة يختلف عن القتال داخل المدن، كما أن القتال مع جيش نظامي يختلف عنه مع مجاميع مسلحة وما يتضمن ذلك من قتالات خاصة وحرب عصابات.
وشدد على أن جيش الاحتلال واجه تعقيدات كبيرة خلال عمليته في خان يونس، ولديه إشكالية في البقاء داخل المدن وبقائه يستلزم إخفاقا عسكريا "لذلك فشل في تحقيق أهدافه بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واستعادة الأسرى المحتجزين".
وأقر الفلاحي بأن العملية البرية الإسرائيلية أضعفت قدرات فصائل المقاومة، لكنه شدد على أنه لم يتم القضاء عليها، مستدلا بوجودها في كافة مناطق القطاع شمالا ووسطا وجنوبا، كما أن عمليات المقاومة لم تنقطع.
وأبرز بعضا من تناقض التصريحات الإسرائيلية إذ يقولون إن الجيش سيعود في حال وجود تهديدات ليتساءل هنا "لماذا تم الانسحاب بعد عمليتي الزنة وحي الأمل الأخيرتين في خان يونس؟!".
وتطرق إلى جملة من الضغوط التي تتعرض لها إسرائيل؛ فإضافة إلى ضغط واشنطن، فإن تل أبيب تقع تحت وطأة تهديد جبهات غزة والضفة الغربية وقد تفتح جبهة لبنان.
وأضاف "هناك تهديدات إيرانية بالرد على إسرائيل بعد قصف قنصلية طهران في سوريا"، فضلا عن الانقسام السياسي الحاد داخل إسرائيل وتأثيره على حكومة بنيامين نتنياهو.
وجدد الفلاحي تأكيده أن أسباب انسحاب الاحتلال من خان يونس تعود إلى رغبته في تحولها لمنطقة إيواء محتملة في ظل الحديث عن معركة رفح، فضلا عن الرغبة في الحصول على الراحة وإعادة الاستعداد القتالي للقوات الإسرائيلية.
وأوضح أن الانتقال للمرحلة الثالثة من الحرب يعني عمليات أقل حدة وكثافة من المرحلتين الأولى والثانية، خاصة أنه لا توجد واجبات للقطاعات العسكرية التي استنزفت تحت ضربات المقاومين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات خان یونس
إقرأ أيضاً:
هكذا سيواجه محور المقاومة الاستراتيجية الإسرائيلية
د. هيثم مزاحم **
تحدثنا في المقالة السابقة عن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه محور المقاومة بقيادة إيران، واعتقاد المسؤولين الإسرائيليين بأنهم حققوا انتصارات مهمة على المحور في غزة ولبنان وسوريا، ما يُغريهم بتوسيع عدوانهم إلى اليمن، وربما لاحقًا إلى العراق وإيران، حتى إن المجرم الصهيوني الأكبر بنيامين نتنياهو أعلن أنهم أمام شرق أوسط جديد يتربع الكيان على عرشه!
لكن الوقائع تدحض هذه المزاعم، وتؤكد صمود محور المقاومة في مُعظم الجبهات وعمله على إعادة ترميم بعض حلقاته والإعداد لمواجهات مقبلة مع الكيان الغاصب. وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعبان الفلسطيني واللبناني منذ "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، وتركيز العدو الإسرائيلي اعتداءاته على المدنيين في إبادة جماعية وجرائم حرب موصوفة، وتدمير المباني والمنشآت الحيوية وهدم المنازل والبنى التحتية ونسف الأحياء والبلدات والقرى وجرف الطرق، إلّا أن المقاومة لا تزال صامدة في قطاع غزة وجنوب لبنان، فيما جبهة الإسناد اليمنية تواصل دكَّ المدن الإسرائيلية ببعض صواريخها ومسيراتها.
صحيحٌ أن حصيلة الشهداء والجرحى والمفقودين مرتفعة جدًا في غزة ولبنان نتيجة الغارات الوحشية البربرية لقوات الاحتلال على مبانٍ سكنية مأهولة ومستشفيات ومدارس ومراكز إيواء للنازحين، إضافة إلى استشهاد بعض كبار قادة المقاومة في فلسطين ولبنان، في طليعتهم الشهيدان إسماعيل هنية ويحيى السنوار، والشهيدان السيدان حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، فضلًا عن ارتقاء آلاف الشهداء من المجاهدين في غزة والضفة الغربية ولبنان.
لكنَّ ذلك لا يعني هزيمة المقاومة كفكرةٍ ومشروعٍ وحقٍ قانونيٍ ودينيٍ وقوميٍ وإنسانيٍ، ولا انكسار محور المقاومة بتعدد ساحاته. نعم، وقعت أخطاء استراتيجية وتكتيكية وتعرض المحور لإخفاقات وضغوطات دولية ومحلية، دفعته إلى التراجع والانكفاء في بعض الجبهات، وقبول وقف إطلاق النار في لبنان، والتفاوض على وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وهي تراجعات لاستعادة الأنفاس وإعادة ترميم البنى العسكرية والتنظيمية، وحقن دماء المدنيين من تغوّل الإبادة الصهيونية المجهزة بأحدث الأسلحة الأميركية والغربية.
المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تواصل مُقارعة قوات الاحتلال والتصدِّي لعدوانها المتواصل على الأحياء والمخيمات والمدن منذ نحو 15 شهرًا مُتواصلة، وذلك رغم الصعوبات الجسيمة التي واجهتها بفعل الإبادة الجماعية للمدنيين، وتفاقم العدوان الوحشي على كل مخيمات النازحين والمنشآت كالمستشفيات والمدارس، ورغم الحصار وانقطاع خطوط الإمداد الداخلية والخارجية للسلاح والمواد الأولية لتصنيعه، فضلًا عن النقص الفادح في الماء والغذاء والدواء والوقود والكهرباء.
المقاومة الفلسطينية تشن يوميًا عمليات ضد مواقع قوات الاحتلال، وخصوصًا في مناطق التوغل في شمال قطاع غزة وجنوبه، وتنصب الكمائن لجنوده وآلياته وتتصدى لتوغلاته واجتياحاته المستمرة، في صمود أسطوري منقطع النظير، قد لا يكون له مثيل له في التاريخين القديم والحديث.
ومع تعاظم مجازر الإبادة التي ترتكبها القوات الغازية في شمالي غزة، وخاصة في مخيم جباليا وجباليا البلد، شهدت الفترة الأخيرة عمليات نوعية عديدة اتخذت أساليب جديدة، من الاقتحام المباشر واستخدام السلاح الأبيض والأحزمة الناسفة إلى العمليات الاستشهادية في الإجهاز على ضباط وأفراد جنود العدو.
وبعد مرور نحو 15 شهرًا على عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، لم يستطع بعد من تحقيق أهدافه المعلنة وأبرزها القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى، وتحرير الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة.
وإن دلّ ذلك على شيء، فهو يدل على انتصار المقاومة في فلسطين ولبنان في حرب الإرادات، فإرادة القتال والصمود لدى المقاومة على أرضها، هو أهم عوامل استمرارها برغم الحصار والضغوط والتضحيات والمؤامرات.
والمعركة التي يخوضها محور المقاومة هي معركة فاصلة ومهمة؛ إذ يُراد لهم أن يستسلموا أمام المشروع الإسرائيلي- الأمريكي، ليبدأ عهد جديد في المنطقة بزعامة الكيان الغاصب، يتوّج باتفاقات أبراهام جديدة مع دول عربية وإسلامية وتطبيع شبه شامل مع العدو الإسرائيلي.
ففي لبنان، على الرغم من قبول حزب الله باتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل لمدة شهرين، وانتهاك العدو اليومي للاتفاق، تحت أعين قوات اليونيفيل اليومية واللجنة الخماسية لمراقبة تنفيذ الاتفاق، إلّا أن الحزب لا يزال يتمتع بجهوزية عالية، لجهة العديد والعتاد والصواريخ والمسيّرات. وقد صمد مقاتلو الحزب 65 يومًا في مواجهة الغزو البري الإسرائيلي ومنعوا قوات العدو من التقدم أكثر من كيلومترات محدودة في بلدات وقرى الحافة الأمامية المحاذية لفلسطين المحتلة. والآن تستغل إسرائيل وقف إطلاق النار وانسحاب مقاتلي حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني وفقًا للقرار الدولي 1701، وتقوم باحتلال بعض البلدات والقرى وتتوغل في البعض الآخر وتقوم بهدم ونسف منازل وغارات على مواقع أخرى بزعم وجود منصات صواريخ وأسلحة للمقاومة فيها.
لكن حزب الله، الذي يعمل على ترميم بنيته التنظيمية والعسكرية، يصبر على هذه الانتهاكات والاستفزازات الصهيونية، تاركًا الأمر للدولة اللبنانية ولجنة مراقبة وقف إطلاق النار، كي تعالج هذه الخروقات، وحتى لا يُعطي ذريعة لإسرائيل كي تستأنف عدوانها على لبنان.
وعلى الرغم من المزاعم الإسرائيلية بأنها قضت على 80 في المئة من قدرات حزب الله وصواريخه، إلّا أن الاستخبارات الأمريكية تُقدِّر أن الحزب لا يزال يحتفظ بـ50 في المئة من قوته السابقة. بينما تنفي مصادر حزب الله هذه التقديرات وتؤكد على احتفاظها بمعظم قوتها وخاصة البشرية منها، برغم سقوط بين 1200 و1500 شهيد للمقاومة منذ فتح الحزب جبهة إسناد غزة في الثامن أكتوبر 2023.
وإذ تراهن إسرائيل على التحوُّل الاستراتيجي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وخروج قوات حزب الله وإيران من سوريا، وإغلاق طريق إمداد الحزب من إيران عبر العراق فسوريا إلى لبنان، فإن المقاومة في غزة كانت محاصرة لعقدين وتمكنت من تهريب السلاح وتصنيعه في القطاع، بينما يتمتع حزب الله بحرية حركة أكبر في لبنان، ولديه مخزون كبير من الأسلحة.
أما الواقع الاستراتيجي الجديد المتمثل في خروج سوريا من محور المقاومة كطريق إمداد وظهير للمقاومة في لبنان، فسيكون حزب الله ومحور المقاومة قادريْن على احتواء هذا التحوُّل، والإعداد للمستقبل باستراتيجية مقاومة جديدة. فعندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982 ووصلت إلى العاصمة بيروت والبقاع الغربي والشمال، على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة دمشق، والذي أعقبه خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وانسحاب الجيش السوري إلى البقاع والشمال، وقيام نظام موالٍ لأمريكا وإسرائيل في لبنان، ظنَّ البعض أننا دخلنا في العصر الإسرائيلي. وما هي إلّا أيام حتى بدأت عمليات المقاومة اللبنانية في بيروت والجنوب، فاضطرت قوات الاحتلال إلى الانسحاب من بيروت بعد أسابيع ومن معظم لبنان بعد أقل من 3 سنوات، لتُكرِّس احتلالها للشريط الحدودي المحتل الذي أطلقت عليه تسمية "الحزام الأمني". واستمرت عمليات المقاومة الإسلامية وتطورت قدراتها وأساليبها إلى أن اضطر العدو الصهيوني إلى الانسحاب الأحادي من جميع الأراضي اللبنانية باستثناء مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، من دون أية شروط أو توقيع معاهدات أو اتفاقات سلام، وذلك في 24 مايو 2000.
وإذ نعود بالذاكرة إلى تلك المرحلة؛ حيث كانت المقاومة تتألف من مئات المقاومين فقط وأسلحتها عبارة عن رشاشات كلاشينكوف وقاذفات "آر بي جي"، والعبوات الناسفة والألغام الأرضية، لنؤكد أن عديد المقاومين وعتادهم وبيئتهم الحاضنة حاليًا قد تضاعفت آلاف المرات عن فترة الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين.
لا خوف على المقاومة المسلّحة بالعقيدة الدينية والواجب الوطني، ودعم معظم الشعب اللبناني، فهي التي أرعبت الكيان خلال عقدين، وهزمت قواته في عام 2006، وألحقت الخسائر الكبيرة فيها خلال العام 2024. لكن لا بُد من إجراء مراجعة شفّافة لبعض الإخفاقات والخروقات التي عانى منها حزب الله ومحور المقاومة ومعالجتها، ووضع استراتيجية دفاعية مع الحكومة والجيش اللبنانيين، لتحرير ما تبقى من الأراضي المحتلة وحماية لبنان من أي عدوان صهيوني مُقبِل.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية- لبنان