احتارت بكركي في تعاملها مع هكذا نوع من السياسيين، وبالأخصّ مع أبنائها المفترض بهم نظريًا أن يكونوا تحت عباءة بطريركهم، أيًّا يكن هو المعطى هذا المجد، الذي لم يُعطَ لغيره، لا من أبناء كنيسته ولا لغيرهم من اللبنانيين المنتمين نظريًا أيضًا إلى وطن واحد، ويعيشون في ظل دستور وقوانين واحدة. فمهما حاولت هذه المرجعية المسيحية، والتي هي باعتراف الجميع مرجعية وطنية، ولها حضورها الآسر في الحقل الوطني والحقل السياسي بمفهومه العميق وليس الضيق، أن تقوم بمبادرات وطنية توحيدية، بدءًا من نظرية وحدة المسيحيين وصولًا إلى توحيد كلمة جميع اللبنانيين ضمن موازين وطنية لا يمكن لأحد أن يختلف على عناوينها العريضة، يطلع لها من يعارضها، أو من يعمل عكس ارادتها وتوجهاتها.


فبكركي لا تفكرّ في اتجاه واحد عندما يتعلق الأمر بمصير الوطن. فهي لا تحابي الوجوه، بل تكون كلمتها نعم نعم ولا لا. وعندما نقول بكركي يعني ما يصدر عن مجلس المطارنة الموارنة من مواقف وطنية مبنية على ثوابت غير قابلة للتغيير مع هبوب كل ريح. ولكن هذا لا يعني أن المطارنة والأساقفة عندما يجتمعون مرّة كل شهر لا يتناقشون ولا يتجادلون، إذ لكل مطران أو أسقف رأيه الخاص ونظرته إلى الأمور الوطنية والسياسية، ولكن عندما يصدر بيان عن اجتماعهم الدوري يصدر باسم الجميع، وليس باسم بعض المطارنة دون الآخرين، حتى ولو كان هؤلاء معارضين أو معترضين داخل الجدران الأربعة على بعض العناوين والتفاصيل.
ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن يكون كل ما يصدر عن بكركي غير قابل للنقاش، وهو أمر له علاقة بالديمقراطية وبحرية الرأي واحترام الرأي الآخر حتى ولو كان مختلفًا. وهذا ما تعترف به بكركي، مع إقرارها بأن المجتمع اللبناني المسيحي هو من بين المكونات الرئيسية في البلد، الذي تُمارس فيه الديمقراطية بأبهى مظاهرها، وذلك استنادًا إلى واقع معيوش، ويترجم بتعدّد الخيارات السياسية داخل هذا المجتمع الواحد، وإن كان البعض يميل إلى القول إن هذه التعددية في الخيارات والتوجهات السياسية قد يكون ضررها أكثر بكثير من فوائدها. وهذا ما يفسرّ حال الخلاف السائد بين الأحزاب المسيحية إلى حدّ الخصومة، إذ نادرًا ما يرى المرء اجتماعًا لزعيمي حزبين مسيحيين، حتى ولو كانت توجهاتهما السياسية متقاربة إلى حدّ ما. وهذا ما يفسّر التشرذم الحاصل بين الأحزاب المسيحية، والتي يترأسها موارنة.
جرت محاولات لتوحيد الصفوف وتصفية القلوب بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" لتتويج مصالحة بينهما انتهت بما سمي بـ "اتفاق معراب"، الذي سقط بمجرد وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا. وكذلك شهد الصرح البطريركي "لقاء مصافحة" بين الدكتور سمير جعجع ورئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية، وهو لقاء يتيم أعقبته لقاءات عدّة على مستوى اللجان المشتركة. ولكن كل طرف بقي في مكانه وعلى مواقفه السابقة. فلا "اتفاق معراب" كان كافيًا لتقريب المسافات بين "معراب" و"ميرنا الشالوحي"، ولا "لقاء المصافحة" كان كافيًا لردم الهوة القائمة بين "معراب" و"بنشعي".
فـ "وثيقة بكركي" تتضمن في عناوينها العامة نظرة مستقبلية عن لبنان الغد، الذي يؤسس لمرحلة جديدة قائمة على الحياة الوطنية التشاركية بين كل مكوناته، ولكن ممثلي الأحزاب المسيحية، باستثناء تيار "المردة" الذي لم يشارك.اجتمعوا في الصرح البطريركي بدعوة من البطريرك الراعي واتفقوا على الا يتفقوا، وهذا ما اعطى النائب طوني فرنجية ذريعة لتبرير عدم مشاركة "المردة" بلقاء بكركي.
مسكينة بكركي كم تُرتكب باسمها المعاصي في حقّ الوطن. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: وهذا ما

إقرأ أيضاً:

باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ "الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من الحصول عليه، لأنه وفي حال لم يكن المسؤولون فيه مستقلين فلن يكون الوطن كذلك، ويصبح قراره مرتبطاً بمصالحهم الخارجية، ومن هنا استقلال الوطن هو ليس فقط بعدم احتلاله بل باستقلال قراره". ولفت باسيل في "دقيقة مع جبران" بمناسبة عيد الاستقلال إلى أن "الاستقلال هو نمط حياة يعيشه الوطن والانسان وليس ذكرى"، مؤكداً "ألا معنى لحياة الإنسان إذا لم يكن حرا ولا حياة لوطن اذا لم يكن مستقلاً".

وشدد باسيل على "أن استقلال البلد مهدد مرة أخرى لاننا دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها". وأوضح: "وهذا حصل ليس فقط لأنَّ إسرائيل تعتدي علينا منذ وجودها، بل لأن العديد من المسؤولين اللبنانيين سلموا قرارهم لدول خارجية: قسم جرَّ لبنان إلى الحرب على طريق القدس بدل أن تكون على طريق لبنان واتبع استراتيجية وحدة الساحات عوضاً عن أن تكون ساحتنا الداخلية موحدة، ودخل في حرب إسناد لغزة عوضاً عن أن تكون حربنا لمساندة لبنان وحمايته والدفاع عنه وهذا القسم جرنا إلى الحرب".
وتابع باسيل: "في حين أنَّ هناك قسمٌ آخر جر الحرب علينا لانه اعتبر أن العدو الاسرائيلي باعتدائه علينا سيعزل مكوناً لبنانياً، وهذا الأمر سيؤدي إلى تعديل المعادلة الداخلية ويسمح له في النهاية في انتخاب رئيس للجمهورية من دون الطائفة الشيعية ويعيد إحياء مشروعه التقسيمي".
باسيل رأى أن "الطرفين اللذين تحدث عنهما أفقدانا استقلال قرارنا بتقديمه للخارج سواء أكان إسرائيل او إيران او اي بلد آخر". ولفت إلى أن "استقلالنا مهدد ثانياً لان إسرائيل تحاول احتلال الأرض اللبنانية من جديد، مضيفاً: "هكذا تدفعُنا للعودة إلى واجب تحرير ارضنا وبعد مدة سيصبح لدينا ذكرى تحرير جديدة غير ٢٢ تشرين و ٢٥ أيار و٢٦ نيسان".
وختم بالتساؤل: "هل مكتوب علينا أن نحيي اكثر من ذكرى استقلال وتحرير لأن المسؤولين لدينا قرارهم غير مستقل"، قائلاً: "افهم أن تكون هناك محاولات متكررة من الخارج لاحتلال الارض ولكن لا أفهم أن يأتي الداخل اللبناني بالخارج ليحتل قرارنا".

مقالات مشابهة

  • المسيحية تدعو العالم للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية العراقي: خطوة كبيرة الى الوراء
  • أحمد رفعت: القطاع الصناعي في مصر يحقق تقدما ولكن يحتاج لدعم أكبر
  • بلال: لا أعادي دوري الكرة النسائية ولكن انتقادي موجه للنظام الحالي
  • ياسر ريان: عواد حارس مميز ولكن مصطفى شوبير أفضل منه ويفوق والده
  • ياسر ريان: عواد حارس كويس ولكن مصطفى شوبير أفضل منه ويفوق والده لإنه موهوب
  • باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها
  • تامر كروان: "الموسيقى لا تنفذ فيلم ولكن تدعم الفيلم"
  • بنك السودان المركزى يستيقظ ولكن بعد …
  • ميقاتي بذكرى الاستقلال: الجيش الذي يستعد لتعزيز حضوره في الجنوب يقدم التضحيات زودا عن ارض الوطن
  • حالة من الذعر...مواطنون شعروا باهتزازات قويّة وهذا ما تبيّن